أبوالفتوح.. سياسي مصري أهانه السادات واعتقله مبارك ويقتله السيسي ببطء
"اعتقلوه لأنه قال كلمة حق في لقاء على قناة الجزيرة، ولأنه كان المرشح الرئاسي الوحيد في مصر عام 2012، الذي حاول إنهاء الاستقطاب الديني العلماني باب الفشل والمجازر".
تلك كلمات الشاعر الفلسطيني تميم البرغوثي، كتبها بـ"فيسبوك"، يوم عيد الأضحى 19 يوليو/ تموز 2021، عن القيادي السابق بجماعة الإخوان المسلمين، والمرشح الرئاسي الأسبق، والسياسي المعتقل، الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح.
رئيس حزب "مصر القوية"، والنقابي السابق والطبيب المصري (70 عاما) يعيش أوضاعا إنسانية وصحية صعبة في سجون النظام الحاكم لمصر، وهو ما كشف عنه نجله حذيفة يوم 25 يوليو/ حزيران 2021.
يقول حذيفة في منشور على فيسبوك: "بعد أكثر من 3 سنوات و5 أشهر من الحبس الاحتياطي، وحبس انفرادي في عزلة تامة، وتدهور مستمر في صحته يهدد حياته في كل لحظة، متى يرجع بيته؟".
في ظل حالات وفاة طالت مئات المعتقلين في السجون خاصة كبار السن من جماعة الإخوان المسلمين؛ أعرب حذيفة عن مخاوفه على حياة والده، خاصة مع تعرضه الدائم لأزمات قلبية حادة بمحبسه، تتجاهلها إدارة السجون.
ومنذ انقلاب قائد الجيش سابقا ورئيس النظام حاليا عبدالفتاح السيسي عام 2013، "توفي 731 معتقلا بسبب حرمانهم من الرعاية الصحية"، وفق "لجنة العدل"، في جنيف.
وشهد عام 2020 وفاة 73 معتقلا بسبب الإهمال الطبي في السجون، وقضى نحو 774 معتقلا خلال سبع سنوات.
ودأبت أسرة أبوالفتوح على تقديم شكاوى تثبت تعرض السياسي المصري للإهمال الطبي وأزمات صحية.
من هو؟
عبدالمنعم أبوالفتوح عبدالهادي، ولد 15 أكتوبر/ تشرين الأول 1951، بحي "الملك الصالح" أحد أحياء مصر القديمة، لأسرة من قرية "قصر بغداد" بمدينة كفر الزيات بمحافظة الغربية، (غرب الدلتا).
حصل على بكالوريوس الطب من "قصر العيني"، بتقدير جيد جدا، لكن نشاطه السياسي وعمله العام تسببا في حرمانه من التعيين بجامعة القاهرة، لكنه نال لاحقا ماجستير إدارة المستشفيات من كلية التجارة بجامعة حلوان.
عمله العام بدأ من جامعة القاهرة؛ إذ شغل منصب رئيس اتحاد كلية طب القصر العيني 1973، ورئيس اتحاد طلاب جامعة القاهرة 1975، ثم انضم لجماعة الإخوان المسلمين وشغل منصب عضو مكتب الإرشاد بها منذ عام 1987 حتى 2009.
جرى انتخاب أبو الفتوح أمينا عاما مساعدا لنقابة الأطباء عام 1984، وأمينا للجنة الإغاثة الإنسانية بالنقابة من 1986 وحتى 1989، وأمينا عاما للنقابة من 1988 إلى 1992.
تولى منصب الأمين العام المساعد وأمين صندوق اتحاد الأطباء من 1992 حتى 2004، ومنصب أمين عام اتحاد الأطباء العرب من مارس/ آذار 2004.
شجاعة مبكرة
وصف بأنه الأكثر جرأة وشراسة في معارضة الأنظمة، ولذا حفلت حياة أبو الفتوح بالمواجهات مع الأنظمة المصرية بداية من رئيس النظام الأسبق أنور السادات، حينما كان الأول قياديا طلابيا.
ثم عاش مواجهات أشد مع رئيس النظام السابق حسني مبارك عندما كان طبيبا وأمينا عاما لنقابة الأطباء واتحاد الأطباء العرب، وقياديا بجماعة الإخوان المسلمين حتى مارس/ آذار 2011.
له واقعة شهيرة يكاد يعرفها جل طلاب مصر المهتمون بالعمل السياسي، إذ إنه وخلال مؤتمر حضره السادات في فبراير/ شباط 1977، تحدث كممثل لطلاب جامعة القاهرة منتقدا سياساته.
وفي معرض حديثه عن منع السلطات للشيخ محمد الغزالي من الخطابة بمسجد عمرو بن العاص، واعتقال طلاب تظاهروا في الحرم الجامعي، قال حينها للسادات في جرأة غير مسبوقة: إن من يعملون حوله "مجموعة من المنافقين".
وبسبب موقفه الرافض لتوقيع السادات معاهدة "كامب ديفيد" مع إسرائيل، كانت أولى أزمات أبوالفتوح مع الاعتقالات، إذ طالته حملة السادات الشهيرة في سبتمبر/أيلول 1981، لعدة أشهر مع سياسيين ومسؤولين وصحفيين وإسلاميين.
رغم عمله في إطار قوانين النقابات العمالية؛ فإن نشاطه وحضوره دفعا مبارك، لمحاكمته عسكريا بإحدى قضايا جماعة الإخوان المسلمين حينها، ليسجن للمرة الثانية عام 1991، لمدة 5 سنوات.
لكن وبعد نحو 8 سنوات لم يمنع انتخابه لمنصب أمين عام "اتحاد الأطباء العرب"، نظام مبارك من اعتقاله لعدة أشهر عام 2009، بدعوى انتمائه لجماعة الإخوان ومعارضته النظام، ليسجل اسمه في أسماء المعتقلين السياسيين للمرة الثالثة.
وفي عهد المجلس العسكري الحاكم في مصر إثر ثورة يناير (2012- 2013) صعد نجم أبوالفتوح بشدة ونافس على رئاسة مصر.
لكن مع تغول ما عرف حينها بـ"الطرف الثالث"، الذي ارتكب جرائم بحق متظاهرين وثوار؛ تعرض أبوالفتوح لهجوم من ثلاثة مسلحين مساء 23 فبراير/ شباط 2012، بعد مؤتمر جماهيري حاشد بمحافظة المنوفية.
ليعتقل أبوالفتوح للمرة الرابعة لكن في عهد السيسي، منذ 14 فبراير/ شباط 2018، بتهمة نشر أخبار كاذبة عقب عودته من المملكة المتحدة إثر مقابلة مع فضائية "الجزيرة" انتقد فيها حكم رئيس النظام ووصف حقبته بـ"دولة الخوف".
وفي مخالفة للقانون الذي يحدد مدة الحبس الاحتياطي بعامين فقط؛ يقبع أبو الفتوح في محبسه رغم إخلاء سبيله؛ حيث تصر السلطات الأمنية على رفض الإفراج عنه.
وفي منتصف يونيو/ حزيران 2021، أفرجت نيابة أمن الدولة عن أبو الفتوح، لكن جرى تجديد احتجازه في اتهامات جديدة، وفق سياسة النظام بـ"تدوير المتهمين".
اعتقال أبو الفتوح للمرة الأولى جرى إثر عودته من معسكر طلابي بالعاصمة الإيطالية روما.
ورغم ظهور اسمه في كشوف اعتقالات سبتمبر/ أيلول 1981، رفض الشاب أبوالفتوح نصيحة البعض بالبقاء خارج البلاد.
وفي أزمة اعتقاله الأخيرة نصحه البعض بعدم العودة خوفا من اعتقاله، لكن المسن أبو الفتوح رفض، وقال لمذيع الجزيرة خلال اللقاء المثير: لا مكان لي على الكرة الأرضية إلا مصر، سأعود فلا يمكنني أن أعيش خارجها إلا لوظيفة".
.
مثلت أول انتخابات رئاسية في مصر عقب ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011 التي كان أحد رموزها فرصة كبيرة لأبوالفتوح لاستكمال أحلامه لمصر، وللمصريين في الحرية والرخاء والحكم الرشيد، لكنه خرج من السباق مبكرا وحل رابعا في الجولة الأولى.
قرر الترشح للانتخابات في 29 مارس/ آذار 2012، في قرار قوبل بالرفض من جماعة الإخوان التي فضلت عدم مشاركة عناصرها، حينها، ما عرضه للفصل من الجماعة وبداية الصدام مع بعض قياداتها.
خبرة أبو الفتوح والعمل العام الذي مارسه وآراؤه المعتدلة وتوجهاته التي ترضي الكثير من النخب جعلته يصنع مكانا له بين النخب المصرية وعامة المصريين الذين رأوا في توجهاته انفتاحا أكثر من الإخوان.
بالفعل رحب قطاع عريض من النخبة وقوى سياسية وشبابية وثورية بترشح أبو الفتوح كالناشط وائل غنيم، والكاتب بلال فضل، والفنانين حنان ترك وآثار الحكيم ومحمد صبحي وحمزة نمرة، وحزبي "الوسط" و"البناء والتنمية".
مثل تاريخ 12 نوفمبر/ تشرين الثاني 2012، يوما سعيدا لأبي الفتوح، حيث وافقت السلطات على تأسيس حزب "مصر القوية" (يسار الوسط)، برئاسته، مع عدد كبير من النخب المصرية من توجهات سياسية وفكرية مختلفة.
أدوار وآراء
رغم اعتراض أبو الفتوح على الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس الراحل محمد مرسي في نوفمبر/ تشرين الثاني 2012، إلا أنه لم يشارك في "جبهة الإنقاذ"، التي شكلها سياسيون ضد الأخير.
ورغم أن حزبه "مصر القوية" دعا إلى مظاهرات 30 يونيو/ حزيران 2013، مطالبا مرسي بالدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة، إلا أنه رفض إعلان 3 يوليو/ تموز 2013، ووصفه بـ"الانقلاب"، ورفض فض اعتصام "رابعة العدوية".
تلك المواقف جعلت أبو الفتوح موضع هجوم النظام، بل إنه ومع فوز السيسي بالدورة الرئاسية الأولى في 2014، تراجع ظهوره إعلاميا في مصر، وتم تصنيفه كمعارض للنظام.
العمل الإغاثي والإنساني كان الأكبر في حياة أبو الفتوج كونه من جماعة الإخوان التي تهتم بهذا الشأن، وإثر رئاسته لجنة الإغاثة والطوارئ باتحاد الأطباء العرب بداية العشرية الأولى من القرن الـ21.
حضوره كان بارزا في أزمات مصرية مثل حادثة سيول أسوان وسيناء، وكارثة سقوط صخرة الدويقة في عهد مبارك، بجانب دوره في دعم الأزمات العربية في الصومال، ولبنان، وقطاع غزة.
آمن أبو الفتوح بضرورة فصل العمل الدعوي عن الحزبي والمنافسة على السلطة، وكتب العديد من الكتب في مجال الدعوة والتربية والسياسة، منها "مجددون لا مبددون" عام 2009.
وفي الكتاب حاول فتح صفحة جديدة في الحوار مع الآخر مهما كان، يعتمد في ذلك على الانفتاح والتعقل والبصيرة.
وكذلك كتاب "شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية في مصر 1970-1984"، وهو أشبه بالسيرة الذاتية والتأريخ للحركة الإسلامية وصراعاتها مع الأنظمة في تلك الحقبة.
غياب أبو الفتوح لنحو 3 سنوات ونصف لا شك أنه ترك فراغا في الحالة السياسية المصرية، وفقدت النخب صوتا هادئا متعقلا، وكسب النظام عدوا له الكثير من الأنصار.
ويوم وقفة عرفات الموافق 18 يوليو/ تموز 2021، نشر رئيس حزب "الوسط"، المهندس أبوالعلا ماضي صورته مع أبو الفتوح من المجر عام 2005، وقال له: "كل سنة وأنت طيب أخي الكبير والحبيب".
وأضاف: "اليوم سعدنا بخروج عدد من الأسماء المعروفة من السجن، وأتمنى أن تخرج أنت أيضا وقد أكملت أكثر من 3 سنوات من الحبس الاحتياطي".
في 26 يوليو/ تموز 2012، نشر موقع "ميدل إيست آي"، تقريرا عن أبو الفتوح، وقال: إنه نجا من الموت بأزمة قلبية في سجن طرة سيئ السمعة، مشيرا إلى أن إدارة السجن تقاعست عن توفير الرعاية الطارئة له.
وأكد أن أبو الفتوح ، واحد من 60 ألف معتقل سياسي سجنهم السيسي، مشيرا لمخاوف تعرض حياة الرجل للموت مثل الرئيس مرسي والنائب السابق عصام العريان، بسبب الإهمال الطبي والظروف السيئة في السجون.