اشتباكات بين حزب الله والجيش.. هل نجحت إسرائيل في نقل الحرب داخل لبنان؟

إسماعيل يوسف | منذ ١٨ ساعة

12

طباعة

مشاركة

تحاول إسرائيل فرض واقع جديد في لبنان عقب وقف الحرب وتحقيقها بعض الإنجازات، خاصة قتل أبرز قيادات "حزب الله" بمن فيهم الأمين العام حسن نصر الله، وذلك عبر إجبار السلطات اللبنانية على تحجيم نفوذ الحزب الشيعي العسكري والسياسي.

وضمن هذه التحركات الإسرائيلية لفرض واقع جديد، نقلت واشنطن للبنان تهديدات إسرائيلية بقصف طائرات مدنية إيرانية تصل مطار بيروت، بحجة أنها تنقل أموالا ومعدات لحزب الله، ما دفع الحكومة اللبنانية لمنع هبوط عدة طائرات إيرانية.

وبعد المنع، ووقوع اشتباكات بين الجيش وأنصار الحزب، الذين أغلقوا طريق المطار بإشعال حرائق، وكذا التضييق على نفوذ الحزب سياسيا وتمرير تعيينات كان يرفضها مثل تولي جوزيف عون منصب رئاسة الجهورية، وتقليص حصة الحزب في الحكومة الجديدة.

بات واضحا أن الاحتلال نجح في نقل الحرب بينه وبين حزب الله إلى الداخل اللبناني، ضمن محاولات تحجيم نفوذ الحزب السياسي بعد العسكري.

منع الطائرات

وفي سبتمبر/ أيلول 2024، منعت وزارة النقل اللبنانية، ولأول مرة، هبوط طائرة إيرانية في مطار بيروت، متعللة بتحذير إسرائيل سلطات مراقبة الحركة الجوية أنها ستستخدم "القوة" إذا هبطت الطائرة، بحجة أنها تنقل أموالا إلى حزب الله، ما أثار استياء الحزب.

وتكررت المضايقات للطائرات الإيرانية في 3 يناير/كانون الثاني 2025، حين أخضعت سلطات مطار بيروت، طائرة تقل وفدا دبلوماسيا إيرانيا وفتشته بصورة دقيقة.

وأثار ذلك غضب أنصار حزب الله، ونظم عشرات منهم اعتصاما في محيط مطار رفيق الحريري احتجاجا على هذا الإجراء.

ومع تولي عون ورئيس الحكومة نواف سلام، وتولي الرئيس الأكثر دعما لإسرائيل دونالد ترامب، ووسط نشوة إسرائيلية وتمنيات بفرض واقع جديد في المنطقة، زاد لبنان من منع طائرات إيران.

وللمرة الثالثة، منع لبنان، في 13 فبراير/شباط 2025، طائرة إيرانية من الهبوط على أراضيه، بعدما ادعى متحدث الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي أن "فيلق القدس الإيراني وحزب الله، يستغلان المطار لتهريب أموال مخصصة لتسليح الحزب عبر رحلات مدنية".

ثم منعت السلطات اللبنانية طائرتين أخريين من خطوط ماهان الإيرانية كان مقررا أن تتوجها للبنان يومي 14 و15 فبراير، بعد تحذير الجانب الأميركي أن إسرائيل "ستستهدف" المطار حال هبوطهما.

ولحل إشكالية منع الطائرات، بعدما منعت إيران بدورها طائرتين لبنانيتين من الهبوط في طهران، كلف الرئيس عون وزارة النقل بـ"إعادة جدولة" الرحلات الآتية من إيران (أي تأجيلها) حتى 18 فبراير 2025.

وكان هدف الرئيس اللبناني، على ما يبدو، من منع الطائرات الإيرانية، هو نزع حجة إسرائيل في عدم تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، لحين انسحاب جيش الاحتلال بالكامل من لبنان، وفق ما هو مقرر في 18 فبراير 2025. 

لكن استمرار مماطلة الاحتلال ومطالبته بالبقاء في 5 مواقع بجنوب لبنان بعد تاريخ الانسحاب النهائي، دفع عون لتمديد قرار تعليق هبوط الطائرات الإيرانية إلى "إشعار آخر"، وفق قرار اتخذه في 17 فبراير.

وكان لافتا أن رئيس منظمة الطيران المدني الإيرانية حسين بور فرزانة، نفى خبر تهديد إسرائيل باستهداف الطائرات الإيرانية المتجهة إلى لبنان.

وقال: "لم أسمع كلمة التهديد، وما دار خطيا بين منظمة الطيران المدني الإيرانية ولبنان، هو أن لبنان طلب منا، نظرا للظروف الأمنية الخاصة في بيروت وإلغاء كل الرحلات الخارجية، تعليق الرحلات الإيرانية أيضا حتى 18 فبراير".

وهو ما قد يشير إلى أن المنع الفعلي لطائرات إيران، "لبناني" لا إسرائيلي، والقرار جاء ضمن محاولة السلطات اللبنانية الجديدة، المدعومة أميركيا وعربيا، تحجيم نفوذ الحزب وفرض واقع جديد في الداخل اللبناني مستفيدا من التهديدات الإسرائيلية.

أول صدام

بسبب منع طائرة إيرانية من الهبوط في لبنان، ثم إبلاغ طهران بتعذر استقبال رحلتين أخريين، حرك حزب الله أنصاره في الشارع للضغط على السلطات اللبنانية.

وكان يقود هؤلاء الأنصار في المظاهرة نائب رئيس المجلس السياسي في حزب الله، محمود قماطي، الذي اتهم الدولة اللبنانية بالخضوع للإملاءات الإسرائيلية.

وعد حزب الله، في بيان له يوم 13 فبراير 2025، منع العدو الإسرائيلي للطائرات الإيرانية بمثابة "فرض إملاءاته والتعدي على السيادة الوطنية"، وطالب الدولة اللبنانية بـ"التراجع عن قرارها بمنع الطائرات الإيرانية من الهبوط في مطار بيروت".

وتبع هذا، قطع العشرات من أنصار حزب الله مدخل مطار بيروت والطريق الدولية المؤدية إليه بالإطارات المشتعلة، احتجاجا على الرضوخ للتهديدات الإسرائيلية.

وتدخل الجيش اللبناني واشتبك معهم وأطلق الغازات المسيلة للدموع، واعتقل العشرات منهم، في أول صدام فعلي بين الجيش والحزب.

كان هذا الصدام أمرا خطيرا لم يحدث من قبل، ونتج عنه وفق بيان للجيش اللبناني في 16 فبراير، "إصابة 23 عسكريا، بينهم 3 ضباط، بجروح مختلفة".

وقال الجيش، إنه قام بالتنسيق المسبق مع منظمي الاعتصام بشأن "الالتزام بالتعبير السلمي عن الرأي، وعدم قطع الطريق المؤدية إلى المطار"، إلا أن بعضهم عمد إلى قطع الطريق والتعرض لعناصر الوحدات العسكرية، والتعدي على آلياتها".

لكن حزب الله قال: إن "المعتصمين فوجئوا بإقدام بعض عناصر الجيش على إطلاق القنابل ‏‏المسيلة للدموع باتجاههم، في تصرف مُستهجن يُشكل اعتداء غير مُبرر على مواطنين سلميين".

ووصف، في بيان، إطلاق الجيش، القنابل ‏المسيلة للدموع باتجاه المعتصمين، "محاولة مشبوهة لزج الجيش في مواجهة مع أهله وشعبه".

ودعا قيادة الجيش إلى فتح "تحقيق عاجل عن هذا ‏الاعتداء المدان واتخاذ ‏الإجراءات المناسبة حفاظا على دور المؤسسة العسكرية في حماية الاستقرار والسلم الأهلي".

واعترض حزب الله على ما سماه "خضوع رئيسي الجمهورية والحكومة عون وسلام للقرار الإسرائيلي".

لكن سلام قال: إن "حرية التعبير أمر، والاعتداء على الأملاك العامة والخاصة وقطع الطرق أمر آخر، وهو أمر غير مقبول نهائيا".

ودعا الرئيس عون إلى "عدم التهاون في فرض الأمن، وأعطى توجيهات صارمة بعدم السماح بإقفال طريق المطار أو التعدي على الأملاك العامة".

وكان الأمر تطور بصورة أخطر، حين اعتدى مجهولون على سيارات قوات حفظ السلام في جنوب لبنان (اليونيفيل)، وهو اعتداء غامض جاء عقب اشتباكات مناصري حزب الله والجيش، ما أظهر أن أنصار الحزب قاموا به.

لكن تقارير لبنانية قالت: إنه ربما كان من فعل "عملاء الاحتلال" لتأجيج الصراع بين الجيش اللبناني وحزب الله.

ووصف الصحفي اللبناني علي الأمين إغلاق الحزب طريق المطار بأنه "استقواء على لبنان لا إسرائيل".

وأكد أن ما حصل على طريق المطار، "يعكس محاولة تصعيد على المستوى الداخلي، لإظهار حزب الله نفسه على أنه قادر على التحرك بالفعل".

واستغرب الأمين عبر منصة "إكس"  في 16 فبراير، عدم رد الحزب على 1400 خرق إسرائيلي ثم استهدافه نقطة الضعف وهي النقطة الداخلية، مقدرا أن "هذا الموقف لحزب الله يعكس حالة ضعف أكثر مما يعكس حالة قوة، ومحاولة لإثبات حضور داخلي".

واستغلت قوى لبنانية مناوئة لحزب الله، مثل "حزب الكتائب" الماروني، الموقف لتأجيج النزاع ووصف ما يفعله حزب الله بأنه "الوقوف في مواجهة اللبنانيين، وترويعهم وقطع الطرقات والتعدي على القوى الأمنية الشرعية".

وقال: إن حزب الله يفعل ذلك "في محاولة لإعادة تثبيت معادلات سقطت إلى غير رجعة"، وأدان حزب الكتائب هذه الأعمال و"شعارات التحدي والتجييش".

كما أعربت الخارجية السعودية عن "دعمها الكامل للإجراءات التي اتخذتها الجمهورية اللبنانية لمواجهة محاولات العبث بأمن المواطنين اللبنانيين، وما يقوم به الجيش اللبناني".

تجدد الحرب

ولا يثق حزب الله ولا الرئاسة اللبنانية في نوايا الاحتلال، خاصة بعدما طالبت إسرائيل مرتين بتأجيل انسحابها من لبنان، ثم طالبت بالسيطرة العسكرية على 5 نقاط إستراتيجية داخل لبنان.

وهو ما يعني بقاءها في لبنان، كما فعلت في سوريا، ويعني احتمال تجدد القتال في جنوب لبنان بين إسرائيل وحزب الله، ويعيد شبح تجدد الصراع مرة أخرى، حسبما ترجح صحيفة "نيويورك تايمز" في 17 فبراير 2025.

وقد عبر عون، خلال لقاء مع صحفيين، عن تخوفه من عدم تحقيق الانسحاب الكامل "بتقدير أن العدو الإسرائيلي لا يُؤمَن له"، مؤكدا أن "الرد اللبناني سيكون من خلال موقف وطني موحد وجامع".

وعشية انتهاء المهلة المحددة لانسحاب القوات الإسرائيلية من كامل أراضيه، لجأت تل أبيب إلى تصعيد عملياتها في لبنان، فأقدمت على اغتيال قائد مديرية العمليات في حماس بلبنان، محمد شاهين، بتفجير سيارته.

وهو أول خرق من نوعه بهذه المنطقة منذ بدء الهدنة في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، لكنها واصلت عمليات التوغل في بقية القرى الحدودية وتفجير وحرق المنازل، في بلدة كفرشوبا جنوب لبنان وغيرها.

وذكرت الإذاعة الإسرائيلية الرسمية أن تل أبيب طلبت من اللجنة الدولية المراقبة لاتفاق وقف إطلاق النار تمديد بقاء قواتها حتى 28 فبراير 2025، أي لعشرة أيام إضافية، وهو الأمر الذي رفضه الجانب اللبناني.

وبينما كانت إسرائيل تحاول نقل الحرب بينها وبين حزب الله إلى الداخل اللبناني، كان الحزب يصر على إلقاء مسؤولية الانتهاكات الإسرائيلية واستمرار قصف العدو، وخرق اتفاق الهدنة، على عاتق الرئيسين عون وسلام، لإظهار أنه "هو الحل"، في التعامل مع الاحتلال بسلاحه، لا السلطة الضعيفة.

لذا حذر أمين حزب الله، نعيم قاسم، في 16 فبراير 2025 إسرائيل من البقاء في أي بقعة بلبنان بعد مهلة 18 فبراير.

وأكد أن ما من ذريعة تتيح بقاء إسرائيل في لبنان في أي نقطة كانت بعد 18 فبراير، وهو موعد انتهاء مهلة انسحاب جيش الاحتلال.

وأضاف "إذا بقيت إسرائيل داخل لبنان بعد الاتفاق، فهي محتلة، والكل يعلم كيف يتم التعامل معها"، داعيا الدولة اللبنانية لتحمل مسؤوليتها بدفع إسرائيل إلى الانسحاب وأن يكون موقف الدولة "صلبا وحاسما".

وقال قاسم: "نرى أن الدولة اللبنانية مسؤولة بالكامل عن متابعة ومحاولة الضغط على الاحتلال لوقف خروقاته وعدوانه".

وذكر أن "المقاومة خيار، وسنتصرف بحسب تقديرنا في الوقت المناسب، بشأن الخروقات الإسرائيلية لاتفاق وقف إطلاق النار، وإن ما يحدث من جانب الاحتلال، لا يوصف سوى بأنه عدوان، وليس ضغطا فحسب".

واستطرد: "صبرنا على انتهاكات إسرائيل حتى تقوم الدولة اللبنانية بمسؤولياتها في تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار".

وكشفت إذاعة الجيش الإسرائيلي، في 17 فبراير 2025، أن حزب الله أطلق 5 طائرات مسيرات للاستطلاع باتجاه الأراضي الإسرائيلية خلال فترة سريان اتفاق وقف إطلاق النار (3 أشهر)، نجح 4 منها في اختراق المجال الجوي الإسرائيلي.

وبحسب تقرير الإذاعة، فإن الجيش تكتم على عملية إطلاق المسيرات من الأراضي اللبنانية تجاه إسرائيل، واعترف فقط بحالة واحدة، "علما أن 4 مسيرات اجتازت المجال الجوي الإسرائيلي"، ما قد يشير لنوايا الحزب الاستعداد لاستئناف الحرب.

وحاول الرئيس عون تبريد خيار العودة للحرب، مؤكدا أنه "لا يفيد، وسنعمل بالطرق الدبلوماسية، لأن لبنان لم يعد يحتمل حربا جديدة".

كما حاول إرضاء حزب الله، ردا على الدعوات الإسرائيلية والأميركية لنزع سلاح الحزب، قائلا: أن موضوع "سلاح حزب الله سيأتي ضمن حلول يتفق عليها اللبنانيون".

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قال: "قلنا للبنانيين إن عملكم حاليا هو تفكيك حزب الله وإن لم يقوموا بذلك فسنفعل نحن".