عسكرة مؤسسات الجزائر.. كيف يستنسخ تبون تجارب المستبدين حول العالم؟

2 months ago

12

طباعة

مشاركة

أثار إصدار الجزائر قانونا جديدا يسمح بانتداب عسكريين لتولي وظائف في قطاعات مدنية حساسة وإستراتيجية، مع احتفاظهم بنفس الامتيازات التي يحظون بها في الجيش، جدلا واسعا حول أهداف إقراره.

ففي الوقت الذي عده البعض إجراء عاديا يهدف للحد من البيروقراطية والفساد بقطاعات إستراتيجية والرفع من أدائها، شبّهه آخرون بتجارب المستبدين في العالم حيث يتداخل فيها السياسي مع العسكري.

ويحدد المرسوم الرئاسي رقم 24-218 المؤرخ في 27 يونيو/حزيران 2024، ووقّعه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في 14 يوليو/تموز من نفس العام، شروط وكيفيات إحالة المستخدمين العسكريين العاملين والمتعاقدين على وضعية انتداب لدى الإدارات المدنية العمومية.

قصة الانتداب

والانتداب وضعية قانونية يعين فيها العسكريون العاملون والمتعاقدون خارج الأسلاك المكونة للجيش، لشغل منصب عمل في إدارة مدنية.

وهذه خطوة غير مسبوقة في الجزائر بالنسبة لعسكريين في الخدمة؛ حيث كان المتعارف عليه تعيين عسكريين متقاعدين في مناصب مدنية.

ينص هذا المرسوم، على أنه يمكن انتداب المستخدمين العسكريين في عملية تسيير بعض قطاعات الشأن العام، لفترة تتراوح بين سنة وثلاث سنوات قابلة للتمديد.

وذلك لتولي مناصب مسؤولية مباشرة في المرافق الحيوية المادية والفنية والأنظمة ذات الصلة المباشرة بالخدمات الأساسية في المجتمع.

ويأتي هذا الانتداب ﺑﻨﺎء على طلب ﻳﻮﺟﻪ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ المسؤولة ﻋﻦ الإدارة المدنية العمومية المعنية ﺇلى وزير الدفاع اﻟﻮﻃﻨﻲ، وهو المنصب الذي يقوده رئيس الجمهورية الذي يتولى أيضا منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حسب الدستور الجزائري.

وبذلك، يكون انتداب أطر الجيش بموجب مقرر من وزير الدفاع الوطني ويتم إنهاؤه حسب نفس الأشكال مرة واحدة خلال المسار المهني.

وينتهي الانتداب تلقائيا بعد انقضاء فترته أو خلالها بمبادرة من وزير الدفاع أو السلطة المسؤولة عن الإدارة المدنية العمومية، بالتنسيق مع الأول.

 أو بناء على طلب المستخدم العسكري العامل أو المتعاقد المنتدب، بعد موافقة وزير الدفاع الوطني.

وخلال فترة الانتداب، يبقى المستخدمون العسكريون خاضعين لمجموع الواجبات القانونية الأساسية التي تحكم حالة العسكري، لكنهم يخضعون أيضا لمجموع الأحكام التنظيمية سارية المفعول في الإدارة المدنية العمومية المستقبلة.

 كما يستوجب عليهم التفرغ كليا للمهام الموكلة إليهم، مع احتفاظهم بالرواتب العسكرية، مع إمكانية الاستفادة من التعويضات والمنح ومن كل امتیاز آخر وخدمة تمنحها الإدارة المدنية العمومية المستقبلة.

ويكون عمل الضباط خاضعا بصفة منتظمة إلى تقييم من طرف السلطة المسؤولة عن الإدارة المدنية العمومية المستقبلة، بموجب تقرير أو كشف تقييمي سنوي يرسل إلى وزير الدفاع الوطني (رئيس الجمهورية).

ويكون كل إخلال بقواعد الانضباط والواجبات المهنية، يرتكبونه محل تقرير مفصل توجّهه السلطة المسؤولة عن الإدارة المدنية العمومية المستقبلة إلى وزير الدفاع الوطني.

ولم يحدد القانون بدقة المجالات الإستراتيجية أو الحساسة التي يمكن فيها تولي عسكري مناصب مدنية.

غير أن المجالات المتعلقة بالأمن الطاقي والمائي والغذائي توصف بأنها إستراتيجية، تشرف عليها مؤسسة وطنية يقودها مدنيون.

وكان الرئيس الجزائري قد ألمح عام 2023 إلى إمكانية منح تسيير قطاع المياه ومجالات حساسة أخرى لإطارات متخصصة من مؤسسة الجيش.

 وقال في زيارة أجراها لمحافظة تيبازة إنه سينقل إدارة مشروع لتحلية مياه البحر لوزارة الدفاع بسبب وجود "عصابة حاولت تخريب المشروع".

نموذج جديد

وفي تعليقه على قرار تبون، قال الخبير في الشؤون السياسية والأمنية الجزائري، أحمد ميزاب، إن "هذه الخطوة مرحب بها لأن المجتمع الجزائري يدرك كفاءة الجيش الوطني ومدى انضباطه والتزامه وقدرته على تنفيذ المهام بما يخدم الأهداف الإستراتيجية".

وأضاف ميزاب لموقع "الحرة"، أن الهدف من هذه الخطوة هو "تحسين الأداء ورفع المستوى، وتقديم نموذج جديد من التسيير والخدمة في إطار الانضباط والصرامة والالتزام".

ورأى أن “المجتمع الجزائري دائم الوفاء لمؤسسته العسكرية ويرى فيها النموذج والقدوة”.

وبين أن "من بين إستراتيجيات الجيش الوطني الشعبي التوجه نحو الصناعات العسكرية والمساهمة في بناء الاقتصاد الوطني من خلال العديد من القطاعات والمؤسسات".

وأوضح ميزاب، أن القرار حدد القطاعات المعنية بهذا الانتداب بصفتها "حساسة وإستراتيجية"، وهي التي لها علاقة بسيادة الدولة، مما يعني أن ليس كل القطاعات المدنية معنية بعملية انتداب عسكريين.

وأكد أن هذا المرسوم يأتي في إطار العمل على تحسين أداء بعض القطاعات والمؤسسات بما يتماشى مع أهداف الدولة.

وخاصة في إطار رفع مستوى الأداء الاقتصادي وتنويع إيرادات الدولة خارج إطار المحروقات، فضلا عن محاربة مختلف أشكال الفساد.

ورفض ميزاب، وصف هذه الخطوة بكونها "توجه نحو مزيد من عسكرة الدولة"، مبينا أن من يتحدث عن ذلك "ليس صادقا".

وشدد على أن "ما يحدث يتعلق بالبعد المدني للمؤسسات، حيث إن هناك دولا تعتمد على الكفاءات والقدرات العسكرية في دعم وتحسين أداء القطاع المدني، وهذا لا يعني عسكرة الدولة بأي شكل من الأشكال".

عسكرة الدولة

ومقابل إشادة وتثمين ميزاب لهذه الخطوة الرئاسية، تنتقد أصوات معارضة جزائرية، ما وصفته بالتوجه نحو مزيد من "عسكرة" الدولة، خاصة أن الجيش يتمتع بـ"نفوذ كبير" فيما يتعلق بالسياسة الداخلية للبلاد.

المحلل السياسي، إسماعيل معراف، قال إن "قرار الرئيس تبون انتداب ضباط للإشراف على المؤسسات الإدارية جاء ليؤكد نفوذ المؤسسة العسكرية على مختلف المجالات في البلاد وسيطرتها عليها".

وأضاف معراف، في تصريح لموقع "أصوات مغاربية"، أن "النظام الجزائري مرهون بشكل كبير للمؤسسة العسكرية منذ استقلال البلاد (عام 1962)، ولم يتمكن إلى حد الساعة من التخلص من هذه العقدة".

ويشبه العديد من المتابعين ما يحدث في الجزائر بتجربة مصر؛ حيث يتم تعيين ألوية في الجيش في مناصب مهمة في الدولة، كمحافظين أو مديري مؤسسات مهمة.

وأكد معراف، أن "النظام الجزائري يريد استنساخ نفس التجربة، وهو إجراء يعكس غياب نظرة سياسية وإستراتيجية لإدارة أهم الملفات الكبرى داخل الدولة".

ويرى أنه "عندما تغيب الرؤية العميقة لتغيير الأوضاع ينتشر الشك والتوجس لدى السلطات، فتجدها تبحث عن أساليب قديمة لحماية مصالحها، وهو حال الجزائر".

من جهته، قال الباحث السياسي الجزائري ورئيس الجمعية المغاربية للسلام والتعاون والتنمية وليد كبير، إن "المرسوم يعد صورة تعكس مدى عسكرة الدولة بكل مفاصلها".

وتساءل كبير، في حديث لـ"الاستقلال": "لماذا لا يتم غلق المعاهد الجزائرية على غرار المدرسة الوطنية للإدارة وباقي المعاهد التي يتخرج فيها الجزائريون بخلفية مدنية مادام أن الضباط العسكريين هم من سيُسيرون هذه الإدارات العمومية". 

ويرى أنه "كان من المفروض أن يسعى النظام الجزائري لتطوير الكفاءات الجزائرية داخل المعاهد والمؤسسات الوطنية من أجل تخريج أطر ذات كفاءة، وليس أن تمنح المناصب المدنية لضباط الجيش".

وتابع أن "المفروض في ضباط الجيش أن يشغلوا مناصب عسكرية بحتة وليس مدنية"، مقدرا أن "هناك خلطا كبيرا في الأدوار، يهدد استقرار المؤسسات واستمرارية الدولة بشكل عام".

وخلص كبير، إلى أن “شغل ضباط عسكريين مناصب عليا على غرار تعيينات الولاة والمديرين في المؤسسات الوطنية، تطور سلبي للغاية”.

ويعتقد أن هذا التطور، "يؤكد وجود ضعف على مستوى مؤسسة رئاسة الجمهورية وخضوع تام من الرئيس الجزائري لأوامر العسكر".