بعد استشهاد 1000 شخص وهروب الشيخة حسينة.. إلى أين وصلت ثورة بنغلاديش؟

a month ago

12

طباعة

مشاركة

بعد شهرين ونيف على استقالة رئيسة وزراء بنغلاديش الشيخة حسينة، تحت ضغط الاحتجاجات الشعبية الواسعة، ثارت شكوك حول مدى إدراك الأحزاب البنغالية لمطالب شباب الثورة.

ونشر موقع "يوراسيا ريفيو" الأميركي مقالا مشتركا، حمل عدة أسئلة: هل يفهم زعماء أو أعضاء الأحزاب السياسية البنغالية عمق هذه الثورة؟ ولماذا انتفض الشعب؟

وشارك في كتابة المقال الأستاذ بـ "جامعة سافولك" الأميركية، مودود الرحمن، والناشط في مجال السلام وحقوق الإنسان، حبيب صديقي؛ وكلاهما عضو في اللجنة التوجيهية لمبادرة دعونا نبني بنغلاديش (Esho Desh Gori).

تحقيق المستحيل

وجاء في المقال أن "الطلاب وعامة الشعب في بنغلاديش تجرأوا على القيام بشيء في 36 يوما من يوليو/تموز وأغسطس/آب 2024، كان معظم خبراء المنطقة يعتبرونه مستحيلا قبل أيام قليلة من 5 أغسطس".

وتابع: "لقد قالوا "كفى" للنظام القديم الذي أهان إنسانيتهم، وسرق كرامتهم، وتصور ألا أحد قادر على اختراق مكمن قوته".

واستطرد: "لقد رفضوا الخضوع لنظام قاتل لا حدود لقسوته ونهبه للبلاد، لقد كانوا على استعداد للتضحية بأرواحهم الثمينة من أجل الصالح العام للأمة؛ إذ استشهد أكثر من 1000 شخص، وأصيب عدد لا يحصى من المتظاهرين".

وتابع: "لقد قُتل أبو سعيد، الطالب في "جامعة رقية"، على يد شرطة حسينة في 6 يوليو"، مضيفا أن "الصورة تساوي ألف كلمة، حيث أصبحت صورة أبو سعيد وهو يقف وبيده عصا، أيقونة هذه الثورة".

وقال الكاتبان إنّ "قَتل أبو سعيد بلا مبرر أشعل فتيل الثورة، ودفع الكثيرين للحاق بها، كما صرحت إحدى الطالبات المحتجات قائلة: "لن أعود للوراء، فالشرطة خلفي، والنصر أمامي، سأمضي قدما، إما النصر أو الموت".

كذلك، كتب أنس، وهو طالب مدرسي، رسالة إلى والدته قبل ذهابه للمشاركة في الثورة، وكانت كل كلمة كتبها في مذكّرته أشبه باحتجاج ناري مفعم بمشاعر عميقة، قبل أن تقتله نيران الشرطة.

وأكد المقال أن "الأمة البنغالية لن تنسى أبدا كل هؤلاء الشهداء، وستتداول قصصهم وتدرّسها في الكتب المدرسية، وسيظلون ضمير الأمة لقرون؛ إذ لا يمكن مقارنة تضحياتهم الهائلة بتضحيات الحركات السابقة".

وأردف: "لقد هزموا أسوأ طاغية عرفتها البلاد على الإطلاق، وانضم إلى الشباب طوائف الشعب الأخرى من الكبار والصغار، والذكور والإناث، والمسلمين وغير المسلمين، والأغنياء والفقراء على حد سواء، لقد كانت حركة شعبية من أجل تغيير لا رجوع عنه".

الحزب الوطني

واستدرك المقال: "لكن بعض الأحزاب السياسية، مثل (الحزب الوطني) لديها وجهة نظر مختلفة".

وأوضح: "فقد حل أعضاء الحزب على الفور محل المبتزين والبلطجية من "رابطة عوامي" (حزب حسينة)، وسيطروا على مطاعم الجامعات، ووسائل التنقل بين المدن، ومواقف النقل، وأسواق الباعة الجائلين، وحتى عملية جمع النفايات".

ومن الواضح أنهم يريدون احتلال مراكز الفساد لتحقيق مكاسب غير قانونية؛ استغلالا لهذه الأماكن الشاغرة.

ويرى الكاتبان أن "زعماء وأعضاء هذه الأحزاب السياسية لا يدركون عمق هذه الثورة، ولا الأسباب التي ثار الشعب من أجلها".

وأضافا أن "ثورة بنغلاديش ليست ثورة عادية، بل هي ثورة في العصر الرقمي، ولو أنهم فهموا جوهر رسالة الثورة لما عقدوا لقاءات عامة يطالبون فيها بإجراء انتخابات سريعة".

واستدرك: "بل ينبغي أن تكون أولويتهم، بدلا من ذلك، تقديم خططهم الاقتصادية والاجتماعية لبناء دولة جديدة تلبي تطلعات الشعب، وخاصة الـ 70 مليون شاب بنغالي الذين تحملوا وحدهم عبء الثورة".

وأردف المقال أن "بنغلاديش الجديدة" لا تحتاج إلى السياسات القديمة النتنة التي كانت سائدة في الأيام الخوالي".

وأشار إلى أن "الاعتقاد بأن ثورة الشعب كانت من أجل تغيير الحكومة فحسب هو اعتقاد خاطئ؛ ذلك أن انتصارها لا يشبه الانتصار في عامي 1947 (تقسيم الهند)، و1971 (الاستقلال عن باكستان)".

ففي كلتا الحالتين، كان هناك تغيير للحكومة دون أي تغيير للنظام نفسه، وفق المقال.

وأوضح أن "نتيجة لهذا، اتبعت الحكومة القادمة ممارسات الاستغلال الإمبريالية التي خلفها البريطانيون، وحولت الحكومات اللاحقة البلاد إلى ديمقراطية فاشلة، من أجل السيطرة على مواطنيها واستغلالهم وإخضاعهم".

وأضاف أن "الشرطة كقوة استُخدمت لإخضاع المواطنين، بينما عملت السلطة التشريعية والقضائية كأختام تصديق لدعم السيطرة الكاملة للحكومة".

وتابع: "لقد أفسد هذا النظام الاجتماعي الشرير عقلية وسلوك شعبنا، حيث شكّل مجتمعا غير أخلاقي لا يخاف من المساءلة، وكانت قوته الدافعة هي الجشع غير المحدود والسيطرة والاستغلال من خلال القمع".

وأفاد بأن "موظفي الحكومة كانوا ينظرون إلى أنفسهم كرؤساء وليس كموظفين عموميين، وقد عززوا نفوذهم بالفساد المنتشر على المستويات كافة".

وأكد المقال أنه "لا يمكن لأي شيء إيجابي أن ينبثق من نظام متآكل، دون عملية تطهير جذرية من الفاسدين الذين يحملون عقليات ومعايير وقيم مشوهة".

تجربتا الصين وكوبا

وشدد على أن "بنغلاديش الجديدة ليست مجرد بنغلاديش القديمة بواجهة جديدة، بل إنها تتطلب تغييرا جذريا في القيم الأساسية للسلوك البشري، والأفعال والمعتقدات".

ويعتقد الكاتبان أنه "لكي تنجح أية عملية تغيير في تحويل مسار البلاد، فإن القائمين على عملية التغيير هذه يجب أن يُمسكوا بناصيتها، ويوجهوها، ويتفوقون في ذلك".

وأن "هذه الثورة الشاملة يمكن أن تستفيد من الأساليب الثورية التي تبنتها الصين وكوبا، والتي كانت بقيادة الشباب".

ففي هذه التجارب -وفق المقال- قاد الثوار ثورتهم، وأداروا الحكومة بكوادر مخلصة من المتطوعين، ولم يسمحوا باختطافها من قِبل الدجالين أو الرجعيين.

ويرى الكاتبان أن "بعضا من هذه الصفات يمكن رؤيتها في عقول ومهمة الثوار البنغاليين".

وقالا: "الخلاصة هي أن إحداث تغيير في العادات القديمة والقيم والثقافة في المجتمع لن يكون مهمة سهلة".

وأضافا أن "هذه الثورة قدمت فرصة لتغيير مصير بنغلاديش كما لم يحدث من قبل، ومن خلال تضحياتهم، أظهر البنغاليون أنهم يريدون المضي قدما".

وأوضح المقال أن ما وصفهم بـ "شباب ما بعد الحداثة" في بنغلاديش قد جاءوا لقيادة المسيرة والمضي قدما؛ ولن يعودوا إلى الطرق القديمة".

وأشار إلى أن رسالتهم واضحة: "إذا لم تنضموا إلينا، فإن البلاد لن تنتظركم، وإذا لم تتبن الأجيال الأكبر هذا المنظور للتغيير، فإننا نخشى المزيد من عدم الاستقرار، والذي لن تكون عواقبه محمودة".

وختم بالقول: "إذا أراد حراس الأنظمة السياسية القديمة البقاء على الساحة، فعليهم إعادة التفكير، وإعادة التقييم، وإعادة الابتكار، وإعادة تموضعهم كخدام للشعب، وإعادة صياغة أجندتهم بما يتماشى مع تطلعات الثورة، وكلما كان ذلك أسرع، كان أفضل".