"طمس العروبة".. ما حقيقة تعديلات البرلمان العراقي على قانون التجنيس؟
"نائب برلماني نفى وجود مثل هذه التعديلات في الوقت الحالي"
تساؤلات عديدة تدور في الساحة السياسية بالعراق، بخصوص حقيقة المساعي البرلمانية لتعديل قانون التجنيس في البلاد، والذي يحذر البعض من تغيير في التركيبة السكانية حال تطبيقه، وهو منح الجنسية للأجنبي الذي يقضي سنة واحدة في العراق.
وبحسب القانون الحالي، فإن لوزير الداخلية أن يقبل تجنيس الأجنبي الذي "أقام في العراق بصورة مشروعة مدة لا تقل عن عشر سنوات متتالية سابقة على تقديم الطلب"، وأنه "لا تُمنح الجنسية لأغراض سياسة التوطين السكاني المخل بالتركيبة السكانية".
"جريمة كبرى"
موضوع التحركات النيابية لتعديل قانون التجنيس، جاء في أول الأمر عبر مقابلة تلفزيونية عرضت مطلع مارس/ آذار 2024، للمتحدث السابق باسم حزب البعث العراقي (المحظور)، خضير المرشدي، الذي قال: "الآن يناقشون قانون الجنسية، وهو جريمة كبيرة بحق العراق".
وحذر المرشدي من تداعيات تطبيق التعديلات المرتقبة للقانون على “ملايين المقيمين في بلاده من الإيرانيين والأفغان والباكستانيين وجنسيات أخرى”.
واستطرد: "إذا لم ينتبه العرب، فسيضيع العراق، لن يعود عربيا، وبعد 5 سنوات قد تتحول بغداد إلى مدينة غير عربية".
وفي 30 مارس، نقلت قناة "الرافدين" العراقية عن مصادر نيابية (لم تكشف هويتها) قولهم إن "أحزابا ومليشيات موالية لإيران تدفع إلى تشريع قانون يعطي المقيم لمدة عام واحد إمكانية الحصول على الجنسية العراقية".
ولفتت إلى أن "هذا يحوّل العراق لبيئة طائفية عبر تجنيس مئات الآلاف من الإيرانيين والباكستانيين والأفغان بدوافع طائفية، ما يهدد تركيبة البلاد الديمغرافية ويعد محاولة لطمس هويتها العربية، خدمة لمصالح كل من إيران وأميركا".
ومنذ تداول هذه الأنباء، تلتزم الرئاسات الثلاث في العراق، الحكومة والبرلمان والجمهورية، الصمت إزاء احتمال وجود تحركات في الوقت الراهن لتمرير التعديلات المقترحة، والتي لم يتمكن البرلمان من تمريرها عام 2019 جراء خلافات، واندلاع الاحتجاجات الشعبية في البلاد التي أطاحت بحكومة عادل عبد المهدي.
وقدمت حكومة عبد المهدي في مارس 2019، مشروعا لتعديل قانون الجنسية العراقية رقم (26) لسنة 2006 وهو مقترح موروث من حكومة حيدر العبادي السابقة، طرح عبر لجنة الأمن والدفاع بالبرلمان.
التعديلات طرحت بنودا مخالفة للتشريعات السابقة في قوانين الجنسية العراقية تمكن الأجانب من الحصول على الجنسية العراقية من خلال الإقامة في البلاد لمدة عام واحد فقط بعد أن كانت المدة 10 سنوات.
كما منحت التعديلات صلاحيات واسعة لرئيس الجمهورية ووزير الداخلية تضمن لهم حق التجنيس بأعداد غير محددة، الأمر الذي عده البعض “احتقارا كبيرا” للجنسية العراقية، وعده البعض الآخر “بادرة خطيرة” تفتح المجال أمام التغيير الديمغرافي في البلاد.
نفي برلماني
وبخصوص مدى حقيقة طرح مثل هذا الموضوع داخل أروقة البرلمان العراقي، نفى النائب مثنى أمين عن كتلة "الاتحاد الإسلامي" الكردستاني، وجود أي مناقشات بخصوص التعديلات على قانون الجنسية بالبلاد.
وقال أمين لـ"الاستقلال" إن "ما يطرح في وسائل الإعلام حاليا من حراك نيابي لإجراء تعديلات على قانون الجنسية وجعل التجنيس للأجنبي بعد مكوثه عاما واحدا، لا أساس له، ولا وجود لأي مناقشات من هذا النوع داخل أروقة البرلمان".
وعندما طرح القانون للتعديل عام 2019، قال عضو اللجنة القانونية في البرلمان، يحيى المحمدي، إن "تشريع القوانين يمر بسلسلة من الإجراءات تبدأ بطريقين، الأول عن طريق الحكومة التنفيذية أو رئيس الجمهورية، والثاني من خلال جمع تواقيع أكثر من 10 نواب".
المحمدي أوضح خلال تصريح نقلته وكالة "بغداد اليوم" في مارس 2019، أن "مشروع تعديل قانون الجنسية قدمته حكومة العبادي السابقة (2018- 2018)، وأرسل إلى البرلمان السابق، الذي تركه ضمن 111 قانونا قُرأ بعضها قراءة أولى أو ثانية، إلى البرلمان الحالي".
وأضاف أن "البرلمان الجديد أعاد تلك القوانين إلى حكومة عادل عبد المهدي (2018- 2019) من أجل إعادة النظر بها، وبدورها أرسلت تعديل قانون الجنسية من جديد للبرلمان، الذي قرأه قراءة أولى من أجل إطلاع النواب على فقراته، وكذلك الشعب العراقي".
وأكد المحمدي في حينها أن "القراءة الأولى للقانون أثارت حفيظة الشعب بسبب الألغام التي يحتويها"، محذرا من أن "تمرير فقرات القانون سيؤدي لنتائج كارثية على الشعب".
كما أصدر المحامي والنائب السابق، عبد الكريم العبطان بيانا في مارس 2019، عبر فيه عن مخاوفه قائلا: "إجراء مثل هذه التعديلات غير المدروسة ستأتي بنتائج عكسية".
وأكد عبطان حينها أن "التعديلات ستكون لها آثار سلبية على المجتمع العراقي كونها تمثل استهانة بالجنسية، إلى جانب إمكانية استغلالها من قبل جهات متربصة بالشعب قد تسعى للإخلال بالتركيبة السكانية وتستغلها لإحداث تغيير ديمغرافي يؤثر على هوية واستقرار ومستقبل البلاد وشعبه".
وكانت رئاسة البرلمان العراقي قد أكدت خلال بيان لها في مارس 2019، "عدم مقبولية" مشروع التعديلات على قانون الجنسية رقم 26 لسنة 2006 بصيغتها الحالية.
تجنيس طائفي
من جهته، قال مكي النزال، عضو اللجنة العليا للميثاق الوطني العراقي (تضم قوى معارضة)، إن "الغموض يكتنف مسار إصدار بعض القوانين السيادية والمؤثرة جدا في أساسيات الوضع العراقي".
وأضاف النزال لوكالة "الأناضول" التركية الرسمية في 29 مارس، أن "من تلك القوانين قانون التجنيس، الذي عملت سلطات الاحتلال الأميركي (2003-2011) على إصداره وتحويره تدريجيا ومعها الحكومات التابعة لها والخاضعة لتعليمات إيران في ذات الوقت".
ورأى أنه "كلما صدرت نسخة جديدة من القانون بدأت حملات إعلامية ظاهرها مناقشة القانون وباطنها التمويه على بعض فقراته لغرض تمريره، بما يخدم مشاريع الدولتين المؤثرتين في العراق، وهما الولايات المتحدة وإيران".
وتابع: “لم يكن العراق يوما دولة تجنيس، بل يتعب المواطن العراقي الأصيل وهو يحاول استصدار وثيقة تخص جنسيته مع أن كل وثائقه ووثائق أبيه وجده واضحة وموجودة في دوائر الأحوال المدنية والجنسية”.
وبيَّن النزال أنه "منذ 2003، بدأ حراك قانون الجنسية الذي يشكل مصدر رعب للعراقيين الخائفين من جلب مجموعات كبيرة من دول مثل إيران وأفغانستان لإحداث تغيير ديمغرافي تدريجي وقلب الموازين في بلد طالما حرص على نقاء أصول مواطنيه".
وأوضح: "حين وقع احتلال أميركا للعراق عام 2003، صار التابعون لإيران هم المفضلون في قيادة البلد والذين يشرعون القوانين التي تخدم توجهاتهم الاستيطانية"، وفق تعبيره.
وأكد النزال أن "قانون التجنيس لعام 2006، جاء حسب مصلحة المشروع الاستيطاني وتغييراته الديموغرافية الخطيرة على اللحمة العراقية التي استمرت آلاف السنين، والتي يراها المختصون مهددة بالتهتك بسبب هذه التغييرات الكبيرة المفتعلة في التركيبة السكانية".
وزاد بأن "التجنيس الطائفي الحاصل يقابله مشروع هجرة ونزوح قسري لقرابة ثلث الشعب، وهناك آلاف العراقيين يسكنون الخيام؛ لأن السلطات تمنعهم من العودة إلى مدنهم".
ورأى النزال أن "هذا القانون خطير جدا، لأن المسألة ليست في شخص جاء للتجنيس، وإنما كتل بشرية ستؤثر على عروبة بغداد بالتحديد. وأن البرلمان سيمرره بالنهاية مع بعض التعديلات البسيطة، ولا يمكن أن نعطي سقفا زمنيا بخصوص ذلك، لأنه فوضوي مفتعل".
وفي 8 يناير/ كانون الثاني 2024، أعلنت وزارة التخطيط العراقية، أن عدد سكان العراق حتى نهاية العام 2023، قُدّر بنحو 43 مليونا و324 ألف نسمة، إذ بلغت نسبة سكان المناطق الحضرية 69.9 بالمئة، وفي الريف 30.1 بالمئة.