السعودية تفرج عن منشد ناهض سياسة ابن سلمان.. وناشطون: العاقبة لباقي المعتقلين
ربيع حافظ منشد وشاعر من المدينة المنورة كان ضمن حملة اعتقالات سبتمبر/أيلول 2017
نخب سعودية مختلفة التوجهات بين دعاة وحقوقيين وأكاديميين وباحثين وروائيين وكتاب وشعراء غُيِّبوا في غياهب سجون السلطات منذ وصول ولي العهد محمد بن سلمان، إلى سلم السلطة، ويتجرعون مرارة السجون ويكابدون قسوة الزنازين، تكميما لأفوههم وكتما لأصواتهم.
وذلك لمجرد تعبيرهم عن الرأي أو مطالبتهم بحقوقهم أو ربما يعتقلون دون تهمة واضحة وإنما انسجام مع أهواء السلطة الحاكمة، ويخضعون داخل محبسهم لمزاج سجانيهم، ويتعرضون لصنوف مختلفة من التعذيب والتضييق والإخضاع والانتهاكات لحقوقهم كافة.
وبين الحين والآخر تفرج السلطة عن أحد المعتقلين ممن انتهت محكوميتهم ومازالوا قيد الاعتقال التعسفي في محاولة لإيهام الرأي العام والمجتمع الدولي خاصة الأمم المتحدة أنها تستجيب للتوصيات الدولية التي تحثها على تحسين ملفها الحقوقي.
وبعد أيام قليلة من مطالبة 7 منظمات حقوقية السلطات السعوديّة بمنح مراقبي حقوق الإنسان المستقلّين حق الوصول إلى البلاد لمتابعة تنفيذ توصيات الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ورصد الحالة الحقوقية على أرض الواقع، تأكد خبر الإفراج عن المعتقل ربيع حافظ.
وأعلن حساب معتقلي الرأي المختص بمواكبة أخبار معتقلي الرأي في السعودية، تأكده من نباء إفراج السلطات عن حافظ، وبارك له ولأسرته الكريمة إطلاق سراحه، مطالبا بالإفراج عن جميع معتقلي حملة سبتمبر 2017.
منشد محبوب
وربيع حافظ منشد وشاعر من المدينة المنورة، ويتمتع بقبول واسع في المملكة، وكان ضمن حملة اعتقالات سبتمبر/أيلول 2017 التي شنها ابن سلمان بعد شهرين من وصوله إلى ولاية العهد، ثم استكملت حملات مشابهة خلال الأعوام اللاحقة.
وأصدرت المحكمة الجزائية المتخصصة بعد مرور ثلاثة أعوام على اعتقال حافظ، حكما يقضي بسجنه ثلاث سنوات انتهت في سبتمبر/أيلول 2023، ولم تفرج عنه السلطات السعودية رغم انتهاء محكوميته، حتى تأكد خبر الإفراج عنه في يوليو/تموز 2024.
واعتقل حافظ على خلفية كتابته تغريدة رفض فيها حصار قطر في يونيو/حزيران 2017، بذريعة اتهامها بتمويل الإرهاب وزعزعة الاستقرار الإقليمي والتقرب من إيران وهو ما نفته الدوحة حينها، وتمسكت بموقفها حتى انتهت الأزمة في 5 يناير/كانون الأول 2021.
وظل حافظ معتقلا رغم انتهاء الأزمة الخليجية مع قطر، وورد اسمه ضمن قائمة أسماء دشنها ناشطون في حملات عدة طالبت بالحرية للمعتقلين على خلفية أزمة قطر الذين أعربوا عن رفضهم سياسة ابن سلمان في التعامل مع الأزمة الخليجية.
واستهدفت الاعتقالات عددا من رجال الدين والأكاديميين والكتاب والصحفيين، وأغلبهم مازالوا رهن الاحتجاز حتى اليوم دون تهمة، أو بمحاكمات مستمرة، أو يقضون محكوميّاتٍ بالسجن على خلفية دعاوى معنية بحرية التعبير -بحسب القسط لحقوق الإنسان-.
وقضى حافظ مدة اعتقاله قي سجن ذهبان بجدة، وتعرض لانتهاكات عدة منها مداهمة قوات الأمن لمنزلة، واعتقاله تعسفيا ومنعه من أحقية الزيارة والتواصل مع الأسرة، ومنعه من أحقية توكيل محامٍ، وخضع للحبس الانفرادي في سجن معتم لا يدخله نور الشمس.
وحافظ له أناشيد تعاطف فيها مع فلسطين ومضطهَدي المسلمين، وحافظ لكتاب الله ومهتم بالقيم والفضائل ومحبة النبي.
حفاوة وترحيب
واحتفى ناشطون على منصة إكس عبر مشاركتهم في وسم #ربيع_حافظ، بنبأ الإفراج عن حافظ وتفاعلوا مع تغريدة حساب معتقلي الرأي وأعادوا نشرها، مطالبين بإطلاق سراح معتقلي الرأي كافة في سجون السلطة، ومستحضرين أناشيد أنشدها حافظ.
وتمنى أحد المغردين العاقبة لباقي المعتقلين.
وكتب مغرد آخر: "الحمد لله ، عقبال باقي المعتقلين في السجون السعودية وكل سجون الوطن العربي".
وأعربت المغرد ياسمين عن صدمتها من أن ربيع حافظ ظل مسجونا 7 سنوات.
وقال زيد حسن، إن المنشد ربيع حافظ حر طليق بعد اعتقال دام سبع سنوات في السجون السعودية "الحمد لله".
وأشار بلا أبو عمر، إلى أنباء الإفراج عن ربيع حافظ بعد اعتقال دام قرابة 7 سنوات منذ سبتمبر 2017، قائلا: "الحمد لله على سلامته".
وعرض الأكاديمي خالد عبيد العتيبي، نشيد لحافظ في مناصرته للقضية الفلسطينية.
تلميع وتبيض
ويرى مراقبون أن حافظ تعرض لضغوط خلال محبسه للمشاركة في محاولة تلميع السلطة السعودية، إذ عرضت قناة الإخبارية السعودية في سبتمبر/أيلول 2018، مقطع فيديو يوثق إقامة سجن المباحث العامة بجدة "ذهبان" احتفالا بمناسبة اليوم الوطني الـ88.
ويظهر بالمقطع المعتقل ربيع حافظ وهو ينشد في مقابلة مع القناة ويلتقي معها مثنيا على السلطة والمسؤولين في السجن، وروجت القناة للمقطع على أنه كاشف لقوة التلاحم وحجم الولاء الذي بتمتع به نزلاء السجن تجاه وطنهم.
وعلى إثره، خرجت مطالبات بإطلاق سراح ربيع حافظ، وعلق رئيس منظمة القسط الحقوقية يحيى عسيري، على تقرير قناة الإخبارية، متسائلا: لماذا الاستفزاز بهذا الشكل؟ وتبدون في غاية الكذب والتناقض، تتهمون ربيع حافظ بأنه معارض، إذا كان معارضا فهل أجبرتموه على هذا الظهور؟"
وتابع تساؤلاته: “إذا كان ليس معارضا فلماذا سجنتوه؟ هل كذبتم في الاتهام أو أجبرتوه على الظهور؟ ولماذا تغير شكله هكذا؟ ولماذا لم تراعوا مشاعر محبيه؟”
كما نشرت وسائل إعلام سعودية في أبريل/نيسان 2019 فيديو من زيارة سابقة قام بها المطرب الشهير محمد عبده إلى سجن المباحث العامة في مدينة جدة، تظهر مقابلته لعدد من النزلاء، كان على رأسهم المنشد حافظ، وغنّى محمد عبده وحافظ معا.
وأنشد حافظ الكلمات الشهيرة المنسوبة للإمام علي بن أبي طالب "فكم لله من لطف خفي، يدق خفاه عن فهم الذكي؛ وكم يسر أتى من بعد عسر ففرج كربة القلب الشجي؛ وكم أمر تساءُ به صباحا فتأتيك المـسرة بالعشي؛ إذا ضاقت بك الأحوال يوما فثق بالواحد الفرد العلي".
كما ردد ربيع حافظ أغنية محمد عبده الدينية الشهيرة "يا مستجب للداع، جب دعوتي بإسـراعِ، واشف جميع أوجاعي، يامرتجى يارحمان، اغفر لعبد مذنب، من الخطايا يسكب، بحب ساكـن يثـرب، طه شفيع النيران".
وعلق حينها عسيري، على الحدث قائلا إن السلطات السعودية تعتقل الناس ظلما، وتمارس بحقهم أبشع الانتهاكات والظلم، ثم تظن أنها ستجمل الوجه البشع بزيارات لغير مختصين، وبتطبيل مرتزقة منافقين باعوا أخلاقهم!
وفي يونيو/حزيران 2022، فضحت منظمتا Freedom Initiative، و Grant Liberty الحقوقيتان محاولات السلطات السعودية لتبييض أوضاع السجون في المملكة من خلال إجبار معتقلي الرأي على الإدلاء بتصريحات لا تمت للواقع بصلة.
وأكدت المنظمة الأولى أن السلطات لا تسجن وتعذب النساء فقط، بل تجبرهن أيضا على التستر على انتهاكات الدولة، مشيرا إلى أنها أجبرت المعتقلتين أسماء السبيعي ونور الشمري على الظهور في أحد برامج MBC، لتلميع صورة الحياة داخل سجن الحائر.
كما قالت المنظمة الثانية إنه من الضروري توعية الناس بالوحشية المطلقة للنظام السعودي، وجرائم القتل والاعتداء الجنسي التي تحدث لسجناء الرأي في المملكة، متوعدة: "لن نتوقف حتى يتم إطلاق سراح كل معتقلي الرأي وبأن نكشف المملكة على حقيقتها؛ منبوذة من الديمقراطية وحقوق الإنسان".
سجون مزرية
وتخفي السلطات السعودية بهذه الأفعال حقيقة أوضاع سجونها التي تكشفها التقارير الحقوقية والصحف الأجنبية، إذ أصدرت منظمة القسط في يوليو/تموز 2021 تقريرا "تحت أستار الكتمان: السجون ومراكز الاحتجاز في السعودية".
وتطرقت فيه إلى الظروف الصحية الرديئة في السجون، والحرمان الطبي الذي يتعرض له المساجين، وتزايد استخدام منشآت الاحتجاز السرية بغاية ممارسة التعذيب،
وأوضحت القسط أن مشاركين في استطلاع أجرته قدَّموا تفاصيل عن التعذيب البدني والنفسي وكذلك الحبس الانفرادي وممارسة صنوف أخرى من سوء المعاملة والمضايقات بوجه عام، لا سيما القسوة في حرمان السجناء من التواصل والزيارات الأسرية.
وأشار إلى أن ذلك يعيق الإبلاغ عن التعذيب وسوء المعاملة، ناهيك عن التسبب في معاناة كل من النزلاء وذويهم، لافتة إلى وقوع عدد من الوفيات المريبة أثناء الاحتجاز، رفضت السلطات إجراء تحقيق في ظروفها.
وأكدت القسط أن ذلك اضطر الكثير من السجناء السعوديين، لا سيما الناشطين في مجال حقوق الإنسان، إلى الإضراب عن الطعام، قائلة إن ذلك يؤكد نأي سلطات السجون عن التجاوب، وتجاهل الدولة لحقوق المحتجزين في السجون ومراكز الاعتقال السعودية.
تعذيب ممنهج
وخلصت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، في تقرير لها في يونيو/حزيران 2020، بعد فحصها 110 حالات اعتقال تعسفي ارتكبتها السعودية، إلى أن جريمة التعذيب لا تزال تمارس في سجونها بشكل منهجي خطر، دون استثناء للأطفال والنساء.
وأكدت أن السعودية تنفذ طريقة من شأنها إرغام المعتقل على الموافقة على الأقوال التي أكره عليها، حيث تقوم قبل بداية المحاكمة بإرساله إلى قاضٍ يسمى "قاضي التصديق"، تنحصر مهمته فقط في أخذ توقيعه على أقواله، ومن ثم يتم إرجاعه إلى السجن.
وأوضحت الأوروبية، أن المعتقل إذا رفض التوقيع، يتم إرجاعه مرة أخرى للتحقيق الذي هو في حقيقته تعذيب، ولكي ينجو المعتقل من أهوال التعذيب التي يواجهها مرة أخرى، يضطر للتوقيع ولا مجال لديه أمام قاضي التصديق للنقاش أو الاعتراض أو الاستعانة بمحامٍ.
وفي 2018 كشفت منظمتا العفو الدولية (أمنستي إنترناشيونال) وهيومن رايتس ووتش الحقوقيتان أن نشطاء سعوديين بينهم نساء معتقلات بشكل تعسفي منذ مايو/أيار 2018، يتعرضون لتحرش جنسي وتعذيب وغيرهما من أشكال سوء المعاملة أثناء الاستجواب في السعودية.
سجن ذهبان
ويعرف سجن ذهبان بأنه سيئ السمعة، وتبلغ الطاقة الاستيعابية لسجن ذهبان 700 موقوف، بأقسام منفصلة للرجال والنساء، ويحتحز به عدد من أكثر ناشطي حقوق الإنسان شهرة في السعودية بما في ذلك أعضاء من مجموعة إصلاحيي جدة، بالإضافة إلى رائف بدوي وسمر بدوي ووليد أبو الخير.
ولا تسمح السلطات للمنظمات بالدخول وزيارة السجن، وتقصر زيارة زنازينه على الصحف الحكومية، أو الكتاب الموالين لها، وهو ما حدث مع الكاتب الصحفي عبدالعزيز القاسم، الذي قال إن “السجن يمثل مؤسسة إصلاحية حقيقية”.
وقالت منظمة "القسط" لحقوق الإنسان ومقرها لندن إن السلطات السعودية تستخدم إستراتيجيات تعذيب نفسي وبدني ضد المساجين في سجن ذهبان
وأوضحت أن السجن يحمل عدة تجاوزات أبرزها تكدس المساجين فيه وانتشار ظاهرة أمنية وجنائية خطيرة فيه وهي "التطويف"، حيث تعمد السلطات إلى عدم الإفراج عن المسجون رغم انتهاء محكوميته ومدة حبسه الذي حكم به القضاء لأعذار واهية.
ومنها فقدان الملف، أو عدم وصول كتاب الإفراج من الجهة المعنية، أو عدم متابعة الموظف المختص، أو عدم وجود محامٍ للمتهم، مما يزيد من مدة السجن بلا سند قانوني للمتهمين.
علماء ومشايخ
ويضع النهج المتبع داخل السجون السعودية حياة المعتقلين السعوديين كافة في خطر، ومن بينهم الدعاة والمشايخ المعتقلون ضمن حملة اعتقالات سبتمبر، التي بدأت باعتقال الداعيتين سلمان العودة وعوض القرني.
وتواصلت حملة الاعتقالات التي شنها ابن سلمان باعتقال رموز إسلامية بارزة منهم عبدالعزيز الفوزان، وصالح آل طالب، وسفر الحوالي، وناصر العمر، وعلي العمري، وغيرهم آخرين تكشف لاحقا تعرضهم للتعذيب داخل سجون السلطات السعودية.