لوحت بالانفكاك عنها ثم تراجعت.. هل تملك أرمينيا بديلا عن روسيا؟
لا تزال روسيا شريكا أساسيا لأرمينيا سواء من حيث الواردات أو الصادرات
رغم خلافاتها معها، لا تزال أرمينيا تعتمد بشكل كبير على روسيا في عدة قطاعات أبرزها الاقتصاد والدفاع، في وقت تحاول جاهدة الانفكاك عنها وتنويع شراكاتها.
وظهرت خلافات ومشاكل بين البلدين خلال السنوات الأخيرة كان أبرزها ما يتعلق بمعركة قره باغ بين أرمينيا وأذربيجان، وفق ما يقول "معهد تحليل العلاقات الدولية".
وأشار المعهد الإيطالي هنا إلى أن الصراع على إقليم قره باغ الذي كانت تحتله أرمينيا واستعادته أذربيجان بعد معركة مدعومة من تركيا، شكل نقطة تحول في العلاقات بين يريفان وموسكو.
قره باغ
وفي أحدث تطور بشأن العلاقات بين البلدين، أعلن نائب وزير الخارجية الأرميني مناتساكان سافاريان أخيرا، أن أرمينيا ستشارك في قمة مجموعة بريكس في 22 أكتوبر/تشرين الأول، بكازان عاصمة جمهورية تتارستان التابعة لروسيا الاتحادية والقمة غير الرسمية لرابطة الدول المستقلة.
و"بريكس" تكتل أُسس عام 2006، ويضم الصين والبرازيل وروسيا والهند وجنوب إفريقيا، قبل أن تنضم إليه مصر وإثيوبيا وإيران والإمارات مطلع 2024.
ويأتي هذا القرار الغامض في وقت اتخذت القيادة الأرمنية قرارا بتقليل الاعتماد على روسيا وتنويع شراكاتها.
وكان رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان قد اتهم في كلمة ألقاها أمام البرلمان في 13 سبتمبر/أيلول 2022، أذربيجان بغزو أرمينيا ومهاجمتها.
ودعا في الكلمة وفي الاجتماع الذي عقد في اليوم التالي مع رؤساء الدول الأعضاء الأخرى في منظمة معاهدة الأمن الجماعي، إلى تطبيق المادة 4 من النظام الأساسي للتحالف الذي تقوده روسيا ويضم دول ما بعد الاتحاد السوفياتي.
وتنص المادة على أنه "إذا تعرضت إحدى الدول الأعضاء لعدوان من قبل أي دولة أو مجموعة دول، فسيتم عد ذلك عدوانا على جميع الدول الأعضاء في المعاهدة".
إلا أن الدول الأعضاء في الحلف الذي تقوده روسيا وهي روسيا البيضاء وكازاخستان وطاجيكستان وأوزبكستان، لم تتدخل أبدًا ولم تستجب للمطالب الأرمينية.
تراجع أرميني
ونتيجة لذلك وإلى جانب أسباب أخرى، أقر باشينيان في حوار مع صحيفة "لاريبوبليكا" الإيطالية عام 2023 بأن سياسة بلاده بالاعتماد على روسيا فقط من الناحية الأمنية، كانت "خطأ إستراتيجيا"، مشددا على الحاجة إلى تنويع السياسات الأمنية.
وفي فبراير/شباط 2024، صرح بأن بلاده جمَّدت مشاركتها في منظمة معاهدة الأمن الجماعي.
وكشف في يونيو/حزيران 2024 عن نية الانسحاب ثم تراجع في أغسطس/آب عن تهديداته مكتفيا بتجميد المشاركة.
أرجع المعهد الإيطالي تضارب تصريحات رئيس الوزراء الأرميني إلى حقيقة أن بلاده لا تزال تعتمد بشكل كبير على روسيا سواء في أمنها أو اقتصادها على الرغم من الانسحاب الروسي التدريجي من المنطقة.
وذلك في إشارة إلى انسحاب قوات حفظ السلام المنتشرة في قرة باغ والوحدة العسكرية من مطار يريفان، فيما جرى تمديد التشغيل الروسي لقاعدة غيومري العسكرية إلى غاية عام 2044.
علاوة على ذلك، قال المعهد إن “روسيا طورت منذ عام 2022 علاقات دبلوماسية وتجارية ممتازة مع أذربيجان”.
وبالتالي، فهي تظل لاعبا أساسيا في المفاوضات الرامية إلى التوصل إلى اتفاق سلام مستقبلي بين البلدين الجارين.
تنويع الشراكات
على الجانب الأرميني، أشار إلى أن يريفان شرعت في عملية تنويع من الناحية العسكرية، مشيرا الى أن تنفيذها مناورات مع الجيش الأميركي في يوليو/تموز 2024، أثار غضب روسيا.
كما نوعت البلاد الشركاء في شراء أنظمة الدفاع وهو ما يؤكده توقيع اتفاقيتين في أكتوبر 2023 ويونيو 2024 بين وزير الدفاع سورين بابيكيان ونظيره الفرنسي سيباستيان ليكورنو نصتا على شراء ثلاث رادارات من طراز GM 200 و36 مدفع هاوتزر من طراز قيصر.
ويضيف بأن الهند مثلت أخيرا جهة ثالثة تولت دورا ذا أهمية أساسية من الناحية العسكرية وباتت في سبتمبر 2024 أكبر مورد للأنظمة الدفاعية إلى أرمينيا.
من الناحية الاقتصادية، لا تزال روسيا شريكًا أساسيًا لأرمينيا سواء من حيث الواردات أو الصادرات، وكلاهما نما بشكل كبير منذ عام 2020 فصاعدًا.
ارتفع حجم الواردات من روسيا من 1.74 مليار دولار عام 2020 إلى 3.28 مليار دولار في عام 2023، لتصل إلى حصة 33 بالمئة من إجمالي الواردات السنوية في السنة الأخيرة.
وكذلك ارتفعت الصادرات من 611 مليون دولار عام 2020 إلى 3.38 مليار دولار عام 2023، أي ما يعادل 41 بالمئة من إجمالي الصادرات.
هشاشة أرمينيا
وتعود الأسباب وراء هذه الارتفاع، بحسب تحليل المعهد الإيطالي، إلى حقيقة أن أرمينيا هي إحدى الدول التي تمكنت روسيا من خلالها من التحايل على العقوبات التي فرضتها الدول الغربية بعد غزو أوكرانيا.
ويرى بأن الاعتماد الكبير على روسيا والدور الذي تلعبه البلاد في التفاف الأخيرة على العقوبات التي يفرضها الغرب يكشفان عن هشاشة كبيرة لأرمينيا.
ويشرح بأنه إذا قررت الدول الغربية اعتماد إستراتيجيات جديدة لمنع مثل هذا التحايل، فسيؤدي ذلك إلى تأثر عدة قطاعات من الاقتصاد الأرميني.
ويتوقع أن تكون العواقب ضارة على يريفان وسيترتب عليها مزيد من عدم الاستقرار في الأمن الداخلي الهش بالفعل في البلاد.
ويفترض أن توفر المشاركة بقمة بريكس فرصا اقتصادية خاصة أن التكتل يضم "دولا ذات اقتصادات وأسواق ناشئة تتمتع بآفاق تنمية وأرباح واسعة".
وأكد أن أرمينيا بإمكانها استغلال القمة للبحث عن شركاء تجاريين جدد والاتفاق مع بلدان تستورد منها أو تصدر منتجاتها إليها كبديل لروسيا.
إلا أنه أشار إلى أن أرمينيا لم تجد بعد شريكًا مستعدًا للتدخل في الدفاع عنها أو ضمان حمايتها في حالة نشوب صراع جديد مع أذربيجان رغم وجود بعض التنوع في التعاون وفي شراء الأنظمة الدفاعية.
ولهذا السبب، يستنتج أن الانسحاب النهائي من منظمة معاهدة الأمن الجماعي ليس خيارًا تدرسه القيادة الأرمينية حاليًا.
علاوة على ذلك، زاد أن الانسحاب المحتمل من التحالف من شأنه أن يؤدي إلى تدهور العلاقات مع روسيا وهو ما قد يعزز تعاونها مع أذربيجان بهدف زيادة زعزعة استقرار أمن أرمينيا.