صور مفبركة وتنصت على الهواتف.. ما قصة شبكات الابتزاز التي تعبث بالعراق؟

يوسف العلي | 3 months ago

12

طباعة

مشاركة

في ثاني حالة خلال أقل من ستة أشهر، تعلن السلطات العراقية الإطاحة بشبكة ابتزاز تعمل في مفاصل حساسة بمؤسسات الدولة، الأمر الذي يفتح باب التساؤل واسعا عن أسباب نشاط مثل هذه الشبكات، التي تتجسس على شخصيات برلمانية ومسؤولين وتبتزهم.

ويدير شبكات الابتزاز هذه عدد من كبار الموظفين في مكتب رئيس مجلس الوزراء، إضافة إلى العديد من الرتب الكبيرة من الضباط المعروفين في وزارتي الدفاع والداخلية، بالتنسيق في بعض الأحيان مع نساء مشهورات على مواقع التواصل الاجتماعي (فاشينستات). 

"تنصت وابتزاز"

وعن أحدث شبكة ألقي القبض عليها، قال النائب في البرلمان العراقي، مصطفى سند، في 19 أغسطس/ آب 2024، إن "محكمة تحقيق الكرخ المختصة بقضايا الإرهاب اعتقلت شبكة من القصر الحكومي لمكتب رئيس الوزراء وعلى رأسهم المقرب (محمد جوحي) وعدد من الضباط والموظفين".

وأوضح سند خلال تدوينة على منصة "إكس" أن "الشبكة كانت تمارس عدة أعمال غير نظيفة، ومنها التنصت على هواتف عدد من النواب والسياسيين (وعلى رأسهم رقم هاتفي)، كذلك تقوم الشبكة بتوجيه جيوش إلكترونية وصناعة أخبار مزيفة وانتحال صفات لسياسيين ورجال أعمال ومالكي قنوات".

وأكد النائب أن "الشبكة اعترفت على أعمالها، وتم تدوين أقوالهم ابتدائيا وقضائيا، ومن ضمن الاعترافات الكثيرة نذكركم بواحدة، انتحال رقم سعد البزاز (مالك قناة الشرقية العراقية)".

ولفت إلى أن "هذه الشبكة تقوم بإرسال صورة مفبركة لقناة الشرقية تحتوي صورة أربعة نواب (مصطفى سند وعدي عواد ومحمد نوري وهيثم الزهوان) لخبر كاذب، وإرسال الصورة على أرقام الهواتف الخاصة بجميع هؤلاء النواب".

وأوضح سند أن "هنالك ضغوطات عدة تمارس من أجل إخراجهم، لكن لم يخضع القاضي المختص لتلك الطلبات، وبدورهم قام النواب المتضررون بتقديم الشكاوى وصُدّقت أقوالهم".

وبيّن النائب العراقي أن "المتهم ورئيس الشبكة يدعى محمد جوحي، ويشغل عددا من المناصب الحكومية، وهي: معاون مدير عام الدائرة الإدارية في مكتب رئيس الوزراء، وسكرتير الفريق الحكومي، ومسؤول التواصل مع النواب. وأن كل هذه المهام أوكلت إليه من رئيس الوزراء الحالي (محمد شياع السوداني)".

وفي اليوم التالي، أفاد بيان لمكتب رئيس الوزراء العراقي، بأن السوداني، وجّه بتشكيل لجنة تحقيقية بحقّ أحد الموظفين العاملين في مكتبه، وإصدار أمر سحب يد (تنحيته مؤقتا) لحين إكمال التحقيق، مؤكدا "عدم التهاون مع أي مخالفة للقانون، وهو يدعم كل الإجراءات القانونية بهذا الصدد".

وفي السياق ذاته، أكد مصدر سياسي خاص، لـ"الاستقلال"، طالبا عدم الكشف عن هويته، أنه "وصله قبل أيام من الإطاحة بالشبكة المذكورة، تسريب خاص عن موضوع منصب رئاسة البرلمان، يتضمن معلومات وأسماء تتعلق بالصراع الحاصل على المنصب منذ أشهر".

ولفت إلى أن "الرقم الذي وصل التسريب منه يحمل اسم مالك شبكة قناة الشرقية الفضائية، سعد البزاز، وصورته على البروفايل في الواتساب، لأن الأخير يتهم كثيرا بابتزاز السياسيين والمسؤولين بملفات فساد مالي وإداري، وإذا لم يدفعوا له يكشفها ويشهّر بهم عبر فضائيته".

ابتزاز جنسي

الكشف عن الشبكة الحالية، جاء بعد خمسة أشهر فقط من الإطاحة بضباط كبار في وزارتي الدفاع والداخلية، بتهمة تشكيل شبكة تمارس ابتزاز السياسيين والمسؤولين في الدولة العراقية، وذلك عبر صفحات عديدة على مواقع التواصل الاجتماعي، إضافة إلى التعاون مع نساء مشهورات.

ونقلت وكالة "شفق نيوز" العراقية في 20 مارس، عن مصدر أمني قوله إن "نحو 40 ضابطا من وزارة الداخلية فقط متورطون في شبكة للابتزاز، إضافة إلى ضباط آخرين من وزارة الدفاع، وجرى تفكيكها والإطاحة بهم جميعا".

وأوضحت أن "قائمة الضباط المتورطين تضمنت مستشار وزير الداخلية اللواء سعد معن، إذ تمت إحالته إلى إمرة وزارة الداخلية، وكذلك مدير الاستخبارات العسكرية السابق الفريق الركن سعد العلاق، وتمت إحالته إلى إمرة وزارة الدفاع".

ولفتت الوكالة إلى أن "القائمة ضمت أيضا 14 ضابطا برتب نقيب، ومقدم، وعقيد، ولواء، من وزارتي الداخلية والدفاع"، مؤكدة في الوقت نفسه أن "الشبكة تضم نحو 40 ضابطا من وزارة الداخلية فقط".

وقبل ذلك، أعلن الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة، اللواء يحيى رسول عبد الله، قد أعلن خلال بيان رسمي في 19 مارس، عن اكتشاف شبكة "ابتزاز" داخل المؤسسة الأمنية.

وقال رسول، إنه "بتوجيهات من القائد العام للقوات المسلحة، ومن خلال المتابعة الدقيقة لأي عمل يمسّ سمعة المؤسسة العسكرية والأمنية، وبعد تشكيل لجنة تحقيقية برئاسة وزير الداخلية وعضوية رئيس جهاز الأمن الوطني والمفتش العسكري لوزارة الدفاع، فقد توصلت التحقيقات إلى تحديد عناصر شبكة داخل المؤسسة الأمنية".

وأوضح المتحدث أن "الشبكة تعمل على استخدام مواقع التواصل الاجتماعي (صفحات بأسماء مستعارة) لابتزاز المؤسسة الأمنية والإساءة إلى رموزها، فضلا عن ابتزاز الضباط والمنتسبين ومساومتهم".

وأشار رسول إلى أن "هذه اللجنة قررت إحالة الضباط المتورطين بهذا الفعل غير القانوني إلى الإمرة، واستمرار الإجراءات القانونية اللازمة وإكمال التحقيقات بحقهم".

وبحسب المتعارف عليه عسكريا في العراق، فإن نقل الضباط الكبار إلى دائرة "الإمرة" في وزارة الدفاع، يعني عمليا معاقبتهم أو إبعادهم والاستغناء عن خدماتهم في أفضل الأحوال.

ونقل موقع "كردستان24" في 28 مارس، عن مصادر (لم يكشف هويتها) أن الشبكة المتورط فيها الضابطان العلاق، ومعن، تضم أيضا بلوغرات وفاشينستات وإعلاميات معروفات، مرتبطات بقيادات أمنية ونوابا ووزراء سابقين ومسؤولين كبارا ومدير قناة فضائية".

وأضافت: "التحقيقات الأولية مع شبكة الابتزاز هذه كشفت عن أن أشرطة فيديو لتسجيل علاقات جنسية لكبار الضباط في الداخلية ومكافحة المخدرات والجيش جرى تهريبها إلى بيروت ودبي في الأسابيع الماضية فيما لاتزال أشرطة أخرى مجهولة المكان في بغداد".

"شبكة الكاظمي"

وعلى صعيد الاختراقات أيضا في المؤسسات والمراكز الحساسة، ذكرت وسائل إعلام محلية في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، أن السلطات الأمنية عثرت على عملية تجسس تابعة لرئيس الوزراء السابق، مصطفى الكاظمي (2020 إلى 2022)، بوضعه مئات أجهزة التنصت داخل القصور الحكومية لحكومة محمد شياع السوداني.

ونقلت قناة "الرابعة" العراقية عن مصدر أمني (لم تكشف هويته) أن "حكومة رئيس مجلس الوزراء، محمد شياع السوداني، رفعت مئات أجهزة التنصت والكاميرات المخفية التي وضعها فريق (مصطفى) الكاظمي للتجسس على مكتب السوداني".

وأوضحت القناة أن "هذه الكاميرات والأجهزة التجسسية قد تم تنصيبها بالمكتب الحكومي قبل أسابيع من تكليف محمد شياع السوداني".

وفي 1 يونيو/ حزيران 2023، وصف وزير الاتصالات العراقي الأسبق، محمد توفيق علاوي، حقبة رئيس الوزراء السابق، مصطفى الكاظمي، بالأسوأ ما بعد 2003، مبينا أن الأخير أنفق المليارات من اجل التجسس على القيادات السياسية.

وقال علاوي خلال مقابلة تلفزيونية، إن "الكاظمي أنفق 115 ألف دولار على كل جهاز هاتف من أجل التجسس عليه عبر برنامج بيغاسوس التي تنصبه شركة صهيونية من أجل التجسس على القيادات العراقية".

وسبق توليه رئاسة الوزراء، تسلم مصطفى الكاظمي منصب رئيس جهاز المخابرات الوطني العراقي منذ 7 يونيو/حزيران 2016، بعدما كان صحفيا غير معروف عمل في العديد من المؤسسات الإعلامية العراقية في مرحلة ما بعد 2003، والاحتلال الأميركي للبلاد.

وكان معارضا لنظام صدام حسين وحزب البعث العربي الاشتراكي وعاش في المنفى لسنواتٍ عدّة وعمل صحفيا وكاتبا لموقع "المونيتور" الأميركي، كما تولى منصب رئيس تحرير مجلة "الأسبوعية" التي كان يملك امتيازها الرئيس العراقي الأسبق برهم صالح.