الأعلى منذ عقود.. هكذا تتساهل السعودية في إصدار أحكام الإعدام

حسن عبود | منذ شهر واحد

12

طباعة

مشاركة

لا تتوقف وزارة الداخلية السعودية عن إصدار بيانات بين الفينة والأخرى، تعلن فيها تنفيذ أحكام إعدام بحق مواطنين بتهم متعددة عناوينها الكبرى "الأمن، المخدرات، الإرهاب".

وتزايدت عمليات الإعدام خلال العام 2024 بشكل كبير، على خلفية تهم فضفاضة ودون إجراء محاكمات معلنة، في ظل اتهامات للسلطات السعودية بالتساهل في تنفيذ هذه العقوبة.

الأعلى منذ عقود

وأعدمت السعودية 214 شخصا خلال عام 2024 (حتى 9 أكتوبر/تشرين الأول)، بحسب بيان أصدرته سبع منظمات حقوقية في الرابع عشر من نفس الشهر استنادا إلى بيانات وزارة الداخلية.

وهذا لا يشمل عمليات الإعدام التي نفذت بالفعل بعد التاريخ المذكور؛ حيث أعدمت السلطات السعودية شخصين آخرين في 21 أكتوبر، وفق رصد الاستقلال.

وهو ما يعني أن حالات الإعدام خلال العام 2024 وحده، وصلت إلى 216 حتى تاريخ 21 أكتوبر، ما دفع منظمات حقوقية لدق ناقوس الخطر.

وقالت منظمة العفو الدولية في 28 سبتمبر، إن العمليات التي نفذتها السلطات السعودية خلال 2024، هي الأعلى في تاريخ البلاد منذ عام 1990.

واستدركت أن "العدد الحقيقي للإعدامات ربما يكون أعلى بكثير نظرا لأن وكالة الأنباء السعودية ذكرت أرقاما أقل من العدد الفعلي للعمليات التي نُفّذت في 2022".

ووقتها، سجلت المنظمة إعدام 196 شخصا استنادا إلى خطاب ورد إليها من هيئة حقوق الإنسان السعودية الحكومية. وفي عام 2023، أعدمت السلطات ما لا يقل عن 172.

وهذا العدد الكبير تطرقت إليه سبع منظمات حقوقية خلال البيان المشار إليه سابقا ومنها "هيومن رايتس ووتش" و"القسط"، و"العفو الدولية"، و"المنظمة الأوروبية السعوديّة لحقوق الإنسان" و"ريبريف".

وقالت المنظمات خلال بيان في 14 أكتوبر إن العام 2024 "سيشهد أعلى معدل إعدام في التاريخ السعودي الحديث"، مؤكدة أنه "في ظل غياب الشفافية، فإن الأرقام الفعلية قد تكون أعلى من ذلك".

وبينت أن المملكة أعدمت أكثر من 200 شخص خلال الأشهر التسعة الأولى من 2024، ما يتجاوز عدد الإعدامات المُسجلة في أي عام كامل على مدار العقود الثلاثة الماضية. 

واحتلّت السعودية المرتبة الثالثة على قائمة الدول الأكثر تنفيذا لأحكام الإعدام في العالم خلال عامي 2022 و2023 تواليا بعد الصين وإيران، حسب منظمة العفو الدولية.

ويأتي ذلك على الرغم من ادعاء محمد بن سلمان منذ وصوله إلى منصب ولي العهد عام 2017، اتباع أجندة إصلاحية طموحة تعرف باسم "رؤية 2030"، تهدف إلى تحويل المملكة إلى وجهة سياحية وتجارية عالمية.

ويترافق هذا الانفتاح مع استمرار قمع المعارضة، حيث تتعرض المملكة لانتقادات بسبب سجلها في حقوق الإنسان والتضييق على الحق في التعبير على وجه الخصوص.

تضليل رسمي

وجاءت هذه الأرقام المتزايدة، على الرغم من تعهد ولي العهد السعودي المتكرر بتقليص استخدام عقوبة الإعدام.

ففي أبريل/نيسان 2018، قال ابن سلمان إنه لن يُجرى إلغاء حكم الإعدام، ولكن سيتم التقليل منه إلى حد كبير، وفقا لمبادرة يجرى العمل عليها.

وأكد في حوار مع مجلة "تايم" الأميركية أن أميركا ودولا كثيرة حتى هذه اللحظة تنفذ حكم الإعدام، فيما السعودية حاولت التقليل من ذلك، ولديها قوانين واضحة لا يمكن تغييرها.

وقال ابن سلمان: "على سبيل المثال، عندما يقدم شخص ما على قتل آخر، يجب أن ينفّذ حكم الإعدام بحقه في قانوننا. ولكن هنالك جوانب قليلة يمكن تغييرها، بحيث يتحول حكم الإعدام إلى السجن المؤبد".

وأضاف: "نحن نعمل في الحكومة والبرلمان السعودي على إقامة قوانين جديدة في هذا الجانب، ونعتقد أن الأمر سيستغرق لإتمامه عاما واحدا، أو أكثر قليلاً".

وعاد في مارس/آذار 2022، للقول إن البلاد "تخلصت" من عقوبة الإعدام باستثناء الحالات التي تقتضيها الشريعة، في إشارة إلى حد القصاص. 

وتابع في مقابلة مع مجلة “أتلانتيك” الأميركية: "هذه الفئة مذكورة في القرآن، ولا يُمكننا فعل أي شيء حيالها، حتى لو رغبنا بذلك؛ لأن فيها قولا صريحا، فإذا قتل أحدٌ شخصًا آخر، فإن لعائلة المقتول الحق - بعد الذهاب للمحكمة - في المطالبة بقتله، ما لم يُعْفَ عنه".

وأردف ولي العهد السعودي: "إذا كان شخص يُهدد حياة كثير من الناس، فهذا يعني أنه يجب أن يُعاقب بالإعدام، وهذا نصَّ عليه القرآن، بغض النظر عمَّا إذا كنت أحب ذلك أم لا، فليست لدي القدرة على تغييره".

وفي سبتمبر/أيلول 2023، أعيد فتح هذا الملف في مقابلة مع قناة "فوكس نيوز"، عندما صدر حكم بإعدام المواطن محمد بن ناصر الغامدي، بسبب منشوراته على وسائل التواصل الاجتماعي.

وعلق ابن سلمان بالقول إن هناك بعض القوانين "السيئة" في السعودية، لافتا إلى أن القيادة في المملكة تعمل على تغييرها وفقا للأولويات. 

وأضاف: لسنا سعداء بذلك ونخجل منه لكن النظام القضائي ملزم باتباع القوانين ولا يمكنني أن أقول للقاضي: "افعل ذلك وخالف القانون!".

واستدرك الأمير محمد بن سلمان قائلا: “لكن هل لدينا قوانين سيئة؟ نعم... وهل نعمل على تغييرها؟ نعم”. وبعد تلك المقابلة بشهور، أفرج عن الغامدي.

تساهل بالتنفيذ

ورغم تصريحاته الإيجابية، تشير الإعدامات المتزايدة إلى عدم إيفاء ولي العهد السعودي بتعهداته المتكررة، واستمرار المملكة في معاقبة المعارضين وغيرهم من الفئات.

وفي رصد “الاستقلال”، لوحظ في بيانات وزارة الداخلية السعودية، أن قائمة الذين واجهوا أحكاما بالإعدام خلال العام 2024، شملت اتهامات لا ترتبط بالديباجة المعهودة المتعلقة بالانتماء لتنظيمات إرهابية، لتتجاوزهم إلى قضية المخدرات.

فقد شهدت عمليات الإعدام بالنسبة للجرائم المرتبطة بالمخدرات ارتفاعا هائلا هذا العام، حيث أعدم 59 شخصا منهم 46 أجنبيا حتى الآن، وفق بيان المنظمات السبع السابق الإشارة إليه.

وبذلك ارتفعت من مجرد عمليتي إعدام تتعلقان بالمخدرات في عام 2023، مما يعكس تراجعا كاملا عن تعهد سابق بوقف استخدام عقوبة الإعدام في مثل هذه القضايا. 

واستؤنف في نهاية عام 2022 تطبيق أحكام الإعدام في حق مدانين بجرائم مخدرات في السعودية مع إعدام 19 شخصا في شهر واحد، بعدما توقّف تنفيذ العقوبة بحقهم لحوالي ثلاث سنوات.

وقال بيان المنظمات الحقوقية السبع إن “هذا التصعيد يثير مخاوف جدية بشأن حياة مئات السجناء المحكوم عليهم بالإعدام بتهم تتعلق بالمخدرات".

وتابعت أن هذه الإعدامات تعد انتهاكا صارخا للقانون الدولي لحقوق الإنسان، الذي يحظر استخدامها في جرائم لا تصل إلى مستوى "الأكثر خطورة".

وكذلك استخدمت السلطات عقوبة الإعدام كسلاح لإسكات المعارضة السياسية، ومعاقبة مواطنين من الأقلية الشيعية في البلاد أيّدوا الاحتجاجات “المناهضة للحكومة” التي جرت بين عامي 2011 و2013.

ويجرى توجيه اتهامات فضفاضة للمعارضين المحكومين بالإعدام من قبيل “ارتكاب أفعال مجرمة تنطوي على خيانة الوطن والانضمام إلى كيان إرهابي" أو “المشاركة بأعمال إرهابية”.

ومن التهم كذلك “المس بأمن الوطن”، أو “السعي لزعزعة النسيج الاجتماعي واللحمة الوطنية" أو “تأييد الأعمال التخريبية” أو "ترديد الهتافات المناوئة للدولة والمسيئة لولاة الأمر”.

فعلى سبيل المثال، في 17 أغسطس/آب 2024، أعلنت وكالة الأنباء السعودية إعدام عبد المجيد النمر، وهو رجل شرطة مرور متقاعد، بسبب جرائم متعلقة بالإرهاب لها صلة بانضمامه إلى تنظيم القاعدة. 

لكن المستندات المتعلقة بمحاكمته تروي حكاية أخرى حول التهم المنسوبة إليه والتي تتعلق بمساندته المزعومة للاحتجاجات “المناهضة للحكومة” في المنطقة الشرقية ذات الأغلبية الشيعية في السعودية.

وهو ما ينسف مزاعم ولي العهد بشأن تنفيذ الإعدام فقط في حالة القصاص، حيث جرى خلال 2024، تمرير هذه العقوبة بحق متهمين بقضايا غير مميتة، بما نسبته 41 بالمئة من إجمالي الإعدامات، مثل المشاركة باحتجاجات، وفق بيان المنظمات السبع.

كما أن تفاصيل الإعدامات المنفذة خلال عام 2024 تعكس أبعادا إضافية للتوسع في استخدام هذه العقوبة. 

فقد رصدت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان توجها رسميا لإخفاء بعض المعلومات التي كانت متاحة سابقا، مثل اسم المحكمة التي أصدرت الحكم وبعض البيانات مثل نوع الحكم الصادر وعدم تبيان ما إن كان الحكم حداً أو قصاصا أو تعزيرا.

تهم فضفاضة

يقول ناصر عوض القرني، نجل الداعية السعودي الشهير المهدد بالإعدام إن “الأحكام التي تصدرها وزارة الداخلية السعودية تحت مسميات مثل الانضمام لكيان إرهابي أو الإخلال بالأمن تفتقر غالبا إلى الشفافية والتحديد، مما يجعل هذه التهم فضفاضة وقابلة للتأويل بشكل واسع”.

وأضاف في حديث لـ"الاستقلال": “فعلى سبيل المثال، حكمت المحكمة الجزائية المتخصصة بالرياض على رجل خمسيني بالإعدام ثم خففت الحكم إلى 35 سنة بتهمة الإرهاب والإخلال بالأمن وكل ما فعله هذا الشخص هو التغريد عبر تويتر (إكس)، وآخر تم إعدامه لاستخدامه نفس المنصة”.

ولفت إلى أن هذه الأحكام “تثير القلق حول مدى عدالتها واستيفائها حقوق المتهمين في الدفاع عن أنفسهم”.

وأكد أنه “منذ تولي محمد بن سلمان الحكم، شهدنا تصاعدا كبيرا في وتيرة الإعدامات، بما في ذلك حالات متعلقة بتهم سياسية، ويبدو أن النظام يستخدم الإعدام كأداة لتكميم الأفواه وتخويف المعارضين”.

ويعتقد أن الزيادة الكبيرة في حالات الإعدام عام 2024 هي انعكاس لهذا النهج، وأن التصعيد “يعود إلى خوف النظام وتوجسه من كل صوت مخالف”.

وواصل القول: “للأسف، يتم اللجوء إلى الإعدام كأداة سياسية أكثر منه كإجراء قضائي يستند إلى معايير قانونية وإنسانية عادلة”.

وتطرق هنا إلى قضية والده، قائلا: “الآن تطالب النيابة بإعدامه وكل الأدلة التي قدمتها لا ترقى إلى مستوى المخالفة فضلا عن الجريمة”.

وعوض القرني داعية إسلامي سعودي (67 عاما)، اعتقلته السلطات ضمن حملة شنتها ضد دعاة وأكاديميين وكتاب سعوديين في سبتمبر/ أيلول 2017 شملت أيضا الداعية البارز سلمان العودة. 

ويتابع نجله ناصر بالقول: “حتى نعرف نهج ولي العهد في التعامل مع الأصوات المخالفة توجد جريمة جمال خاشقجي كمثال واضح وصارخ”، في إشارة إلى الصحفي السعودي الذي قتل في قنصلية بلاده بإسطنبول في أكتوبر/ تشرين الأول 2018.

ويواصل: “يوجد ألف خاشقجي في المعتقلات السعودية”، في إشارة إلى مقاصل الإعدام التي تنال أغلب المعارضين الذين سجنوا على خلفية آرائهم.

وبدوره، علق الكاتب الأردني أحمد سليمان العُمري على خبر إعدام آخر مواطنين سعوديين، بالقول: “أكيد رفعوا العلم الفلسطيني، فالعلم فيه طاقة خفية تُهدد الأمن القومي؛ طاقة لا يعرفها غير أزلام الأنظمة العربية”.

فيما قال المعارض السعودي عمر الزهراني إن الحكومة السعودية تغطي فشلها السياسي والاقتصادي بالمزيد من العنف وقتل المواطنين، مبينا أن الإعدامات وصلت لمرحلة خطيرة وغير مسبوقة.