عقبات متزايدة.. ماذا وراء تعثر اتفاق التعاون الشامل بين موسكو وطهران؟

5 months ago

12

طباعة

مشاركة

لم يتزايد حجم الشراكة الإستراتيجية في مجالات متعددة منها العسكرية بين روسيا وإيران، إلا بعد غزو أوكرانيا في فبراير/ شباط 2022 والتي بنيت وفق الخبراء على "إيجابية التعاون" بينهما في سوريا منذ عام 2015.

وتطلعت روسيا إلى إيران بحثا عن التكتيكات الجديدة والوصول إلى شبكات السوق السوداء للتغلب على العاصفة الاقتصادية التي ضربت الكرملين عقب غزو أوكرانيا أملا في مواجهة العقوبات الغربية.

ومنذ ذلك الحين وجدت روسيا وإيران أرضية مشتركة لتطوير التعاون التكتيكي إلى شراكة دفاعية كاملة يرى كل منها أنها تخدم جبهته الداخلية.

ولهذا قاد تسارع التقارب بين روسيا وإيران إلى العمل على إنجاز اتفاق تعاون شامل وإستراتيجي بين البلدين كفكرة ظهرت للعلن في سبتمبر/ أيلول 2022 عندما ناقش الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والإيراني الراحل إبراهيم رئيسي هذه القضية على هامش قمة "منظمة شنغهاي للتعاون" في سمرقند.

إلا أن مدير الإدارة الآسيوية الثانية في الخارجية الروسية، ضمير كابولوف، خرج بتصريحات لافتة لوكالة “نوفوستي” في 11 يونيو/ حزيران 2024 قال فيها إن قرار إبرام اتفاق تعاون شامل مع طهران “توقف حاليا بسبب مشاكل عند الجانب الإيراني”.

وأضاف كابولوف أن "العملية توقفت بالطبع وليس لدي أدنى شك في أنه سيتم الانتهاء منه والاتفاق على نص الاتفاقية، وبعد ذلك سيتخذ قادة البلدين قرارا بشأن موعد ومكان التوقيع".

اتفاق شامل

اللافت أن مثل هذه التصريحات المثيرة في هذا التوقيت والتي كان من المفترض أن بنود ذاك الاتفاق تدرس من قبل الجانبين، دفعت المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف، للخروج كذلك والقول في ذات اليوم، إن العمل على اتفاق تعاون بين روسيا وإيران "لا يزال مستمرا".

وأوضح بيسكوف خلال تصريحات صحفية أن “الجدول الزمني قد يتغير بسبب استعدادات إيران للانتخابات الرئاسية التي ستجرى في 28 يونيو 2024”.

كما خرج وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف وقال إن اتفاق التعاون الشامل بين روسيا وإيران "لا يمكن التوقيع عليه الآن، مع أنه تم إنجاز العمل على نصفه بالكامل".

وأضاف لافروف في مؤتمر صحفي في أعقاب اجتماع لوزراء خارجية بلدان مجموعة "بريكس" عقد في مدينة نيجني نوفغورود الروسية، في 11 يونيو 2024، قائلا: "يتبقى على طهران استكمال عدة خطوات إجرائية لتقديم نص الاتفاق الشامل للتوقيع عليه من قبل الرئيسين".

ولفت لافروف إلى أن روسيا أكدت خلال اجتماع مع القائم بأعمال وزير الخارجية الإيراني علي باقري كاني التزامها بهذه الوثيقة "التي تهدف إلى رفع العلاقات الروسية الإيرانية إلى مستوى مختلف تماما".

وكشف كلام لافروف عن عجز الحكومة الإيرانية على مدار عامين من تسوية القضايا الإجرائية التي تتعلق باتفاق التعاون الشامل بين موسكو وطهران.

إذ بدا أن هذا الاتفاق يحمل في طياته كثيرا من العقبات والمعوقات التي أجلت كثيرا التوقيع عليه من قبل قيادة البلدين رغم زيارة الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي الذي قتل في تحطم مروحيته شمال غربي البلاد في 19 مايو/ أيار 2024، إلى موسكو في 7 ديسمبر 2023 ولقائه بوتين.

وطورت روسيا وإيران علاقات وثيقة في السنوات الأخيرة، وعارضتا ما تعدانه سياسة خارجية أميركية ضارة في محاولة لإقامة ما تقولان إنه نظام عالمي متعدد الأقطاب أكثر عدالة.

وقد بنى بوتين، الذي تخضع بلاده لمجموعة من العقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة بسبب غزوه لأوكرانيا شراكة وثيقة مع إيران، بما في ذلك بالمجال العسكري.

وفي الوقت الحالي، تزود إيران روسيا بطائرات بدون طيار، وذخائر جو-أرض، وذخائر مدفعية لاستخدامها في أوكرانيا، وتقوم ببناء مصنع لإنتاج الطائرات بدون طيار داخل الأراضي الروسية.

وفي نوفمبر 2023، كشفت الحكومة الأميركية عن معلومات استخباراتية مخففة تفيد بأن إيران تفكر في تزويد روسيا بصواريخ باليستية. 

في المقابل، يبدو أن موسكو مستعدة لتقديم طائرات مقاتلة من طراز Su-35 وتحديث أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية.

وهناك أيضا دلائل تشير إلى أن تبادل التكنولوجيا العسكرية يمتد إلى الإلكترونيات والرادارات الأخرى والمروحيات الهجومية.

سلبية وعقبات

لكن اليوم بدا أن مصير المعاهدة الرئيسة "اتفاق تعاون شامل" التي ينبغي أن تحدد العلاقات بين روسيا وإيران لعقود من الزمن ما تزال بحاجة لمزيد من المراجعات.

إذ لم يكن يجرى الحديث عن اتفاق دبلوماسي عادي بين موسكو وطهران منذ الإعلان عن سعي البلدين لتوقيع مثل هكذا اتفاق إستراتيجي.

بل كان الكلام يدور حول نوع خاص من المعاهدة التي ينبغي لها أن تحدد العلاقات بين البلدين لعقود قادمة، والتي ستكون في صلب التطورات المستقبلية اللاحقة التي تواجه روسيا وإيران اللتين تتشاركان تضارب المصالح مع الولايات المتحدة والأوروبيين. 

ويحتم اتفاق شامل كهذا أن يوضح الديباجة العريضة التي على أساسها يتم إنشاء التحالف الإستراتيجي بين روسيا وإيران، وأن تدرج البرامج المصممة لفترة طويلة من التنفيذ، سواء السياسية أو الاقتصادية أو العسكرية أو الثقافية. 

وضمن هذا السياق، رأى الكاتب المهتم بالشأن الإيراني، عمار جلو، "أن إيران ترغب في توقيع اتفاقية تعاون شامل مع روسيا، وخاصة من قبل الجناح المتشدد، لكن بالمقابل هناك من يعارض هذا التوقيع من بوابة عدم دخول طهران في شراكات تفرض عليها التزامات قد تخفف مكاسبها في مواضع معينة أو تزيد عليها عبء الالتزامات".

وأضاف جلو لـ"الاستقلال" أن "إيران تنظر إلى نفسها أنها لا تمتلك حليفا منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية وهي بحاجة لحليف".

واستدرك قائلا: "بالمقابل الروس يحاولون التمهل في التوقيع على اتفاق التعاون الشامل مع طهران، حيث ترى موسكو أن توقيعها على مثل هذه الاتفاقية سيؤدي إلى شيء من السلبية على علاقاتها مع الدول العربية والخليجية خاصة وكذلك مع إسرائيل".

ونوه جلو إلى أن "روسيا تحاول أن تحصل على علاقات مع معظم الأطراف وخاصة عقب غزو أوكرانيا لا سيما الخليجية وإسرائيل، إذ تنظر موسكو إلى إسرائيل كمنفذ على الغرب في حال المفاوضات، وتنظر إلى دول الخليج كساحة لفك العزلة والتجاوب في تحديد أسعار النفط وغيرها".

ورأى أن "موسكو ترى وجود ثغرات في الاتفاق الشامل مع طهران قد تؤدي إلى إشكاليات في العلاقة مع الصين حال وقوع تصرفات إيرانية مزعزعة لاستقرار المنطقة لا سيما أن اتفاقيات كهذه تفرض على روسيا تزويد إيران بأسلحة وغيرها".

خطوة إستراتيجية

وذهب جلو للقول: "ما يجرى الحديث عنه ربما سيقود إلى اتفاق جديد أو تجديد لاتفاقية سابقة موقعة عام 2001، لا سيما أن العلاقة بين روسيا وإيران قائمة على استثمار كل طرف للطرف الأخرى لحالة الضغط على الغرب والحصول على مكاسب".

ووقعت روسيا وإيران لأول مرة، في 12 مارس 2001، على اتفاقية عنوانها "قانون الاتفاقية الأساسية للعلاقات المتبادلة ومبادئ التعاون"، ولمدة 10 سنوات، وإذا لم يقم أي من الطرفين بإخطار الطرف الآخر كتابيا بنيته إنهاء الاتفاقية قبل عام واحد على الأقل من انتهاء سريانها، فسيتم تمديدها تلقائيا لمدة 5 سنوات.

وتضم الاتفاقية مقدمة و21 مادة، وتنص المادة السادسة منها، على أن "يتعاون الطرفان بهدف توسيع علاقات طويلة الأمد لتنفيذ مشاريع مشتركة في مجالي النقل والطاقة (بما فيها الطاقة النووية)، بما في ذلك الاستخدام السلمي للطاقة النووية وبناء محطات الطاقة النووية والصناعات والعلوم والتكنولوجيا والزراعة والصحة العامة". 

ومما لا شك فيه، أن تصاعد التوتر بين روسيا والغرب في الساحة الأوكرانية، ودخول إيران على خط تزويد موسكو بالأسلحة الأمر الذي زاد جرعات العقوبات الأميركية والبريطانية والأوروبية على طهران.

كما أن التسارعات الكبيرة التي حدثت في الشرق الأوسط ودخول إيران في مواجهة محدودة مع إسرائيل ردا على اغتيال الأخيرة لقادتها في سوريا واضطرارها للرد في 13 أبريل 2024 عبر توجيه أكثر من 300 صاروخ وطائرة مسيرة اتجاه إسرائيل، ربما قد تدفع روسيا لمراجعة مثل هذا الاتفاق الشامل.

وضمن هذه الجزئية، يرى الصحفي بقناة "إيران إنترناشيونال" المعارضة رضا طالبي، "أن تعثر الاتفاق الإستراتيجي بين إيران وروسيا، قد تكون خطوة إستراتيجية من قبل بوتين لممارسة المزيد من الضغط على إيران المعزولة، واكتساب النفوذ في الاتفاق وتثبيط إيران عن التفاوض مع الغرب".

وأضاف طالبي في تصريحات صحفية في 11 يونيو 2024: "إنها رسالة من بوتين إلى طهران، يحذرهم فيها من تغيير سياساتهم، خاصة فيما يتعلق بأوكرانيا والصراع في غزة، بالإضافة إلى ذلك، تهدف إلى الضغط على الحكومة الإيرانية القادمة للدخول في مفاوضات لضمان شروط أكثر ملاءمة".