صحفي مغربي يروي معاناته في السجن ويفضح “الصحافة الصفراء”
“الصحافة التشهيرية اخترقت الدولة والمجتمع وأصبحت جزءا لا يتجزأ من النظام تدافع عن أخطائه”
الصحفي المغربي سليمان الريسوني يعد أحد رموز الصحافة الحرة التي وجدت نفسها داخل غياهب السجون بعد اعتقاله في مايو/ أيار 2020.
وفي عام 2021، حُكم على الريسوني بالسجن خمس سنوات بتهم نفاها مرارا وتكرارا، وخلال فترة سجنه، أضرب عن الطعام، في حركة كادت أن تكلفه حياته.
لكن نهاية يوليو/ تموز 2024، أُطلق سراحه بعد أن وقع ضحية لحملة تشهير وتجسس، بموجب عفو ملكي سمح أيضا لصحفيين آخرين بترك معاناة السجن وراءهم.
وقد قوبلت محاكمته التي جرت آنذاك “دون ضمانات قضائية” بانتقادات من الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان.
أدوات قذرة
وبعد الأسابيع الأولى من الحرية، أجرى الريسوني حوارا مع صحيفة "الإندبندينتي" الإسبانية، حول شعوره بعد الخروج من السجن، قائلا إن لديه انطباعا بأنه “لا توجد تغييرات مهمة” في المغرب، ويشعر أن وجوده وحريته "معرضان للخطر".
وأضاف: "فضلا عن ذلك، تعود أشهر صحف التشهير التي قادت حملة التهديد والوعيد بإعادتي إلى السجن لمسؤول كبير في وزارة الداخلية (لم يسمه)".
ورأى الريسوني أن "القرار الملكي بالعفو عن الصحفيين والناشطين بمثابة تصحيح للجرائم التي ارتكبتها (الأجهزة) ضدهم وضد عائلاتهم، والتي تتسم بانعدام الأخلاق بشكل لم يسبق له مثيل في المغرب".
وشدد على أنه "كان من الممكن أن يكون هذا القرار تاريخيا لو رافقه قرار سياسي بتفكيك العشرات من الصحف التشهيرية المحسوبة على المسؤولين عن العمل القذر والقتل المعنوي للمعارضين والمثقفين المستقلين".
وحول الانتقادات بسبب عدم التعبير عن امتنانه لمحمد السادس، قال الريسوني إن "هناك ثلاث حفلات استقبال نظمت للصحفيين والنشطاء المفرج عنهم وهو من بينهم، الأولى كانت من حزب النهج الديمقراطي (يساري)، والثانية من اللجنة المغربية لدعم السجناء السياسيين، أما الاستقبال الثالث فقد حظي به من قبل سكان مدينته القصر الكبير (شمال)، وكان استقبالا شعبيا كبيرا".
ويعلق: "في الحقيقة، أثارت هذه المراسم غضب الجهات التي عملت على فبركة محاضر اعتقالنا، وهو أمر أستطيع أن أتفهمه، لأنهم يرون أن انتصارنا هو بمثابة هزيمة لهم وخروجنا من السجن هو الخطوة الأولى في إيقافهم وتفكيك أدواتهم القذرة".
وحول سبب عدم الإعراب عن امتنانه لمحمد السادس بعد منحه العفو، أشار إلى أنه “كان من الممكن أن يقدم على هذه الخطوة في حال كان هناك تصحيح لخطأ العدالة المرتكب ضده، وإدانة الجهات التي لفقت محضر اعتقاله وأنفقت الكثير من المال العام على الصحافة الصفراء التي لم تفعل شيئا سوى تشويه سمعته وسمعة عائلته”.
واستطرد: "لم يعد سرا أن الجهة التي تدير وتمول صحافة المجاري هذه بالمال العام هي التي تسببت في احتجازه ظلما".
وأضاف: "أشكر الملك وأطلب منه بكل لطف واحترام أن يحاكمني مرة أخرى في محاكمة عادلة (...)، وأن يصدر الأمر بتفكيك الوحدات التي خططت لاعتقالنا التعسفي، والمساس بالدولة وبالملك، قبل المساس بالصحافة والصحفيين المستقلين، وأن يطلق سراح بقية المعتقلين السياسيين، ويخلق المناخ الذي يسمح بعودة الصحفيين المنفيين والمفرج عنهم".
وواصل: "لقد دخلت في إضراب قياسي عن الطعام، وخسرت 45 كيلوغراما، وكنت على وشك الموت، من أجل حقي البسيط في أن أُحاكم في دولة حرة وأحصل على الضمانات القانونية كافة لذلك، إن الملف الذي لفق لي مليء بالثغرات والتناقضات، لكنهم تركوني أموت".
صحافة التشهير
وبحسب الريسوني، "من الصعب تفكيك الصحافة التشهيرية (الصفراء) في المغرب".
وأوضح أنها "اخترقت الدولة والمجتمع، وأصبحت جزءا لا يتجزأ من النظام، تصفق لإنجازاته، وتدافع عن أخطائه، وتهاجم الأصوات الناقدة وتساعد في فبركة بيانات وصور وفيديوهات كاذبة".
واستطرد: “حتى نقابة الصحافة، التي لعبت تقليديا دورا متوازنا بين الإعلام الرسمي وصحف المعارضة والصحافة المستقلة، أصبحت حاليا تدافع بلا تحفظ عن النظام وأخطائه”.
ونوه الريسوني بأن "تفكيك الصحافة التشهيرية في المغرب لم يعد أمرا سهلا، لذا يجب أن يرتكز على قرار سياسي صادر من الملك وعلى مسار يسعى إلى تفكيك بنية الفساد الصلبة والمتماسكة التي رفضت حتى العفو الملكي".
وحول سنوات سجنه، قال الريسوني: "لقد كانت تجربة صعبة، وكان يكفي أن يتلقى المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج (محمد صالح التامك) تعليمات من الأجهزة التي قررت افتعال حبسي لمهاجمة كل من تضامن معي".
وأضاف "لقد أدانني هذا السجان العظيم (التامك) قبل أن تنطق المحاكم بحكمها ضدي. آلمني كثيرا عندما سرقوا يومياتي والمراسلات التي تبادلتها مع الصحفي المعتقل عمر راضي والتي كنا ننوي نشرها في كتاب، وكذلك مخطوطة رواية أدبية...".
واسترسل: "عانيت كثيرا من حملات التشهير الموجهة ضدي وضد زوجتي، ووجدت نفسي عاجزا عن الرد على (الزملاء) الجبناء المشاركين في حملات التشهير البغيضة تلك".
وهل يأمل في أن يتمكن من مواصلة عمله الصحفي، أوضح الريسوني قائلا: "عندما اخترت أن أكون صحفيا استقصائيا في بلد مثل المغرب، كنت أعرف ما ينتظرني: السجن وأشياء أسوأ من السجن".
وتابع: "حتى في السجن مارست الصحافة، فانتقموا مني بمصادرة كتاباتي وتسجيلي بالفيديو وأنا أستحم عاريا، ونشر ذلك، لم يحدث مثل هذا أبدا حتى في أسوأ سجون العالم، فأنا صحفي ضد إرادة الجلاد وصحافة السلطة التي تبارك الظلم والفساد".
وحول خططه المستقبلية، قال الريسوني: “لدي أفكار وخطط لكتابة الأدب والموسيقى، وسأحاول أن أجد الوقت لتنفيذها، بالطبع أحلم بإطلاق مشروع إعلامي كبير، لكن الوضع السياسي الحالي في المغرب لا يسمح بذلك”.
وأضاف: "كما أن إطلاق مشروع كهذا من دولة غربية ديمقراطية، واستعراض التجارب السابقة، يتحول من مشروع نقدي إلى مشروع معارض للنظام السياسي، وهذا ليس طموحي.. آمل ألا أضطر لذلك".