"عصا يحيى".. السنوار رمز بطولي يصبح أيقونة وناشطون: قاتل حتى آخر قطرة من دمه

a month ago

12

طباعة

مشاركة

على مدار شهور العدوان على غزة، روّج جيش الاحتلال الإسرائيلي لتخفي رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) يحيى السنوار في الأنفاق بين الأسرى، محاولا تأليب الرأي العام الفلسطيني ضده، لكن انكشفت لاحقا مزاعم رواياته.

فقد استشهد السنوار (62 عاما) ممتشقا سلاحه، مرتديا جعبته وكوفيته، أثناء الاشتباك مع العدو في رفح جنوب قطاع غزة، وفق ما أظهرت صور وفيديوهات نشرها جيش الاحتلال بنفسه، وزادت إشادة الشعوب العربية والإسلامية به، على عكس ما كانت تتوقع إسرائيل.

وأصبح السنوار أيقونة ورمزا للبطولة بعد انتشار هذه المشاهد، ليتبعها جيش الاحتلال في 19 أكتوبر/تشرين الأول 2024 بنشر مقطع مصور قال إنه يُظهره مع أسرته في نفق بقطاع غزة قبل ساعات من بدء معركة طوفان الأقصى.

وذكر المتحدث باسم جيش الاحتلال دانيال هاغاري، في مؤتمر صحفي، أن "المشاهد تُظهر السنوار برفقة أطفاله وزوجته وهم يمرون داخل نفق"، مدعيا أنه خُزن فيه إمدادات، قبل يوم من هجوم حركة حماس.

وأظهرت المشاهد "السنوار بصحبه اثنين من أبنائه وفي الخلف تسير زوجته، وفي لقطة أخرى يظهر وهو ينقل متعلقات شخصية بمساعدة أحد أبنائه".

وبدورها، ردت حركة حماس على تصريحات هاغاري، مؤكدة أنها "محاولة بائسة وسخيفة لتدارك ما ظهر من فشل يَعُمُّ المنظومة الأمنية والعسكرية الصهيونية".

وأضافت أن "ما قاله المتحدث باسم جيش العدو أكاذيب مفضوحة ومسرحية فاشلة، في محاولة بائسة لحفظ ماء وجه جيشه المهزوم الذي أذلّه القائد السنوار وإخوانه".

وكشفت هيئة البث الإسرائيلية في تقرير لها بشأن الصورة المتداولة لجثة السنوار، عن خلافات داخلية عميقة.

وأوضح أحد الصحفيين الضيوف أن المتحدث باسم الجيش أخطأ عندما نشر صورة السنوار في لحظاته الأخيرة، بعدما أظهره رجلا عسكريا يقاتل حتى آخر قطرة من دمه.

وزخرت منصات التواصل الاجتماعي بصورة مقتبسة من مقطع الفيديو الذي نشره جيش الاحتلال للسنوار في لحظاته الأخيرة وهو يلقي بعصا على الطائرة المسيرة التي صورته، وأخرى تجسد اللقطة، جرى رسمها باليد والرسوم الكاريكاتيرية، في حفاوة ببطولته.

واستخدمت جريدة "صوت الأزهر" الصادرة عن مشيخة الأزهر بمصر، في غلافها رسما يظهر اللحظات الأخيرة لاستشهاد السنوار، حيث ركز على العصا التي ضرب بها المسيرة الإسرائيلية بعد أن أثخنته الجراح.

وكتبت تحتها اقتباسا من حديث نبوي شريف جاء فيه: "إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل"، بينما كتب وسط الصفحة عبارة: "المقاومة شرف وصناع الإبادة هم الإرهاب".

وأشاد ناشطون عبر تغريداتهم وتدويناتهم على حساباتهم الشخصية على منصتي "إكس"، و"فيسبوك"، ومشاركتهم في وسوم عدة أبرزها #يحيى_السنوار، بموقف الأزهر الشريف وأثنوا عليه.

وتداولوا صورا لغلاف المجلة التي استخدمت صورة تجسد السنوار ممسكا بعصا لمواجهة الاحتلال.

وحول ناشطون، المقطع المرئي الذي ظهر فيه السنوار مثخنا بالجراح رافضا الاستسلام إلى أيقونة مقاومة، مؤكدين أنه لم ينكّس رأسه وظهره أبدا وكان طوال عمره وجهاده قويا وشجاعا ورافعا رأسه إلى آخر لحظة في حياته.

ورأوا أن العصا التي ألقى بها السنوار على المسيرة، هزم بها الإعلام العبري والغربي وفضح خذلان وتواطؤ الأنظمة العربية الحاكمة التي تركته يقارع الاحتلال وحيدا بالعصا، وشبهوا بطولته وحياته بحياة سيدنا موسى عليه السلام.

حمل الراية

وعرض الإعلامي القطري جابر الحرمي صورة للسنوار وهو ممسك بالعصا، وأخرى لأطفال غزة يقلدون مشهده، قائلا: لن تسقط العصا .. يا السنوار .. أشبال غزة .. سيُكملون المشوار".

ودعا أحمد البارودي، لإبلاغ الاحتلال بأن السنوار حينما رمى العصا التي كانت في يده لم يقصد فقط أن يلقيها على المسيرة التي كانت تستهدفه ولكنه أراد بإلقائها وكأنه يرسل الراية ليحملها الأجيال المتعاقبة التي ستأتي بعده.

وقال: "العصاية وصلت يا يحيى وأمسك بها إخوانك وأبناؤك، والراية ستظل مرفوعة ولن تقع يا أبا إبراهيم".

ودعا محمد فتحي، لتعليم الأولاد أن العصا هي الاستطاعة لآخر لحظه، مستشهدا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا قامت القيامة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن يغرسها فليفعل”.

وعرض محمد ماهر، صورة لأشبال غزة ملثمين بطريقة لثام السنوار حاملين العصي كالطريقة التي حملها القائد الراحل، مؤكدا أن عصاه لم تسقط بل التقطها أشبال غزة.

رمزيات المشهد

وأبدى ناشطون تعلقهم بمشهد استشهاد السنوار وتحدثوا عن رمزيته وما يحمله من بطولة وجهاد حتى الرمق الأخير.

وأكد أحد المغردين، أن للمشهد رمزيات كثيرة، لافتا إلى أن مشهد العصا حكمة من الله لولاها لما اكتمل مشهد الشجاعة بصورته الأخيرة.

ونصح قائلا: "قاوم حتى إذا أثخنتك الجراح ولو بعصا"، مشيرا إلى أن السنوار لم يكن أمامه إلا العصا ليستعين بها ويتوكأ على عصا وليس على أمّة.

ورأى المغرد سيف، أن مشهد العصا والطيارة وحده يكفي أن يعلم أجيالا تعريفات الجهاد والرجولة والبطولة، متسائلا: "هل هذا الرجل من زماننا أتراه سمع أغانينا أتراه تناحر مع صديق حول أهلي وزمالك؟ كيف نشأ من دارسه ومن زامله".

وأكد المغرد قيس، أن السنوار كان يتنفس الجهاد، جاهد بكل مجال استطاع أن يجاهد فيه، من الحرف إلى رمية العصا!، مشيرا إلى قوله "لو لم نملك إلا الذر لجاهدناكم فيه!".

وتحدث خالد الفضل، عن الطريقة التي رمى بها الشهيد السنوار العصا، والطريقة التي جلس بها على الأريكة، والطريقة التي ربط بها ذراعه ليسيطر على النزيف، والطريقة التي جعل فيها الكوفية لثاما.

وأشار إلى أن متاع السنوار كان القليل من الدنيا، مسبحة وأدعية وعلكة وبندقية، لافتا إلى أنه رمى العصا في وجه طائرة الدرون وهو يستقبل الموت بجسد مثخن بالجراح، وحتى رميته الكبيرة في السابع من أكتوبر، التي غيرت مجرى الأحداث وإلى الأبد.

عصا موسى

وقال الباحث في الشأن السياسي والإستراتيجي سعيد زياد، إن مشهد العصا الأخير لا يفارق مخيّلتي!، مضيفا: "صحيح أن مشاهد نهايته كلها مغرقة في الجلال، لكن هذا المشهد تحديدا له عمق أيقوني بعيد المدى."

وتابع: “لا أنفك كلما استذكرته يلقي عصاه عن تخيل سيدنا موسى عليه السلام وعصاه، وكيف كان له فيها مآرب أخرى، وكيف كان أبو إبراهيم يلتقي بصفات كثيرة مع سيدنا موسى عليه السلام، من قوته وشدة بأسه وعزمه، إلى حياة المطاردة والسجن التي عاشها، إلى العودة لقيادة قومه وتحريرهم، إلى شق البحر وإغراق عدوه بالطوفان، وحتى تنكّر بعض من قومه له بعدما أغرق عدوه، وتفاصيل أخرى كثيرة يضيق المقام بذكرها ولا يتسع”.

ورأى منتظر المنور، أن العصا المرفوعة في يد القائد يحيى السنوار هي عصا موسى هذا العصر.

وقال إن “الحقيقة التاريخية التي ستقال بعد رفع هذه العصا هي أن بني اسرائيل تم إدخالهم بعصى موسى والآن سيتم إخراجهم بعصى يحيى، ولله عاقبة الأمور”.

وذكر أحد المغردين بأن عصا موسى عليه السلام كانت نجاة لبني إسرائيل، مبشرا بأن عصا السنور ستكون هلاكا ونكالا وزوالا لبني إسرائيل (الصهاينة).

وعدد أحد المغردين، العصي التي غيرت مجرى التاريخ، ومنها عصا سيدنا موسى ضد فرعون وأتباعه، وعصا أبو ذر الغفاري التي ضرب بها فقهاء السلطة وتجار الدين والتخمة الفاسدة بعد موت النبي عليه الصلاة والسلام، وعصا السنوار التي ضرب بها الصهاينة والمتصهينين العرب دفاعا عما تبقى من الشرف العربي.

فضيحة للحكام

وتحدث ناشطون عما يحمله مشهد العصا من دلالات على خذلان الأنظمة العربية وما تعنيه الحفاوة الأميركية باغتياله، مستنكرين عجز الحكام عن رثاء وتأبين السنوار خشية من الحليف الأميركي للاحتلال الإسرائيلي. 

وقال الباحث في حل النزاعات والاقتصاد السياسي محمود العيلة، إن المشهد الأخير للسنوار وهو يواجه التكنولوجيا "كواد كابتر" بخشبة بعد أن قاد أكبر وأعقد عملية في تاريخ المقاومة وحوله جيوش من المسلمين هو أمرٌ لا يستدعي الفخر بل الحزن على كمية الخذلان التي أحاطته. 

وأضاف: “كنا ننادي لسنوات أين صلاح الدين، وعندما جاء تركناه يموت وحيدا هو وشعبه.”

وخاطب علي عبد الصاحب الجبوري، حكام الأنظمة العربية الحاكمة قائلا: "إن عصا الشهيد  السنوار أرخت لنهايتكم يا حكام العرب وملوكهم، هذه العصا ستضرب الحجر الذي تتفجر منه ضمائر شعوبكم لتروي الأجيال بما يجعل العربي متحررا من عبوديتكم (قومية ووطنية) ومنصهرا بروح الإسلام الذي يخلق أمة تأمر بمعروف وتنهي الكيان  الصهيوني".

وقال عصام حسين، إن الحرية الأميركية وديمقراطيتها تمنع الحكام العرب وملوكها من تأبين السنوار، مؤكدا أن أميركا تمنح الحرية للشعوب حسب ادعاء رؤسائها وتمنعها عن الحكام العرب.

وأضاف: "لأن تأبين السنوار مكلف اقتصاديا وسياسيا ودبلوماسيا وعسكريا، مثل الرأي في الدول الدكتاتورية والاستبدادية أيضا مكلف لأصحابه وقد يزج بهم إلى السجن أو إلى المشنقة"، مؤكدا أن أميركا بممارسة سطوتها على الحكام العرب مثل الطاغية الذي يمارس سطوته على شعبه.

ورأى السياسي فايز أبو شمالة، أن فرح القيادات الأميركية باستشهاد السنوار يؤكد أن أميركا بجيشها وشعبها واقتصادها ومعلوماتها التكنولوجية وإعلامها تخوض حرب الإبادة ضد أهالي قطاع غزة.

وقال: "هنيئا لأهل غزة عظمتهم وقوتهم وصلابتهم، وهم يقاتلون الإمبراطورية الأميركية، والصهيونية العالمية، لأكثر من سنة كاملة، وهم تحت الحصار".

فشل الاحتلال

وأكد ناشطون فشل الاحتلال الإسرائيلي في توجيه ضربة معنوية للمقاومة بنشره فيديو اللحظات الأخيرة للسنوار، وأنه جاء بنتيجة عكسية وتحول رئيس حماس لأيقونة مقاومة ورسخ عقيدة القتال والإقدام والشجاعة، ساخرين من عرض فيديو آخر للأنفاق التي كان فيها.

وقال الباحث والمحلل السياسي محمد الأخرس، إن مسؤول الدعاية وعمليات التوجيه المعنوي الذي قرر الشماتة في شهادة السنوار، اتخذ عمليا قرارا بالانتحار؛ إذ دمر مجهودا وترسانة إعلامية أُنفقت عليها مليارات الدولارات، لأنه ببساطة اختار أن يقف في وجه الطوفان.

وأضاف أن الأمة لم تمر عليها لحظة شبيهة بتلك التي تعيشها منذ سنوات طويلة، وقرار الاشتباك معها يُدمي من يواجهها ويكسره قبل أن ينهض من مكانه.

وكتب مرسل عقلان: "الاحتلال عرض مشاهد من حياة السنوار في المعركة قبل استشهاده فزاد تعظيم الأجيال لهذا القائد لأنها أظهرت التجهيز المتقن للأنفاق من قبل هذا القائد والمقاومة ودراية تامة بخطة الحرب الذي سيتبعها المحتل ومعرفة شاملة بنازية المحتل وقد ثبت أتباع المحتل سياسة الأرض المحروقة دون استثناء!".

وقال محمد أبو علان: "على ما يبدو أن الناطق باسم جيش الاحتلال دانيال هاغاري ندم على الشريط الذي نشره قبل يومين، وأظهر الظروف البطولية الأخيرة قبيل استشهاد قائد حماس يحيى السنوار، فحاول شيطنته من خلال نشر شريط له في الأنفاق ادعى أنها من ليلة السابع من أكتوبر".

وقال يونس أبو جراد، إن البروباغاندا الصهيونية تحاول أن تكتب نهاية أخرى تغطي على النهاية الملهمة التي شاهدها العالم وأخزت الاحتلال المسخ.

وأكد أن كل ما يعرضه العدو يأتي بنتيجة معاكسة بما فيه الفيديو الأخير الذي تشاهدونه هنا، والذي يظهر القائد المشتبك الشهيد برفقة عائلته وهو ينقل أغراضه في نفق ليلة 6 أكتوبر، ليلة تنفيذ عملية الطوفان.

وأضاف أبو جراد، أن من هذا الفيديو الذي نشره العدو اليوم، التقط صورة سابقة نشرها في بداية حرب الإبادة، لم يفده نشر الصورة آنذاك، ولن يفيده نشر الفيديو اليوم. رفعت الأقلام وجفت الصحف. ولا نامت أعين الجبناء.