"يعمّق الطائفية" بالعراق.. لماذا يصر الشيعة على قانون جديد للأحوال الشخصية؟

يوسف العلي | 4 months ago

12

طباعة

مشاركة

يصرّ عدد من الأحزاب السياسية الشيعية في العراق، المنضوية ضمن قوى "الإطار التنسيقي" على إقرار قانون جديد للأحوال الشخصية في البلاد، وذلك وسط معارضة شديدة من مكونات أخرى في المجتمع، إضافة إلى الهيئات والشخصيات الحقوقية والقوى المدنية.

وفي 24 يوليو/ تموز 2024، أعلن البرلمان العراقي خلال بيان رسمي، أنه أرجأ "القراءة الأولى لمقترح قانون تعديل قانون الأحوال الشخصية لسنة 1959 المقدم من اللجنتين القانونية، والمرأة والأسرة والطفولة بناء على طلب نيابي مقدم لرئاسة المجلس".

ومن أبرز القوى السياسية الشيعية المطالبة بإقرار قانون الأحوال الشخصية، حزب "الفضيلة الإسلامي" برئاسة عبد السادة الفريجي، و"منظمة بدر"، بقيادة هادي العامري، وتيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم، وكتلة صادقون التابعة لمليشيا "عصائب أهل الحق" بقيادة قيس الخزعلي.

مساومة شيعية

وعلى ضوء تأجيل رئاسة البرلمان مناقشة قانون “الأحوال الشخصية”، أعلن نواب من قوى “الإطار التنسيقي” الشيعي مقاطعتهم للجلسات لحين إعادة إدراج الأخير ضمن جدول أعمال البرلمان وإقراره، حسبما أظهر مقطع فيديو تداوله الإعلام العراقي في 24 يوليو.

ولم يكتف نواب الإطار التنسيقي بذلك، بل أكدوا أنه لا يمكن إقرار قانون العفو العام عن المعتقلين الذي قدمه نواب المكون السني، للإفراج عن مواطنين سنة جرى اعتقالهم ما بعد 2003، ويقدر عددهم بنحو 60 ألفا.

وساوم نواب الإطار، القوى السنية لتمرير "العفو العام" مقابل التصويت على قانون "الأحوال الشخصية" أولا، رغم أن إقرار الأول يعد جزءا من اتفاق للقوى السياسية، جرى على إثرها تشكيل الحكومة الحالية التي يرأسها محمد شياع السوداني.

وزعم حسن سالم النائب عن مليشيا "عصائب أهل الحق" أن ما يجرى هو محاربة للتشيع، وأن الشيعة مضطهدون منذ 1400 عام، لأنه لا يتم اتباع المذهب الجعفري في المعاملات والأحوال الشخصية، حسب ما ظهر في مقطع الفيديو المتداول من داخل البرلمان.

وقررت رئاسة البرلمان إدراج قانون "العفو العام" في جدول أعمال جلسة 24 يوليو، وذلك بعد اتفاق قادة الكتل النيابية على تشريعه خلال الجلسات المقبلة مع جملة من القوانين.

ويعد العفو العام واحدا من أبرز مطالب الأحزاب السنية في العراق منذ عام 2003. وتؤكد منظمات حقوقية أن القوات الحكومية اعتقلت الآلاف من العرب السنة دون سند قانوني، أو بذريعة تقديم مخبرين شكاوى كيدية تحت غطاء مكافحة الإرهاب.

وفي 30 يونيو/حزيران 2024، أقرّ وزير العدل العراقي خالد شواني، بأن الطاقة الاستيعابية في سجون العراق وصلت إلى 300 بالمئة، لافتا إلى أن "معالجة هذه المشكلة تجرى وفقا للبرنامج المرسوم من قبل الوزارة عبر آليتيْن".

وأوضح شواني لوكالة الأنباء الرسمية أن "الأولى تُعنى بالآليات القانونية المتعلقة بالإفراج وكذلك توسيع قضية الإفراج الشَّرطي وإصدار قانون العفو وفقا للصيغة المصدّق عليها في الحكومة وائتلاف إدارة الدولة (ائتلاف يضم القوى المشكلة للحكومة الشيعية والسنية والكردية)".

أما الآلية الثانية، بحسب وزير العدل ، فتُعنى بـ"البنى التحتية الجديدة" في سجون العراق، مشيرا إلى "مشاريع مستمرة للإنشاء وإعادة التأهيل تتقدّم بوتيرة متسارعة". 

كما أوضح أن "واحدة من المشكلات التي واجهتنا" لحلّ مشكلة اكتظاظ السجون "تأخير إطلاق سراح مَن تنتهي مدة محكوميته بسبب مفاتحة الجهات الأمنية والجهات الأخرى المختصة لمعرفة ما إن كان هذا النزيل محكوما على ذمّة قضية أخرى أو عليه تحقيق ما، وهذا يُسمّى بيان عدم المطلوبية".

"الأحوال الشخصية"

لم تكن هذه المرة الأولى التي يدور فيها الجدل بشأن إجراء تعديلات على قانون الأحوال الشخصية أو إلغائه.

ففي عام 2014، تقدم وزير العدل آنذاك، حسن الشمري، بقانون يتعلق بالمذهب الجعفري (الشيعي)، والذي يجيز تزويج الطفلة تحت سن تسعة أعوام.

ويحدد مشروع قانون الأحوال الشخصية الجعفري قواعد الميراث والزواج والطلاق والنفقة، ويرى المدافعون عن القانون أنه لا يفعل سوى تنظيم الممارسات اليومية لأتباع المذهب الشيعي.

لكن معارضيه الذين يمثلون تيارات مدنية يعدون المشروع خطوة إلى الوراء وانتهاكا لحقوق المرأة في العراق وحرمانها من الميراث، ويشعرون بالقلق من أن يزيد الاحتقان الطائفي في بلاد تشهد توترات سنية شيعية متواصلة.

وفي عام 2017 اقترح نواب شيعة تعديل قانون الأحوال الشخصية العراقي الذي يحظر الزواج قبل سن 18 عاما ويمنع خصوصا رجال الدين من مصادرة حق الأهل بالتوجه إلى محاكم الدولة.

ونص التعديل في حينه على أنه “يجوز إبرام عقد الزواج لأتباع المذهبين (الشيعي والسني) كل وفق مذهبه، من قِبَل من يجيز فقهاء ذلك المذهب إبرامه للعقد”.

وتسبب هذا المقترح بجدل وغضب واسعين في الأوساط الشعبية، مما اضطر القائمين على الخطوة على التراجع.

يشار إلى أن الفقرة الأولى من المادة السابعة من قانون الأحوال الشخصية الحالي والصادر عام 1959، تشترط بلوغ الزوجين 18 عاما لعقد القران أو 15 عاما مع إذن من القاضي، بحسب "البلوغ الشرعي والقابلية البدنية".

وينص القانون المعمول به حاليا على أن للأم الحق في حضانة الولد وتربيته حال الزواج وبعد التفريق، ولا تسقط حضانة الأم المطلقة بزواجها، في حين أن التعديل، يسلب الأم حق حضانة الولد إذا تزوجت.

كما يعطي التعديل الجديد للولد المحضون حق الاختيار عند بلوغ الخامسة عشرة من العمر، في الإقامة مع مَن يشاء من أبويه إذا آنست المحكمة منه الرشد في هذا الاختيار، بينما التعديل الجديد على القانون هو تخييره بعمر سبع سنوات فقط.

وينص القانون المعمول به حاليا، على أن يكون التفريق وفقا للقانون المدني، لكن التعديل يقضي أن يتم وفقا للفقه السني أو الشيعي حسب اختيار الزوجين.

وفي حال لم يكن للزوجة مذهب فقهي، للاحتكام إليه، تعتمد المحكمة مذهب الزوج في التفريق بينهما، بما يتعلق بالحقوق.

طائفية ممقوتة

على الصعيد القانوني، قال الخبير القانوني العراقي عدنان الشريفي إن “القانون الحالي لا يحتاج إلى مثل هذه التعديلات، خاصة أن تعدد الرؤوس بالقرار يولد مشاكل كثيرة”.

ولفت في حديث لصحيفة "العالم الجديد" العراقية في 25 يوليو، إلى أن "قانون الأحوال الشخصية موجود ومنظم منذ 40 عاما ومعمول به ووفق الشريعة الإسلامية".

ويفضل الخبير إجراء تعديل واحد وهو “منح المحاكم التي تفصل بالخلاف ما بين الزوجين حق تخييرهم وفق المذهب الذي يختاره الزوجان لإجراء الفصل بينهما”.

فمثلا الطلاق على المذهب الشيعي لا يتم إلا بوجود شاهدين، وبعكسه لا يحدث، أما في المذهب السني فمن الممكن حدوث الطلاق بدون شهود، وفق قوله.

ورأى الشريفي أن "التعديلات الجديدة قد تولد انقسامات بين أبناء المذهب الواحد"، مؤكدا أنه "من الأولى للبرلمان النظر في قوانين وتشريعات أخرى كتشديد العقوبات على تجار المخدرات وتجار الأعضاء البشرية وسراق المال العام، بدلا من قانون الأحوال الشخصية الذي يتفق عليه المجتمع".

وأثار توجه البرلمان لإجراء تعديل على قانون الأحوال الشخصية، ردود فعل غاضبة من حركات سياسية حذروا مما وصفوه تكريس الطائفية وتعظيم سلطة المذاهب في البلد، وسط انتقاد هيئات مجتمعية ومنظمات حقوقية.

وفي السياق ذاته، وجّه الشيخ عبد الستار عبد الجبار خطيب مسجد "أبي حنيفة النعمان" ونائب رئيس المجمع الفقهي العراقي (أكبر مرجعية للسنة في البلاد)، انتقاده الشديد لطريقة صياغة تعديل قانون الأحوال الشخصية من قبل أعضاء المكون الشيعي في البرلمان.

ومن على المنبر أثناء خطبة الجمعة في 26 يوليو، قال إن تعديل قانون الأحوال الشخصية، "تمت صياغته بنفس طائفي ممقوت".

وأضاف أن "برلمانيين طائفيين من الشيعة يساومون الأبرياء (المعتقلين) لكسب مصالح فئوية ضيقة، وهم لا يستحقون أن يكونوا أعضاء برلمان فقد أعدوا بتعديل القانون لائحتين إحداهما سنية وأخرى شيعية، ثم يقولون نحن لسنا طائفيين".

وأردف عبد الجبار، قائلا إنهم "لما لم يتمكنوا من أن يقروا تعديل قانون الأحوال الشخصية عارضوا قانون العفو العام".

من جهتها، قالت رئيسة كتلة "الجيل الجديد" في البرلمان العراقي، سروة عبد الواحد، إن "الهدف سياسي من وراء سعي بعض القوى السياسية الشيعية المنضوية ضمن الإطار التنسيقي، لإقرار قانون الأحوال الشخصية".

وأوضحت خلال مقابلة تلفزيونية في 23 يوليو، أن "عددا من النواب الشيعة أكدوا أنهم يريدون إقرار قانون الأحوال الشخصية الجديد قبل أن يطالب به زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، كما حصل مع تشريع عيد الغدير، وبالتالي هو تنافس سياسي شيعي على إقرار القوانين".

ورغم رفض الفعاليات السنية السياسية والدينية في العراق، مررت القوى الشيعية في البرلمان، قانونا يشرّع ما يسمى بـ"عيد الغدير"، ضمن العطل الرسمية للبلاد، الأمر الذي ينذر بعودة التصعيد الطائفي في البلد الذي شهد سنوات من الاقتتال على الهوية راح ضحيتها مئات الآلاف.

وصوت البرلمان في 22 مايو/ أيار 2024، على قانون العطل الرسمية للبلاد، بينها عطلة "عيد الغدير"، وذلك في ظل مقاطعة الكتل البرلمانية السنية للجلسة، وغياب شخصية سنية ترأس جلسات المجلس، إذ يديرها نائبه الأول الشيعي محسن المندلاوي.

وفي 18 ذي الحجة من كل عام هجري، يحتفل الشيعة بما يسمى "عيد الغدير"، مدّعين بذلك أن خلافة الرسول محمد، الأحق بها ابن عمه الصحابي علي بن أبي طالب وذريته من بعده، وليس الخلفاء الراشدون الذين تولوا الخلافة بعد وفاة النبي.

وعلى الصعيد ذاته، أفاد "المرصد العراقي لحقوق الإنسان" خلال بيان له في 24 يوليو بأن "التعديل الجديد لقانون الأحوال الشخصية يستند إلى التشريع الإسلامي بمذهبيه الشيعي الجعفري والسني بشكل عام دون تحديد أحد مذاهبه الأربعة، مما يثير مخاوف جدية بشأن تقييد الحريات الأساسية للمواطنين العراقيين".

كما حذرت حركة "نازل أخذ حقي" العراقية خلال بيان لها في 24 يوليو، من خطورة فتح الباب أمام زواج القاصرات وزيادة حالات الطلاق والعنف الأسري في حال إقرار التعديل.

وأشارت الحركة السياسية إلى أنه "من المفترض أن تكون الأولوية لتشريع وتعديل قوانين تضمن حماية الأسرة والطفل وتحد من العنف المتزايد تجاه هذه الشرائح المجتمعية الهشة".