واشنطن تفرض عقوبات على الحركة الإسلامية السودانية.. ما الهدف والتوقيت والتداعيات؟
في 28 سبتمبر/أيلول 2023 قال وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن إن الولايات المتحدة اتخذت إجراءات ضد كيانين سودانيين وشخص واحد لـ"دورهم في تقويض السلام والأمن والاستقرار في السودان".
تصريح بلينكن جاء بعد فرض وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على الأمين العام لـ"الحركة الإسلامية السودانية"، علي كرتي، وشركة روسية وأخرى سودانية، بدعوى اتهامهم بتأجيج الصراع في السودان.
وزارة الخارجية فرضت قيودا أيضا على التأشيرات بحق أفراد آخرين، بما في ذلك إسلاميون ومسؤولون في النظام السابق، بدعوى أنهم "متواطئون في تقويض التحول الديمقراطي في السودان".
تفاصيل العقوبات
كرتي كان وزيرا للخارجية في عهد الرئيس السابق عمر البشير، وبعد سقوط نظامه قاد كرتي حملة ضد الحكومة اليسارية الانتقالية السابقة، لأنها أقصت الإسلاميين بالتعاون مع العسكر، ثم شكل "التيار الإسلامي العريض" من قرابة 10 قوى إسلامية.
وتعد هذه العقوبات هي الثالثة من نوعها، فقد سبق لواشنطن فرض عقوبات على بعض الشركات التابعة لكل من الجيش السوداني ومليشيا "الدعم السريع" في مايو/أيار 2023، بهدف "تجفيف مصادر تمويل طرفي الصراع".
وكانت المرة الثانية في سبتمبر/أيلول 2023 عندما فرضت عقوبات محددة ضد القائد الثاني للدعم السريع، عبد الرحيم حمدان دقلو، وقائد الدعم السريع في قطاع غرب دارفور، عبد الرحمن جمعة بارك الله؛ لتورطهما في ارتكاب انتهاكات جسيمة في ولاية غرب دارفور.
وجاءت العقوبات على كرتي بالتزامن مع اتهام واشنطن لحزب المؤتمر الوطني، وللحركة الإسلامية في السودان بتغذية الصراع المسلح في البلاد.
وترى واشنطن أن رموز نظام الإنقاذ السابق من الحركة الإسلامية وحزب المؤتمر الوطني المنحل "يعملون على ضمان استمرار الحرب الحالية بما يمكنهم من العودة مرة أخرى للسلطة".
وتطرح العقوبات الأميركية على قيادات من الحركة الإسلامية السودانية تساؤلات حول توقيتها، ولماذا الحركة الاسلامية رغم أنها غير مشاركة في الحكم وليس لها أنشطة معلنة، وهل لهذه العقوبات تأثير على كرتي في مسارات الحرب.
وبحسب بيان مكتب مراقبة الأصول الأجنبية" التابع لوزارة الخزانة الأميركية في 28 سبتمبر 2023، تم إدراج علي كرتي على قائمة العقوبات لكونه "مسؤولا عن، أو متواطئا في، أو شارك بشكل مباشر أو غير مباشر أو حاول الانخراط في أعمال أو سياسات تهدد السلام أو الأمن أو الاستقرار في السودان".
فيما قال بلينكن في بيانه "إننا نفرض عقوبات على كرتي أمين عام الحركة الإسلامية السودانية وهي جماعة إسلامية متشددة تعارض بشدة التحول الديمقراطي في السودان"، وفق قوله.
وتزعم الإدارة الأميركية أن كرتي يعمل حاليا مع غيره من مسؤولي النظام السابق "على عرقلة الجهود الرامية للتوصل إلى وقف لإطلاق النار بين القوات المسلحة السودانية والدعم السريع".
وقالت إنه "يحشد القوات لتمكين استمرار القتال ومعارضة الجهود المدنية السودانية لاستئناف التحول الديمقراطي المتوقف في السودان"، رغم أنه ليس قائدا عسكريا.
وإضافة إلى كرتي، فُرضت العقوبات أيضا على (جي.إس.كيه أدفانس)، وهي شركة مقرها السودان، قالت وزارة الخزانة إنها "استُخدمت وسيلة مشتريات للدعم السريع".
وقالت وزارة الخزانة الأميركية إن هذه الشركة كانت تنسق مع شركة الإمدادات العسكرية "أفياتريد" ومقرها روسيا، والتي استهدفتها العقوبات أيضا، لترتيب شراء قطع الغيار والإمدادات للطائرات المسيرة التي سبق أن اشترتها "الدعم السريع".
وشملت العقوبات الأميركية إسلاميين سودانيين ومسؤولين في نظام البشير بالإضافة إلى أفراد آخرين، قالت إنهم "يعملون على قمع حقوق الإنسان والحريات الأساسية أو يشاركون في أعمال أخرى تقوض تطلعات السودان إلى الديمقراطية".
ويشير توقيت وضع كرتي على قائمة العقوبات إلى أن الولايات المتحدة تنوي "المزيد من الانخراط في الأزمة السودانية، ولن تقف مكتوفة الأيدي وتفرض عقوبات على الطرفين المتصارعين وتتحاور معهما".
لماذا الآن؟
ويرى محللون سودانيون أن الولايات المتحدة "قلقة" من عودة الإسلاميين لحكم السودان في حال استعاد الجيش السيطرة من الدعم السريع، لأن الإسلاميين أعلنوا دعمهم للجيش علنا كما أنهم يساعدون رئيس مجلس السيادة، قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان.
وأوضحوا في أحاديث منفصلة لـ"الاستقلال" أن "وقوف الإسلاميين بوضوح مع الجيش ضد الدعم السريع ودعمه، فضلا عن وجود قيادات إسلامية في الجيش بجوار البرهان، يقلق أميركا التي تخشى أن يقوم البرهان بعد دعمهم له بإعطائهم امتيازات، وإعادتهم بقوة للحياة السياسية".
وأشاروا إلى أن "الحرب بين الجيش والدعم السريع انعكست على المكون المدني في البلاد، حيث مالت المجموعات السياسية المحسوبة على اليسار وحركات التمرد وقوى الحرية والتغيير نحو دعم حميدتي فيما دعم الإسلاميون الجيش".
وأدى هذا لابتعاد الجيش عن "قوى الحرية والتغيير" اليسارية التي شاركته الحكم سابقا، ووصفهم بأنهم "أعداء"، واعتماد قادة الجيش على المنتسبين للحركة الإسلامية، خاصة أن الجيش ظلت تسيطر عليه الحركة الإسلامية منذ مجيء البشير عام 1989.
ومنذ بداية الحرب، أعلنت أحزاب ومجموعات عدة تنتمي للحركة الإسلامية موقفها الداعم للجيش، مثل مجموعة علي كرتي، رئيس "التيار الإسلامي العريض"، وجماعة أنصار السنة المحمدية، وغالب الحركات المحسوبة على "جماعة الإخوان المسلمين".
وسبق لكرتي في 24 مايو 2023 وصف الدعم السريع التي تقاتل الجيش بأنها "إرهابية ومتمردة".
بس الله الرحمن الرحيم #الحركة_الإسلامية_السودانية
بيان حول إرهاب مليشيات الدعم السريع المتمردة …. pic.twitter.com/jYSCabP8uv— علي أحمد كرتي Ali Ahmed Karti (@Aliahmedkarti) May 24, 2023
ويقول المحللون إن تفرد الإسلاميين في السودان بأنهم كانوا جزءا من النظام السياسي وجزء من المؤسسة العسكرية، يجعل حسم الصراع الدائر مرهونا بدور لهم، وقد ينتهي الصراع بين العسكر لعودتهم إلى السلطة، وهو ما يقلق أميركا.
وأنه لهذا بادرت أميركا بفرض عقوبات على قياديين بالحركة الإسلامية بعدما تيقنت من إمساكهم بأوراق اللعبة في السودان وداخل الجيش.
وما يقلق أميركا أكثر أن كرتي، والذي كان عام 1997، وزير الدولة لشؤون العدل، سبق أن تولى مسؤولية التنسيق مع ما كان يعرف بـ"قوات الدفاع الشعبي السودانية".
وهي مجموعة من الشباب غالبيتهم من التيار الإسلامي وتيارات قبلية وقدرت أعدادها بما يصل إلى 10 آلاف مقاتل، وحاربوا بضراوة في جنوب السودان لتحريره قبل أن يتم توقيع اتفاق انفصال الجنوب واستفتاء الجنوب في 7 فبراير/ شباط 2011.
ولعب كرتي القيادي في حزب المؤتمر الوطني المحلول والحركة الإسلامية، أدوارا سياسية واقتصادية وأمنية في نظام البشير، وتولى وزارة الخارجية بين عامي 2010 و2015.
وعقب الانقلاب على حكومة البشير، وفي مارس/ آذار 2020، أمر مكتب النائب العام بإلقاء القبض على كرتي لدوره في انقلاب 1989، الذي أتى بالبشير إلى السلطة وأضاف في بيان أنه "سيتم تجميد أصوله".
لكن هذه الأوامر ألغيت، بعد انقلاب أكتوبر/ تشرين الأول 2021، الذي قاده الجيش ضد حكومة عبد الله حمدوك اليسارية و"قوى الحرية والتغيير"، وشهدت البلاد في أعقابها تقاربا بين الجيش والحركة الإسلامية.
الإسلاميون يتحدون
وردا على العقوبات الأميركية، قالت الحركة الإسلامية السودانية وحزب المؤتمر الوطني في بيانات 28 سبتمبر 2023 إن العقوبات ضد أمينها العام كرتي "مدعاة للفخر والشرف".
الحركة الإسلامية أكدت أنه "ليس مستغربا أن تسعى الولايات المتحدة لإصدار قراراتها الجائرة والوقوف في الصف الخطأ في حقبة مهمة في تاريخ السودان".
وقالت إن موقف الحركة الإسلامية وأمينها العام مُعلن منذ الانقلاب العسكري في 11 أبريل/ نيسان 2019 بأنها منحازة لصف المحافظة على سلامة البلاد وأمنها واستقرارها.
وأشار حزب المؤتمر في بيان إلى أن "قرار الإدارة الأميركية يهدف لتفتيت الجبهة الداخلية بعد تلاحمها بكل قواها الوطنية مع الجيش في مواجهة الدعم السريع وجناحها قوى الحرية والتغيير".
ويقول خبير إسلامي سوداني إن أخطر ما في العقوبات الأميركية ضد كرتي والحركة الإسلامية وتوقيتها أنها "تضفي مصداقية على خطاب قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) الذي يزعم أنه يحارب الإسلاميين".
وأكد لـ"الاستقلال" أن "اتهام واشنطن للحركة الإسلامية بأنها تقف وراء الحرب يتطابق مع مزاعم حميدتي أنه (يقاتل إسلاميين راديكاليين) داخل الجيش، لا الجيش السوداني ككل".
وسعى حميدتي لاستدعاء الإسلاميين كمبرر للاشتباكات حيث زعم في 19 أبريل 2023، أن القتال الذي يخوضه الجيش ضد قواته "يقوده الإسلاميون لاستعادة السلطة التي فقدوها".
كما أعلن أنه بقتاله الجيش "إنما يفعل ذلك كي يساند الديمقراطية ويحارب الإسلام الراديكالي".
لذلك هللت صحيفة "العرب" اللندنية المدعومة من الإمارات، لقرار العقوبات الأميركية، وأفادت بأن "استهداف كرتي خطوة مهمة لأنها ضربت جرس إنذار للقوى التي وثقت في البرهان ورأت أن علاقته بالحركة الإسلامية بها قدر كبير من الالتباس والمبالغة، أو أن الدعم السريع تستهدفه لمرارات سياسية بين قائدها وقائد الجيش".
وقالت: "خرجت المسألة من هذا النطاق الضيق، لأن تحديد الولايات المتحدة شخصية كرتي ينطوي على دلالة كبيرة، فالرجل رمز بارز ضمن رجالات البشير، وأمين عام الحركة الإسلامية، وأهم اسم تردد في وسائل الإعلام في الآونة الأخيرة بما يشبه العقل المدبر لجميع مخططات فلول البشير".
وفي 18 أبريل 2022، وقّعت 10 فصائل إسلامية في السودان ميثاق تأسيس ما يسمى "التيار الإسلامي العريض"، لتحقيق الاندماج التنظيمي بينها، وتم تعيين كرتي أمينا عاما للتيار.
والفصائل العشرة الموقعة على ميثاق التأسيس هي، جماعة الإخوان المسلمين-التنظيم العالمي، وجماعة الإخوان المسلمين-السودان، ومنبر السلام العادل، والحركة الإسلامية السودانية، وتيار النهضة.
وأيضا حزب دولة القانون والتنمية، وحركة المستقبل للإصلاح والتنمية، وحركة الإصلاح الآن، وحزب العدالة القومي، ومبادرة وحدة الصف الإسلامي.
تأثير العقوبات
سبق لأميركا أن فرضت عقوبات على الرئيس السوداني السابق البشير ولم تؤثر عليه أو يكون لها أثار فعلية في عرقلة نظامه، كما فرضت عقوبات على البرهان وحميدتي لم تفلح بدورها في وقف الحرب.
وفي مطلع التسعينيات، فرضت الولايات المتحدة عقوبات سياسية واقتصادية على السودان عندما كان التيار الإسلامي بقيادة الراحل حسن الترابي متحالفا مع البشير، خصوصا بعدما استضافت الخرطوم رموزا لإسلاميين جهاديين ومن تنظيم القاعدة، أبرزهم أسامة بن لادن.
وأعادت الولايات المتحدة فرض عقوبات على نظام البشير ومجموعة من قادته، بعد اشتعال الحرب في إقليم دارفور (عام 2003) ومقتل أكثر من 300 ألف وتدهور الأوضاع الإنسانية وازدياد المعاناة الإنسانية، بلا جدوى فعلية.
لذلك يشكك مراقبون في جدوى العقوبات على الحركة الإسلامية أو الجيش بقيادة البرهان ومليشيا الدعم السريع بقيادة حميدتي، ويشيرون إلى أنه سيتم التحايل عليها كما حدث خلال حقبة البشير.
أيضا قال الناشط السياسي والحقوقي عبد الباسط الحاج، لموقع "التغيير" المحلي في 4 أكتوبر 2023، إن "العقوبات التي فرضت على كرتي كانت متوقعه وفق السياسة الخارجية التي تتبعها الإدارة الأميركية، لكنها ضعيفة وغير مؤثرة وإن كانت ستشكل ضغوطا عليهم".
فيما يُرجح "المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط" القريب من المخابرات المصرية "محدودية أثر هذه العقوبات على وقف الصراع الدائر في السودان".
ويرى المركز في تحليل نشره مطلع أكتوبر 2023، أن "العقوبات ستفشل في تحقيق الهدف الرئيس منها".
وأرجع ذلك، استنادا إلى رد فعل كل من الحركة الإسلامية وحزب المؤتمر الوطني المنحل، واللذان أبديا تحديا لافتا لهذه العقوبات، مرجحا مواصلة أميركا فرض المزيد من العقوبات مستهدفة شخصيات وجهات إسلامية.
وأفاد المركز بأنه "من المتوقع أن يواصل أنصار النظام السابق (الحركة الإسلامية–حزب المؤتمر الوطني) دعمهما لاستمرار الصراع الراهن، وذلك لإظهار عدم تأثرهم بالعقوبات الأميركية، وهو الأمر الذي قد يزيد من حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني، ومن ثم إطالة أمد الصراع".