بنك الاستثمار المصري.. ما الأسباب الحقيقية وراء سعي السيسي لتصفيته سرا؟
تداولت مواقع إعلامية مصرية أنباء عن قرار للسلطات المصرية بتصفية أو بيع أصول بنك الاستثمار القومي الحكومي، أحد أهم أذرع التنمية الاقتصادية لمدة 4 عقود، في خطوة تشير إلى استمرار نهج النظام المصري طوال السنوات الماضية في بيع ممتلكات وأصول الدولة.
البنك يمتلك حصصا بخمس شركات عملاقة ويحوز نسبا بسبع شركات مدرجة بالبورصة المحلية، بينها شركات أسمدة، وبتروكيماويات، وتعدين، وأسمنت، وإسكان وتعمير، وبنوك محلية، وفق البيانات المتاحة.
جريدة "البورصة" المحلية نقلت عن مصادر مطلعة في 10 أغسطس/آب 2021، قولها: إن الحكومة تمضي في خطة تصفية بنك الاستثمار القومي، وتجري محادثات مع مستثمرين لبيع حصصه بجميع شركاته.
المصادر أكدت أن قرار التصفية أو بيع الأصول سيجري خلال 18 شهرا، وهو جزء "من خطة إصلاح متفق عليها مع صندوق النقد الدولي عام 2020".
الصندوق كشف في مراجعته طلب مصر قرضا بقيمة 5.2 مليارات دولار في 2020؛ عن خطة لضرورة تخفيف مخاطر الوضع المالي للبنك، ما دعا وزارة المالية لوقف عمليات الإقراض والتمويل بالبنك في يناير/ كانون الثاني 2021.
وبعد نحو 24 ساعة من انتشار الخبر بمعظم المواقع المصرية، جاء أول رد فعل حكومي على لسان نائب رئيس مجلس إدارة بنك الاستثمار القومي أشرف نجم، لينفي صحة تصفية بنك الاستثمار القومي.
وأكد نجم في بيان 11 أغسطس/آب 2021، أنه "يجري العمل على تنفيذ خطة لإعادة هيكلة البنك كانت الحكومة أعلنت عنها قبل 3 سنوات".
لقمة سائغة
أصول البنك وفق صفحته الرسمية تمتد إلى قطاع البترول والبتروكيماويات عبر حصة تبلغ 6.9 بالمئة في شركة "سيدي كرير للبتروكيماويات" (سيدبك).
وفي قطاع الأسمدة يمتلك البنك 24.8 بالمئة من "أبو قير للأسمدة والصناعات الكيماوية"، و1.1 بالمئة من "المالية والصناعية المصرية"، و12.8 بالمئة من "مصر لإنتاج الأسمدة- موبكو".
أما في قطاع البنوك، فيمتلك 90 بالمئة من "بنك الاستثمار العربي"، و40.7 بالمئة من "البنك المصري لتنمية الصادرات"، و10 بالمئة من مصرف "أبوظبي الإسلامي- مصر".
يمتلك بنك الاستثمار القومي كذلك حصصا بـ"المصرية لمدينة الإنتاج الإعلامي"، و"المصرية للأقمار الصناعية"، في قطاع الإعلام.
وفي قطاع الإسكان والتعمير يمتلك 3.7 بالمئة من "مدينة نصر للإسكان والتعمير"، ونسبا بـ"التعمير للتمويل العقاري"، وحصصا بـ"العز الدخيلة للصلب- الإسكندرية"، بقطاع الحديد والتسليح.
إلى جانب أسهما بـ"السويس للأسمنت"، يمتلك 20 بالمئة من "مصر بني سويف للإسمنت"، و9.6 بالمئة من "مصر للإسمنت- قنا"، و25.3 بالمئة من "المصرية لخدمات النقل والتجارة- إيجيترانس"، بقطاع النقل.
وفي قطاع الصناعات الغذائية والزراعية يمتلك البنك نسبا بـ"شركة الدلتا للسكر"، وأسهما بشركة المدفوعات الإلكترونية "إي فاينانس"، بقطاع الخدمات المالية.
ووفق مراقبين، فإن أصول بنك الاستثمار تعد مطمعا للكثير من الجهات الداخلية والخارجية، وخاصة "صندوق مصر السيادي" التابع بشكل مباشر لسلطات رئيس النظام عبدالفتاح السيسي.
نشرة "إنتربرايز" الاقتصادية، أكدت في 10 أغسطس/آب 2021، أن الصندوق السيادي يجري مفاوضات للاستحواذ على 69 بالمئة من شركة المدفوعات الإلكترونية "إي فاينانس"، المملوكة للبنك.
الصندوق المثيرة أعماله للجدل لما يحيطها من سرية تامة يسعى كذلك للاستحواذ على حصص بنك الاستثمار القومي بشركات قطاعي البتروكيماويات والتعدين.
يسعى الصندوق أيضا إلى جذب مستثمرين لتحديث شركة "الصالحية للاستثمار والتنمية" التي يمتلك بنك الاستثمار 44 بالمئة من رأسمالها.
وقبل شهرين ونصف من أنباء تصفية البنك، وفي 20 مايو/أيار 2021، استحوذت المجموعة المالية "هيرميس" المصرية، مع الصندوق السيادي، على 76 بالمئة من "بنك الاستثمار العربي"، الذي يمتلك بنك الاستثمار 91.42 بالمئة منه.
الخبير الاقتصادي محمود وهبه، أكد أن ما يثار عن استحواذ الصندوق السيادي على بنك الاستثمار القومي، يعني السرية على الكثير من الأعمال ويساوي إهدار مال الشعب ويعني فسادا ماليا كبيرا.
وتساءل في منشور على فيسبوك: "لماذا تؤسس صندوقا سياديا وصندوق تحيا مصر ولديك بنك الاستثمار القومي؟"، ليجيب بقوله: لأنه اقتصاد ملاكي للسيسي وحده، ويسمح فيها بالسرية، ولا تخضع لمراقبة قضائية.
في ظل حالة عدم الشفافية الحكومية التي تسود أعمال القطاع الحكومي والقيود على نشر القوائم المالية في مصر طوال 8 سنوات حكم فيها السيسي، فإن أصول ومديونيات بنك الاستثمار القومي غير معلومة بالتحديد.
تقارير صحفية اقتصادية محلية أشارت إلى أن نتائج تقييم مكتب "ديلويت" للاستشارات المالية والمحاسبية لأصول البنك التي جرى تكليفه بها في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، وتشمل حجم أصوله ومديونياته؛ لم يعلن عنها حتى الآن.
لكن تقريرا مصرفيا حكوميا صدر في أغسطس/آب 2020، أكد أن مديونيات البنك تصل 652 مليار جنيه على الجهات الحكومية.
الخبير الاقتصادي ممدوح الولي، تحدث عن تلك النقطة عبر "فيسبوك" في 12 يوليو/ تموز 2021، مؤكدا أن الجهات الرسمية تخفي بيانات إحصائية مصرية متعددة.
ولفت إلى أن "بنك الاستثمار القومي، المصرف الحكومي التابع لوزارة التخطيط إداريا، لا ينشر بياناته المالية رغم ضخامة أصوله وتنوع نشاطه".
نزع أدواره
بنك الاستثمار القومي ليس له سوى مقرين بالعاصمة المصرية القاهرة، ولم يجر بناء مقر له بالعاصمة الإدارية برغم تدشين مبنى لبنك الاستثمار العربي التابع له بالمدينة الجديدة.
تأسس البنك عام 1980، بغرض إدارة أموال الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية، كبنك حكومي غير تجاري لا يتعامل مع الجمهور، ويتبع وزارة التخطيط.
البنك صنع أدوارا هامة لمدة 4 عقود في تنفيذ مشروعات الكهرباء، والمياه والصرف الصحي، والطرق والكباري، والسكك الحديدية، والموانئ، والزراعة والري، والإسكان والمدن الجديدة، والتعدين، ليفاجأ المصريون بحديث عن تصفية البنك.
المثير للاستغراب هنا أن وثائق صندوق النقد الدولي في مراجعاته عام 2020، للقرض المالي الأخير لمصر أشارت إلى تعهدات الحكومة المصرية بتنفيذ خطة إصلاح بنك الاستثمار القومي دون ذكر مصطلح التصفية أو بيع الأصول.
كما أن البنك وقبل أنباء التصفية بثلاثة أشهر، وقع في مايو/أيار 2021 بروتوكول آلية تسوية التشابكات المالية مع البنك الأهلي المصري، ووزارة المالية.
حينها أكدت وزيرة التخطيط هالة السعيد حرص الدولة على تطوير بنك الاستثمار، ووضعه على مصاف البنوك الاستثمارية المتطورة، واستمرار دوره المحوري كأحد الأذرع الاقتصادية والاستثمارية المهمة للدولة.
سبق تلك الأحداث إجراءات توحي بتقليل أدوار بنك الاستثمار القومي في قطاع الاقتصاد الحكومي بشكل لافت.
أولى تلك الإجراءات جاءت بموجب قانون التأمينات الاجتماعية والمعاشات 2019، إذ جرى نقل أموال معاشات المصريين من البنك لوزارة التضامن الاجتماعي.
وتباعا فقد البنك بعض أدواره في تمويل الهيئات والقطاعات والشركات الحكومية بعدما جرى منح الأخيرة حق التفاوض على قروض أجنبية من الخارج منفردة، ما قلل الاقتراض من بنك الاستثمار.
كذلك منع البنك من إصدار شهادات الاستثمار أهم موارد السيولة التي كانت البنوك الحكومية تصدرها بالنيابة عنه باعتباره بنكا لا يتعامل مع الجمهور، وفق تصريح صحفي للمحلل الاقتصادي محمد أبو باشا.
واستحوذ البنك الأهلي (حكومي) في يناير/ كانون الثاني 2021، على شهادات الاستثمار المملوكة لبنك الاستثمار بكافة أنواعها، ليفقد البنك أهم مصادر دخله.
أيضا، جاء إقرار مجلس النواب في 2020، قانونا يقضي بإلغاء أو تخفيض إعفاءات الضرائب على الأرباح من الأذون والسندات التي تتمتع بها بعض الجهات ليضر ببنك الاستثمار القومي.
حول نقطة نزع أدوار البنك، قال أبو باشا، لموقع "مدى مصر" في 10 أغسطس/ آب 2021: إن "بنك الاستثمار القومي سيختفي من المشهد بعدما تقلص دوره عمليا خلال عقود طويلة".
ويلفت إلى أن صندوق النقد ينظر للبنك ككيان "غامض"، لطرحه شهادات استثمار مرتفعة الفائدة، وتمويله شراء أذون حكومية عام (2018/ 2019) معوضا بذلك انسحاب مستثمرين أجانب من سوق الدين الحكومي.
وبالفعل قال صندوق النقد في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019: إن بنك الاستثمار القومي لديه محفظة كبيرة من ودائع الأفراد والشركات المملوكة للدولة، لا تخضع لرقابة وإشراف البنك المركزي.
أنباء تصفية البنك الحكومي أو بيع أصوله في ظل أطماع الصندوق السيادي في أصوله وبعد تقليل أدواره التنموية بعد 4 عقود عمل؛ أثار الكثير من الجدل بمواقع التواصل الاجتماعي.
"مجموعة تكنوقراط مصر" المعارضة كتبت على "فيسبوك"، في 8 أغسطس/ آب 2021، أن النظام يواجه أزمة حادة في سداد ديونه ولذا فإن "بيع مصر بالجملة أو التجزئه قادم، والمستقبل الاقتصادي في مهب الريح".
البيع السري
وفي تقديره لأهميته لاقتصاد مصر، يقول الخبير الاقتصادي أحمد ذكرالله: "بنك الاستثمار أنشئ بغرض توفير تمويل المشروعات المدرجة بخطط الدولة، وبالتالي هو بنك تنموي كبير".
رئيس قسم الدراسات الاقتصادية بأكاديمية العلاقات الدولية، يضيف لـ"الاستقلال": "البنك أحد الأذرع الاقتصادية والاستثمارية للدولة، وله إسهامات في رؤوس أموال العديد من المشروعات والشركات ويمدها بالقروض ويتابع تنفيذ الأعمال".
خطورة بيع البنك أو تصفية أصوله تتمثل وفق ذكرالله، في "عدم قيامه بدوره في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في ظل معاناة الدولة من شح الأموال لتمويل المشروعات، ما يجعلها تلجأ لمصادر تمويل أخرى".
ويلفت إلى أن "الأخطر من ذلك أن خطة التصفية أو بيع الأصول جاءت وفقا لاتفاق مع صندوق النقد ضمن اتفاق على قرض 5.2 مليار دولار، أي أن هذا التوجه أملي على الحكومة وليس بإرادتها وبالتالي فإنه مقدمة لتنازلات أكبر".
مصير الشركات التابعة للبنك، أمر غامض، حسب الخبير المصري الذي يؤكد عدم ظهور بيان حكومي من البنك أو مجلس الوزراء بشأن وضع ملكيات وأصول ونسب ملكيات البنك بمشروعات وشركات الدولة.
ويجزم بأن "ما نعرفه قليل وما لا نعرفه كثير، وما نشرته مواقع محلية عن أصول وممتلكات البنك هي بعض من الكل، وبالتالي يفتقر المتخصصون والعامة إلى الصورة الكاملة عن ممتلكات البنك".
وفي توقعه لمن سيشتري تلك الأصول ومصير أموال البيع حال تحقق أنباء البيع أو التصفية، يوضح أن "هناك خطة للخصخصة تسير لبيع بالتجزئة أو بالجملة تتحدث كما قيل عن نقل العديد من أصول الدولة التابعة للبنك للصندوق السيادي".
ويشير إلى أن "ذلك البيع إن تم غالبا سيكون خارج الرقابة وبعيدا عن موازنة الدولة، فلا رقابة على الصندوق التابع للسيسي، وهنا لن نعرف أين ذهبت أموال بيع تلك الأصول".
الخبير الاقتصادي يعتبر أن "المشكلة الأكبر هي طريقة تقييم أصول البنك، ولأن عمليات بيع ونقل الأصول والأموال الناتجة عنها ستكون أمرا داخليا للحكومة والصندوق فلن يعلم أحد طريقة التقييم ولا كيفيته؛ وكأن الدول تبيع ممتلكاتها سرا".
ويلفت إلى أن "الصندوق منفتح على جهات عربية وإقليمية وأجنبية، وربما تنتقل بعض أصول البنك للصندوق السيادي، وبالتالي لشركات عربية أو أجنبية أو إسرائيلية بغض النظر عن كونها إستراتيجية ومهمة للأمن القومي واقتصاد الدولة".