بعد فوز الإسلاميين.. ما دلالات تكليف ملك الأردن مدير مكتبه بتشكيل الحكومة؟

يوسف العلي | 2 months ago

12

طباعة

مشاركة

مع تكليف العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، مدير مكتبه جعفر حسّان بتشكيل حكومة جديدة، برزت تساؤلات عدة عن دلالات اختياره، ومدى ارتباط ذلك بالانتخابات البرلمانية، التي تصدّر نتائجها حزب "جبهة العمل الإسلامي"، الذراع السياسي للإخوان المسلمين.

وفي 15 سبتمبر/ أيلول 2024، كتب حسّان تدوينة على منصة "إكس" أعلن فيها تكليفه بتشكيل حكومة جديدة، مؤكدا أنها ستعمل بكل طاقتها لخدمة الأردن والأردنيين، وتنفيذ ما ورد في كتاب التكليف السامي، وفق برنامج واضح أساسه العمل المخلص الجاد.

"ظل الملك"

في لمحة عن سيرة جعفر الحسّان، الذي جرى تكليفه خلفا لرئيس الوزراء الأردني السابق، بشر الخصاونة، فإن مدير مكتب الملك يُعد كاتم أسراره وظله أينما وجد، كما أظهرت العديد من الصور التي تداولها ناشطون أردنيون على مواقع التواصل الاجتماعي.

"الخصاونة" يُعد رئيس الوزراء الأردني الأطول بقاء في السلطة في عهد العاهل الأردني، الملك عبدالله الثاني منذ أدائه للقسم الدستوري في 12 أكتوبر/تشرين الأول عام 2020، إذ طالما شهدت البلاد حلّ الحكومات قبل أن تتم أربع سنوات كاملة، والتي أتمها الخصاونة.

شغل رئيس الحكومة المكلف، جعفر عبدالفتاح حسّان الدنادنة (57 عاما) العديد من المناصب في الدولة، منها: نائب رئيس الوزراء وزير دولة للشؤون الاقتصادية ووزير التخطيط والتعاون الدولي، ومدير مكتب الملك الحالي لمدة وصلت إلى سبعة أعوام. 

تلقى جعفر حسّان دراسته الأولية في مدرسة المطران بالعاصمة عمّان التي تخرج فيها عام 1985، وأكمل دراسته الجامعية في فرنسا وسويسرا والولايات المتحدة الأميركية، إذ حصل على شهادة البكالوريوس، والعديد من شهادات الماجستير والدكتوراه.

فهو حاصل على شهادتي الدكتوراه والماجستير في العلوم السياسية والاقتصاد الدولي من المعهد الأعلى للدراسات الدولية والتنموية بجامعة جنيف/ سويسرا، وشهادة ماجستير في الإدارة العامة من جامعة هارفارد-كمبريدج/ الولايات المتحدة الأميركية.

كما حصل أيضا على شهادة الماجستير في العلاقات الدولية من جامعة بوسطن/ الولايات المتحدة، إضافة إلى شهادة البكالوريوس في العلاقات الدولية من الجامعة الأميركية في العاصمة الفرنسية باريس.

تولى حسّان العديد من المناصب، منها ملحق في وزارة الخارجية (1991)، وعمل في مكتب السكرتير العسكري للملك، ومكتب المستشار الثقافي للملك ضمن الديوان الملكي الهاشمي للمدة من 1993 إلى 1995.

وكان ضمن بعثة الأردن الدائمة لدى الأمم المتحدة في جنيف من عام 1995 إلى 1999، ثم عمل في مجلس أمن الدولة، التابع للديوان الملكي الهاشمي حتى عام 2001، وبعدها أصبح قائما بالأعمال ونائبا للسفير الأردني في واشنطن حتى عام 2006.

وبعد ذلك، تولى حسّان منصب مدير دائرة الشؤون الدولية في الديوان الملكي الهاشمي بالدرجة العليا من عام 2006 إلى 2009، ليتولى بعدها منصب وزير التخطيط والتعاون الدولي إلى عام 2013.

وبصفته وزيرا للتخطيط، شغل حسّان في الوقت نفسه منصب ممثل الأردن لدى كلّ من البنك الدولي، وبنك التنمية الإسلامي، وبنك الإعمار الأوروبي، ونائبا لرئيس مجلس أمناء صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، ونائبا لرئيس هيئة مديري مركز الملك عبد الله الثاني للتصميم والتطوير.

وأصبح مديرا لمكتب الملك عبدالله الثاني للمرحلة من 2014 إلى 2018، ثم أصبح نائبا لرئيس الوزراء ووزير دولة للشؤون الاقتصادية في حكومة هاني الملقي الثانية في عام 2018، ليعود بعدها مديرا لمكتب الملك من عام 2021 إلى 2024.

“تحديث سياسي”

وبخصوص دلالات تكليف حسان بتشكيل الحكومة، رأى الكاتب الأردني، محمد تركي، خلال مقال نشره موقع "طلبة نيوز" في 17 سبتمبر، أنها "خطوة تهدف إلى دفع مسيرة التحديث السياسي إلى الأمام. لكن لا تزال التحديات قائمة في تحقيق النموذج البرلماني المنشود".

وقال تركي إن "الإنجازات التشريعية التي عززت دور الأحزاب لم تترجم بعد إلى واقع ملموس، ولا يزال المشهد السياسي غير ناضج بما يكفي لتطبيق الحكومات البرلمانية بشكل فعّال".

وأشار إلى أن "المشكلة تكمن في أن العديد من الأحزاب تعتمد بشكل كبير على الفردية والعلاقات الشخصية بدلا من الاعتماد على برامج حزبية واضحة ومتكاملة. هذه الثقافة السياسية تعيق التعاون والثقة بين الأحزاب السياسية ومؤسسات الدولة، وهو ما يعتبر أساسا لنجاح أي تجربة برلمانية".

ولفت الكاتب إلى أن "تحديات داخلية تواجه النظام السياسي، وضغوط إقليمية ودولية، تسهم في تعقيد المشهد، وأن الحرب في غزة، والصراعات الإقليمية المستمرة، والتوترات الاقتصادية التي تزيدها أزمة اللاجئين، كلها عوامل تدفع الأردن إلى التريث في تنفيذ الإصلاحات السياسية بشكل كامل". 

ورأى تركي أن "هذه الظروف تجعل أي حكومة تتوخى الحذر في اتخاذ خطوات جريئة نحو تطبيق النظام البرلماني، خشية أن تؤدي هذه الإصلاحات إلى زعزعة الاستقرار الداخلي".

على الجانب الآخر، يضيف الكاتب أن "الإسلاميين في البرلمان الأردني يجدون أنفسهم اليوم أمام فرصة تاريخية لإثبات قدرتهم على التكيف مع المشهد السياسي المحلي، واستعادة ثقة الدولة والشعب. التحولات الإقليمية والأحداث الراهنة وضعتهم في اختبار حقيقي". 

وخلص إلى أن "الحكومة والبرلمان والأحزاب الأردنية تقف أمام فرصة حقيقية لتطبيق الرؤية الملكية وتحقيق تحول نوعي في الحياة السياسية. لكن لتحقيق هذا الهدف، يجب تجاوز العقبات الراهنة وتطوير النظام الحزبي ليكون أكثر نضجا واستقرارا". 

وتوصل الكاتب إلى أن "التحول نحو حكومات برلمانية حقيقية يتطلب إرادة سياسية قوية وجهودا مستمرة لتطوير الثقافة السياسية في المجتمع. الاستقرار السياسي لن يتحقق إلا من خلال تضافر جهود جميع الأطراف، مع العمل على مواجهة التحديات الإقليمية والدولية التي تحيط بالأردن".

مهمة اقتصادية

وفي المقابل، رأى البرلماني الأردني السابق، هايل ودعان الدعجة، في دلالات تكليف حسّان المقرّب من الملك بتشكيل الحكومة المقبلة، أن "الشخصية المطلوبة لرئاسة الحكومة الأردنية في هذه المرحلة شخصية اقتصادية وهو ما ينطبق على حسّان".

وأوضح الدعجة لـ"الاستقلال" أن "مشكلة الأردن الأولى والأخيرة هي اقتصادية، لذلك فإن اختيار جعفر حسّان لرئاسة الحكومة الجديد ينبع من هذا الموضوع، وليس لأي سبب آخر". 

وعن تزامن اختيار شخصية قريبة من الملك مع ما أفرزته الانتخابات البرلمانية من نتائج، استبعد الدعجة أن "يكون هناك أي علاقة لاختيار جعفر حسّان رئيسا للوزراء بفوز التيار الاسلامي بالانتخابات النيابية".

وأشار البرلمان السابق إلى أنه "رغم فوز الإسلاميين بالانتخابات فهم لا يشكلون أغلبية، وأن النسبة التي حصلوا عليها نحو ٢٣ بالمئة (٣١ مقعدا من مجموع ١٣٨)، الأمر الذي لا يؤهلهم للدخول في مواجهة مع الحكومة".

وبعد أن تقلصت نتائج حزب "جبهة العمل الإسلامي" في انتخابات 2020 إلى 10 مقاعد، مقابل 16 في انتخابات 2016 (من 130 مقعدا)، عادت واستعادت قوتها وأحرزت نحو 31 مقعدا، أي ربع المقاعد، (من أصل 138 مقعدا).

ولفت الدعجة إلى أن "حزب الميثاق حصل على 30 مقعدا، أما حزب إرادة فقد حقق ١٩ مقعدا وكلاهما يعد من تيار الوسط".

في 17 سبتمبر، التقى رئيس الوزراء المكلف جعفر حسان، بوفدٍ من حزب جبهة العمل الإسلامي ضمّ أمينها العام وائل السقا والنائبين محمد خليل عقل، وأحمد القطاونة.

وأكد السقا أن اللقاء كان إيجابيا، موضحا أن الرئيس بدأ اللقاء بالحديث عن حوار مفتوح سيتواصل ما بين الحكومة والأحزاب لما فيه مصلحة الوطن، وفقا لما نقلته قناة "المملكة" الرسمية.

ولفت إلى أن الاجتماع أكد على أن الحوار يجب أن يكون مفتوحا ومستمرا، مشيرا إلى أن الرئيس المكلف أكد أن اللقاء لن يناقش التشكيلة الحكومية.

وأشار السقا إلى أن الحزب أوضح للرئيس المكلف أن لديه خطة اقتصادية متكاملة لعشر سنوات قادمة، إذ طلب الحزب من الرئيس المكلف مناقشتها معهم.

ووفقا لقانون الانتخابات الجديد لعام 2022، تم تخصيص 138 مقعدا لبرلمان عام 2024، هي 97 مقعدا للقوائم المحلية بنظام القائمة النسبية، و41 مقعدا للأحزاب الـ38 (ستزيد إلى 50 في انتخابات عام 2028، ثم 65 في انتخابات 2032).

وتضمنت الانتخابات البرلمانية الأردنية لعام 2024، مشاركة قوائم حزبية بشكل كامل لأول مرة في تاريخ انتخابات البرلمانات الأردنية.

وسمحت هذه الانتخابات لكل مقترع أن يدلي بصوتين اثنين (واحد على مستوى الدائرة المحلية الانتخابية وآخر على مستوى الدولة) عبر التصويت لقائمة محلية ومترشحين فيها وعبر التصويت لقائمة حزبية كذلك.

لكن من تخطوا عتبة دخول البرلمان كانوا 10 أحزاب فقط، أبرزها حزب "جبهة العمل الاسلامي"، الذي فاز بـ 17 – 18 مقعدا برلمانيا على المستوى الوطني العام، و16 على مستوى الدوائر.

الفوز كان كاسحا وكبيرا في مختلف المناطق، حتى إن الحزب فاز أيضا ببعض الدوائر المخصصة للأقليات الداعمة له، حيث فاز بأغلبية مقاعد الكوتا المسيحية والشركسية والشيشانية والمرأة، ومنها المقعد المسيحي في عمان الدائرة الثانية.

كما حصد الحزب المقعدين المخصصين للشركس والشيشان، والمقعد المسيحي الوحيد في عمان، ونجح أول نائب مسيحي على قائمة حزب جبهة العمل الإسلامي.

ومن علامات الفوز الكبير أيضا، تأكيد الناطق الإعلامي باسم الهيئة المستقلة للانتخاب، محمد خير الرواشدة، أن نائب الإخوان السابق، ونقيب المحامين صالح العرموطي فاز بأعلى نسبة تصويت على مستوى الأردن بعد حصوله على 29911 صوتا.

وتأكيد هيئة الانتخابات أن "أعلى حزب حصد على أصوات هو حزب جبهة العمل الإسلامي الذي حصد 460 ألف صوت"، بحسب موقع صحيفة "الغد" في 11 سبتمبر.