انتخابات كردستان العراق.. ماذا عن خريطة الحكم بعد صعود المعارضة؟
الحزبان الرئيسان لم يحققا أغلبية تسمح لهما بتشكيل حكومة وحدة
بعد تأجيلها لمدة عامين تقريبا، حيث كانت مقررة عام 2022، انتهت نتائج انتخابات برلمان إقليم كردستان في العراق، بتفوق تقليدي لـ"الحزب الديمقراطي الكردستاني" الحاكم بنسبة 40 بالمئة.
تلاه في المركز الثاني "الاتحاد الوطني الكردستاني" بنسبة 20 بالمئة، ليتقاسم معه النفوذ، وتستمر النزاعات والانقسامات بينهما دون حصول أحدهما على الأغلبية.
فيما تقدمت قوى معارضة أبرزها حزب "الجيل الجديد" و"الاتحاد الإسلامي"، اللذين حصدا 15 و7 مقاعد على التوالي، أي قرابة ربع عدد مقاعد البرلمان المكون من 100.
هذا مؤشر على أن الانتخابات قد تعيد ترتيب تقاسم السلطة بين الثنائي الحاكم المهيمن على كردستان منذ حصولها على الحكم الذاتي عام 1991، رغم الخلاف المتزايد بينهما.
لكن، تقلص مقاعد الحزبين الرئيسين، كان واضحا بسبب تحميلهما مسؤولية تدهور الأوضاع الاقتصادية، منذ حجب بغداد تصدير نفط كردستان، وانتشار الفساد.
ما حجم التغيير؟
ففي حين يواصل الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة عائلة بارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة عشيرة طالباني، الهيمنة على المشهد السياسي، كان من غير المتوقع حدوث تغيير كبير في الانتخابات.
ولكن يرى محللون أكراد أن النتائج قلصت نفوذهما نسبيا؛ فبحسب بيان مفوضية الانتخابات العراقية، فاز الحزب الحاكم (الديمقراطي الكردستاني) بأغلبية المقاعد وهي 39 من أصل 100 في انتخابات 20 أكتوبر/تشرين أول 2024، لكنه خسر 6 مقاعد عن نتائج 2018.
وكان هذا الحزب يتمتع في البرلمان المنتهية ولايته، بغالبية نسبية من 45 مقعدا، وأقام تحالفات مع نواب انتُخبوا بموجب نظام حصص مخصصة للأقليتين المسيحية والتركمانية، ما يعني أنه فقد 6 مقاعد في انتخابات 2024.
أيضا جاءت نتائج حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي حل ثانيا، ضعيفة، حيث حصل على 23 مقعدا في البرلمان، بعدما كان له 21، أي بزيادة مقعدين فقط.
لكن حزب الجيل الجديد، الذي يعد منافسا لـ"الاتحاد الوطني" في معقله بمدينة السليمانية، والذي جاء في المركز الثالث فاز بـ 15 مقعدا، مقارنة بـ 8 في البرلمان السابق.
وحل الاتحاد الإسلامي الكردستاني (الإخوان المسلمين) رابعا بحصوله على 7 مقاعد، بعد أن كان له 5 في انتخابات 2018.
وبهذه النتيجة، قفز الاتحاد الإسلامي إلى المرتبة الرابعة، بعد أن كان في المرتبة السادسة خلال الدورة الانتخابية السابقة.
ومني حزب "التغيير" بهزيمة في الانتخابات حيث حصل على نحو 11 ألف صوت فقط محققا مقعدا واحدا بينما كان يملك 12 في انتخابات 2018.
بينما خسرت جماعة العدل الكردستانية الإسلامية المعارضة 4 مقاعد من مقاعدها السبعة، التي كانت تمتلكها في البرلمان السابق.
وحلت في المرتبة السادسة بعد "تيار الموقف" الذي يتزعمه النائب السابق في حركة التغيير، علي حمه صالح، الذي حصل على 4 مقاعد.
وحصل حزب الجبهة الشعبية على مقعدين، فيما فاز حزب تحالف إقليم كردستان بمقعد واحد.
وبلغت نسبة المشاركة النهائية في انتخابات برلمان كردستان، 72 بالمئة بحسب المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق.
وخاض الانتخابات 14 حزبا وتيارا سياسيا إلى جانب مستقلين في الدورة الانتخابية الحالية في الإقليم.
أزمات قادمة
ووفق النتائج، لا تلوح في الأفق تغييرات جذرية على الوضع السياسي في الإقليم، فلم يحصل أي من الحزبين الرئيسين، الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني، على الأغلبية، التي تمكن أحدهما من تشكيل الحكومة، إلا بالاتفاق فيما بينهما أو بين أحدهما والأطراف السياسية الأخرى.
والرهان هنا قد يكون على تحالف "الاتحاد الديمقراطي" مع غريمه "الاتحاد الوطني" بقيادة بافل جلال طالباني الذي حصل على 23 مقعدا.
لكن أبرز تغيير شهدته خريطة توزيع مقاعد برلمان الإقليم المقبل، بحصول حزب "الجيل الجديد" على 15 مقعدا، هي ضعف ما كان يمتلكه من مقاعد في الدورة البرلمانية السابقة.
والإسلاميون الذين ارتفعت شعبيتهم ممثلون في "الاتحاد الإسلامي" (7 مقاعد)، ما يطرح احتمالات مشاركتهم في الحكومة، رغم توقعات أن يختارا لعب دور قيادة المعارضة البرلمانية في المرحلة المقبلة.
إذ لا يميل الإسلاميون للمشاركة في الحكومة المقبلة بسبب الاستياء من أحزاب السلطة وعدم الرغبة في الاصطفاف مع الحزبين الحاكمين.
لكن المشكلة الأكبر هي بين الحزبين الرئيسين (الديمقراطي والوطني)، حيث ينتظرهما صراع سياسي وأزمة قانونية تنال كل إقليم كردستان عقب انتهاء الانتخابات، وفق موقع "كوردو" 23 أكتوبر 2024.
الأزمة تتمثل في آلية انتخاب رئيس الإقليم، التي مازالت محل جدل وخلاف، وهل يجرى حسمها بالأغلبية النسبية أم المطلقة، في ظل عدم وجود دستور خاص بالإقليم، من شأنه أن ينظم ذلك.
إذ يطالب الحزب الديمقراطي الكردستاني، بتمرير المناصب وفق الأغلبية النسبية، بحيث يذهب منصبا الرئيس ورئيس الحكومة لحزبه فيما يكون منصب رئيس البرلمان من نصيب الاتحاد الوطني، الأمر الذي يرفضه الأخير، ويهدد باللجوء للمحكمة الاتحادية العراقية.
ويقول الخبير في الشأن القانوني، بكر حمه صديق، لموقع "كوردو" إن "ما ينطبق على رئاسة الجمهورية، ينطبق على رئاسة إقليم كردستان، فرئيس الإقليم يحتاج إلى أغلبية الثلثين، وهذا الأمر سيعقد المسألة ويؤخر تشكيل الحكومة".
لكن الخبير القانوني ريبين أحمد، يرى أن "إقليم كردستان لا يوجد فيه دستور، والمادة 17 من قانون رئاسة الإقليم حددت انتخابه بأغلبية الأعضاء، دون أن تحدد كونها مطلقة أو نسبية".
أوضح أنه "في الدورة السابقة، انتخب رئيس كردستان بأغلبية نسبية، وبما أن الإقليم لا يوجد فيه دستور، فإنه حاليا يعتمد على قانون الرئاسة وبانتظار البرلمان المقبل لتشريع الدستور الخاص به لحل كل هذه الإشكاليات القانونية".
ويسيطر الحزب الديمقراطي الكردستاني حاليا، على رئاستي الجمهورية والحكومة، وهذه المناصب يعدها سيادية ومن حقه، فيما هدد الاتحاد الوطني بأن يغير الأدوار بعد هذه الانتخابات بحصوله على أحد المنصبين.
كما يتقاسم الحزبان الكرديان الحاكمان، النفوذ في مدن الإقليم، فالديمقراطي يسيطر على محافظتي أربيل ودهوك، فيما يسيطر الاتحاد الوطني على محافظتي السليمانية وحلبجة.
كما أن الحزبين يتقاسمان النفوذ في أغلب المناصب الأمنية والاقتصادية، حيث يمتلك الحزب الديمقراطي جهاز آسايش (الأمن الداخلي) وقوات بيشمركة خاصة به، ومثله الاتحاد الوطني.
لهذا يتوقع المختصون بالشأن السياسي الكردي أن تأتي عملية تشكيل الحكومة الجديدة بعد مخاض عسير قد يستغرق عدة أشهر، بسبب الخلافات بين الأطراف السياسية، خاصة بين الحزبين الرئيسين، إلى جانب الظروف الإقليمية والدولية.
وهو ما دعا أميركا وفرنسا وبريطانيا، رعاة فصل كردستان عن العراق، لتشجيع الكرد الفائزين على تسريع تشكيل حكومة جديدة لدعم الاستقرار.
خسارة لإيران؟
ولوحظ في هذه الانتخابات فشل الشيعة والقوى المقربة من بغداد أو طهران في إحداث تغيير كبير، لذا عدّ محللون ذلك خسارة انتخابية للموالين لهما.
وجرت الانتخابات في وقت حساس وتوترات شديدة بالمنطقة في ظل العدوان الإسرائيلي وتخوفات في كردستان من امتداده إلى العراق بعدما طال سوريا واليمن ولبنان وغزة.
وكانت هناك رغبة كردية في الابتعاد عن الصراع وألا ينال الإقليم، رغم التعاطف الشعبي الكبير مع القضية الفلسطينية، بخلاف ما يبطنه الحكام الموالون للغرب وإسرائيل.
فقد أشيعت أنباء عن دعم أحزاب موالية لإيران في بغداد، للاتحاد الوطني الكردستاني، وحين لم يحل ذلك دون تقدم الحزب الديمقراطي الكردستاني (الحاكم) وفوزه بأغلبية، عدّ مراقبون ذلك خسارة لطهران وشيعة العراق.
قالوا إن إيران وأحزاب بغداد الشيعية كانت ترغب في تعظيم أو تثبيت نفوذها في إقليم كردستان العراق ضمن سياق إقليمي وفي ظل التطورات الحالية في الشرق الأوسط كله، ولكن نتائج الانتخابات تشير لفشل طهران في ذلك.
إذ اختار الأكراد "الحزب الديمقراطي" العلماني الأقرب إلى الغرب والقادر على موازنة مصالح الإقليم مع إيران ومع أحزابها ومليشياتها الحاكمة في بغداد.
وكان فوز حزب الاتحاد سيعني آليا وضع الإقليم تحت نفوذ إيران وتقوية الحكومة المركزية التي سحبت من كردستان عناصر قوتها، أي تصدير النفط والتصرف في عائداتها، وفق صحيفة "العرب" الإماراتية 25 أكتوبر 2024.
وسبق أن قررت سلطات السليمانية، التي يسيطر عليها حزب الاتحاد، إجبار مسلحي الأحزاب الكردية المعارضة لإيران وكوادرها على إخلاء جميع مقارهم قسرا في جنوبي السليمانية ونزع أسلحتهم.
وضمن لعبة الصراع بين الحزبين، بادر الاتحاد الوطني الكردستاني يوم 25 أكتوبر 2024 لإغلاق جميع فروع مشروع "حسابي" في محافظة السليمانية، في خطوة تصعيدية يحاول من خلالها الضغط للحصول على ما خسره بالانتخابات، وفق صحف.
ومشروع "حسابي" مهم بالنسبة إلى حسابات الحزب الديمقراطي الكردستاني الفائز بالانتخابات، والذي يهدف إلى بناء منظومة مالية في الإقليم لا تكون مرتبطة بالحكومة المركزية في بغداد حيث تزايد النفوذ الشيعي والإيراني.
ويرى مراقبون أن خطوة الاتحاد الوطني هي مناورة سياسية تمهيدا لدخوله في مفاوضات تشكيل الحكومة.
كما تهدف إلى تعزيز مكانته في تشكيلة الحكومة الجديدة والتعامل معه كقوة فاعلة في إقليم كردستان، وفق "العرب".
تغيير "اقتصادي"
ويرى محللون وصحفيون عراقيون وكرد أن جانبا من خسارة الحزب الحاكم 6 مقاعد مقارنة بانتخابات 2018، وتفوق أحزاب معارضة مثل "الجيل" و"الاتحاد الإسلامي" يرجع في جانب منه لرغبة الأكراد في التغيير.
ويرون أن تدهور أحوال الأكراد في السنوات الأخيرة مثل تأخر المرتبات وغياب الكهرباء والفساد وتدهور الحياة الاقتصادية يمثل أحد هذه الأسباب.
وعلى الرغم من ثرواتها النفطية، تواجه المنطقة الكردية مشاكل اقتصادية كبيرة، مثل تأخير دفع رواتب الموظفين الحكوميين، وتقلب أسعار النفط، وخفض الميزانية من جانب بغداد، وفق وكالة "أسوشيتد برس" الأميركية 21 أكتوبر 2024.
ويشعر الأكراد باستياء عميق إزاء تراجع الاقتصاد ونقص الفرص، ويلقي كثيرون باللوم على الزعماء السياسيين في سوء الإدارة، ويطالب العديد من الناخبين، وخاصة جيل الشباب، بإجراء إصلاحات لمعالجة هذه المشكلات.
كما أن الفساد من بين القضايا المركزية في الانتخابات، فعلى مدى سنوات، واجهت الحكومة الإقليمية اتهامات بالمحسوبية والافتقار إلى الشفافية.
وتقول الوكالة الأميركية إن العديد من الناخبين فقدوا الأمل في الإصلاحات، كما يشككون في قدرة أحزاب المعارضة على إجراء تغييرات، نظرا للسيطرة طويلة الأمد للحزبين الرئيسين على المشهد السياسي.
وفي بعض المناطق، تتأثر الانتخابات الحالية بشكل كبير بالمخاوف الأمنية؛ حيث لا تزال خلايا نائمة تابعة لتنظيم الدولة نشطة في المناطق المتنازع عليها بين الحكومتين الإقليمية والمركزية.
وزاد القلق أن الانتخابات البرلمانية الإقليمية جرت في ظل أزمة اقتصادية تفاقمت بسبب توقف صادرات النفط، عبر تركيا، بطلب من حكومة بغداد، وهو مصدر حيوي للإيرادات في المنطقة.
إذ أوقفت تركيا تدفقات النفط عبر خط أنابيب إقليم كردستان في مارس/آذار 2023، بعد حكم صادر عن غرفة التجارة الدولية أمر أنقرة بدفع 1.5 مليار دولار لبغداد مقابل الصادرات غير المصرح بها من قبل حكومة الإقليم.
وجاءت الانتخابات في سياق نزاعات مستمرة منذ عقود بين إقليم كردستان والحكومة الاتحادية في العراق.
إذ تلقي حكومة إقليم كردستان باللوم في مصائبها على الجهود المتضافرة التي تبذلها القوى الشيعية لتقليص الحكم الذاتي الكردي، وفق “المجلس الأطلسي” للدراسات 18 أكتوبر 2024.
وفي فبراير/شباط 2022 أعلنت حكومة إقليم كردستان، رفضها لقرار اتخذته المحكمة الاتحادية، بتسليم نفطه إلى الحكومة الاتحادية في بغداد، وترى أنه "غير دستوري".
المصادر
- Final Results: Complete breakdown of Kurdistan Parliament's Sixth Cycle Election Outcomes
- Iraq’s Kurdish region goes to the polls with a flagging economy and political
- The Kurdistan Region of Iraq is finally having its election. Here’s how it’ll play out.
- صراع سياسي وأزمة قانونية بانتظار إقليم كردستان عقب انتهاء الانتخابات
- الاتحاد الإسلامي يرفع عدد مقاعده إلى 7 في البرلمان الجديد