تركيا شمالا وإيران شرقا وإسرائيل جنوبا.. هكذا ينظر ترامب إلى أزمة سوريا
"ترامب قد يمنح إسرائيل تفويضا مطلقا للتوغل بشكل أعمق في سوريا "
عاد دونالد ترامب لرئاسة الولايات المتحدة في ولاية ثانية، ليجد الملف السوري يراوح مكانه كما تركه، دون أي انفراجة سياسية بين نظام بشار الأسد والمعارضة؛ إذ لم تعبأ إدارة ترامب في ولايته الأولى من الفترة 2017 إلى 2021 بتحقيق تطلعات الشعب السوري بالحرية والديمقراطية ومن بعده إدارة الرئيس الديمقراطي جو بايدن.
واتسمت سياسات ترامب آنذاك بالتقلب حول سوريا، باستثناء ممارسة ضغط اقتصادي على نظام الأسد.
كسر الجمود
وتلقى نظام الأسد ضربة قوية عقب إقرار الولايات المتحدة تطبيق قانون حماية المدنيين الذي يعرف بـ"قيصر" في 17 يونيو/ حزيران 2020، وخصص لمعاقبة الداعمين والمتعاملين مع الأسد.
وبقيت السياسة الأميركية في سوريا غامضة ومربكة لما يقرب من عقد من الزمان؛ حيث يؤكد مراقبون أن الإدارات الأميركية لا تعد "سوريا مصلحة وطنية حيوية" لها.
وقد تجلت تلك الحقيقة من خلال الخيارات التي اتخذتها واشنطن لتقليص دور الولايات المتحدة شمال شرقي سوريا 2019، باستثناء ملاحقة مكافحة تنظيم الدولة والجماعات التابعة لتنظيم القاعدة.
وخلال حملته الانتخابية ذكرت مصادر إعلامية أن ترامب أجرى 4 لقاءات شخصية مباشرة مع السوريين واللبنانيين لبحث الملفات الشائكة هناك.
ولهذا فإنه بالنسبة لسوريا، عقب عودة ترامب إلى البيت الأبيض تُطرَح كثير من الأسئلة حول إستراتيجية هذه الإدارة الجديدة في هذا البلد.
وتحظى سوريا بأهمية منخفضة في سياسات الولايات المتحدة؛ إذ تسعي فقط إلى إدارة الأزمة هناك واحتوائها، إلى جانب التركيز على مكافحة الإرهاب والمساعدات الإنسانية والحد من نفوذ إيران.
بينما تتطلع المعارضة السورية إلى أن تنال وعود ترامب بإحلال السلام في الشرق الأوسط، سوريا التي يرفض نظام دمشق من عام 2011 أي حل سياسي هناك طبقا للقرارات الأممية ذات الصلة.
وأعرب رئيس الائتلاف الوطني السوري "هادي البحرة" في تغريدة على منصة "إكس" فور إعلان فوز ترامب في السادس من نوفمبر 2024 عن أمله في أن تلعب الإدارة الأميركية الجديدة دورا إيجابيا في دفع العملية السياسية في سوريا ودعم تطلعات السوريين.
وقال البحرة: "نتمنى لترامب النجاح في تحقيق برنامجه ووعوده الانتخابية لوقف الحروب وتحقيق السلام المستدام في العالم ولا سيما في الشرق الأوسط، ونأمل أن تكون سياسات الإدارة القادمة أكثر إيجابية وفاعلية للدفع بالعملية السياسية في سوريا لتحقيق تطلعات الشعب السوري".
وتأتي ولاية ترامب الثانية وسط تغيرات كبيرة على مستوى جوار سوريا ونفوذ إيران فيها وإضعاف حزب الله في لبنان الذي شكل تدخله بسوريا عام 2012 عاملا حاسما في تثبيت بشار الأسد في الحكم.
فالحروب في غزة ولبنان لها عواقب مباشرة على سوريا بالذات، لا سيما أن إسرائيل تواصل اعتداءاتها هناك على السيادة السورية، متذرعة بـ"محاربة إيران".
واحتلت سوريا على مدار السنوات الأربع الماضية من حكم جو بايدن مرتبة منخفضة في أجندة السياسة الخارجية لإدارة البيت الأبيض بزعامة الديمقراطيين.
إذ إنه رغم إصرار إدارة بايدن على أن سياستها معارضة لإعادة التطبيع مع نظام الأسد، إلا أنها أغمضت عينيها عن عملية التطبيع الكبيرة لغالبية الدول العربية مع الأسد وإعادته للجامعة العربية في مايو 2023.
قرارات ترامب
وحملت فترة رئاسة ترامب للولايات المتحدة الأولى عددا محدودا من القرارات المتعلقة بسوريا.
ففي أبريل 2017، قصفت الولايات المتحدة بعشرات من صواريخ "توماهوك" عددا من الأهداف في مطار الشعيرات التابع لقوات الأسد بريف حمص الشمالي.
وذلك بعد أن أمر ترامب حينها بتوجيه ضربة عسكرية في سوريا، بعد إدانة الأسد باستخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين في بلدة خان شيخون بريف إدلب والتي راح ضحيتها العشرات.
وقد كان هذا القصف أول تدخل مباشر للولايات المتحدة ضد أهداف تابعة لقوات الأسد في سوريا.
إلا أن القرار المفاجئ كان في يوليو 2017 حينما أمر ترامب بوقف برنامج وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) الذي كان يقدم دعما لبعض فصائل المعارضة السورية.
ووصف هذا القرار حينها بأنه جزء من جهود ترامب لتقليل تدخل الولايات المتحدة في النزاعات الخارجية، وبناء علاقات أكثر تعاونا مع روسيا، الداعمة للأسد.
وفي تعليق ترامب حول هجوم نظام الأسد بالأسلحة الكيماوية على مدينة دوما بريف دمشق في أبريل 2018، قال ترامب: "مات الكثيرون، من ضمنهم نساء وأطفال، بهجوم كيماوي بلا عقل في سوريا، الرئيس بوتين وروسيا وإيران مسؤولون عن دعم الأسد الحيوان".
وفي أكتوبر 2019، أمر ترامب بسحب معظم القوات الأميركية من شمال شرق سوريا، وقال حينها إنه حان الوقت لتخرج الولايات المتحدة "من الحروب السخيفة التي لا نهاية لها في سوريا".
وأثار القرار وقتها انتقادات واسعة من عدة أطراف، بما في ذلك الكونغرس الأميركي، حيث رأى البعض أن القرار فتح المجال أمام تركيا لشن عملية عسكرية ضد مليشيا قسد شرق نهر الفرات.
وحاليا تحتفظ واشنطن بـ 900 جندي شمال شرقي سوريا، من 2000 عسكري، كانوا في البلاد قبل سحبهم إلى غرب العراق، وفق موقع "الجيش الأميركي"، وذلك بموجب قرار ترامب.
أما القرار الذي أثر على اقتصاد النظام السوري منذ عهد ترامب، هو توقيعه على "قانون قيصر" في ديسمبر 2019، الذي يستهدف فرض عقوبات اقتصادية شديدة على سلطة الأسد وعلى الدول والشركات التي تتعامل معه.
وكثيرا ما ربط الخبراء مصير بشار الأسد ونظامه، بمدى جدية الولايات المتحدة في تطبيق قانون قيصر، توازيا مع الضغوط التي ستمارسها على من يحاولون إنعاش هذا النظام الذي ما يزال يقف على قدميه بفعل الوجود الإيراني والروسي.
وفي عهد ترامب نفذت واشنطن عملية عسكرية أميركية خاصة في 26 أكتوبر 2019 بريف إدلب، خرج ترامب حينها وأعلن مقتل زعيم "تنظيم الدولة" أبو بكر البغدادي.
لكن ترامب بالمقابل، وقع في مارس 2019 قرارًا يعترف فيه رسميا بسيادة إسرائيل على الجولان السوري المحتل، في تحول كبير عن السياسة الأميركية التقليدية التي كانت تعد الجولان أرضا سورية محتلة منذ أن استولت عليها إسرائيل في حرب 1967.
ضغط على إيران
وفي ضوء ذلك يستبعد مراقبون أن تكون لإدارة ترامب الجديدة سياسة خارجية خاصة حول الملف السوري.
إذ يرون أن "تحجيم النفوذ الإيراني" وضبطه دون الدخول في مواجهات مباشرة مع إيران بسوريا، قد تكون إحدى أدواته الضغط على نظام الأسد بالعقوبات مجددا.
وضمن هذا السياق، قال رئيس مركز "رصد" السوري للدراسات الإستراتيجية العميد المتقاعد عبدالله الأسعد لـ "الاستقلال" إنه "مع عودة ترامب فإن الضربات على المليشيات الإيرانية في سوريا ستزداد".
وأضاف: "بالمقابل إسرائيل تنظر لسوريا على أنها بُعد جيوسياسي وعمق يجب أن يخلو من الأذرع الإيرانية لمنع تحول هذا البلد مجددا لخط إمداد قتالي ولوجستي لحزب الله اللبناني وهذا يحظى بدعم إدارة ترامب وتوجهاتها".
بدورها، رجحت مديرة معهد "نيولاينز" للأبحاث كارولين روز، في تصريحات لموقع قناة "الحرة" الأميركية في 6 نوفمبر 2024، أن "يمنح ترامب، إسرائيل تفويضا مطلقا، ما قد يدعم خطط رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، للتوغل بشكل أعمق في سوريا ضد إيران ووكلائها".
وأعربت روز عن اعتقادها بأن إدارة ترامب قد تدعم هجوما إسرائيليا في مناطق داخل سوريا، حيث تشتبه بوجود نشاط لـ “حزب الله”، ما قد يعد "بمثابة إستراتيجية لإسرائيل لتكون وكيلا لمصالح الولايات المتحدة".
وبشأن الوجود الأميركي في سوريا، توقعت روز، أن تسمح الإدارة الأميركية الجديدة بخفض كبير لقوات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، خاصة في شمال سوريا.
وفي الوقت الراهن عاد تنامي مخاوف "قسد" من استمرار الضغوط التركية وانسحاب القوات الأميركية من شمال شرقي سوريا في عهد ترامب.
لا سيما أن روبرت كينيدي جونيور، حليف ترامب، قال إنه يريد سحب القوات الأميركية من شمال سوريا لكيلا يكونوا "وقود مدافع" إذا اندلع القتال بين تركيا والمسلحين الأكراد".
وفي حديث خلال بث مباشر لتغطية نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية، أوضح كينيدي، الذي من المتوقع أن يلعب دورا رئيسا في إدارة ترامب، "أن الرئيس المنتخب أعرب عن نواياه بشأن شمال سوريا في أثناء رحلة على متن طائرة".
وأضاف: "كنا نتحدث عن الشرق الأوسط، حين أخذ ترامب قطعة من الورق ورسم عليها خريطة للشرق الأوسط مع جميع الدول عليها.. وكان ينظر بشكل خاص إلى الحدود بين سوريا وتركيا".
وضمن هذه الجزئية، رأى العميد المتقاعد عبدالله الأسعد أن "هناك مصالح ترتبط بها الولايات المتحدة مع مليشيا قسد وهو ملف متعلق بإسرائيل لذلك فإن ترامب لن يستطيع أن ينفك كثيرا عن المصالح الإسرائيلية".
وأمام هذا المشهد المعقد بسوريا والذي يراوح مكانه منذ أكثر من عقد من الزمن، يرى بعض الخبراء أن الحل في هذا البلد بات جزءا من الحل في منطقة الشرق الأوسط حيث سينعكس ما سيحصل في فلسطين ولبنان مباشرة على سوريا.
وبما يخص الحل السياسي في سوريا، قال معاذ مصطفى مدير المنظمة السورية للطوارئ النشطة في الولايات المتحدة، في تصريحات تلفزيونية في 6 نوفمبر إن "ترامب لديه فرصة لعمل شيء إيجابي بشأن سوريا على الأقل أكثر من جماعة باراك أوباما وهم كامالا هاريس وجو بايدن".
بدورها تحدثت صحيفة "الوطن" الموالية لنظام الأسد، في 7 نوفمبر 2024 عن صعوبة التكهن بالسياسة الأميركية المقبلة تجاه سوريا، مع شخصية مثل ترامب.
وقالت الصحيفة في تقرير، إنه من الصعوبة قراءة سياسات ترامب لناحية إمكانية سحب القوات الأميركية من شمال شرق سوريا، واستمرار دعم قوات "قسد" الكردية، أو لجهة رفع العقوبات عن دمشق.
وأضافت الصحيفة: "إلا أنه لا يستبعد عن الرجل البراغماتي قيامه بالجنوح لو نصف خطوة تقارب نحو دمشق، مع التركيز على مصالح الولايات المتحدة الإستراتيجية".