وساطة ليست مجانية.. لماذا يعد السيسي أبرز المستفيدين من حرب غزة؟
في الوقت الذي كان فيه رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، يعاني من "حصار" دولي، بفعل القمع والفساد والانتهاكات كان آخره معاقبة واشنطن له بتجميد جزء من المساعدات العسكرية، جاءته نجدة لا مثيل لها من قطاع غزة المجاور.
تتلخص النجدة في المواجهة الدائرة بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، وما تتطلبه من "وساطة" مصرية تلجأ لها الولايات المتحدة وأوروبا عقب كل جولة قتال.
إذ تُعد مصر الوسيط التقليدي بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية حماس، التي تسيطر على قطاع غزة منذ عام 2007 بعد أحداث الانقسام الفلسطيني الداخلي.
وفجر 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أطلقت حركة "حماس" وفصائل فلسطينية أخرى في غزة عملية "طوفان الأقصى" العسكرية ضد إسرائيل، رداً على اعتداءات القوات والمستوطنين الإسرائيليين المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني وممتلكاته ومقدساته، ولا سيما في القدس، أدت إلى مقتل وإصابة مئات الإسرائيليين، وأسر عدد غير محدد.
وبدأ الجيش الإسرائيلي في المقابل عملية "السيوف الحديدية"، ويواصل شن غارات مكثفة على مناطق عديدة في قطاع غزة، الذي يسكنه أكثر من مليوني فلسطيني يعانون من أوضاع معيشية متدهورة جراء حصار إسرائيلي متواصل منذ 2006.
وساطة مقابل المساعدات
هنا يبرز دور عبد الفتاح السيسي الذي سيحاول أن يجني مكاسب من وراء هذه الوساطة في الحرب، ما سيعطيه الفرصة للاستفادة بطلب "مقابل"، يرجح أن يكون الإفراج عن المساعدات المجمدة بفعل انتهاك حقوق الانسان.
وفي 15 سبتمبر/أيلول 2023، أعلن السيناتور الأميركي، كريس ميرفي، أن إدارة الرئيس جو بايدن تعتزم حجب 85 مليون دولار من المساعدات العسكرية المقدمة إلى مصر.
وأرجع ميرفي ذلك إلى ما وصفه بعدم التزام القاهرة بشروط الولايات المتحدة فيما يخص الإفراج عن السجناء السياسيين، وعدد من القضايا الأخرى المتعلقة بالديمقراطية وحقوق الإنسان.
وتقدم واشنطن مساعدات عسكرية لمصر تبلغ قيمتها نحو 1.3 مليار دولار سنويا، وذلك بعد توقيع مصر معاهدة سلام مع إسرائيل عام 1979. ويرتبط جزء صغير من هذه المساعدات – نحو 320 مليون دولار – بسجل القاهرة في الديمقراطية وحقوق الإنسان.
كما تريد مصر التغطية على فضيحة السيناتور الديمقراطي عن ولاية نيوجيرسي بوب مينينديز والتي أثارت الرأي العام الأميركي ضدها أخيرا.
ووجهت وزارة العدل الأميركية في 23 سبتمبر لائحة اتهامات إلى مينينديز وزوجته بـ"الفساد والرشوة مقابل خدمات غير مشروعة للسلطات المصرية و3 رجال أعمال آخرين".
وإضافة إلى مينينديز الذي يشغل منصب رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، وجّه الادعاء الأميركي اتهامات إلى 3 رجال أعمال أحدهم المصري الأمريكي وائل حنا، وخوسيه أوريبي وفريد ديبيس.
ووفق لائحة الاتهام، "عُثر على أموال نقدية بمئات آلاف الدولارات وسبائك ذهبية في منزل مينينديز"، وأشارت إلى أن الرشا شملت الذهب والنقود وأقساط الرهن العقاري، وسيارة فاخرة".
واتهم الادعاء العام السيناتور وزوجته نادين أرسلانيان مينينديز بـ"تلقّي رشا من رجال الأعمال الثلاثة مقابل خدمات غير مستحقة لهم، ومساعدة السلطات المصرية عبر تقديم مسؤولين مصريين عسكريين واستخباريين ودبلوماسيين للسيناتور مينينديز، ونقل معلومات عن مساعدات واشنطن للقاهرة، وعن موظفي سفارتها بالبلد العربي".
وطلبت الولايات المتحدة من مصر مرارا التدخل للتوسط بين غزة وإسرائيل في أعقاب الحروب المختلفة، آخرها حرب مايو/أيار 2021 التي كانت بداية تواصل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن مع السيسي بعد تجاهله منذ اعتلاء الأول السلطة.
وقتئذ، اتصل الرئيس بايدن لأول مرة بالسيسي، ثم التقاه، بعدما كان قد تعهد بنبذه وقال عنه: "لا شيكات لديكتاتور (الرئيس السابق دونالد) ترامب المفضل".
وشنت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية 3 أكتوبر 2023 هجوماً على السيسي، في افتتاحية الصحيفة التي نُشرت 3 أكتوبر 2023، تحت عنون "مجلس الشيوخ الأميركي يبدأ الوقوف في وجه الديكتاتور".
وكانت الصحيفة تعقب على قرار رئيس لجنة المساعدات الخارجية بمجلس الشيوخ الجديد الذي حل محل السيناتور المرتشي واعلانه تجميد بقية مبلغ الـ 215 مليون دولار.
وأعلنت إدارة بايدن، في 14 سبتمبر 2023 أنها ستصدر تنازلاً يتعلق بالأمن القومي، يسمح لمصر بتلقي 235 مليون دولار من المساعدات المشروطة، مع حجب 85 مليون دولار فقط.
لكن في 4 أكتوبر/تشرين أول 2023 وعقب فضيحة الرشوة المصرية، قرر رئيس لجنة العلاقات الخارجية الجديد بمجلس الشيوخ الأميركي، بن كاردين، منع مصر من أخذ هذه المساعدات.
قال: "قررت ممارسة مسؤوليات اللجنة الرقابية وسلطاتي الكاملة للاحتفاظ بالأموال الخاصة بالمساعدات العسكرية للحكومة المصرية، بما فيها بيع الأسلحة حتى تتخذ خطوات ملموسة لتحسين أوضاع حقوق الإنسان لديها".
وقال بن كاردين إنه تحدث مع وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، بشأن حجب تلك الأموال حتى يكون هناك نتائج حقيقية لتحسين حقوق الإنسان بمصر.
صفقة تبادل
مراقبون مصريون أكدوا لـ "الاستقلال" أنه أيا كانت النتائج التي ستنتهي إليها العملية، فسيضطر الاحتلال عاجلا أو آجرا لإبرام اتفاق لوقف إطلاق النار وصفقة لتبادل الأسرى.
أشاروا إلى حساسية الموقف هذه المرة وحاجة الغرب للدور المصري، ليس فقط لأنه لا يمكن استمرار الحرب إلى ما لا نهاية ولوقف نزيف الخسائر المادية والاقتصادية الإسرائيلية، ولكن لأن المقاومة وضعت حقائق جديدة على الارض هذه المرة.
فقد كسبت المقاومة أوراق لعب مهمة أبرزها عشرات الأسرى من الجنود والمستوطنين الإسرائيليين الذين أسرتهم في المستوطنات ونقلتهم إلى غزة، ولم يعرف عددهم بعد، ما سيضطر الاحتلال، صاغرا، لقبول صفقة تبادل.
رجحوا أن تكون هذه "الصفقة" المنتظرة التي ستشرف عليها مخابرات نظام السيسي، بمثابة "تبييض لسجون الاحتلال من مئات الأسرى".
وقالت حماس بوضوح في بياناتها إن "تحرير الأسرى من سجون الاحتلال، يعد أحد أهم العناوين الوطنية والسياسية والإنسانية، فحريتهم حق وواجب، وهو يشكل أحد أهم الأولويات لدى شعبنا الفلسطيني ومقاومته المجيدة".
وقد أكدت صحيفة "وول ستريت جورنال" 8 أكتوبر/تشرين أول 2023، بأن إسرائيل طلبت من مصر الوساطة لإطلاق سراح الإسرائيليين الذين وقعوا في قبضة عناصر حماس.
ونقلت عن مسؤولين مصريين لم تذكر أسماءهم، أنه لا يزال غير واضح بعد عدد الإسرائيليين المحتجزين في قطاع غزة.
وأردفت: "أجرت السلطات المصرية اتصالات مع الجانب الإسرائيلي وحركة حماس عبر قنوات مختلفة، لتقييم الوضع ودعت الجميع إلى الهدوء".
وتشير الصحيفة إلى أن الجهود المصرية لم تكلل بالنجاح حتى الآن، حيث تصر إسرائيل على أنه قبل الموافقة على وقف إطلاق النار، من الضروري الرد على الهجمات.
وعقب انتهاء اليوم الأول من "طوفان الأقصى"، كشف صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس 7 أكتوبر أن المقاومة تمكنت من أسر عدد كبير من الإسرائيليين، بينهم ضباط كبار.
قال في تصريحات لقناة "الجزيرة" الإخبارية، عن الأسرى الإسرائيليين إن "ما بين يدي المقاومة حالياً سيحرر ما بين أيديهم"، و"جميع الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال"، مؤكداً أنهم باتوا على أبواب الحرية.
وسبق للقاهرة أن نجحت بالتوسط بين حماس وإسرائيل بالإفراج عن الجندي جلعاد شاليط مقابل 1027 أسيرا فلسطينيا بعضهم من ذوي المحكوميات العالية.
كما سبق أن تدخل السيسي بوساطة بين إسرائيل وغزة عقب حرب مايو 2021، واستغل العدوان الإسرائيلي لصالحه.
لخصت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية في 21 مايو 2021 الموقف حينئذ ونقلت عن محللين ودبلوماسيين، تأكيدهم أن "السيسي كان الرابح الوحيد في هذا القتال بين الإسرائيليين والفلسطينيين".
وكتب محمد المنشاوي، بصحيفة "الشروق" مايو 2021، يقول، في إشارة إلى المحادثة: "أعتقد أن الفائز الحقيقي الوحيد في هذه الجولة من الصراع كانت مصر ورئيسها السيسي الذي تلقى مكالمة (من بايدن) طال انتظارها".
السيسي يعرض خدماته
وفور اندلاع الحرب، حذرت مصر من "مخاطر وخيمة" للتصعيد الجاري بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، ودعت وزارة الخارجية المصرية إلى "ممارسة أقصى درجات ضبط النفس، وتجنب تعريض المدنيين للمزيد من المخاطر"
وحذر البيان من "تداعيات خطيرة نتيجة تصاعد حدة العنف، الأمر الذي من شأنه أن يؤثر سلبا على مستقبل جهود التهدئة".
ودعت مصر الأطراف الفاعلة دوليا المنخرطة في دعم جهود استئناف عملية السلام، إلى التدخل الفوري لوقف التصعيد الجاري.
كما حث إسرائيل على وقف الاعتداءات والأعمال الاستفزازية ضد الشعب الفلسطيني، والالتزام بقواعد القانون الدولي الإنساني فيما يتعلق بمسؤوليات الدولة القائمة بالاحتلال.
ثم بدأ رئيس النظام المصري، عبد الفتاح السيسي، 7 أكتوبر 2023 يعرض خدماته بإعلانه "تكثيف الاتصالات المصرية لاحتواء الموقف، ومنع المزيد من التصعيد" بين قطاع غزة وإسرائيل.
وأوضح المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية في بيان على صفحته بموقع "فيسبوك"، أن "السيسي يتابع الموقف العام لتطورات الأحداث من مركز إدارة الأزمات الإستراتيجي، وذلك في ضوء تطورات الأوضاع في قطاع غزة".
وحذر السيسي من "حلقة مفرغة" من التوتر في المنطقة، خلال اتصال مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون لبحث التصعيد بين إسرائيل وحركة حماس.
وأعلنت الرئاسة المصرية أن الاتصال بحث في "التشاور والتنسيق بشأن جهود وقف التصعيد الجاري في قطاع غزة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي"، وأكدا ضرورة احتواء الموقف والحيلولة دون إزهاق المزيد من الأرواح.
ونقل بيان الرئاسة عن السيسي تأكيده إجراء القاهرة اتصالات مع الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني والأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة "من أجل احتواء التصعيد الراهن".
كما حذر من "خطورة تردي الموقف وانزلاقه لمزيد من العنف وتدهور الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة، ودخول المنطقة في حلقة مفرغة من التوتر تهدد الاستقرار والأمن الإقليميين".
وأجرى وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، 7 أكتوبر 2023 سلسلة من المكالمات الهاتفية مع نظرائه حول العالم، لمناقشة ما أسماه "الحجم والوحشية غير المسبوقين لهجمات حماس على الأراضي الإسرائيلية" وبحث سبل إيقافها، حسبما ذكر المتحدث باسم الخارجية الأميركية، ماثيو ميلر.
وخلال محادثات مع نظيره المصري، سامح شكري، أكد بلينكن على "ضرورة "التوصل إلى وقف فوري للهجوم المروع الذي تشنه حماس ضد إسرائيل".
وأعرب الوزير الأميركي عن تقديره للجهود المستمرة التي تبذلها القيادة المصرية، مؤكدا مجددا على "الحاجة الملحة لوقف هجمات حماس".
وبعد هذه التحركات، سخر الصحفي سليم عزوز قائلا: "العملية العسكرية من قطاع غزة ستفتح ثغرة في الحصار الدولي للجنرال، وسيبدأ التواصل معه".
العملية العسكرية من قطاع غزة ستفتح ثغرة في الحصار الدولي للجنرال، وسيبدأ التواصل معه.
— سليم عزوز (@selimazouz1) October 7, 2023