بعد فوز حزب العمال.. ما التغيرات المتوقعة في سياسة بريطانيا؟
بعد الانتخابات البرلمانية في بريطانيا، فاز حزب "العمال" برئاسة كير ستارمر الذي تولى منصب رئيس الوزراء، خلفا لريشي سوناك الذي أعلن تحمله المسؤولية عن الهزيمة.
وفي هذا السياق، يتناول موقع "روسيا اليوم" التغييرات التي قد تحدثها حكومة ستارمر في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
وبينما لا يُتوقع تغيير كبير تجاه روسيا وأوكرانيا، مع استمرار الدعم البريطاني لأوكرانيا، تذهب الصحيفة إلى أن "الحكومة الجديدة سيكون لها دور في إعادة بناء العلاقات مع الولايات المتحدة".
وفي الوقت نفسه، تتحدث الصحيفة عن أن الحكومة الجديدة ستركز على استقرار الوضع الداخلي في بريطانيا.
"انتصار تاريخي"
بوصفها أن "الفوز كان تاريخيا"، تقول الصحيفة الروسية إن "حزب "العمال" حقق انتصارا تاريخيا، لأنه في بريطانيا العظمى، حيث توجد حزمة كاملة من الأزمات في المجالات السياسية والاقتصادية، هناك مطلب واضح للتغيير".
وفي المقابل، بعد هزيمة حزبه الساحقة، قال ريشي سوناك: "لقد فاز حزب العمال في هذه الانتخابات العامة، واتصلت بزعيم حزب العمال، كير ستارمر، لتهنئته".
وبحسب ما ذكرته الصحيفة، فإن سوناك يرى أن "الشعب البريطاني قد أصدر "حكما واقعيا"، وعليه تحمل مسؤولية هذه الخسارة".
ومعربا عن أسفه، قال سوناك: "إلى العديد من مرشحي حزب "المحافظين" الرائعين والمجتهدين الذين خسروا اليوم، أنا آسف للغاية".
وبالحديث عن تفاصيل نتائج الانتخابات، تشير بيانات الموقع الإلكتروني للبرلمان البريطاني إلى أن حزب "العمال" حصل على 412 مقعدا من أصل 650 في مجلس العموم، مما يمنحه الأغلبية التي يحتاجها لتشكيل الحكومة.
وفي المقابل، توضح الصحيفة الروسية -نقلا عن الموقع البريطاني- أن حزب "المحافظين"، الذي يحكم منذ عام 2010، مني بأكبر هزيمة في تاريخه بحصوله على 121 مقعدا فقط.
وفي المركز الثالث، جاء حزب "الديمقراطيين الليبراليين" بحصوله على 71 مقعدا، يليه الحزب "الوطني الإسكتلندي" الذي فاز بـ 9 مقاعد فقط، فيما حصلت الأحزاب المتبقية على 29 صوتا.
وبعد إعلان نتائج الانتخابات، تحدث زعيم حزب "العمال"، كير ستارمر، في وسط لندن لمخاطبة أنصاره قائلا: "لقد حققنا هدفنا، ولقد قمت بحملة من أجل ذلك وناضلت من أجله، والآن حدث ذلك. إن التغيير يبدأ الآن. يمكن للمملكة المتحدة الآن أن تتطلع مرة أخرى إلى الأفضل، وتسير قدما نحو الفجر".
ومن ناحية أخرى، شدد ستارمر على أن "نور الأمل، الذي كان ضعيفا في البداية ولكنه يزداد سطوعا يوما بعد يوم، يضيء مرة أخرى على بلد، بعد 14 عاما، لديه الفرصة لاستعادة مستقبله".
مضيفا أن "مثل هذا النصر لا يمكن تحقيقه إلا من قبل حزب "العمال" بعد إصلاحه".
وكما أشار ستارمر، فإن البريطانيين بحاجة إلى التأكد من أن حزبه قادر على "خدمة مصالحهم"، لكنه لفت إلى أنه "لا يستطيع أن يعد بأن يكون الأمر سهلا".
تغييرات في الحكومة
وفي تحليله للتغيرات التي ستطرأ على البلاد، يقول الموقع الروسي إن "نتائج الانتخابات البرلمانية لن تؤثر في بريطانيا العظمى على تغيير رئيس الوزراء فحسب، بل ستؤثر أيضا على جزء كبير من الحكومة".
وفي هذا الصدد، تشير الصحيفة إلى أن 11 عضوا في مجلس الوزراء البريطاني فقدوا على الفور ولاياتهم البرلمانية.
وعلى وجه الخصوص، فقد وزير الدفاع البريطاني، غرانت شابس، مقعده في البرلمان، حيث تجاوزه مرشح حزب "العمال" أندرو لوين.
وبالإضافة إلى شابس، خسر وزراء العدل أليكس تشالك، والتعليم جيليان كيجان، والثقافة والإعلام والرياضة لوسي فريزر، والعلوم والابتكار والتكنولوجيا ميشيل دونيلان، والنقل مارك هاربر، وزعيمة مجلس العموم بيني موردونت، والمدعي العام فيكتوريا برنتيس، مقاعدهم في البرلمان.
وفي الوقت نفسه، تشير الصحيفة إلى أن المنظر لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وزعيم حزب "الإصلاح الشعبوي اليميني" في المملكة المتحدة، نايجل فاراج، انتُخب لعضوية البرلمان البريطاني لأول مرة بعد سبع محاولات سابقة لدخول مجلس العموم لكن دون جدوى.
وحسب الصحيفة، تلقى فاراج بالفعل التهنئة من الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، الذي وصف السياسي البريطاني بأنه رجل "يحب بلاده حقا".
ومع ذلك، وفقا ليفغيني سيمبراتوف، فمن غير المرجح أن "يستمع البرلمان البريطاني، وخاصة الحكومة، إلى فاراج وأنصاره"، حيث قال: "نظرا لنتائج الانتخابات، ستكون الحكومة بالكامل تقريبا من حزب "العمال"، ومستوى الانتصار الذي حققه الحزب يسمح لهم بتشكيل حكومة بشكل مستقل واتخاذ القرارات الرئيسة والأكثر أهمية في البلاد".
معاداة روسيا
وبالنظر إلى سياسته تجاه روسيا، بالإشارة إلى البرنامج الانتخابي الذي قُدم في 13 يونيو/ حزيران 2024، وعد حزب "العمال" بقيادة ستارمر بالعمل مع الحلفاء والشركاء لمصادرة الأصول الروسية المجمدة واستخدامها لتلبية احتياجات أوكرانيا.
فضلا عن دعم الجهود الرامية إلى مساءلة الاتحاد الروسي عن العمليات العسكرية الخاصة، وفق ما ذكر موقع "روسيا اليوم".
وفي المقابل، كما أشار السكرتير الصحفي للزعيم الروسي، دميتري بيسكوف، فإن "موسكو ليست متفائلة بشأن العلاقات مع لندن في عهد رئيس الوزراء البريطاني الجديد".
ومن ناحية أخرى، وصف نائب مدير معهد الدراسات والتنبؤات الإستراتيجية بجامعة رودن، إيفجيني سيمبراتوف، ستارمر بأنه "شخص ليس لديه حب كبير لروسيا".
وفي تعليق لـ "روسيا اليوم"، أشار سيميبراتوف إلى أن "ستارمر طموح للغاية، ومن المحتمل أن يواصل سياساته المعادية لروسيا".
وبحسب ما أشارت إليه كيرا جودوفانيوك، الباحثة الرائدة في مركز الدراسات البريطانية في معهد أوروبا التابع لأكاديمية العلوم الروسية: "لا يزال من الصعب التنبؤ بالقرارات الأولى لممثلي حزب العمل بعد وصولهم إلى السلطة، لكنهم يقترحون تغيير المسار الاجتماعي والسياسي بشكل طفيف".
وفي الوقت نفسه، تعتقد الباحثة السياسية في حديث مع "روسيا اليوم"، أن "رئيس الوزراء الجديد لن يكون له أي تأثير تقريبا على تصرفات لندن بشأن القضية الأوكرانية وفيما يتعلق بروسيا".
وفي هذا الصدد، قالت جودوفانيوك: "حتى في بياناته الانتخابية، وفي تصريحات عديدة، أكد ستارمر دعمه لأوكرانيا وثبات المسار البريطاني في هذا المجال، لذلك لن نلاحظ أي تغييرات كبيرة في الاتجاه الأوكراني وفيما يتعلق بروسيا".
ويشاركها الرأي -بحسب الصحيفة- ديمتري إيفستافييف، الأستاذ في معهد الإعلام في المدرسة العليا للاقتصاد بجامعة الأبحاث الوطنية ومرشح العلوم السياسية حيث أوضح الخبير السياسي أن "سياسة لندن الخارجية لن تتغير كثيرا".
ولفت في الوقت نفسه إلى أن "قيادة حزب "العمال" تركت أثرا كبيرا بتصريحاتها المناهضة لروسيا".
ومن وجهة نظره، على مستوى الخطاب، قد يصبح مسار لندن تجاه روسيا أكثر صرامة، ولكن على مستوى الإجراءات العملية، لا تملك المملكة المتحدة ما يكفي من الموارد لمواصلة اللعب من أجل التصعيد داخل الصراع الأوكراني.
وبالنسبة للهدف الرئيس للحكومة الجديدة، يرى إيفستافييف أن "هدف حزب "العمال" اليوم هو استعادة العلاقات والمستوى السابق من الشراكة مع الولايات المتحدة، والتي كانت حكومة "المحافظين" تبتعد عنها تدريجيا".
مشاكل داخلية
ولكن على الصعيد الداخلي، كما ورد عن الصحيفة، فإن الخبير السياسي يؤكد أن "الشيء الرئيس بالنسبة لبريطانيا العظمى الآن هو استقرار الوضع الداخلي في البلاد".
وعلى جانب آخر، يشير رئيس مكتب التحليل السياسي العسكري، ألكسندر ميخائيلوف، إلى أنه "على الرغم من الحاجة إلى التركيز على المشاكل الداخلية، إلا أن لندن ستعمل على صقل مهاراتها بصفتها اليد اليمنى للولايات المتحدة في الفضاء الأوروبي".
وفي هذا الصدد، يقول ميخائيلوف: "ستراقب لندن عن كثب تصرفات شركاء الناتو الأوروبيين، بما في ذلك إطار القضية الأوكرانية".
وأكمل: "وبصفتها اليد اليمنى للولايات المتحدة في أوروبا، يمكن لبريطانيا أن تزيد من جهودها للسيطرة على إمدادات الأسلحة إلى أوكرانيا وعمل أجهزة الاستخبارات الغربية لصالح نظام كييف. حزب العمال سوف يتكيف بسرعة كبيرة مع موقف واشنطن".
وبشكل عام، يذهب ميخائيلوف إلى أن "كل رئيس وزراء بريطاني جديد يضع نفسه بشكل متزايد في موقف معاد للروس. السياسة الخارجية لا تتغير، ولا يوجد أي احتمال لأن تتغير الآن".