انتكاسة بيئية في "واحات" المغرب.. تغيّر المناخ أم تقاعس السلطات؟

12

طباعة

مشاركة

"الواحات" كنز بيئي وقلب نابض للحياة الإنسانية في مناطق جنوب شرق المغرب، لكنها تشهد انتكاسة بيئية جراء التغيرات المناخية وتدخلات الإنسان.

وفيما يحمّل سكان هذه المناطق المسؤولية للسلطات جراء الإهمال وعدم الاهتمام، ترجع الأخيرة بدورها الأسباب إلى حرارة الصيف والجفاف الذي يضرب المملكة منذ سنوات.

وضع صعب

ومنذ منتصف يونيو/حزيران وحتى الأسبوع الأول من أغسطس/ آب 2024، شهدت عدة مناطق جنوب شرق المغرب، وتحديدا أقاليم الرشيدية وطاطا وكلميم حرائق أتت على كثير من أشجار النخيل في الواحات.

وطالب النائب البرلماني عن حزب الحركة الشعبية المعارض، محمد والزين، وزير الفلاحة محمد صديقي، إلى ضرورة التفكير في إطار تشريعي يؤطر التدخل في إنقاذ واحات جنوب المملكة من الحرائق المهولة والمتتالية والجفاف.

ووجه والزين سؤالا كتابيا في 7 أغسطس 2024 إلى الوزير، حول معاناة مناطق الواحات من الحرائق والجفاف، ومدى تملك الحكومة لسياسة عمومية خاصة بالواحات.

وتساءل عن الإجراءات والتدابير التي سيتخذها لاستفادة المناطق الواحية من طريق سيار مائي في هذه المناطق الجافة وربطها بالواجهة البحرية المتوسطية، وأسباب مماطلة الحكومة في تفعيل ذلك.

وشدد والزين على أن هذا الوضع "يعد تهديدا حقيقيا لحياة المواطنين المجاورين لها حيث إن غياب الطرق والمسالك الصالحة للتدخل العاجل للوقاية المدنية في حالة اشتعال حريق لا قدر الله، وغيرها مما يعمق مشاكل الساكنة والمجالات الواحية المغيبة أصلا في السياسات العمومية".

وأشار إلى أن الظروف المناخية الصعبة التي يمر بها المغرب حاليا “أثرت على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لجل مناطق المملكة، وبالأحرى سكان المناطق الواحية”.

وتلك المناطق معروفة بندرة الموارد المائية والأنشطة الاقتصادية، ناهيك عن قلة الاهتمام بهذه المجالات، وفق قوله.

من جانبه، دعا حزب التقدم والاشتراكية في بيان مطلع أغسطس إلى "تكثيف الجهود وإيلاء الواحات ما تستحقه من عناية خاصة لكونها موروثا ثقافيا وحضاريا وطبيعيا وبيئيا يميز المنطقة".

كما دعا “المتدخلين والمعنيين كافة من قريب أو بعيد لتكثيف الجهود وإيلاء الواحات ما تستحقه وتخصيص نقط تدخل فوري مجهزة بمعدات رهن إشارة الساكنة لاستعمالها في حالة نشوب حرائق في انتظار وصول الدعم من السلطات المختصة كحل أولي واستباقي".

أما حزب "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية" (معارضة) فوجه سؤالا شفويا إلى وزير الفلاحة المغربي محمد صديقي، في يوليو/ تموز 2024، عن وضع صعب جدا تعيشه واحات المغرب في عدد من الأقاليم، في ظلّ غياب نظام سقي يحميها.

وأضاف أن أكبر واحات المغرب في درعة تشهد "موت آلاف الأشجار وهجرة آلاف الأسر"، منبّها إلى أنه في حال عدم التدخل سريعا فإن الأوان قد يكون فات "لإنقاذ تراث إنساني".

وفي تفاعله مع الأسئلة الشفهية والكتابية للبرلمانيين، قال صديقي إن "انعدام منابع المياه يشكل إشكالية كبرى للواحات لأن المياه الحالية مخصصة لتزويد سكان هذه المناطق بالماء الصالح للشرب"، 

وأضاف في كلمته بالبرلمان في 29 يوليو، أن "الحكومة تحاول إيجاد حلول لمناطق الواحات حتى لا تضيع أشجار النخيل وإنتاج التمور".

مبادرات مدنية

وفي مبادرة مدنية، دعا مواطنون وناشطون في المغرب مسؤولي البلاد عبر عريضة إلكترونية إلى التدخل لحماية واحات النخيل من الحرائق، عقب اندلاع حريق في واحة "تودغي" بمدينة تنغير (جنوب شرق)، في الأسبوع الأول من يوليو 2024.

وفي العريضة الإلكترونية الموسومة بـ"الواحة أمانة"، وقع عليها العشرات، ناشد “الغيورون على البيئة”، المسؤولين بالتدخل لحماية الواحات من الحرائق ووضع خطة استباقية لتفادي وقوع الكوارث.

وطالبوا بتنظيم حملات توعوية بالشراكة مع المجتمع المدني لحماية الواحات من الحرائق المحتملة.

وأوضحت العريضة أن "الجفاف والتصحر ومنح تراخيص للضيعات (الزراعية) الكبرى تهدد الواحات، خاصة مع قلة المياه".

وللحد من الحرائق المتكررة في الواحات، دعا الباحث المغربي المتخصص في البيئة والتغيرات المناخية، “شكيل عالم”، إلى "تنميتها وإعادة التوطين فيها، لأن إهمالها يهدد وجودها بالكامل".

كما دعا عالم في حديث لوكالة "الأناضول" التركية، في 7 يوليو، إلى "ضرورة الاعتناء بالواحات القديمة وعدم تركيز الدعم المالي واللوجستيي على مزارع النخيل وأشجار الزيتون فحسب".

ووفق عالم، فإن سكان الواحات القديمة ينتظرون دعما حكوميا، خصوصا أن دورها بيئي وسياحي في الوقت ذاته.

وفي مايو/ أيار 2024، توقعت الوكالة المغربية للمياه والغابات (رسمية)، تزايد خطر نشوب حرائق في الغابات صيف هذا العام، نظرا لظاهرة الجفاف التي تضرب المملكة للعام السادس على التوالي، واستمرار موجات الحر بعموم البلاد.

ولفتت الوكالة إلى أن الغابات التي تغطي نحو 12 بالمئة من مساحة البلاد، شهدت 466 حريقا خلال عام 2023 تضررت جراءها 6 آلاف و426 هكتارا.

وبحسب تقرير لـ"المعهد المغربي لتحليل السياسات"، فإن "الواحات تغطي 15 بالمئة من مجموع مساحة المغرب ويقدر عدد سكانها بنحو مليوني نسمة أي ما يعادل 5 بالمئة من مجموع سكان المملكة".

ولفت إلى أن "الواحات خلال العقدين الماضيين عرفت تدهورا لافتا، لا سيما تراجع مستوى المياه الجوفية بمعدل يتراوح بين 15 و20 مترا مكعبا سنويا وانخفاض بنسبة 34 بالمئة من إنتاج التمور".

من جانبه، قال الصحفي عبد الرحيم أريري إن: "ربع مساحة المغرب في خطر والسلطات في دار غفلون !(غافلون)".

وأوضح في تدوينة عبر فيسبوك في 26 يوليو 2024، "كل عام يلتهم 500 حريق حوالي 6500 هكتار من الغابات.وكل سنة يلتهم 170 حريقا حوالي 16.000 نخلة بالواحات".

وأضاف "إذا علمنا أن الغابات تغطي 12 بالمئة من مساحة المغرب، وبأن الشريط الواحي يمثل 15 بالمئة من مساحة البلاد، فمعنى ذلك أن 27 بالمئة من تراب البلاد يواجه المخاطر دون خطة أو إرادة حازمة من طرف المسؤولين (مركزيا ومحليا) لتطويق النزيف".

فيما قالت “الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان” (رسمية)، عبر بيان صادر في 15 يوليو 2024 إن عدد الحرائق التي شبت في عموم واحات المغرب خلال الفترة الممتدة ما بين 2009 ويونيو 2024، بلغ ما مجموعه 2393 حريقا.

وعلى إثرها، احترقت مساحة تبلغ 1423 هكتارا بها نحو 172 ألفا و592 نخلة من الموروث الواحاتي.

إهمال واضح

ويؤكد سكان الواحات أن عملية إخماد الحرائق صعبة للغاية، جراء مساحتها الشاسعة، مما يؤدي إلى موت عدد هائل من أشجارها التي لا يمكن تعويضها.

وقال المواطن محمد الأنصاري، وهو أحد النازحين من منطقة تافيلات (جنوب شرق) نحو شمال المغرب، إن "هناك إهمالا واضحا للسلطات في مجال الاهتمام بالواحات في مناطق شرق الجنوب، مثل الريصاني وأرفود، وهناك العديد منها الذي تعرض لموت أشجار النخيل".

وأوضح الأنصاري لـ"الاستقلال" أن “السلطات ملزمة بدعم المواطنين في هذه المناطق التي تتميز بفقر سكانها وهجرة شبابها إلى المدن الكبرى بحثا عن فرص عمل أفضل، كون المنطقة معروفة بدرجة حرارتها المرتفعة ”.

ولفت إلى أن “غياب الدعم المالي والمعنوي والتأطيري للسكان لتنفيذ مشاريع تسمح بإعادة إحياء الواحات والحد من الهجرة منها يزيد من فقدان هذه الثورة الإيكولوجية (البيئية) وأيضا نقصان في منتوج التمور التي تعرف به هذه المنطقة".

 وشدد الأنصاري على أن “الدولة بأطرها ومؤسساتها مطالبة بابتكار نظام سقي جديد بالنظر إلى ظاهرة الجفاف المتواصلة منذ سنوات، أو  حفر آبار عميقة للبحث عن المياه الجوفية أو منح الاستفادة من مياه السدود القريبة من مناطق الواحات”.

ولفت إلى أنه “قبل سنوات وتحديدا في تسعينيات القرن الماضي، كنا نرى على مد البصر الواحات مليئة بأشجار النخيل التي تمدنا بخيرات التمر الذي نستفيد منه ونصدره بعدها”.

واستدرك: "لكن في الوقت الحالي المنطقة قاحلة وتغير لونها من الأخضر إلى الأصفر بسبب ذبول وموت النخيل".

ويحتل المغرب المرتبة السابعة عالميا في إنتاج التمور، بمتوسط إنتاج سنوي 135 ألف طن تتوزع على 453 صنفا، بحسب وزارة الفلاحة منتصف عام 2024.

واستدركت الوزارة، في بيان، قائلة إنه "بسبب الجفاف، تراجع مستوى إنتاج التمور هذه السنة إلى 108 آلاف طن".

وحاليا، يبلغ عدد أشجار النخيل في المغرب، وفق الوزارة، نحو 6 ملايين نخلة، وتهدف المملكة إلى إنتاج 300 ألف طن من التمور سنويا مع حلول عام 2030.

وتشكل زراعة النخيل البنية الأساسية للنشاط الفلاحي في الواحات المغربية، إذ تساهم بـ 20 إلى 60 بالمئة من الدخل الزراعي لأزيد من 1.4 مليون مغربي.

وللعام السادس على التوالي، يواجه المغرب تهديدا حقيقيا بسبب الجفاف وسط مخاطر تحدق بالقطاع الزراعي الذي يمثل عصب الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.

وتشير معطيات رسمية حديثة إلى انخفاض متوسط هطول الأمطار في الجنوب الشرقي أو مناطق الواحات بنسبة تجاوزت 67 بالمئة في السنوات الخمس الأخيرة.

واضطرت الحكومة أخيرا للإعلان عن قطع المياه الصالحة للشرب عن المجتمعات المحلية الأكثر تضررا من الجفاف، ما يعني تداعيات على البشر والشجر.

ويعزو المغرب ندرة المياه إلى تراجع الأمطار خلال السنوات الماضية، إذ بلغ العجز السنوي مليار متر مكعب.