الترحيل يقترب.. ماذا يعني تسليم الأمم المتحدة بيانات لاجئي سوريا للبنان؟
تواصل الحكومة اللبنانية التي تسيطر عليها جماعة "حزب الله" تدعيم أوراقها أكثر فأكثر بما يخص اللاجئين السوريين المقيمين على أراضيها، عبر مزيد من التحكم بملفهم، ومن ثم إعادتهم فريسة إلى نظام بشار الأسد.
وفي خطوة ينظر إليها "بعين الخشية" من دلالاتها في هذا التوقيت، كشف الأمن العام اللبناني تسلمه قاعدة البيانات الخاصة باللاجئين السوريين على أراضيه من مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.
بيانات اللاجئين
وقالت الناطقة باسم مفوضية اللاجئين في لبنان، ليزا أبو خالد إنه "تمت مشاركة البيانات الحيوية الأساسية مع حكومة لبنان دفعة واحدة".
وادعت أبوخالد في تصريحات صحفية بتاريخ 13 ديسمبر/كانون الأول 2023 أن "البيانات لا تتضمن معلومات أو بيانات حساسة يشاركها اللاجئون مع المفوضية".
وأشارت إلى أن "الحكومة اللبنانية التزمت بعدم استخدام أي بيانات يتم مشاركتها لأغراض تتعارض مع القانون الدولي، وأكدت من جديد التزامها بمبدأ عدم الإعادة القسرية وموجباته بحسب القانون الدولي".
وجاءت هذه الخطوة وسط تململ حكومة لبنان من اللاجئين السوريين، والتي طلبت من المفوضية الأممية نهاية عام 2022 الحصول على بيانات اللاجئين بحجة "تنظيم الوجود السوري" في لبنان، إلا أنه لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأن تسليمها إلا في أغسطس/ آب 2023.
وبحسب بيانات رسمية، يوجد حوالي مليوني لاجئ سوري على الأراضي اللبنانية، نحو 830 ألفا منهم مسجلون لدى الأمم المتحدة منذ توقف لبنان عن استقبالهم رسميا في عام 2015 بعدما بدأ السوريون يفرون من بطش أجهزة نظام الأسد الأمنية عام 2011 إبان اندلاع الثورة السورية.
ومنذ سنوات بدأ لبنان في رفع صوته عاليا إزاء وجود اللاجئين السوريين، إذ طالب المجتمع الدولي بإعادتهم إلى مدنهم، بغض النظر عن تحقيق انتقال سياسي وبيئة آمنة ومستقرة كما تنص القرارات الأممية.
وأمام ذلك، ضغطت حكومة لبنان باتجاه الحصول على بيانات اللاجئين السوريين تحت ذريعة "معالجة ملف اللجوء وضبطه، بحيث يمكن من خلال البيانات المتعلقة باللاجئين الموجودين في لبنان تصنيف هؤلاء ومعرفة أسباب نزوحهم والمناطق التي نزحوا منها".
وبالتالي تتمكن حكومة لبنان مِن تحديد من تسقط عنه صفة اللجوء ومن لا يحق له من هؤلاء تلقي مساعدات أممية أو بات بإمكانه العودة لبلده.
وتزامن ذلك، مع تنامي النظرة السلبية لوجود اللاجئين السوريين داخل لبنان من بعض القوى السياسية أخيرا، لدرجة أن نوابا في البرلمان اللبناني تقدموا في 25 يوليو/تموز 2023 بعريضة إلى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي طالبوا فيها بـ "اتخاذ القرار العاجل بنزع صفة اللجوء عن السوريين الموجودين في لبنان".
وعزت العريضة الإجراء المطلوب إلى "انتفاء الأسباب والشروط والمبررات، واتخاذ ما يلزم من إجراءات لإعادتهم إلى ديارهم".
إلا أن منظمات حقوقية ودولية تحذر من عمليات ترحيل "قسرية"، وتشدد على أن توقف المعارك بسوريا منذ منتصف عام 2020 لا يعني أن ظروف عودة اللاجئين باتت آمنة في ظل بنى تحتية متداعية وظروف اقتصادية صعبة وملاحقات أمنية وعمليات توقيف تنال أحيانا عائدين إلى سوريا.
ويدرك كثير من القوى اللبنانية أن عودة اللاجئين السوريين في هذا التوقيت غير مكتملة الشروط والأركان من جميع النواحي الأمنية والخدمية.
لكن مع ذلك لا يكف قادة الأحزاب المقربة من نظام الأسد عن "شيطنة وجود اللاجئين السوريين" وتحميلهم وزر المشاكل الاقتصادية في لبنان.
بل وصل الأمر لحد اتهام رئيس "التيار الوطني الحر" في لبنان، جبران باسيل المقرب من رأس النظام السوري بشار الأسد، الدول الغربية، بالعمل على تثبيت اللاجئين السوريين في لبنان عبر مفوضية الأمم المتحدة التي قال إنها "تمول بقاءهم"، واصفا السلوك الدولي بأنه بات أقرب إلى "المؤامرة" على لبنان وسوريا.
وقال باسيل في كلمة بافتتاح "منتدى البلديات حول النزوح السوري"، الذي نظّمه "التيار الوطني الحر في 17 ديسمبر 2023: "إننا أمام سلوك دولي هو أقرب الى المؤامرة على لبنان وسوريا وصار مصدر خطر على وجود لبنان".
على الجانب الآخر، فإن رئيس النظام السوري بشار الأسد خلال مقابلة له مع قناة "سكاي نيوز عربية" بتاريخ 9 أغسطس/آب 2023، قال إن البنى التحتية المدمرة بفعل سنوات الحرب تشكل التحدي الأبرز الذي يعيق عودة ملايين اللاجئين السوريين إلى بلدهم.
وفي المقابلة التي أجرتها معه في دمشق القناة الإماراتية تساءل الأسد "كيف يمكن للاجئ أن يعود من دون ماء ولا كهرباء ولا مدارس لأبنائه ولا صحة للعلاج؟ هذه أساسيات الحياة".
وكلام الأسد قُرِأَ وفق محللين في سياق توجيه رسالة إلى الدول العربية التي أعادت سوريا لشغل مقعدها في الجامعة العربية في مايو/ أيار 2023 بعد عقد من سحب المقعد، لدعم تمويل مرحلة إعادة الإعمار في هذا البلد وهي مرحلة يرفضها الغرب قبل شروع النظام السوري في عملية انتقال سياسي طبقا للقرارات الأممية.
قلق متزايد
وضمن هذا السياق قال "الباحث في مركز "جسور" للدراسات، وائل علوان، إنه "بحكم عدم حياد مؤسسات الحكومة اللبنانية في نظر كثير من السوريين هناك خشية من أن بيانات اللاجئين السوريين التي تسلمها الأمم المتحدة للأمن اللبناني قد تستخدم بشكل خاطئ من قبل الأمن اللبناني".
وأوضح لـ"الاستقلال"، أن "الخشية الكبرى أن تتسرب هذه الأسماء من الأمن اللبناني إلى جهات أخرى في لبنان سواء حزب الله حليف نظام الأسد الأساسي أو إلى الأفرع الأمنية السورية بما يشكل خطرا على حياة اللاجئين وأمنهم في لبنان ".
وقد سبق أن كشف المدير العام للأمن العام اللبناني بالإنابة، اللواء إلياس البيسري، في تصريحات نقلها تلفزيون "MTV" في 6 أكتوبر 2023 أن نحو 42 بالمئة من سكان لبنان سوريون، مدعيا أن البلد "قاب قوسين من انفجار اجتماعي ديمغرافي وربما أمني نتيجة الوجود السوري".
وقبله، أفاد "جورج عدوان" رئيس لجنة الإدارة والعدل في مجلس النواب اللبناني، خلال مؤتمر صحفي، في 27 سبتمبر/أيلول 2023، عن نية الحكومة سن قوانين لتشديد العقوبات على كل من يوظف أو يؤوي سوريا ليس لديه أوراق رسمية في لبنان.
وكان وزير الخارجية اللبناني عبد الله بوحبيب زار دمشق في 23 أكتوبر 2023 والتقى مع وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد، وخرجا باتفاق على "عقد اجتماعات تنسيقية لاحقة لمتابعة المسائل المتصلة بعودة اللاجئين وتبادل تسليم المحكومين العدليين".
وأصدر الجانبان، عقب اللقاء، بيانا مشتركا أكد على ضرورة "التعاون لضمان عودة المهجرين السوريين من لبنان إلى وطنهم"، مطالبين المجتمع الدولي والأمم المتحدة بتحمل مسؤولياتهم لتحقيق هذا الهدف.
ولم يتوقف الأمر على تسليم الأمم المتحدة بيانات اللاجئين السوريين للأمن اللبناني بل أعلن مفوض الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي، خلال لقاء مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بمقر الأمم المتحدة في جنيف بتاريخ 12 ديسمبر 2023 عن التوصل "مع الجانب السوري لفتح مكتب تنسيق للمفوضية على الحدود اللبنانية السورية وهذا ما سيضبط حركة اللجوء"، حسب قوله.
ونوه غراندي إلى أن "التعاون الأممي مع الحكومة اللبنانية والأمن العام اللبناني، أثمر بتسليم بيانات اللاجئين السوريين للأمن العام اللبناني".
وحتى الآن يتسلل السوريون من مناطق سيطرة نظام الأسد إلى لبنان بعد تراجع قدرة المواطنين الشرائية حتى باتوا عاجزين عن توفير أبسط احتياجاتهم وسط ارتفاع أسعار المواد الأساسية وانهيار الليرة السورية.
وكثير من هؤلاء يجرون محاولات عبر البحر للوصول إلى أوروبا عبر سواحل لبنان أو للانطلاق إلى وجهة جديدة هربا من جحيم العيش في مناطق الأسد.
ولهذا فإن الحدود السورية اللبنانية، وهي على طول 330 كيلومترا "غير مضبوطة، وأي أحد يستطيع عبورها، ولا يمكن نشر عناصر من الجيش اللبناني فيها بالكامل".
اختبارات أممية
وضمن هذه الجزئية، يؤكد لـ"الاستقلال" الباحث السوري يونس الكريم أن "الرواية الرسمية اللبنانية تنظر إلى تسلم البيانات للاجئين على أنه هو جزء من سيادة لبنان وعدم الحق في إخفاء المعلومات حول هؤلاء التي تقول بيروت إنه يشكل ضغطا على اقتصادها المنهار".
وأضاف: "لكن الرواية غير الرسمية لتسلم الأمن العام اللبناني من الأمم المتحدة قاعدة البيانات الخاصة باللاجئين السوريين ينظر إليها على أن نشاطات الأمم المتحدة في لبنان باتت على المحك حيث إنه بضغط من نظام الأسد بات يرى أن الأمم المتحدة هي جزء لا يمكن الوثوق به".
وأردف الكريم قائلا: "إنهاء أي نشاط أممي في لبنان سوف يضر الكثير من المخيمات التي تعتمد على مساعدات الأمم المتحدة".
وتابع أنه "رغم أخذ الأمم المتحدة وعودا من بيروت بعدم إفشاء هذه المعلومات لنظام الأسد فإن الحقيقة تشير إلى أن ممارسات الحكومة اللبنانية في السابق تشي بعكس ذلك وهذا يدل على أن الأمم المتحدة غير جادة في حماية السوريين اللاجئين".
وأكد الباحث السوري أن "هناك ضغطا دوليا على الأمم المتحدة لتسليم بيانات اللاجئين السوريين إلى الأمن اللبناني لكي تجبر الكثير من هؤلاء إلى العودة إلى بلدهم لقياس ومراقبة آلية تعامل نظام دمشق مع اللاجئين العائدين".
"وهل أن النظام السوري جاهز لاستقبال اللاجئين العائدين دون مساءلة قانونية أو تعريضهم لمخاطر أمنية وبالتالي هذا سيشجع باقي الدول التي تؤوي اللاجئين لإعادة اللاجئين بما في ذلك الاتحاد الأوروبي"، يضيف الكريم.
وألمح إلى أن "الأمم المتحدة تريد أن تختبر مدى التزام لبنان بهذه البيانات حيث تريد الأمم المتحدة نقل نشاطاتها من تركيا إلى لبنان بما يخص اللاجئين بمعنى أن هناك كثيرا من النقاشات حول اللاجئين السوريين بشكل عام".
وختم الكريم بالقول: "الأمم المتحدة باتت تعد سوريا خارج منطقة الحرب وأنها في مرحلة التعافي المبكر أي منطقة اضطراب سياسي داخلي وهذا يستوجب حمايات أقل، أي هي تحاول أن تقلص من مساحة وجودها ومصاريفها باتجاه دول أخرى تعاني من الحروب ولذلك هذا يعد أحد أسباب تسليم بيانات اللاجئين من المفوضية إلى لبنان والتخلي عن جزء من مهامها إلى الحكومات".