قبيل مفاوضات جدة.. لماذا عين البرهان الجنرال عماد الدين عدوي سفيرا لمصر؟

داود علي | 6 months ago

12

طباعة

مشاركة

يستعد الجيش السوداني وقوات الدعم السريع المتمردة، لاستئناف مفاوضات السلام في جدة بالسعودية وسط حضور بارز لمصر، من أجل وقف الحرب الأهلية الطاحنة المتواصلة منذ 15 أبريل/ نيسان 2023. 

ودفع السودان الذي يبلغ عدد سكانه 48 مليون نسمة، حتى الآن ثمنا فادحا للصراع، بعد أن وصل إلى حافة المجاعة، ودمرت بناه التحتية المتهالكة أصلا، وتسببت أزمته في تشريد أكثر من 8.5 ملايين شخص، وفق الأمم المتحدة.

وقبل الوصول إلى نقطة المفاوضات المنتظرة اتخذ رئيس المجلس السيادي السوداني، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، قرارا بتعيين أحد أبرز معاونيه العسكريين سفيرا للسودان في مصر.

حيث اقترح اسم الفريق أول المتقاعد عماد الدين مصطفى عدوي في 8 مارس/ آذار 2024، ووافقت عليه القاهرة في 14 أبريل. 

فلماذا أقدم البرهان على اختيار عدوي تحديدا لهذه المهمة؟ وما الدور المنوط قيامه به خلال هذه المرحلة؟ 

لاعب مهم 

ووصف موقع " أفريكا إنتيليجنس" الفرنسي، في 3 مايو 2024، أن المهارات التفاوضية القوية التي يتمتع بها الفريق عدوي، ستجعله لاعبا مهما في محادثات جدة المقبلة، والتي دعيت مصر للمشاركة فيها.

بدورها تعرف القاهرة الفريق عدوي جيدا، فقد لجأ إليها عام 2019 خوفا من اعتقاله من قبل حكومة عبدالله حمدوك الانتقالية التي حكمت السودان بين عامي 2019 و2021.

وبحسب الموقع الفرنسي المتوقع بالشأن الاستخباري، يتمتع الفريق عدوي بعلاقات أفضل مع جهاز المخابرات العامة المصري، مقارنة بسلفه دفع الله الحاج علي الذي عين سفيرا مؤقتا منذ ديسمبر/ كانون الأول 2023. 

وفوق ذلك فعدوي حصل على دورة كبار القادة الأفارقة بأكاديمية ناصر العليا العسكرية بمصر، وهي دورة يحصل عليها الضباط الذين يتم تأهيلهم للعب أدوار قيادية سواء في مصر أو في بلادهم. 

ومنذ فترة طويلة، تدير المخابرات العامة المصرية، بقيادة اللواء عباس كامل، الذراع اليمنى لرئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، العلاقات مع السودان بدلا من وزارة الخارجية.

لماذا اختاره البرهان؟

وذكرت صحيفة "النيلين" السودانية في 8 مايو أن تعيين الفريق عدوي سفيرا في مصر، يأتي كعربون على سنوات خدمته. 

فقد شارك هو والبرهان في الصراع في دارفور بين عامي 2003 و2020، وعين قائدا للجيش السوداني عام 2016.

كذلك لعب دورا نشطا في المفاوضات مع الولايات المتحدة لرفع العقوبات المفروضة على السودان، والتي تلقي بثقلها على البلاد حتى الآن.

فهو يمتلك خبرة تفاوضية ليست بالهينة، ففي 10 أغسطس/ آب 2027، التقى عدوي بـ "ألكسندر لاسكاريس" نائب القائد العام للقيادة الأميركية الإفريقية لشؤون الارتباط المدني العسكري في إفريقيا (أفريكوم) آنذاك.

وناقش معه مباحثات إمكانية استئناف التعاون العسكري بين الخرطوم وواشنطن، والأوضاع الأمنية في دول الجوار المضطربة.

كما يمتلك السفير السوداني الجديد بالقاهرة، علاقات متعددة مع قوى إقليمية مختلفة، ففي 26 ديسمبر/ كانون الأول 2017، قاد محادثات مع رئيس أركان الجيش التركي (آنذاك) الجنرال خلوصي أكار، ورئيس أركان الجيش القطري (آنذاك) غانم بن شاهين الغانم، لتوقيع اتفاقيات عسكرية مشتركة، تشمل مجالات التدريب والتسليح.

النقطة المهمة الأخرى أن الفريق عدوي من الشخصيات الثقيلة الوازنة في بنية القوات المسلحة السودانية، التي تتلقى دعما قويا من مصر. 

ومما لا يعرفه كثيرون أن قطاعا من وسائل الإعلام السودانية، تنبأت بإمكانية أن يقود الرجل البلاد عقب الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير. 

منها صحيفة "أمد" المحلية السودانية، التي أوردت في 11 أبريل 2019، أنه يجرى الحديث عن شخصيات عسكرية كبيرة يمكن اتفاق الرئاسة والقوات المسلحة عليها، لتولي منصب الرئيس عندما يغادر البشير القصر الجمهوري بالخرطوم وأبرزها، الفريق أول عماد الدين مصطفى عدوي.

خاصة أنه عمل في عدة مواقع، من بينها قائدا للمنطقة العسكرية الغربية، ومديرا لأكاديمية "نميري" العسكرية العليا.

ثم عمل رئيسا لأركان الجيش، قبل أن يصبح قائدا للعمليات بالقوات المسلحة.

ورقة قوية

اختيار البرهان لعسكري مخضرم مثل عدوي في القاهرة، يأتي وسط تصريحات قوية له يبدو فيها متشددا بشأن مفاوضات جدة.

ففي 9 مايو 2024، أطلق البرهان تصريحات، تضمنت 3 لاءات أمام المفاوضات، والسلام، ووقف إطلاق النار.

حيث قال: "لن نوقف القتال حتى هزيمة هؤلاء المجرمين (قاصدا الدعم السريع) الذين دمروا هذا البلد الكريم، واستباحوا ممتلكات المواطنين، ومارسوا أبشع الانتهاكات، واغتصبوا بناتنا الحرائر في الخرطوم والجنينة والجزيرة". 

وعدت مصادر سياسية ودبلوماسية رفيعة المستوى تصريحات البرهان بأنها "لا تخرج عن كونها خطابا لتعبئة جنوده في الميدان".

فيما كشفت صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية، أن هناك "مفاوضات سرية تجرى تحت الطاولة" بين الطرفين للعودة إلى المفاوضات في جدة، في إطار السقف الزمني الذي سبق أن حدده المبعوث الأميركي الخاص، وهو بعد ثلاثة أسابيع من مايو 2024.

خطوة متقدمة

وتعليقا على هذه التوقعات، قال الصحفي السوداني محمد نصر إن تعيين رجل بحجم الفريق أول عدوي كسفير في القاهرة، بمثابة خطوة متقدمة في الخطط المرسومة بين النظامين المصري والسوداني. 

وأضاف لـ"الاستقلال": "عدوي ليس مجرد رجل سياسي يجيد التفاوض والتنظير، بل هو عسكري ثقيل، كان من أهم القادة المقربين للبشير، وأمسك بزمام ملف تسليح الجيش، وكان قائدا للأركان ومخططا للمعارك في دارفور وغيرها". 

ومضى نصر يقول: “بالتالي فإن وجوده في القاهرة وقربه من مراكز صناعة القرار فيها، تحمل مدلولات أبعد من السياسة إلى فكرة الحرب والقتال”.

وتابع: "ففي حال فشلت المفاوضات وعادت الحرب أدراجها بقوة، سيكون عدوي من الذين يقودون خطط التسليح وتوجيه المعارك بالاتفاق بين القاهرة والخرطوم، لدحر الجنجويد، وسيكون قادرا على فهم الأوامر العسكرية، وتنفيذ الدعم اللوجيستي والاستخباراتي". 

وبرر نصر ذلك بالدور القوي الذي تلعبه قوى أخرى داخل السودان منها إيران التي أمدت البرهان والجيش السوداني بمسيرات وساعدته في حسم معارك مهمة في الخرطوم وأم درمان.

كما أن هزيمة جيش وطني قومي كالجيش السوداني المتاخم لحدود مصر، سيمثل كارثة إستراتيجية وأمنية على القاهرة، وهذا أمر بمثابة خط أحمر لن تقبل الجارة الشمالية بتجاوزه أبدا. 

لذلك ستكون مصر متأهبة بقوة خلال المفاوضات في جدة، وسيكون السفير عدوي، بمثابة مهندس الاتصالات الدبلوماسية بين القاهرة والخرطوم، خاصة أنه رجل عسكري، وابن المكون العسكري الذي يدعمه السيسي منذ اللحظات الأولى للإطاحة بعمر البشير. 

وبدأت تدخلات السيسي في السودان مبكرا، فعقب الإطاحة بالبشير، كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية عن حملة ترويج واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي، نفذتها شركة مصرية غير معروفة لدعم الحكام العسكريين في السودان.

وأوضحت في 6 سبتمبر/ أيلول 2019 أن "الشركة التي يملكها ويديرها ضابط مصري سابق يدعى عمرو حسين، ويقدم نفسه على أنه خبير في (حروب الإنترنت)، دفعت لكل عامل جندته 180 دولارا في الشهر".

وقالت إن "الشركة التي حملت اسم (نيو ويفز/ الأمواج الجديدة) هدفت إلى نشر رسائل مؤيدة للنظام العسكري الجديد في السودان، من خلال استخدام أسماء مزيفة على صفحات فيسبوك وتويتر وإنستغرام وتلغرام". 

وأوضحت الصحيفة الأميركية، إن "الشركة المتخصصة في التسويق الرقمي بدأت بعد أيام من مذبحة الجيش للمتظاهرين السلميين في الخرطوم بنشر ما يطلق عليهم "محاربي لوحة المفاتيح" إلى جبهة ثانية، وهي عملية سرية لمديح الحكام العسكريين السودانيين". 

وأشارت إلى أن هذه الجهود المصرية كانت جزءا من حملة واسعة نالت تسع دول شرق أوسطية وفي شمال إفريقيا، بحسب شركة فيسبوك التي فضحت العملية مطلع أغسطس/ آب 2019.

وأعلنت حينها فيسبوك أنها أغلقت مئات الحسابات التي تديرها شركة "نيو ويفز"، وشركة إماراتية لها اسم يشبه الشركة المصرية.