الاعتراف الدولي بحكومة طالبان الأفغانية.. كيف تضغط الصين على خطط أميركا؟
في خطوة عدت أول اعتراف رسمي بالحكومة الأفغانية التي تتزعمها حركة "طالبان"، قبل الرئيس الصيني، شي جين بينغ، في يناير/ كانون الثاني 2024، أوراق اعتماد سفير كابول لدى بكين.
وفي سبتمبر/أيلول 2023، كانت الصين أول دولة تعين سفيرا جديدا لدى أفغانستان منذ سيطرة طالبان على البلاد في أغسطس/آب 2021.
وتحتفظ أكثر من 12 دولة بتمثيل دبلوماسي في كابول، رغم أن أيا منها لم تعترف رسميا بحكومة طالبان.
وتحافظ كل الدول المتاخمة لأفغانستان، الصين، وإيران، وباكستان، وجمهوريات آسيا الوسطى، على بعثاتها الدبلوماسية بعد رحيل قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) وسقوط الحكومة الأفغانية السابقة، أما الولايات المتحدة الغائبة فتمثلها قطر.
استكشاف حذر
وفي هذا السياق، نشر الباحث والضابط الأميركي المتقاعد، جيمس دورسو، مقالا استعرض فيه مستجدات الجهود الرامية للاعتراف بحكومة طالبان.
والجدير بالذكر أن دورسو خدم في البحرية الأميركية لمدة 20 عاما، وعمل في الكويت والسعودية والعراق وآسيا الوسطى.
وجاء في المقال الذي نشره موقع "ديفينس إنفو" الأميركي، أنه "رغم أن الولايات المتحدة وحلفاءها قد لا يعودون إلى كابول قريبا، فإن الجميع هناك في المنطقة يخططون ويتحركون".
وفي فبراير/شباط 2024، ذكرت "إذاعة صوت أميركا" الحكومية أن "الولايات المتحدة تستكشف بحذر إمكانية إرسال بعثة دبلوماسية مستدامة إلى أفغانستان طالبان".
ومع ذلك، رد متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية بأنه لا توجد "خطط قريبة المدى لإعادة أي مهام دبلوماسية إلى كابول".
يشار إلى أن أوزبكستان حصلت أخيرا على دعم قطر لخط السكة الحديد العابر لأفغانستان الذي يبلغ طوله 573 كيلومترا، لربط أوزبكستان بباكستان عبر أفغانستان.
ويرى دورسو أن "هذا سيضمن أن الصين لن تكون اللاعب الوحيد في تطوير البنية التحتية الأفغانية".
وأوضح أن "لدى طالبان الحافز لتأمين الطريق لإظهار أنها حكومة مسؤولة تسيطر على أراضيها، وبالتالي تُبقي على اهتمام قطر بالاستثمارات المستقبلية في البلاد".
كما أن تأمين الطريق سيكون بمثابة كلمة شكر لجهود الوساطة التي تبذلها الدوحة مع الولايات المتحدة وأوروبا نيابة عن حكومة طالبان، وفق دورسو.
وفي يناير 2024، دعت الصين إلى بدء العمل في خط السكة الحديد بين الصين وقيرغيزستان وأوزبكستان "في أقرب وقت ممكن".
وسيتجاوز خط سكة الحديد روسيا، ومن المرجح أن يتصل بالممر الأوسط التجاري إلى أوروبا، الأمر الذي سيسعد واشنطن، ويساعد في جعل أوزبكستان مركز النقل في آسيا الوسطى، بحسب الباحث الأميركي.
مضخات مفتوحة
وأعلنت المنظمة العالمية للنقل البري أخيرا عن الشحنة الافتتاحية للمنتجات الإلكترونية من مدينة شنزن الصينية إلى العاصمة الأوزبكية طشقند "عبر ممر نقل جديد بطول 6500 كيلومتر يمر عبر قيرغيزستان" في سبعة أيام بدلا من 20 يوما في السابق.
كما أعلنت الخلية اللوجستية الوطنية التي يسيطر عليها الجيش الباكستاني أنها تسعى إلى إيجاد طرق برية إلى آسيا الوسطى عبر الصين.
وقال دورسو: "رغم أن إسلام آباد تأمل بلا شك أن يؤتي خط السكة الحديد العابر لأفغانستان ثماره، إلا أنها تخطط لطريق بري يتجنب أفغانستان".
وعلى نحو مماثل، أبرمت أوزبكستان أخيرا اتفاقيات مع طهران تسمح لها باستخدام شبكة النقل الإيرانية والموانئ البحرية في تشابهار على خليج عمان وبندر عباس على الخليج العربي.
وأوضح دورسو أن "خط أنابيب الغاز الطبيعي الذي يبلغ طوله 1600 كيلومتر بين تركمانستان وأفغانستان وباكستان والهند (TAPI)، عانى من التأخير مرارا، وكان آخر ذلك حين انتصرت طالبان في أغسطس/آب 2021".
وأكد أن "الأميركيين يكرهون أن يوافقوا على أي مشروع يفيد حكومة طالبان، لكن واشنطن وعشق أباد تجريان مناقشات حول احتمال تخفيف العقوبات عليها حتى يبدأ المشروع".
وأضاف أن "المكافأة بالنسبة للولايات المتحدة هي أن خط الأنابيب سيقلل من اعتماد تركمانستان على مبيعات الغاز إلى الصين، علما بأن تركمانستان هي أكبر مورد للغاز عبر خطوط الأنابيب إلى الصين".
والعائق الآخر -وفق دورسو- هو التوتر المستمر بين باكستان والهند، والذي قد يجعل دلهي تشك في رغبة إسلام أباد في إبقاء المضخات مفتوحة.
وهناك عائق آخر أشار إليه وهو إذا ما كانت طالبان تستطيع تأمين خط الأنابيب ضد هجمات "تنظيم الدولة– ولاية خراسان".
وقال الكاتب إن "جمهوريات آسيا الوسطى وإيران تواصل بيع الكهرباء إلى أفغانستان، مما يوفر 78 بالمئة من الكهرباء في البلاد".
واستطرد: "هذا رغم تأخر كابول في سدادها للمدفوعات، والانقطاعات غير المخطط لها في أوزبكستان والتي تسببت في قطع الإمدادات عامي 2022 و2023".
لكن في فبراير/شباط 2024، أعلنت شركة الطاقة الأفغانية "دا أفغانستان بريشنا"، أنها سددت دينا بقيمة 627 مليون دولار لواردات الكهرباء من إيران وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان.
إذعان سياسي
ونوه دورسو إلى أنه في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، بدأ الحوثيون في اليمن بمهاجمة السفن المرتبطة بإسرائيل؛ لفرض وقف العدوان على قطاع غزة.
ونتيجة لذلك، تأثرت 12 بالمئة من التجارة العالمية، وتحولت العديد من السفن من البحر الأحمر إلى الالتفاف حول إفريقيا، ما أدى إلى تأخير عمليات التسليم وزيادة التكاليف.
وقال الباحث الأميركي: "ربما كان يمكن تصور مبادرة الحزام والطريق جزئيا كحل لمخاوف الصين من أن الولايات المتحدة قد تحاول عزلها عن طريق منع التجارة البحرية عبر بحر الصين الجنوبي".
واستدرك: "وربما لم يتوقع مخططو المبادرة الصينية حدوث مشكلات من نقطة البحر الأحمر، لكن هجمات الحوثيين سلطت الضوء على الحكمة من مبادرة الحزام والطريق".
وأردف: "ربما يحفز ذلك المزيد من مشاريع الربط عبر أوراسيا، ويعطي ضرورة أكبر للتعامل مع حكومة طالبان".
واستدعى دورسو الحديث عن تجربة فيتنام، قائلا إن "القوات الأميركية غادرت فيتنام عام 1973، وتمسكت حكومة فيتنام الجنوبية بالسلطة عام 1975 عندما هزمتها فيتنام الشمالية".
وأضاف أنه "رغم أن فيتنام الموحدة حديثا كانت مهتمة بإقامة علاقات دبلوماسية وفتح روابط تجارية، إلا أن واشنطن فرضت حظرا تجاريا على هانوي، ولم تُستأنف العلاقات الطبيعية أو يُرفع الحظر التجاري حتى عام 1994".
وأوضح أن "طالبان مهتمة بالحفاظ على العلاقات، حيث سمح اتفاق الدوحة بوجود موظفين دبلوماسيين أميركيين في أفغانستان".
كما أشار المتحدثون باسم طالبان إلى اهتمام الحكومة بالحفاظ على العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة.
لكن يرى دورسو أن "الأميركيين كانوا، وربما مازالوا، ينظرون إلى أعضاء طالبان بوصفهم إسلاميين عابرين للحدود الوطنية، لهذا فإن واشنطن بطيئة في إعادة العلاقات مع كابول".
ورأى أن "الهدف من ذلك سيكون تجنب انتقادات الصقور في الولايات المتحدة بأن الإدارة الأميركية نسيت تضحيات الجنود الأميركيين والأفغان"، منوها إلى هدف آخر وهو "إجبار كابول على الإذعان للسياسة الأميركية".
وختم دورسو بالقول: "لكن الصين، والمستثمرين المحتملين في الشرق الأوسط، سيحومون حول أي مفاوضات، وسيكونون على استعداد لاغتنام الفرصة في حالة فشل الاتفاق مع الولايات المتحدة".