وصف الرئيس بالديكتاتور.. قصة وزير إريتري مات بعد سنوات من الحبس الانفرادي
أبرها أُقيل من منصبه عام 2012 وجرى تجريده من أي دور سياسي
تسلط وفاة وزير المالية الإريتري الأسبق برهاني أبرها في حبسه الانفرادي الضوء على الظروف اللاإنسانية التي يعيشها عشرات الصحفيين والشخصيات السياسية البارزة المعتقلين في ذلك البلد منذ عقود.
وأعلنت أسرة أبرها وفاته نهاية أغسطس/آب 2024 عن عمر ناهز 79 عاما، وذلك داخل سجنه الانفرادي، حيث قضى ست سنوات رهن الاعتقال بعد أن تجرأ على انتقاد الرئيس أسياس أفورقي ووصفه بالديكتاتور.
وأعربت صحيفة نيغريسيا الإيطالية عن استغرابها من أن السلطات الإريترية، التي نادرا ما تؤكد وفاة كبار المسؤولين في سجنهم أو مكان دفنهم، أبلغت أقارب أبرها بوفاته.
ما قصته؟
وفي سردها لقصته، تقول الصحيفة إن أبرها أُقيل من منصبه عام 2012 وجرى تجريده من أي دور سياسي قبل أن يسجن في 2018.
وجاء ذلك بعد نشره كتابا بعنوان "بلدي"، وصف فيه الرئيس بأنه "ديكتاتور" وتحداه في مناظرة تلفزيونية.
وكان أبرها قد طالب أيضا بإعادة عقد الجمعية الوطنية، البرلمان الإريتري الذي أمر أسياس بحله عام 2002.
وفي نفس تلك الفترة، دخلت زوجته أيضا السجن وهي من قدامى المناضلين من أجل الاستقلال، دون تهمة قبل أن يطلق سراحها عام 2019.
وفي الذكرى السنوية الأولى لاعتقال أبرها، ناشد سيف ماغانغو، نائب مدير منظمة العفو الدولية لشرق إفريقيا والقرن الإفريقي، الرئيس الإريتري باحترام الدستور وسيادة القانون من خلال إجراء الانتخابات.
وقالت صحيفة "نيغريسيا" إنه "من غير الواضح كيف ومتى توفي برهاني، خصوصا أن أحد أبنائه كان قد أكد تدهور حالته الصحية منذ عام 2020 ".
وكان الأخير محتجزا في سجن كارشيلي في العاصمة أسمرة، دون توجيه اتهامات رسمية إليه أو منحه الحق في محاكمة عادلة.
حاكم مستبد
وتابعت أن أسياس أفورقي "يحكم البلاد بقبضة من حديد" منذ الاستقلال الذي انتُزع من إثيوبيا عام 1991 بعد ثلاثة عقود من الكفاح ويتربع على عرش السلطة دون إجراء انتخابات.
وتعد إريتريا من دول نظام الحزب الواحد، حزب الرئيس أفورقي، التي يُحظر فيها جميع الأحزاب السياسية والمنظمات المدنية ووسائل الإعلام المستقلة.
وكانت الأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية والمنظمات غير الحكومية قد اتهمت مرارا وتكرارا الحكومة الإريترية بارتكاب انتهاكات "خطيرة" لحقوق الإنسان، مثل التعذيب والإخفاء القسري، بالإضافة إلى سجن عشرات الآلاف من الأشخاص واحتجازهم في ظروف غير إنسانية.
كما دأب أفورقي على إقصاء المعارضين السياسيين من خلال سجنهم وعزلهم عن العالم الخارجي وإخفاء أي أثر لهم، تضيف الصحيفة.
وتشير في هذا الصدد إلى المصير المجهول لكبار مسؤولين اعتقلوا عام 2001 في إشارة إلى قضية ما يعرف باسم "المجموعة 15".
وهي مجموعة ضمت 11 مسؤولا رفيع المستوى من بينهم وزراء وكبار الجنرالات، عارضوا سياسات أفورقي ووجهوا إليه رسالة مفتوحة قبل أن يتم اعتقالهم في سبتمبر/أيلول 2001.
وبعد مرور قرابة 23 سنة، شددت الأمينة العامة المساعدة للأمم المتحدة المكلفة بحقوق الإنسان إلزي براندز كيريس، أن الإفلات من العقاب جراء انتهاكات حقوق الإنسان لا يزال متواصلا في البلاد.
وقالت إن" مكتبنا لا يزال يتلقى شكاوى موثوقة عن التعذيب، الاعتقالات التعسفية، ظروف معيشية غير إنسانية، الاختفاء قسرا وكذلك القيود المفروضة على الحق في حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع السلمي".
محمود شريفو
ضمت مجموعة 15 المعتقلة منذ عام 2001، المناضل، محمود أحمد شريفو، وزير الخارجية ونائب الرئيس وذلك لمحاولته صياغة قانون يهدف إلى السماح بإجراء انتخابات بمشاركة متعددة الأحزاب.
وكان شريفو قد انضم إلى الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا عام 1967 وشارك ضمن صفوفها في الكفاح من أجل الاستقلال عن إثيوبيا.
وكان من بين مؤلفي الرسالة المفتوحة التي طالبت الرئيس أفورقي بعقد الجمعية الوطنية والتنفيذ الكامل للدستور والحكم السليم والمساءلة.
إلا أن الرئيس رفض مطالبهم التي كانت سببا لاعتقال واختفاء مجموعة الـ 15، التي ضمت زوجة شريفو أيضا، أستر فيسيهاتسيون، ووزراء سابقين.
وفي نفس العام، اعتقلت السلطات الأمنية صحفيين يعملان بمجلة مستقلة، هما داويت إسحاق وسيوم تسيهاي.
وجاء اعتقالهم هم وصحفيين آخرين بتهمة المشاركة في كتابة الرسالة المفتوحة ذاتها.
وتقدر تقارير أن تسعة على الأقل من السياسيين والصحفيين المسجونين، (من المحتمل أن العدد ارتفع إلى عشرة بعد وفاة برهان أبرها)، توفوا في السجن وهو ما ترفض السلطات الإريترية تأكيده.
نداءات غير مسموعة
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2003، نددت اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان بالاحتجاز التعسفي وغير القانوني للمعارضين المقدر عددهم آنذاك بثمانية وعشرين، وطالبت دون جدوى، بمعلومات عن مصيرهم وإطلاق سراحهم.
وفي سبتمبر/أيلول 2021، أي بعد مرور 20 عامًا على اعتقالهم، دعت منظمة العفو الدولية مجددا إلى الإفراج غير المشروط عن السياسيين والصحفيين المعتقلين.
كما أطلقت المنظمة وسما للمطالبة بالكشف عن مصيرهم بعنوان: #WhereAreEritreasDissidents، أي “أين المعارضين الإريتريين”.
من جانبه، قال مدير شرق وجنوب إفريقيا بمنظمة العفو الدولية، ديبروز موشينا آنذاك إنه من غير المعقول أن يظل سجناء الرأي الشجعان هؤلاء قابعين في السجن بعد 20 عاما من اعتقالهم بسبب ممارستهم لحقوقهم.
وانتقد صمت السلطات حول وضعهم الحالي وكذلك تواصل الحظر المفروض على وسائل الإعلام المستقلة.
وأضاف في نفس التصريحات "تحولت الأيام إلى أشهر، والشهور إلى سنوات، والآن تحولت السنوات إلى عقود من الألم الذي لا نهاية له لهؤلاء السجناء وعائلاتهم وأحبائهم".
ووجه نداء إلى الرئيس أسياس أفورقي من أجل "اتخاذ خطوات لوضع حد لهذه المهزلة".
وانتقد كذلك تواصل اعتقال “العديد من السياسيين والصحفيين والناشطين الآخرين واحتجازهم دون تهمة قبل سبتمبر 2001”، مطالبا بإطلاق سراحهم.