مصر تحرك بيادقها بالقرن الإفريقي.. كيف تصاعد نشاطها المتأخر ضد إثيوبيا؟

داود علي | 2 months ago

12

طباعة

مشاركة

فصل جديد من التوتر تشهده منطقة القرن الإفريقي على خلفية تحركات مصرية عسكرية داعمة للصومال الذي يشهد توترا مع إثيوبيا.

إذ أعلنت وزارة الخارجية المصرية في 23 سبتمبر/ أيلول 2024، إرسال سفينة حربية محملة بشحنة أسلحة إلى الصومال.

تصاعد التوتر

وذكرت وكالة "رويترز" البريطانية في تناولها للخبر، بأن الشحنة المصرية تشمل مدافع مضادة للطائرات وأسلحة مدفعية.

وأضافت أن الخطوة المصرية المتقدمة من المرجح أن تفاقم التوتر بينها وبين إثيوبيا، التي تعد الوجود العسكري المصري في القرن الإفريقي، تهديدا مباشرا لأمنها القومي. 

لا سيما أنها جاءت بعد إعلان الخارجية الصومالية قبلها بأيام أن إثيوبيا أرسلت شحنات أسلحة إلى إقليم أرض الصومال غير المعترف به، ما يهدّد الأمن الإقليمي.

وقد نشر وزير الدفاع الصومالي، عبد القادر محمد نور، عبر منصة إكس تغريدة يقول فيها: “لقد تجاوزت الصومال المرحلة التي كانت تُفرض عليها الأوامر وتنتظر تأكيدات الآخرين على من ستتعاقد معه”.

وأكمل: "نحن نعرف مصالحنا وسنختار بين حلفائنا وأعدائنا.. شكرا مصر".

وتنشط الدبلوماسية المصرية بقوة حول إثيوبيا، فيما يظهر أنه إستراتيجية جديدة للضغط على أديس أبابا، على خلفية أزمة سد النهضة الممتدة لأكثر من 13 عاما. 

ورغم أن القاهرة تأخرت في التعامل مع الخطر الإثيوبي، فإن خطتها الحالية تؤكد أنها عازمة على التصعيد لأبعد مدى. 

وسبق أن نقلت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" عن “آبل آياتي ديميسي” الخبير في برنامج إفريقيا بمركز "تشاتام هاوس" بلندن، أن "الأزمة قد تتفجر وتذهب الأوضاع إلى أبعد من المتوقع وتحدث مواجهة مباشرة بين مصر وإثيوبيا".

فكيف تحركت مصر في الفترة الأخيرة داخل القرن الإفريقي ودول حوض النيل؟ وما هو رد الفعل الإثيوبي؟ 

تهديد ووعيد 

بناء على التحركات المصرية الأخيرة نشرت وسائل إعلام عربية عن تهديد ووعيد ما بين القاهرة وأديس أبابا. 

وكشفت صحيفة "العربي الجديد" في 24 سبتمبر 2024، بأن مصر تلقت رسالة تحذيرية وجهتها إثيوبيا عبر جيبوتي.

وقالت في الرسالة: "إن أي قوات عسكرية مصرية تمس بمصالح أديس أبابا في الصومال، لن تكون في منأى عن التعامل معها". 

وجاءت الرسالة في أعقاب دخول البروتوكول العسكري الصومالي المصري حيز التنفيذ، وإرسال القاهرة معدات عسكرية إلى مقديشو، وانتشار قطع بحرية مصرية قبالة السواحل الصومالية. 

في المقابل، ردت مصر بحسب مصادر مصرية وجيبوتية في القاهرة بأنها "مستعدة للتصعيد والرد بقوة على أي محاولة للمساس بالوجود العسكري المصري في الصومال أو بالمصالح الصومالية".

ما يؤكد تلك المخاوف أن السفارة المصرية في مقديشو، دعت في 22 سبتمبر، جميع المصريين إلى عدم السفر لإقليم أرض الصومال بدعوى عدم استقرار الوضع الأمني هناك، وحفاظا على سلامتهم.

وناشدت السفارة المصريين الموجودين في الإقليم بالمغادرة في أقرب فرصة ممكنة عبر مطار "هرجيسا".

كما أكدت أن الوضع الأمني الحالي في الإقليم يحد من القدرة على تقديم أي مساعدات قنصلية للمصريين هناك.

وقد بدأت التطورات تأخذ منحى مختلفا في 14 أغسطس/ آب 2024، عندما أبرمت الصومال اتفاقا عسكريا مع مصر.

في أواخر الشهر نفسه، أفادت مصادر دبلوماسية وحكومية صومالية بأن مصر قدمت مساعدات عسكرية للصومال.

فلأول مرة منذ أكثر من 4 عقود نقلت طائرات شحن عسكرية مصرية، أسلحة ومعدات إلى مقديشو.

زيارة مصرية 

لكن على جبهة أخرى كان النشاط المصري ملحوظا ولافتا، تحديدا في 14 سبتمبر 2024.

وذلك عندما توجه رئيس جهاز المخابرات المصرية اللواء عباس كامل، على رأس وفد رفيع، يضم وزير الخارجية بدر عبد العاطي، إلى إريتريا. 

وجرى عنونة هدف الزيارة بأنه بحث استعادة الملاحة عبر باب المندب وتطورات الأوضاع في الصومال.

والتقى الرئيس الإريتري "إسياس أفورقي" بعباس كامل الذي يوصف بأنه الذراع اليُمنى لرئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي.

إذ نقل إليه تأكيد السيسي على دعم وتطوير العلاقات الثنائية بين البلدين في مختلف المجالات.

بما فيها المجالات العسكرية والدفاعية، بالإضافة إلى متابعة التطورات السياسية والأمنية في منطقة القرن الإفريقي. 

ولإريتريا مكان مميز في القرن الإفريقي، فهي تقع غرب البحر الأحمر، وتحدها من الجنوب الشرقي جيبوتي، ومن الشرق والشمال البحر الأحمر، ومن الشمال والغرب السودان، ومن الجنوب إثيوبيا.

ويشكل الموقع الجغرافي لإريتريا أهمية بالغة كونها تشرف على الجزيرة العربية، وتعد البوابة الشرقية لإفريقيا، وتتحكم في مضيق باب المندب. 

تطويق إثيوبيا 

وتبدو إثيوبيا متحفزة بقوة تجاه النشاط المصري الذي يسعى إلى تطويقها عبر دول القرن الإفريقي أو وسط إفريقيا. 

وهو ما دعا "بروك هايلو" مستشار رئيس الوزراء الإثيوبي "آبي أحمد" لإجراء حوار عبر التلفزيون الإثيوبي في 20 سبتمبر معقبا فيه على التعاون المصري مع عدة دول في المنطقة.

وقال في المقابلة إن "إثيوبيا يجب أن تستولي على مزيد من الأراضي ليس فقط في الصومال، ولكن أيضا في إريتريا والسودان".

ومنذ عام 2021 اختلفت إستراتيجية التعامل المصري مع الملف الإفريقي، وبدأ الصعود عن طريق القوات المسلحة في القرن الإفريقي وحوض النيل.

إذ تبنت المؤسسة العسكرية المصرية إستراتيجية الشراكات ومذكرات التفاهم الدفاعي مع دول القارة، تحديدا القريبة من بؤرة النزاع مع إثيوبيا. 

وكان على رأس تلك الدول السودان، بصفتها الشريك الأهم لمصر في أزمة سد النهضة.

وفي 4 أبريل/ نيسان 2021، قال رئيس الأركان المصري آنذاك الفريق محمد فريد حجازي، في ختام التدريب الروتيني المشترك "نسور النيل 2" بقاعدة “مروى” السودانية إن الجيشين المصري والسوداني "في خندق واحد".

اختراق الدرع الإثيوبي

بعدها في 8 أبريل 2021، أعلنت أوغندا عبر قوات الدفاع  توقيع اتفاقية لتبادل المعلومات العسكرية مع مصر.

كذلك وقعت مصر وكينيا في 26 مايو/ أيار 2021، اتفاقية للتعاون الدفاعي بحضور كل من رئيس أركان القوات المسلحة المصرية، ووزير الدفاع الكيني، ورئيس أركانه.

وفي 18 يونيو/حزيران 2023، أصدر المتحدث باسم الجيش المصري العقيد غريب عبد الحافظ، بيانا يؤكد فيه توقيع وزير الدفاع آنذاك محمد زكي، مع نظيره الزامبي، مذكرة تفاهم في مجال التعاون والتدريب العسكري.

ووصف الأمر بأنه جاء وسط تعاظم الشراكات المصرية الإفريقية في السنوات الأخيرة.

وجاءت تحركات المؤسسة العسكرية المصرية والتكثيف من اتفاقياتها الدفاعية مع دول القارة الإفريقية تحت دافع اختراق الدرع الإثيوبي المهدد لأخطر قضايا الأمن القومي المصري وهو النيل. 

فعبر سنوات انتهج نظام عبدالفتاح السيسي ووزارة خارجيته "دبلوماسية مرتبكة"، في علاج أزمة سد النهضة، التي تهدد شريان حياة المصريين المتمثل في نهر النيل.

وتعليقا على تلك التحركات قال رئيس المؤسسة العربية للدراسات الإستراتيجية في القاهرة العميد سمير راغب، إن "زمن اعتماد مصر على إرسال الرسائل السياسية أو المعنوية لإثيوبيا قد انتهى، وهي حاليا تعتمد سياسة الأفعال لا الأقوال".

لكنه استطرد في حديث لموقع "بي بي سي" البريطاني، في 23 سبتمبر 2024، أن خيار المواجهة المباشرة والدخول في حرب مع إثيوبيا ليس مطروحا لدى بلاده على الأقل.

وأتبع: "رغم كل استفزازات أديس أبابا ومخالفتها كل الاتفاقيات الدولية، بشأن سد النهضة، تحرص مصر دائما على سياسة عدم الاعتداء".

يذكر أنه 22 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، قال رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد: "إذا كانت هناك ضرورة للحرب فنستطيع حشد الملايين، وإذا كان البعض يستطيع إطلاق صاروخ، فالآخرون قد يستخدمون القنابل، لكن هذا ليس في مصلحتنا جميعا".