مؤسسة النفط الليبية.. هكذا أصبح شريان الاقتصاد مطمعا للجميع

داود علي | 4 months ago

12

طباعة

مشاركة

تلعب المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا، دور "الدجاجة التي تبيض ذهبا"، فهي الشريان الرئيس للاقتصاد الليبي والمصدر الأساسي للدخل في البلاد.

إذ تسهم هذه المؤسسة الحكومية عبر عائدات النفط والغاز بما يقارب 95 بالمئة من إيرادات الحكومة الليبية. 

وفي يونيو/ حزيران 2024 أطلقت شركة "ميركوري" الأميركية للشؤون الخارجية، تحذيراتها لصناع القرار في البيت الأبيض، من ضغوط سياسية مستمرة تقوض شركة النفط الوطنية الليبية، وتهدد مستقبلها. 

حماية أميركية

وكان الدافع الرئيس لتحذير ميركوري، معلومات وصلتها عن تخطيط شركة روسية لإنشاء مصفاة في شرق البلاد، يكون لها تواصل ويد على المؤسسة الليبية.

فما الضغوطات التي تمارس على مؤسسة النفط الوطنية الليبية؟ ولمن تنحاز؟ ومن هم الطامعون في السيطرة عليها والاستفادة من عوائدها الضخمة؟

بحسب تقرير نشره موقع "أفريكا إنتيليجنس" الفرنسي، في 5 يوليو/ تموز 2024، فقد انشغلت شركة ميركوري الأميركية في الآونة الأخيرة بالضغط على وزير الخارجية أنتوني بلينكن في واشنطن نيابة عن رئيس المؤسسة الوطنية للنفط الليبية "فرحات بن قدارة". 

وفي رسالة خاصة، دعت ميركوري بلينكن إلى ضرورة حماية استقلالية المؤسسة الوطنية للنفط ورئيسها الذي "قد تكون قيادته في خطر لأنه يواجه ضغوطا مستمرة، داخلية وخارجية".

وتدعم الشركة الأميركية تلك الفرضية من خلال التأكيد على أهمية موقف "بن قدارة" لاستقرار البلاد، بالنظر إلى أنه يعمل مع حكومة الوحدة الوطنية بقيادة عبد الحميد الدبيبة في الغرب والسلطات في الشرق، التي يهيمن عليها خليفة حفتر. 

وتشهد ليبيا اضطرابات منذ أن أطاحت الثورة الليبية بنظام الديكتاتور معمر القذافي عام 2011.

وبسبب محاولة فلول القذافي العودة والسيطرة تحت مظلة اللواء خليفة حفتر، المدعوم إماراتيا، انقسمت البلاد بين فصائل شرقية وغربية مع وجود إدارات متنافسة تحكم في كل منطقة.

وحتى الآن، على الرغم من أن الكثير من النفط الليبي يقع في المنطقة التي يسيطر عليها حفتر، تمكنت المؤسسة الوطنية من الحفاظ على الإنتاج، خاصة أن النفط هو المصدر الرئيس للإيرادات في ليبيا، والتي تحول إلى مصرف ليبيا المركزي.

صراع مع روسيا 

ويبدو أن الأطماع الروسية المتصاعدة هي ما حفز واشنطن للدخول على خط منع انزلاق المؤسسة الوطنية الليبية للنفط.

وهو ما أدى إلى سعى شركة ميركوري التي وقعت عقدا استشاريا مع المؤسسة الوطنية للنفط في فبراير/شباط 2023، إلى طمأنة واشنطن بأن رئيس المؤسسة الوطنية للنفط "فرحات بن قدارة" يقف إلى جانبها. 

وتأتي الضغوط التي تمارسها الشركة في أعقاب إعلان الحكومة الموازية التي يرأسها أسامة حماد في طبرق بأنها بدأت محادثات مع مجموعة النفط الروسية "تاتنفت" لبناء مصفاة في شمال شرق البلاد. 

من جانبها، تصر مؤسسة النفط الليبية على أنها ليست منخرطة في هذه المبادرة ولا تخطط لبناء مصفاة ثانية فوق تلك التي أطلقتها شركة زلاف للنفط والغاز التابعة لها في جنوب ليبيا. إذ يتم تشغيل هذه المصفاة بالشراكة مع شركة النفط الأميركية هانيويل.

ويلعب الوجود العسكري الروسي الآن في شرق ليبيا دورا قويا في جذب شركات النفط الروسية إلى البلاد. 

وتنتشر قوات من القوة شبه العسكرية الروسية "الفيلق الإفريقي" (فاغنر سابقا) في القواعد العسكرية التي يسيطر عليها حفتر. 

ووفقا لتقدير حديث للمتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية "ماثيو ميلر"، يعتقد أن 1800 مقاتل تابعين لموسكو موجودون في الشرق الليبي.

ولطالما لعب حفتر بورقة مؤسسة النفط في حروبه وصراعاته المستمرة على المؤسسات الليبية منذ إطلاقه ما يسمى بـ"عملية الكرامة"، في 16 مايو/أيار 2014 بمدينة بنغازي شرق ليبيا.

ففي 11 يوليو/تموز 2020، أعلنت مليشيات حفتر، في بيان متلفز، الإصرار على إغلاق الموانئ والحقول النفطية، غداة إعلان "المؤسسة الوطنية"، رفع "القوة القاهرة" عن صادراتها.

وحالة "القوة القاهرة" هي وضع قانوني يعفي أطراف التعاقد من أي التزامات تترتب على عدم إيفاء أحدهم ببنود العقد المبرم بسبب ظروف خارجة عن إرادته.

واتهمت وقتها مؤسسة النفط، مليشيا حفتر بحشد مرتزقة من فاغنر الروسية والدعم السريع (الجنجويد) السودانية، لمنع تصدير النفط الليبي للخارج. كما أعربت عن قلقها إزاء استعمال منشآتها النفطية كمواقع حربية.

وأعلنت في 17 يوليو 2020 بشكل واضح إدانتها لـ" تمركز مرتزقة فاغنر والجنجويد في المنشآت النفطية، خاصة في ميناء السدرة" الذي يقع تحت سيطرة حفتر، مطالبة بانسحابهم فورا من جميع منشآتها.

وقالت إن عددا كبيرا من المرتزقة الأجانب، يعملون لصالح حكومات دول أخرى لديها مصلحة فعلية في إقفال الإنتاج الليبي وإلحاق الضرر بالبنية التحتية الليبية لأن هذا يترجم إلى ملايين الدولارات من الإيرادات الإضافية لصناعاتها النفطية".

ابحث عن الإمارات 

وبطبيعة الحال، لم تغب مؤسسة النفط الليبية عن عين الإمارات، التي دعمت حفتر، وكانت تداخلاتها من الأسباب الرئيسة لإشعال ليبيا حتى الآن. 

وفي 22 مايو/أيار 2020، كالت مؤسسة النفط الاتهامات للحكومة الإماراتية، بأنها هي من أعطت التعليمات لمليشيات حفتر بإيقاف الإنتاج.

ورأت المؤسسة في بيانها أن موقف أبوظبي مخيب للآمال بشكل كبير، خاصة بعد تصريحات كبار مسؤوليها الداعمة للجهود الدولية لاستئناف إنتاج النفط في ليبيا.

وقتها قال رئيس المؤسسة آنذاك مصطفى صنع الله في تصريح لوسائل إعلام محلية، إنه يجب أن تكون هناك عواقب لأفعال الإمارات التي تقوض قواعد النظام الدولي وتدمر ليبيا، مضيفا أن تلك الدولة تشكل تهديدا خطيرا للأمن الليبي والدولي.

وهو ما أكد عليه وزير الداخلية في حكومة الوفاق الوطني آنذاك فتحي باشاغا، قائلا إن "الابتزاز السياسي على حساب المواطن الليبي بقفل إمدادات النفط جريمة إضافية تسجل على طغمة فاسدة لا تعرف إلا القمع والاستبداد، ولا تؤمن بالديمقراطية والمدنية والسلام".

ورغم تلك الاعتراضات، لم تتوقف يد الإمارات عن العبث، وسعت بكل قوة للإطاحة بخصمها رئيس المؤسسة السابق مصطفى صنع الله، الذي كان رافضا لدورها وتدخلاتها. 

وفي 27 يونيو 2022، نجحت ضغوطاتها في تغيير صنع الله، وتعيين المصرفي البارز فرحات بن قدارة مكانه، بحسب ما أكدته وكالة الأنباء الفرنسية. 

وكشفت وكالة "بلومبيرغ" الأميركية جزءا من كواليس تعيين "بن قدارة"، قائلة: "جاءت فرصة عزل صنع الله عقب إغلاق قبائل تابعة لحفتر، حقول النفط والموانئ في شرق ليبيا أبريل 2022، وإعلان المؤسسة الرسمية حالة القوة القاهرة".

وقتها طالبت العشائر رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة، بالتنحي، وذلك بعدما انخفض إنتاج ليبيا من النفط خلال الإغلاق إلى أقل من 600 ألف برميل يوميا.

وذكرت الوكالة الأميركية أن حفتر يدرك أنه لا يمكنه إغلاق النفط لأوقات طويلة، لأن ذلك من شأنه أن يفجر في وجهه غضبا شعبيا، وضغوطا دولية.

ولذلك سارع للاتفاق مع حكومة الدبيبة على فتح المنشآت النفطية، مقابل تعيين أحد الموالين له على رأسها، وبالفعل جاء فرحات بن قدارة.

صراع النفط 

ويرى المراقب للصراع الليبي المتجذر والذي أودى بالبلاد إلى معسكرين شرقي وغربي، أن النفط كان اللاعب الأساسي في قلب الأزمة. 

وفي 11 مايو/أيار 2022، نشر مركز "أورسام" التركي للدراسات، ورقة بحثية أورد فيها أن "الصراع النفطي" أصبح في قلب الأزمات السياسية والاجتماعية التي شهدتها ليبيا بعد نهاية نظام معمر القذافي وحتى الآن.

وأوضح المركز التركي أن قرابة 80 بالمئة من احتياطيات النفط الليبية تقع في المنطقة الشرقية.

وأورد أن معمر القذافي تعمد خلال سنوات حكمه نقل شركة النفط الوطنية من بنغازي في شرق البلاد إلى العاصمة طرابلس ما قضى على التفوق الإستراتيجي للمناطق الشرقية، لكنه في الوقت ذاته خلق مشكلة مزمنة على أساس النفط.

وتابع “أورسام”: “مع ذلك لعبت بنغازي دورا رائدا في الثورة ضد القذافي عام 2011 مع رياح الربيع العربي، وكانت المقر الرئيس للعديد من شركات النفط ولهذا طالبت بعائداته”.

لذلك لم يمتنع خليفة حفتر، الذي اكتشف هذه النقطة الحساسة، عن استخدام هذا الوضع كورقة سياسية رابحة، وحصل من خلالها على دعم القبائل هناك.

وأضاف المركز التركي أن ليبيا لديها أكبر احتياطيات نفط في إفريقيا وهي أكبر مورد للنفط في أوروبا. 

ويرى أن الاحتياطيات الحالية وحجم الرواسب غير المستكشفة تثير شهية البلدان الأجنبية فضلا عن الجهات الفاعلة المحلية، للوجود بقوة في ليبيا من خلال مؤسسة النفط. 

وجرى تدشين المؤسسة الوطنية للنفط بموجب القانون رقم 24 لعام 1970 لتحل محل المؤسسة الليبية العامة للبترول.

والتي أنشئت بموجب القانون رقم 13 لسنة 1968، حيث أنيط بها مسؤولية إدارة قطاع النفط في البلاد.

وأعيد تنظيمها فيما بعد بموجب قرار الأمانة العامة لمؤتمر الشعب العام سابقا رقم 10 لسنة 1979 لتعمل على تحقيق أهداف خطة التحول في المجالات النفطية.

وذلك من خلال دعم الاقتصاد القومي عن طريق تنمية وتطوير الاحتياطيات النفطية واستغلالها بشكل أمثل وإدارتها واستثمارها لتحقيق أفضل العوائد.

وبحسب القانون، أعطيت المؤسسة خاصية أنه يجوز لها أن تشترك مع الهيئات والمؤسسات والجهات الأخرى التي تزاول أعمالا شبيهة بأعمالها.

لكن بعد الثورة الليبية عام 2011، أصبحت المؤسسة رسميا تابعة لوزارة النفط والغاز ومقرها الرئيس في طرابلس وفق قرار اتخذته الحكومة الليبية في مايو 2013.