وسط تواطؤ عربي.. المجاعة تشتد والفقر يحتد وأميركا تفكك رصيفها في غزة
“لا يتم إثارة هذه الكارثة الإنسانية بصورة قوية لأن العالم الظالم اعتاد المشهد”
بينما تعد الولائم وتمد الموائد المليئة بمختلف أصناف الطعام والشراب والحلوى تجهيزا للاحتفال بعيد الأضحى المبارك، يجهز أهل شمال قطاع غزة أكفانهم وأكفان أطفالهم الذين يموتون جوعا وعطشا ومرضا بسبب نفاذ المواد الغذائية والصحية نتيجة الإبادة الإسرائيلية.
ومع استمرار إغلاق المعابر الحدودية ومنع دخول شاحنات المساعدات للشمال، وتعطل المساعدات الأممية منذ بداية الاجتياح الإسرائيلي لمعبر رفح جنوب القطاع، يستفحل خطر المجاعة، وتنعدم الخضراوات والفاكهة واللحوم، ويقتات أهل شمال غزة على الخبز فقط.
وأعلنت مصادر طبية فلسطينية، في 14 يونيو/حزيران 2024، وفاة طفل في العاشرة من عمره نتيجة المجاعة، والجفاف، ونقص الإمدادات الطبية في مستشفى شهداء الأقصى بمدينة دير البلح وسط قطاع غزة، ما يرفع عدد ضحايا سوء التغذية في قطاع غزة إلى 40.
فيما أعلنت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" أن السلطات الإسرائيلية تفرض قيودا إضافية على وصول المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، مؤكدة أن الأطفال يدفعون الثمن الباهظ.
وقالت مصادر طبية في مستشفى كمال عدوان: "تم تسجيل أعراض سوء التغذية لدى أكثر من 200 طفل في قطاع غزة، وكارثة إنسانية تواجه شمال قطاع غزة وشبح المجاعة يلوح في الأفق".
وفي أعقاب ذلك، أعلنت القيادة المركزية الأميركية "سنتكوم"، أن الميناء العائم -الرصيف الأميركي- سينقل من شاطئ قطاع غزة إلى مدينة أسدود بسبب توقعات بارتفاع أمواج البحر.
وقالت في بيان على منصة "إكس"، إنها "تُعدُّ سلامة أفراد خدمتنا أولوية قصوى، كما أن نقل الرصيف مؤقتا سيمنع الأضرار الهيكلية الناجمة عن ارتفاع حالة البحر".
وكان جيش الاحتلال قد ارتكب في 8 يونيو/حزيران 2024 مجزرة أسفرت عن استشهاد 210 فلسطينيين وإصابة مئات آخرين في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، لاستعادة 4 أسرى من يد المقاومة، مستخدما الرصيف البحري الأميركي في عملية الإجلاء.
وأعرب ناشطون على منصة "إكس" عن غضبهم من استفحال المجاعة في غزة نتيجة الحرب التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، مخلفا أسوأ أزمة إنسانية، ومتسببا في استشهاد 37 ألفا و266 فلسطينيا، بحسب صحة غزة.
وتداولوا عبر تغريداتهم على حساباتهم الشخصية ومشاركتهم في وسوم عدة أبرزها #الشمال_يجوع، #الشمال_في_مجاعة، #شمال_غزة_يجوع، #غزة_تجوع، وغيرها، صورا ومقاطع فيديو توثق أزمة نقص الغذاء الحادة التي يعاني منها الشمال وما تسببت فيه من سوء تغذية أودى بحياة الأطفال.
وصب ناشطون جام غضبهم على الأنظمة العربية الحاكمة واتهموا قاداتها بالتواطؤ مع الاحتلال وتسببهم في تفاقم المجاعة في غزة بسبب خضوعهم للاحتلال وعدم تمريرهم المساعدات واستسلامهم لإغلاق المعابر.
واستنكروا إعلان "سنتكوم" عن تفكيك الرصيف المائي، مؤكدين أن الإدارة الأميركية برئاسة جو بايدن، تثبت كل يوم أنها تستخدمه لأهداف عسكرية باسم المساعدات الإنسانية، وأنه لم يبرز له أي دور سوى في مجزرة النصيرات والمساهمة في فك 4 أسرى إسرائيليين.
وأكدوا أن نقل الرصيف العائم الذي أنشأته أميركا على سواحل غزة، لانتهاء مهمته "القذرة" في هذه المنطقة، وليس لإبعاده عن أمواج البحر كما تذرعت القيادة المركزية الأميركية، ساخرين من صرف مبالغ هائلة لإقامته دون دراسة مسبقة، فيما أرجع آخرون تفكيك الرصيف تفاديا لاستهدافه.
الشمال يجوع
ورصدا لتفاصيل المجاعة في شمال القطاع، قال رئيس المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة سلامة معروف، إن "الناس لم تعد تجد ما تسد به رمقها وباتوا يعيشون حرفيا على الخبز الحاف فقط وبعض المعلبات إن وجدت أو استطاعوا شراءها، ولا يوجد شيء من هذه الأصناف منذ أشهر: (لحوم - دواجن - خضراوات - فواكه - بيض -زيوت-حبوب..)".
وأكد أن أسعار بعض السلع الأساسية في شمال غزة -إن وجدت- باهظة الثمن وتزيد عشرات الأضعاف عن سعرها الطبيعي، ولا يقدر على شرائها إلا عدد قليل جدا، ومظاهر سوء التغذية والهزال والضعف باتت واضحة على وجوه الأطفال وكبار السن والنساء وحتى الرجال والشباب.
وأشار معروف، إلى أن الاحتلال يغلق جميع المعابر ويمنع إدخال شاحنات البضائع التجارية وشاحنات المساعدات، باستثناء الطحين، وأكذوبة الرصيف الأميركي "لم تقدم شيئا وتمثل خطوة دعائية لتخفيف الضغط على الاحتلال ولتبييض صورة واشنطن التي نُقتل بسلاحها".
وأضاف أن "المواد التموينية أو السلع الغذائية لم يتبق أي منها لدى العائلات، فالمجاعة التي اشتدت قبل أشهر لم تبق ولم تذر شيء"، مؤكدا أن الجمعيات الخيرية "لا تجد ما يمكن طبخه أو تقديمه لإغاثة الناس في مراكز الإيواء، حتى باتت المرقة وجبة دائمة الحضور، وحتى الإنزالات الجوية على محدوديتها متوقفة منذ 40 يوما".
ولفت معروف، إلى أن الصور التي ترونها على الإنترنت -رغم صعوبتها- لا تعكس واقع الألم والجوع الذي يعانيه الناس في شمال غزة، لا سيما الأطفال وكبار السن.
ولوضع المتابعين في الصورة تفاصيل أهل شمال القطاع، قال الكاتب إبراهيم المدهون، إنهم "لا يجدون أدنى مقومات للحياة الآدمية ويعيشون حياة كارثية يندى لها جبين الإنسانية"، مؤكدا أن المجاعة تشتد والفقر يحتد والسلع تنفد، وتفاصيل يومهم بائسة وقاسية ومعقدة جدا.
وأشار إلى أن "الرعاية الصحية والأولية منعدمة، والمستشفيات منها ما خرجت عن الخدمة، وأهل الشمال لا يقتاتون ولا يعيشون إلا على الطحين فقط، فتارة يطعمون أبناءهم الخبز مغموسا بالماء وأخرى الخبز مفتوتا بالشاي وتارة يتيهون وهم يبحثون عن تكية هنا أو هناك ليسدوا رمق أبنائهم".
ولفت المدهون، إلى أن "أسواق أهل الشمال فارغة من السلع الغذائية والخضراوات إلا فقط من المعلبات وهي شحيحة لا يقدر على شرائها سواد الناس بسبب حالة الفقر المدقع والغلاء الفاحش، وأطفالهم يتضورون جوعا، والحليب بدأ ينفد من المحلات والصيدليات والمكونات الغذائية الأساسية غير متوفرة وسوء التغذية والجوع يفتك بهم".
وأكد أن "أحوال أهل الشمال بائسة في أفضل أيام الدنيا وأعظمها يستغيثون بربهم ويطلقون نداء استغاثة لكل غيور وحر أن يشاركهم الألم ويعيش معهم الجوع وينقل معاناتهم ويتحدث ويكتب عنهم".
وأكد الصحفي أنس الشريف، أن "المجاعة تغزو شمال غزة من جديد"، مشيرا إلى قول منظمة الصحة العالمية إن غزة “تواجه أزمة جوع كارثية” في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على القطاع.
ولفت إلى أن المواطنين في شمال قطاع غزة، بسبب ندرة المياه، يلجؤون إلى الاستحمام في شاطئ البحر مع ارتفاع درجات الحرارة.
مشاهد صادمة
وتوثيقا لما خلفته المجاعة التي تسبب فيها الاحتلال وتنديدا بصمت حكام الأنظمة العربية وتواطؤهم مع الاحتلال، أعلن رئيس المرصد الأورومتوسطي رامي عبدة، أن الطفل مصطفى حجازي من شمال غزة يفارق الحياة نتيجة التجويع الإسرائيلي وسوء التغذية والجفاف وقلة الأدوية في ظل استمرار القصف وإغلاق المعابر.
وعرضت الإعلامية هدى نعيم، مقطع فيديو لأم فقدت طفلها بسبب المجاعة التي تنفذها قوات الاحتلال الإسرائيلي شمال قطاع غزة، قائلة: "مات طفلها جائعا مريضا دون علاج!".
وعرض الباحث صالح أبو عزة، المقطع ذاته، قائلا: "هذا الطفل مات جائعا في شمال غزة يا عرب الردّة! مات جائعا يا عبيد بطونكم المُتخَمة بالمال الحرام! ألا لعنة الله عليكم..".
وقال الكاتب أبو همام القحطاني: "بينما يهنأ أنذال العرب بولائم الذلّ ومال السحت، يُعاني أطفال غزّة، والسودان الجوع، والخوف، والخذلان.. يا ويلكم من غضب الله يا لئام..".
وقال أحمد أسعد، إن "المجاعة تضرب شمال غزة.. مجاعة بفعل العرب والصهاينة".
وقال الصحفي محسن الأفرنجي: "شعبنا الصامد المرابط في شمال قطاع غزة يتعرض لمجاعة جديدة منذ أيام ويجوع بصمت هذه المرة، إذ لا يتم إثارة هذه الكارثة الإنسانية بصورة قوية لأن العالم الظالم اعتاد المشهد".
ونشرت المغردة تغريد صورا عدة توثق تفاقم المجاعة في غزة، مؤكدة أن "شمال غزة يجوع والأطفال تموت جوعا".
وحذرت من أن "نصف سكان قطاع غزة سيعانون من الموت والمجاعة بحلول يوليو/ تموز، بسبب إغلاق المعابر وسياسة التجويع التي ينتهجها الاحتلال الإرهابي".
الرصيف العائم
وتحت عنوان "الرصيف البحري الأميركي قبالة سواحل غزة.. بخ !!"، أشار الصحفي أحمد حسن الشرقاوي، إلى إعلان "سنتكوم"، تفكيك رصيف غزة المؤقت بسبب "الأمواج العاتية" ونقله إلى ميناء أشدود داخل الكيان، قائلا: "الحاسة السادسة عندي تقول إن هذه الخطوة ليست مريحة!!".
وتساءل الناشط الإنساني أدهم أبو سلمية: "هل تريدون معرفة الإستراتيجية الأميركية في المنطقة؟!"، قائلا: "انظروا للميناء العائم الذي وضعوه قبالة غزة وها هم يفككونه للمرة الثانية".
ووصف ذلك بأنه "تخبط وفوضى وغياب إستراتيجية وتعثر"، قائلا: "حتى مياه غزة تلفظهم، وتطردهم، هي غزة التي تلفظ خبثها كل حين".
وأكد المغرد شمس الدين، أن الهدف من الرصيف كان إطباق الحصار على المقاومة تحت حجة المساعدات للقطاع، وبعد انفضاح أمره بمشاركته بسيارات المساعدات بعملية الأسرى والتي أجلت ثلاث مرات حسب زعمهم.
ورأى الصحفي أحمد فوزي، أن الميناء العائم “الرصيف العائم” أدى دوره وأسهم في عملية عسكرية بشكل مباشر وتنفيذ وتخطيط لجريمة إبادة جماعية ابتداء من نقل جنود الاحتلال عبر شاحنات مساعدات وأثناء، وبعد ارتكاب مجزرة النصيرات في 8 حزيران/يونيو 2024 التي استشهاد فيها أكثر من 274 شهيدا وجرح أكثر 800 مصاب من أبناء غزة.
وأكد يحيى أبو زكريا، أن الرصيف أدى دوره في تنفيذ عملية عسكرية نتج عنها جريمة إبادة جماعية عبر نقل جنود الاحتلال عبر شاحنات مساعدات أثناء وبعد ارتكاب مجزرة النصيرات التي استشهد فيها أكثر من 274 شهيدا ومئات الجرحى.
وأعربت كفاح محمود نصر الله، عن سعادتها بإعلان القيادة المركزية الأميركية نقل الرصيف العائم بسبب ما قيل إنها توقعات بارتفاع أمواج البحر، قائلة إن "حصان طروادة الأميركي فشل".
وقال وليد الجماعي، إن الرصيف العائم" هدفه عسكري وليس إنسانيا"، مؤكدا أن “أميركا الصهيونية هي من تحارب فلسطين وهي العدو الأول للمسلمين”.
وسخر حسام الدين، بالقول: "هاه.. قالوا إنه لغرض إنساني وهو طريقة لإمداد غزة بالقليل من الحياة ومستلزماتها، ولكن الحقيقة أن هذا الرصيف العائم قد وضع لخدمة اللوجستية العسكرية الصهيونية فقط..".
وأكد المغرد تامر، أن “هذا الرصيف من شهور وهو يتفكك ويعيد تركيبه، ولم ينجز مهمة إنسانية واحدة حتى الآن رغم تركيبه تحت مسمى إنساني”، لافتا إلى أن تفكيكه يأتي بعد ان أنهى المهمة المطلوبة منه في الوقت الحالي والمرتبطة في عملية الاسرى الإسرائيليين في مخيم النصيرات.
قراءات وتبعات
وقراءة للخطوة الأميركية بتفكيك الرصيف العائم وتبعاته، أكد المغرد محمد، أن إغلاق المعابر شمال وجنوب القطاع وما يحاك من تفكيك الرصيف العائم يعني أن القطاع سيدخل حرب التجويع، موضحا أنها آخر وسيلة ضغط على المقاومة في غزة وأيام عصيبة جدا تنتظر أهالي القطاع كافة.
وكتب يحيى أحمد الشرفي: "والله لو تتصفحوا على حسابات أبناء غزة يبكي القلب،.. لا يوجد ماء شرب ولا طعام ومن جنوبه إلى شماله.. كان مع غزة منفذ واحد لدخول المساعدات معبر رفح الآن ومنذو شهرين بيد الصهاينة تم احتلاله بتنسيق صهيوني ودول عربية.. حتى من البحر محاصرين عبر الرصيف العائم الأميركي".
ورأى المغرد خالد، أن بعد الإعلان عن نقل الميناء العائم، بأن الرصيف العائم الأميركي يمكن القطع بأنه لم يتفكك من قبل، بل تم تفكيكه عمدا لتجنب إدخال مساعدات، مضيفا: "أما الآن و قد أدى مهمته في عملية الرهائن وتنفيذ مجزرة أميركية إسرائيلية في مخيم النصيرات، فهو ذاهب بلا عودة".
وقال عبدالرحمن شرف الدين، إن أميركا تخشى أن تتعرض لضربة موجعة باستهداف معسكرها في غزة المسمى الرصيف العائم خاصة بعد فشلها في حماية السفينتين المحملة بالأسلحة التي ضربت وهى بقربهم داخل موانئ فلسطين المحتلة قبل أيام بالعملية المشتركة التي نفذتها المقاومة في اليمن والعراق.