"استعراض داخلي".. ماذا وراء تهديد إيران بتعطيل حركة السفن في المتوسط؟

a year ago

12

طباعة

مشاركة

عادت إيران لـ"استعراض عضلاتها" عبر التهديد بقدرتها على استهداف السفن التجارية الدولية في البحر المتوسط هذه المرة.

وفي تصريح مفاجئ، أعلن مساعد قائد الحرس الثوري الإيراني للشؤون التنسيقية، البريجادير جنرال محمد رضا نقدي، أن البحر المتوسط ​​قد يُغلق إذا واصلت الولايات المتحدة وحلفاؤها ارتكاب "جرائم" في غزة التي تتعرض لعدوان إسرائيلي ممنهج منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

إغلاق المتوسط

ونقلت وكالة "تسنيم" للأنباء عن نقدي قوله في 23 ديسمبر 2023: "سيتعين عليهم قريبا انتظار إغلاق البحر المتوسط ​​ومضيق جبل طارق وممرات مائية أخرى".

وأضاف قائلا: "بالأمس صار الخليج الفارسي ومضيق هرمز كابوسا بالنسبة لهم، واليوم هم محاصرون في البحر الأحمر".

ومنذ 19 نوفمبر 2023 تهاجم بطائرات مسيرة وصواريخ مليشيا "الحوثي" في اليمن المتحالفة مع إيران سفنا تجارية تبحر في البحر الأحمر، زعمت في بيانات رسمية أنها "للتضامن مع غزة"، مما دفع بعض شركات الشحن إلى تغيير مساراتها، مما تسبب في اكتظاظ العديد من الموانئ الإفريقية بعدد من السفن التي تدخل مياهها.

ولا تطل إيران على البحر المتوسط ​​وليس واضحا كيف يمكن للحرس الثوري أن يغلقه، لكن نقدي تحدث عن "ولادة قوى مقاومة جديدة وإغلاق ممرات مائية أخرى".

ومن المعلوم أن إيران تدعم جماعة "حزب الله" في لبنان، وتنشر نحو مئة ألف مقاتل من مليشياتها في سوريا وهما دولتان مطلتان على البحر المتوسط.

واللافت أن إعلان إيران هذا، جاء عقب موافقة أكثر من 20 دولة في المجمل على المشاركة في تحالف جديد تقوده الولايات المتحدة وأعلنت عنه واشنطن في 18 ديسمبر 2023 لحماية حركة التجارة في البحر الأحمر من هجمات مليشيا "الحوثي".

وقد اتهمت واشنطن على لسان المتحدثة باسم الأمن القومي بالبيت الأبيض، أدريان واتسون، إيران بـ"التورط بشكل كبير" في التخطيط للعمليات ضد سفن تجارية بالبحر الأحمر، الذي تتحرك فيه 15 بالمئة من التجارة الدولية، مبينة بالقول إن "المعلومات الاستخباراتية التي لديها أساسية لمساعدة الحوثيين في استهداف السفن".

إن الوكلاء المدعومين من إيران في لبنان وسوريا يتمتعون بإمكانية الوصول إلى الممرات المائية في البحر المتوسط، التي تنقل حوالي خمس التجارة البحرية في العالم.

وحذرت إيران مرارا وتكرارا من أن الحرب الإسرائيلية ضد حركة المقاومة الفلسطينية حماس "ستتسع قريبا".

والبحر الأبيض المتوسط ​​هو مساحة من المياه متصلة بالمحيط الأطلسي، وتتشكل حدوده من الشمال بجنوب أوروبا والأناضول، ومن الجنوب بشمال إفريقيا، ومن الشرق ببلاد الشام.

وأمام ذلك، فإن استفزازات الحرس الثوري الإيراني غير المسبوقة حول البحر المتوسط بدت وكأنها استعراضية، وفق المراقبين، لا سيما أن المنطقة تشهد عسكرة هائلة للدول منذ سنوات.

وقد تحول البحر المتوسط إلى ملعب إستراتيجي بالغ الأهمية تتقاطع فيه مصالح الدول الكبرى، وتتموضع فيه أساطيلها البحرية وعلى رأسها الولايات المتحدة.

ويعد الأسطول السادس قوة الولايات المتحدة الضاربة في منطقة البحر الأبيض المتوسط, وتتوزع قواعده على عدة مناطق بدول الحوض المتوسطي خاصة إيطاليا وإسبانيا.

ولهذا على الرغم من امتلاك إيران أذرعا لها في لبنان وسوريا تمتلك صواريخ وطائرات مسيرة حديثة ومدربين على استخدامها بشكل كامل، إلا أن هناك الكثير من الحسابات الدولية التي تجعل إيران تبدأ بالعد للرقم عشرة قبل تنفيذ تهديدها وتكرار ما حدث في البحر الأحمر على يد وكيلها الحوثي.

من الناحية الجغرافية بالقرب من البحر المتوسط، فإن لإيران هناك وكلاء محليين يمتلكون صواريخ إيرانية وطائرات مسيرة ذات قدرات هجومية عالية إيرانية الصنع كذلك.

فخلال السنوات الأخيرة قام حزب الله اللبناني بتدريب عناصر "سرايا الخراساني" وهو فصيل يضم عراقيين وسوريين يوجد شرقي سوريا، على استخدام الطائرات المسيرة في منطقة الديماس بريف دمشق.

كما قام الحرس الثوري الإيراني بتدريب ذلك الفصيل أيضا عام 2022 في قاعدة كرمانشاه الإيرانية على بعد 80 كيلومترا من الحدود العراقية، بغرض استهداف المصالح الأميركية في سوريا.

لعبة الوكلاء

من الناحية العسكرية، رأى المختص بالحرب الكيماوية السورية سابقا طارق حاج بكري، أنه "يمكن لإيران أن تهدد وتطلق مثل هذه التصريحات طالما أن الولايات المتحدة غير جادة في وضع حد للغطرسة للإيرانية في سوريا والعراق واليمن ولبنان والتي سببت كوراث في المنقطة سقط فيها مئات الآلاف من القتلى على يد مليشياتها".

وأضاف حاج بكري قائلا لـ"الاستقلال": إن "إيران تنطلق في التهديد بإحداث توتر إقليمي في البحر المتوسط من كونها تحرك عصابات ووكلاء يتبعون لها في بعض دول البحر المتوسط مثل لبنان وسوريا".

وراح يقول: "إيران لديها القدرة على تجنيد خلايا في البحر المتوسط وفي الشمال الإفريقي كونها تمتلك شبكات عالمية تدعمها". 

بالمقابل، وعلى ساحل المتوسط من ناحية سوريا تكاد تكون الهيمنة الغالبة لروسيا التي لها قاعدة بحرية على ساحل طرطوس، وقاعدة جوية تدعى حميميم تبعد بضعة كيلومترات عن ساحل اللاذقية على المتوسط.

ولهذا فإن روسيا منذ استئجار هاتين القاعدتين من نظام الأسد عام 2017 لمدة 49 عاما حرصت على منع أي توتر عسكري بالقرب منهما.

واللافت أيضا أن روسيا عمدت في أكتوبر 2023 تزويد قاعدة حميميم الجوية العسكرية التي تتمركز بها بريف اللاذقية على الساحل السوري بتسع طائرات بدون طيار من طراز Forpost-M للاستخبارات والمراقبة والاستطلاع (ISR)، وفق ما ذكرت مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية المتخصصة في شؤون الاستخبارات.

ويؤكد مراقبون عسكريون أن روسيا في هذه المرحلة بحاجة لمزيد من الرصد وجمع المعلومات لمختلف قوى النفوذ على الأراضي السورية وهي تسبق الأمور برفد قاعدة حميميم بطائرات مسيرة ذات قدرات محددة في حال حدوث أي انعكاس للحرب في غزة على سوريا.

ومن هنا فإن تعكير الأجواء على القواعد الروسية قرب البحر المتوسط في هذا التوقيت وفي ظل انشغال روسيا بحرب أوكرانيا قد لا يروق لموسكو.

وخاصة أن هذا المستوى من الوجود الروسي كافٍ للمهام التي حددتها موسكو لنفسها في سوريا، وهي التلويح بالعلم الروسي في البحر الأبيض المتوسط ​​وإظهار عودة روسيا إلى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. 

لكن رغم ذلك، فإن الكثير من المراقبين يضعون التهديد الإيراني الجديد ضمن إطارات محددة لا تخرج عنها.

فقد ربط مدير مركز الدراسات العربية محمد صالح صدقيان، في مقابلة تلفزيونية في 23 ديسمبر 2023، التصريح الإيراني عن احتمالية إغلاق البحر المتوسط، "بمحاولة من طهران للفت الانتباه لمنع توسع التصعيد من البحر الأحمر لمناطق أخرى في حال لم يتم وقف إطلاق النار في غزة واستمرار القتل والحصار هناك وإعادة إدخال المساعدات للفلسطينيين من جديد".

ورقة داخلية

أما الكاتب المهتم بالشأن الإيراني عمار جلو، فيرى أن "البحر المتوسط بعيد جدا عن قدرة إيران على ممارسة نشاطها المزعزع للاستقرار أو ما يشابهه من الإضرار بطرق التجارة وسلاسل التوريد الدولية العابرة له، وهو بمعزل عما يمكن لطهران التأثير به من خلال نقاط الاختناق في مضيقي هرمز الذي يمر عبره خمس إنتاج النفط العالمي وباب المندب، التي ستمر بهذا البحر".

وأضاف جلو لـ "الاستقلال" قائلا: "لذا لا يمكن قراءة التهديد الإيراني بإغلاق البحر المتوسط إلا ضمن التصريحات الإيرانية الخاصة بالداخل الإيراني، والقائمة على تفخيم القوة والعظمة الفارغة الإيرانية على الصعيد الإقليمي والدولي".

واستدرك جلو قائلا: "لاسيما في الوقت الذي تصرح فيه طهران بعدم صلتها بتصرفات جماعة الحوثيين المزعزعة لأمن وسلامة طرق التجارة العالمية، باستهدافها السفن المدنية والتجارية، وهي التصريحات الإيرانية المرسلة للدول المعنية بمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة"، بينما "يتم توجيه الخطاب الإيراني الثاني، المعروف والمشهور عن طهران لتخدير الشعب الإيراني المنكوب بقيادة تهتم بالصراعات أكثر من اهتمامها بالاقتصاد والتنمية وتحسين معيشة شعبها"، وفق جلو.

ويعيش الإيرانيون في ظل أوضاع معيشية صعبة منذ سنوات، وسط عجز نظام الملالي في تدارك الفجوة الاقتصادية وانشغاله بالتدخل في شؤون دول أخرى وصرف مليارات الدولارات على مليشيات في أكثر من دولة بالمنطقة. 

ومع ارتفاع الأسعار المستمر، أجبر العديد من الأسر لمواجهة تكاليف عيش باهظة في ظل انهيار العملة المحلية.

وألمح جلو إلى أنه "على امتداد الساحل الجنوبي للمتوسط ليس لإيران أي علاقة مليشياوية فيه، إلا صلتها بجبهة البوليساريو، مع العلاقة الحكومية الجيدة مع الجزائر، وبالنظر لعلاقتها مع جبهة البوليساريو، استبعد إقدام الأخيرة عن تنفيذ تعليمات طهران لغاية الآن، رغم دعم إيران لها بالسلاح".