"تخرج عن المسار المرسوم".. ماذا ستفعل إيران في مليشيا النجباء العراقية؟
تتحدث وسائل إعلام محلية عراقية عن توتر بين المليشيات الموالية لإيران في العراق، بسبب الموقف من الهجمات ضد القوات الأميركية التي توقفت منذ نهاية يناير/ كانون الثاني 2024، الأمر الذي دفع طهران للتفكير في إنشاء جسم عسكري جديد في الحشد الشعبي العراقي.
ففي 30 يناير 2024، أعلنت "كتائب حزب الله" ضمن فصائل "المقاومة الإسلامية" في العراق خلال بيان لها، تعليق عملياتها العسكرية ضد القوات الأميركية، وذلك تجنبا لإحراج الحكومة العراقية، موصية مقاتليها بـ"الدفاع السلبي مؤقتا".
وفي المقابل، أعرب أكرم الكعبي زعيم مليشيا "النجباء" التي تعمل ضمن "المقاومة الإسلامية" أيضا، عن أمله بإنهاء "الكتائب" ما وصفه بـ"التعليق المؤقت" لعملياتها ضد الأميركيين داخل وخارج البلاد، حينما يُرفع الحرج والأسباب الحاكمة، وفق بيان له في 2 فبراير/ شباط 2024.
قلق إيراني
وكشفت قناة "وان نيوز" العراقية، مطلع مارس/ آذار 2024، أن "النجباء" تحاول وقف زحف مليشيا "عصائب أهل الحق" نحو المزيد من السطوة على عمل الحكومة، بينما ترفض هي الهدنة مع الولايات المتحدة خشية من ترك الساحة للمنافسين، وتضطر إلى الاختفاء تماما من المشهد.
وأشارت إلى أن "هذا الخلاف أدى إلى حدوث مشادة كلامية بينهما خلال اجتماع عقد أخيرا في العاصمة الإيرانية طهران بسبب انقسامهم بشأن استهداف الأميركيين في العراق".
وبيّنت القناة أن "الاتفاق بين الإيرانيين والنجباء بترتيب مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، كان يتضمن استمرار الهجمات ضد الأميركيين بوتيرة منخفضة خارج العراق ومن دون تهويل إعلامي. لكن هذه المليشيا أحدثت ضجة من خلال رفضها للتوجهات الإيرانية الصادرة من قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني".
ولفتت القناة إلى أنه "أمام عدم الانضباط من الفصائل والقلق الإيراني المتصاعد من خروج زمام الأمور عن مسارها اقترحت أوساط داخل الحرس الثوري تشكيل جسم عسكري عراقي جديد من ضلع الحشد الشعبي يكون أكثر انضباطا واستجابة للتوجيهات الصادرة من طهران".
يأتي ذلك، بعد تقرير نشرته وكالة "رويترز" في 18 فبراير، أكدت أن "قاآني، أجرى زيارة، إلى بغداد، قبل أكثر من أسبوعين، أدت إلى توقف الهجمات التي تشنها فصائل متحالفة مع إيران على القوات الأميركية. هذه الخطوة تدل على رغبة طهران في الحيلولة دون نشوب صراع أوسع نطاقا".
ونقلت "رويترز" عن مصادر عراقية وإيرانية (لم تكشف هويتها)، أن "قاآني التقى بممثلي فصائل مسلحة عدة في مطار بغداد يوم 29 يناير، بعد أقل من 48 ساعة من اتهام واشنطن لهذه الفصائل بالوقوف وراء مقتل ثلاثة جنود أميركيين في موقع البرج 22 العسكري في الأردن".
وأكدت أن قاآني أبلغ الفصائل أن "سفك الدماء الأميركية يحمل خطرا برد أميركي عنيف. ويتعين عليها أن تبتعد عن المشهد لتجنب شن ضربات أميركية على كبار قادتها أو تدمير بنيتها التحتية الرئيسة أو حتى الانتقام المباشر من إيران".
ولم توافق إحدى الفصائل في البداية على طلب قاآني، لكن معظم الفصائل الأخرى وافقت، حسب "رويترز" التي أوضحت، أنه في اليوم التالي، أعلنت جماعة كتائب "حزب الله" العراقية أنها ستعلق هجماتها.
"طعنة بالظهر"
لكن في 25 فبراير، عاد أكرم الكعبي، وهاجم جهات شيعية (لم يسمها) بشكل مبطّن، خلال تدوينة على منصة "إكس" (تويتر سابقا) واتهمها بالاستمرار في توجيه طعنات له بالظهر، مؤكدا أن المعركة مفتوحة مع الولايات المتحدة، والثأر منها للدماء التي أراقتها في العراق.
وقال الكعبي إن "صدورنا مثقلة بالألم والحسرة من بعض شركائنا في الدين والوطن، ففي الوقت الذي نواجه المحتل ونقدّم الدماء فإن الطعنات تتوالى في ظهورنا".
وتابع: "ولا نبتغي من مواقفنا وجهادنا إلا رضا الله سبحانه وتعالى وتأدية الواجب والتكليف الشرعي، وليس لدينا أي منصب في الحكومات المتعاقبة أو المشاركة بالعملية السياسية منذ عام 2003 وحتى اليوم".
وبخصوص الجهات التي اتهمها الكعبي، قال المحلل السياسي العراقي، المنتمي للإطار التنسيقي الشيعي، وائل الركابي إن "حديثه موجه للشيعية، وليس للسنة والأكراد أثر في الطعنات، فهو يعبر عن مكنوناته وموقفه الحقيقي حيال ما يراه ضد الأميركيين".
وأوضح الركابي خلال مقابلة تلفزيونية في 26 فبراير أن "هناك تأثيرا حقيقيا من الحكومة العراقية وأطراف من الإطار التنسيقي على فصائل المقاومة لمنح الحكومة فرصة الحوار السياسي مع الأميركيين".
وتابع: "ما ذكره الكعبي عن الطعنات، فإنه لا يقصد شخصية قيادية في الإطار التنسيقي، لكنه يعني أن الضغط الذي مارسه الفاعل السياسي المنتمي للإطار والداعم للحكومة في التفاوض، بمثابة الطعن في الوقت الذي يعتقد فيه هو أن المقاومة لابدّ أن تستمر".
وأشار إلى أن "القرار الشيعي في الإطار التنسيقي الآن مجمع على أنه ليس لديه عداء لعنوان دولة اسمها أميركا، إذا كانت تتعاطى الأخيرة مع العراق بمصالح مشتركة بعيدة عن الوجود كقوات عسكرية داخل الأراضي العراقية تسبب أزمة مع الفصائل العراقية والأميركيين".
وفي 11 فبراير، كشف الإعلامي العراقي، أحمد ملا طلال، خلال برنامجه التلفزيوني على قناة "يو تي في" العراقية، أن "خلافات وتلاسنا حادا حصل بين فصائل عدة، وتحديدا بين عصائب أهل الحق والنجباء، وآخرين بخصوص استمرار الهجمات ضد القوات الأميركية".
وأوضح ملا طلال أن "قيس الخزعلي زعيم عصائب أهل الحق، رفض استمرار مهاجمة القوات الأميركية التي تشن عليها ودعا إلى إيقافها، وأبلغهم بأننا نحن بناة دولة حاليا. وأن من يعارض ذلك هو النجباء وكتائب حزب الله".
تفكيك محمل
وبخصوص الحديث عن قلق إيران من عدم امتثال بعض المليشيات العراقية لها، وسعي الحرس الثوري الإيراني إلى تشكيل جسم عسكري جديد ضمن الحشد الشعبي، استبعد الباحث في الشأن السياسي العراقي، علي المساري، أن "تنجح طهران في إنشاء فصيل جديد".
وقال المساري لـ"الاستقلال" إن "مليشيا النجباء هي فصيل إقليمي كونه موجودا في سوريا أيضا، وليس في العراق فقط، لذلك فإن إيجاد شيء جديد أمر مستبعد، لأنها تمتلك أذرع أخرى أقوى منها وأكثر انضباطا وامتثالا لها، وهي كتائب حزب الله، وهذه تنفّذ حرفيا كل ما يطلبه قاآني".
ورجح الباحث العراقي، أن "إيران قدّ تفكك النجباء، وهذا الأمر حصل مع مليشيا عراقية سابقة، واندثرت وليس لها أي وجود في الوقت الحالي، رغم أنها كان لها حضور في سوريا، وقريبة جدا من قائد فيلق القدس الإيراني السابق، قاسم سليماني".
ولفت إلى أن "حلّ النجباء أمر وارد لإظهار إيران حسن النوايا مع الولايات المتحدة في العراق، لأن طهران لا تريد خسارة حلفائها الشيعة حكمهم في بلاد الرافدين، وفرض عقوبات غربية على بغداد، تكون فيها طهران أكبر الخاسرين، لأن هذا البلد يمثل الخزان الاقتصادي للإيرانيين".
وفي ديسمبر/ كانون الأول 2020، اعتقلت قوات الحشد الشعبي، قادة ميليشيا "سرايا الخراساني" المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، والتي طالتها اتهامات بارتكاب جرائم عديدة منذ تأسيسها عام 2013، وآخرها قنص متظاهري الحراك الشعبي العراقي في أكتوبر 2019.
واعتقلت مديرية الأمن في الحشد الشعبي، أمين عام "سرايا الخراساني"، علي الياسري، مع 30 من عناصره بعدما حاول الفرار إلى الأراضي السورية، في 14 ديسمبر/كانون الأول 2020، وذلك بعد مرور 24 ساعة فقط من القبض على معاونه السابق "حامد الجزائري".
اعتقال الياسري والجزائري، فسرها في حينها المحلل السياسي العراقي رائد العزاوي، أنها تأتي نتيجة خلافات كبيرة طفت خلال الأيام الماضية، بين قيادات في المليشيات العراقية، الموالية لإيران، وأن توجيهات صدرت من طهران بتفكيك "سرايا الخراساني".
وأكد العزاوي خلال مقابلة تلفزيونية في 16 ديسمبر 2020، أن نائب قائد الحشد الشعبي عبد العزيز المحمداوي المعروف بـ"أبو فدك" هو من أشرف على اعتقال نائب الأمين العام السابق لـ"الخراساني" حامد الجزائري.
وأوضح الخبير في الشأن العراقي أن "قرارا صدر من قيادة فيلق القدس الإيراني (السابق) قاسم سليماني، بإلقاء القبض على الجزائري، بعد توفر معلومات عن امتلاكهم ثروات طائلة، نتيجة أعمال غير شرعية، وفق معلومات من أمن الحشد الشعبي".
المصادر
- خوفا من استهدافهم.. كيف تحول قادة مليشيات إيران بالعراق من ذئاب لنعامات؟
- قاآني أوقف هجمات فصائل عراقية ضد أمريكا تجنبا لرد «عنيف»
- رائدالعزاوي : سليماني أمر بتفكيك “الخرساني” والخلافات واسعة بين فصائل الحشد الشعبي
- رغم ولائها الكامل.. لماذا قررت إيران تفكيك “سرايا الخراساني” بالعراق؟
- الكونغرس يدرس “مخاطـ.ـر الانسحاب” .. والبارزاني يسبق السوداني إلى البيت الأبيض
- “حشد داخل الحشد”.. مقترح إيراني لتشكيل “جسم عسكري” جديد في العراق