بعد تجميد حفتر أكثر من عام.. لماذا أعاده ابن زايد والسيسي للمشهد الليبي؟

12

طباعة

مشاركة

في زيارة سرية وصل قائد الانقلاب الليبي خليفة حفتر إلى القاهرة 9 أغسطس/ آب 2021، لاستعادة دعم مصر والإمارات لقواته، في ظل تكهنات بعودة ليبيا لمربع الحرب مرة أخرى، وإفشال انتخابات ديسمبر/ كانون الأول 2021.

حفتر، وصل بناء على دعوة مصرية عقب تفجر خلافات علنية بينه وبين رئيس حكومة الوحدة الليبية عبدالحميد الدبيبة، لرفض الأول خضوع قواته المتمردة لإمرة الثاني بصفته القائد الأعلى للجيش.

تصاعد الموقف جاء عقب لقاء رئيس الحكومة الليبية، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في أنقرة 7 أغسطس/ آب 2021، الذي أكد دعمه الكامل للدبيبة.

توقيت الدعوة المصرية لحفتر بعد يومين فقط من زيارة الدبيبة إلى تركيا يأتي في ظل حديث عن تراجع في خطوات مصالحة مصرية تركية جرت خلال 2021، بسبب خلافات بشأن ملف ليبيا.

مراقبون يعتقدون أن استدعاء القاهرة لحفتر والعودة للعب بورقته مرة أخرى جاء ردا على الدعم التركي لحكومة الدبيبة، ورفض تركيا سحب قواتها كما تطالب مصر.

بالتزامن مع وصول حفتر للقاهرة، وصل وفد إماراتي برئاسة طحنون بن زايد مستشار الأمن الوطني ومسؤول العمليات الاستخبارية، والتقى رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي 10 أغسطس/ آب 2021.

موقع "إمارات ليكس" كشف 11 أغسطس/ آب 2021 أن زيارة طحنون بهدف بحث "سبل دعم حليف أبوظبي خليفة حفتر قائد مليشيات شرق ليبيا وتعزيز وضعه".

وكذا "تعزيز التنسيق مع النظام المصري بشأن تكثيف الدعم للرئيس التونسي قيس سعيد عقب انقلابه الأخير على البرلمان المنتخب وحل الحكومة لتعزيز سلطاته".

التنسيق المصري الإماراتي مع حفتر، وتصاعد نذر عودة الحرب مع بوادر فشل انعقاد انتخابات ديسمبر/ كانون الأول 2021، تزامنا مع ما كشفه موقع "بي بي سي" في 10 أغسطس/آب 2021 من وثائق تظهر استعدادات لتجدد الحرب في ليبيا.

الوثائق أظهرت طلب مرتزقة "فاغنر" -تدفع أبوظبي مرتباتهم- من الحكومة الروسية توفير شحنات من المعدات العسكرية لهم، ما يعني الاستعداد لجولة جديدة من القتال.

وبالتزامن أعلنت السفارة الأميركية في ليبيا، أن سفيرها ومبعوثها لدى طرابلس ريتشارد نورلاند التقى يومي 11 و12 أغسطس/ آب 2021، حفتر ومسؤولين مصريين بالقاهرة.

السفارة أوضحت أن هذا اللقاء في "إطار الجهود الأميركية لدعم الانتخابات البرلمانية والرئاسية الليبية المقررة 24 ديسمبر/ كانون الأول 2021".

ورقة حفتر

بعدما انحسرت الأضواء عن حفتر، وبدا أن القاهرة جمدت وضعه أو أحالته للتقاعد عقب اعترافها بحكومة الوحدة الوطنية المنتخبة بإشراف الأمم المتحدة، قررت القاهرة أن تنفض التراب عنه وتعيده للواجهة.

سبب أساسي دفع القاهرة لذلك، وهو إخفاق المصالحة مع تركيا التي رفضت طلبا مصريا صريحا بسحب قواتها من ليبيا، وشددت على أن قواتها شرعية حضرت باتفاق رسمي مع طرابلس وليست  مليشيات كالتي يستعين بها حفتر وحلفاؤه.

مصادر مصرية تقول لـ"الاستقلال": إن "مصر كانت تسعى لترتيب لقاء بين حفتر والدبيبة في القاهرة للتوافق حول عدة قضايا تخص قوات حفتر، بما لا يعرقل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية".

وتوضح أن "مصر والإمارات ترغبان في تعزيز وضمان وضع جيد لحفتر في ليبيا، والسماح له بالترشح للرئاسة، وتمويل حكومة الوحدة الليبية لقواته".

المصادر تضيف أن القاهرة وأبوظبي "تدعمان استمرار بقاء قوات حفتر مستقلا عن جيش طرابلس في هذه المرحلة الانتقالية، ما يعني أن يبقى سيفا مسلطا على رقبة حكومة الوحدة الوطنية المدعومة من تركيا".

رغم تمرير حكومة الدبيبة مليار دينار لقوات حفتر في مشروع الموازنة المقدم لمجلس النواب من أصل 2.5 مليار تطالب بها، لدفع رواتب المليشيات التابعة له، إلا أن حفتر رفض الاعتراف بحق الدبيبة كقائد أعلى للجيش.

وذلك بعدما رفض المجلس الرئاسي الليبي تعيينات وترقيات أعلنها حفتر في قواته بالشرق، باعتبار ذلك من اختصاص المجلس، وفق اتفاق الأمم المتحدة، لكن حفتر تحدى الجميع وأعلن أن قواته لن تخضع لأي سلطة في ليبيا غيره.

خلال كلمته في ذكرى تأسيس الجيش الليبي 10 أغسطس/ آب 2021، رد الدبيبة على حفتر قائلا: "لا يمكن للجيش أن ينتسب لشخص مهما كانت صفته بل هو جيش الليبيين جميعا".

وأضاف: "الجيوش وجدت لتحمي المدن لا أن تقتحمها وترعب أهلها وتدمر ممتلكاتها"، وشدد على أن "من يتخذ الحرب وسيلة لا يملك أبدا بعد نظر لأنه يضحي بالجميع من أجل غطرسة واهية".

كان الدبيبة يشير بذلك إلى هجوم حفتر العسكري الفاشل على العاصمة الليبية طرابلس 4 أبريل/ نيسان 2019.

عضو المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، بلقاسم قزيط، كان أكثر صراحة في وصف رفض حفتر خضوع قواته لأي سلطة غيره بأنه "إعلان تمرد مجلجل".

وقال لفضائية الجزيرة 10 أغسطس/ آب 2021: إن "تلك الخطوة تمهيد لسيناريوهات تمرد سابقة لحفتر وتعني استحالة إجراء الانتخابات".

القلق المصري من الدور التركي في ليبيا، والذي دفعها لمعاودة إخراج كارت حفتر على الطاولة، شرح تفاصيله الصحفي المصري عماد أديب، المقرب من أجهزة سيادية.

"أديب" كتب مقالا في صحيفة "الشرق" اللبنانية 26 يونيو/ حزيران 2021، بعنوان: "أردوغان السياسي المبتز (2)" قال فيه: إن تركيا رفضت مطالب مصر التي نقلها لها رئيس المخابرات عباس كامل كشرط لتحسين العلاقات.

أشار لنقل كامل 4 شروط مصرية للأتراك أبرزها سحب تركيا قواتها و"قوات مرتزقة" أتت بها من سوريا إلى ليبيا، بخلاف المطالب التقليدية المتعلقة بتسليم معارضين مصريين ووقف دعم جماعة الإخوان المسلمين.

مرتزقة فاغنر

رفض تركيا سحب قواتها الداعمة للشرعية في ليبيا، كان أحد أسباب تنسيق أبوظبي مع القاهرة لدعم قوات حفتر مجددا، وملشيات فاغنر المرتزقة والاستعداد لجولة حرب جديدة بغرض الاستيلاء على العاصمة طرابلس بالقوة.

يقاتل أكثر من 1000 من مرتزقة مجموعة فاغنر الروسية، التي يرأسها يفغيني بريغوجين مساعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ومرتزقة أفارقة آخرين إلى جانب قوات خليفة حفتر.

الوثائق التي أعلن عنها موقع "بي بي سي" أشارت لدور المرتزقة في القتال مع حفتر وارتكابهم جرائم شملت قتل الأسرى والمدنيين بدم بارد وزرع الألغام في المناطق السكنية والبيوت.

وأكد أن الوثائق حملت توقيع المظلي السابق في القوات الروسية ديمتري أوتكين المؤسس والقائد العام لمجموعة "فاغنر". 

وجزم بأن الوثائق كانت في "تابلت" أحد مقاتلي فاغنر الروس الذي تركه وراءه بعد أن تقهقر المرتزقة من مناطق في جنوب طرابلس 2020، بعد تعرضهم لهزائم متكررة.

تشير الوثيقة إلى من يكمن خلف تمويل ومساندة العملية، بجانب قائمة بمواد ضرورية طالبت بها فاغنر لإصابة أهداف عسكرية، تشمل 4 دبابات ومئات من بنادق كلاشنكوف ونظام رادار حديث. 

وقبل ظهور هذه الوثائق، استبعد تحليل لموقع "أتلانتيك كاونسل" 22 يوليو/ تموز 2021 أن تسحب روسيا مسلحي فاغنر من ليبيا على المدى البعيد.

ورجح أن "تحتفظ موسكو بوجود عسكري في ليبيا بشكل أو بآخر".

مصير الانتخابات

بإصرار الانقلابي حفتر على صيغة "جيش مواز" وتعريف نفسه على أنه "قائد الجيش"، وتهديده بالعودة لإنشاء حكومة موازية في شرق ليبيا لو تأخرت الانتخابات التي يعرقلها، يدفع بليبيا نحو الاقتتال مجددا، وفق مراقبين.

كما أن إعلانه عدم خضوع قواته لأي سلطة مدنية يجعل إمكانية إجراء انتخابات حرة في المناطق الخاضعة لسيطرته أمرا مشكوكا فيه، بل وتزويرها لصالحه.

وبعدما أعادت حكومة الوحدة الوطنية التي انبثقت عن اتفاق الليبيين برعاية الأمم المتحدة، الأمل لليبيين بشأن توحيد بلادهم، يعقد حفتر خيوط اللعبة ويعيد صيغة الحرب "جيش مواز وحكومة موازية".

عقب الاتفاق الأممي بشأن حكومة ومجلس رئاسي جديد، انحنت مصر وحفتر للعاصفة وأعلنا تأييدهما لحكومة الوحدة الوطنية التي ستقود انتخابات الرئاسة والبرلمان ديسمبر/ كانون الثاني 2021، لكنه ظل يعمل على تأزيم الأوضاع.

بدأ حفتر الأزمات بطلب ميزانية لمليشياته من الموازنة العامة للدولة، وحين رفضت الحكومة الموحدة هدد بالحرب، وبعدما قبلت بتخصيص موازنة لمرتبات جيشه أعلن أنه لا سلطان للحكومة الموحدة على جيشه.

بعدما عرقل مع نواب برلمان طبرق تمرير الموازنة العامة للدولة، عرقل مؤيدوه الاجتماع الحاسم لملتقى الحوار السياسي الليبي 11 أغسطس/ آب 2021، المعني بوضع "القاعدة الدستورية" للانتخابات المقبلة.

لم يتم التوصل إلى اتفاق حول انتخاب الرئيس بشكل مباشر أو غير مباشر وجرت إحالة هذا المقترح للجلسة العامة للملتقى، كما لم يجر الاتفاق على انتخاب غرفة واحدة للبرلمان أم غرفتين (مجلس النواب والأمة).

لم يكتف حفتر بهذا بل عين رئيس الحكومة المؤقتة السابق عبدالله الثني على رأس إدارة استحدثها في جيشه تسمى الإدارة السياسية، استعدادا لتشكيل الاثنين حكومة موازية لحكومة الوحدة الوطنية وعودة الانقسام مرة أخرى.

عاونه في ذلك رئيس "برلمان طبرق" عقيلة صالح وحليف حفتر، بإعلانه نيته تشكيل حكومة جديدة موازية في الشرق، حال تأجلت الانتخابات، رغم أنهم هم سبب عرقلتها.

صالح قال لوكالة "رويترز" 28 يوليو/ تموز 2021: "إذا تعطلت الانتخابات سوف نرجع للمربع الأول"، محذرا من أن حكومة جديدة موازية ستظهر في الشرق.

وتبدو الأمور مرشحة بالتالي للعودة للمربع الأول بالفعل، لكن المفارقة أن من يحذرون من ذلك هم من يدفعون الأمور لهذا المربع، الحرب مجددا.