تصفية "إيفرغراند" في هونغ كونغ.. ما تداعيات انهيار عملاق العقارات الصيني؟

9 months ago

12

طباعة

مشاركة

بعد أن تصدرت أزمة العملاق الصيني "إيفرغراند" صدارة العناوين الاقتصادية على مدار العامين الماضيين، أمرت محكمة في هونغ كونغ بتصفية شركة التطوير العقاري التي تواجه صعوبات مالية جراء فشلها في تقديم خطة مقنعة لإعادة هيكلتها.

وأعقب إعلان تصفية الشركة هبوط قيمة أسهمها بأكثر من 20 بالمئة في بورصة هونغ كونغ التي علقت التداول بها.

وتعد "إيفرغراند" أكبر مجموعة للتطوير العقاري في الصين راكمت ديونا تخطت 300 مليار دولار، بعدما عجزت عن السداد عام 2021، لتعلن حينها عن برنامج إعادة هيكلة الديون الخارجية في مارس/ آذار 2023، إلا أن الشركة فشلت في نهاية المطاف في تقديم خطة ملموسة. 

ويتوقع أن يكون لتلك الخطوة تأثير على الأسواق المالية المنهارة في الصين مع سعي صناع السياسات لاحتوائها، وسط تفاقم أزمة قطاع العقارات والحديث عن سقوط شركات أخرى.

أسباب الأزمة

تمتلك الشركة التي تأسست عام 1996 أكثر من 1300 مشروع في أكثر من 280 مدينة في جميع أنحاء الصين، وتضم مجموعة "إيفرغراند" الأوسع نشاطات أخرى بجانب العمل في قطاع العقارات.

وتضم شركات في مجالات كثيرة ومتنوِّعة مثل إدارة الثروات، وتصنيع السيارات الكهربائية، وتصنيع الأطعمة والمشروبات، حتى أنها تمتلك أحد أكبر فرق كرة القدم في البلاد، جوانجزو إف سي.

ومع استمرار اتساع العملاق الصيني عبر اللجوء إلى أدوات التمويل المختلفة، اتسعت مديونية الشركة مسجلة أكثر من 305 مليارات دولار، بينها 20 مليار دولار من السندات الدولية.

ولكن مع وضع الصين في 2020، أكثر من 100 لائحة جديدة تحد من ارتفاع سقف الديون على شركات التطوير العقاري الكبرى، تعثرت الشركة لحاجتها إلى المال لتمويل مشاريعها التي كان الكثير منها تحت الإنشاء، ما أجبرها على بيع عدد من عقاراتها بتخفيضات كبيرة لضمان تأمين السيولة اللازمة للحفاظ على استمرار العمل.

وقبل أن تفرض السلطات الصينية تلك السياسات الصارمة عام 2020، حاولت على مدى العقد الماضي، كبح جماح الإقراض، لكن الشركات العقارية وجدت طرقا للالتفاف حول كل قيد، ففي بعض الأحيان خفضت أسعار الشقق، وفي أحيان أخرى أخرجت الديون من ميزانياتها العمومية.

ورغم إسقاط اللوم على سياسات الصين في انهيار شركة "إيفرغراند"، إلا أنه بحسب تحقيقات أجرتها صحيفة "نيويورك تايمز" في 29 يناير/ كانون الثاني 2024، فإن المحاسبة المشكوك فيها وضعف الرقابة على الشركات التابعة للمجموعة، أدى إلى مشاكل مثل اختفاء ملياري دولار، ما دفع الشركة بالفعل نحو الكارثة.


 

ويرى المحلل الاقتصادي، خلفان الطوقي، أنه منذ بداية تعثر الشركة فإن تصفيتها وإعلان إفلاسها "أمر متوقع".

وأشار الطوقي في حديث لـ"الاستقلال"، إلى أن "هذا الإفلاس يأتي نتيجة توسع الشركة في نشاطاتها أكثر من اللازم، فضلا عن انخراطها في مجالات بعيدا عن نشاطها الأساسي المتعلق بالتطوير العقاري، ما جعلها تفقد البوصلة".

وأوضح أن أحد أهم أسباب انهيار الشركة "هو عدم استطاعة العملاء دفع أقساطهم الشهرية بسبب الوضع المالي أو المصرفي في البنوك الصينية، بجانب أزمة كورونا التي طالت الشركة نتيجة زيادة المعروض عن الطلب".

وبافتراض أن مساحة كل منزل تبلغ 100 متر مربع وثلاثة أفراد من الأسرة، فإن الصين لديها حاليا مساحة فائضة لإيواء 150 مليون شخص، أي ما يعادل حوالي 50 مليون منزل، بحسب موقع "نيكي آسيا".

وأوضح الطوقي، أن "الانكماش في الاقتصاد الصيني أسهم أيضا في انهيار الشركة"، مشيرا إلى أن "هذا الاقتصاد تأثر بعوامل خارجية تتمثل في الحرب التجارية الباردة الأميركية الصينية، فضلا عن أن التعافي الاقتصاد الصيني استغرق بعض الوقت".

وسجلت الصين ارتفاعا في مؤشر أسعار الاستهلاك في أغسطس/آب 2023، مما أتاح لثاني أكبر اقتصاد في العالم الخروج من الانكماش المالي، قبل أن تنخفض أسعار المستهلكين مرة أخرى بأسرع وتيرة في ثلاث سنوات في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، ليعزز ضعف الطلب المحلي احتمالية تأثر الانتعاش الاقتصادي.

سوق للمضاربة

من جانبه، قال الباحث الاقتصادي، إبراهيم الطاهر، إن الحكم الصادر من قبل المحكمة "مازال مقتصرا على هونغ كونغ، وإن مصير الشركة الحقيقي يتوقف على قرار الصين النهائي تجاه الشركة".

وأرجع الطاهر، خلال حديثه لـ"الاستقلال"، أسباب انهيار العملاق الصيني إلى نمو أسعار العقارات سنويا بنسب وصلت إلى 15 بالمئة نتيجة تحول القطاع السكني إلى سوق للمضاربة، أدى لإقبال البنوك على الرهون العقارية بشكل كبير خاصة مع تنامي حجم هذا القطاع، لتصل الصين في نهاية المطاف إلى فقاعة عقارية ما أدى إلى حدوث تخمة". 

ومع اتساع الشركات في الاقتراض وإفراط الأفراد في تعظيم أموالهم عبر شراء شقق تظل فارغة زائدة عن حاجتهم، جاءت سياسة تقليص الإقراض للقطاع العقاري من قبل الحكومة الصينية، ما أدى إلى تهاوي شركة "إيفرغراند" التي كانت قد اتسعت في الاقتراض بشكل كبير.

فضلا عن استلامها أموال بعض المشاريع العقارية دون البدء في تنفيذها في وقت شهد الاقتصاد العالمي ضغوطا ضخمة منذ عام 2020، ما زاد من كلفة تلك المشاريع وأسهم في سرعة انهيارها، خاصة مع خروج احتجاجات العملاء الذين طالبوا باسترداد أموالهم، وفق تعبير الطاهر.

وجاءت إجراءات الصين الصارمة في 2020، متمثلة في ألا تتجاوز التزامات المطور العقاري في البناء 70 بالمئة من قيمة أصوله، وأن يكون صافي ديون الشركة أقل من حقوق الملكية لديها، وأن تغطي حيازات الشركة النقدية قيمة ديونها قصيرة الأجل بنسبة 100 بالمئة.


 

ومع بداية الحديث عن انهيار مفاجئ لـ"تنين العقارات" الصيني في سبتمبر/ أيلول 2021، كان سعر سهم الشركة عند نحو 4 دولارات، ليبدأ رحلة سقوط مستمرة خلال أكثر من عامين حيث وصل سعر السهم في الوقت الحالي عند 0.020 دولار أي تراجع بنحو 100 بالمئة، فضلا عن خسارة صافية تزيد عن 113 مليار دولار خلال عامي 2021 و2022.

وتهدد تلك الأزمة بإحداث ضرر هائل لاقتصاد الصين، إذ يساهم قطاع العقارات بما يصل إلى 30 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، فضلا عن كونه يحوي عددا كبيرا من العمالة، حيث أسهم هذا القطاع خلال 2022 في توظيف 10 بالمئة من القوى العاملة.

وتشير البيانات إلى انخفاض الاستثمار العقاري في الصين بنسبة 8.5 بالمئة خلال الفترة من يناير/ كانون الثاني إلى يوليو/ تموز 2023، في حين انخفضت عمليات البناء الجديدة بنسبة 25 بالمئة تقريبا.

وانخفض الطلب على شراء العقارات، حيث تظهر بيانات بنك الشعب الصيني أن حجم القروض الصادرة للأسر، والتي تتكون في الغالب من الرهون العقارية، انخفض بمقدار 200.7 مليار يوان صيني (28.14 مليار دولار) في يوليو 2023.

وتقلصت مبيعات المساكن التجارية خلال النصف الأول من العام 2023 بنسبة 5.3 بالمئة على أساس سنوي من حيث المساحة الأرضية لتبلغ 595.15 مليون متر مربع، فيما ارتفعت مبيعات المساكن التجارية بنسبة 1.1 في المئة على أساس سنوي من حيث القيمة.

تأثير عام

ومع الضعف الشديد لمبيعات المنازل، فإن أزمة الديون قد تؤخر تعافي كل من سوق العقارات والاقتصاد الصيني الأوسع، إذ تشكل العقارات ركيزة أساسية له، وفق "نيويورك تايمز" في 29 يناير 2024.

وارتفعت الديون الرديئة في القطاع العقاري إلى حوالي 29.1 بالمئة من إجمالي القروض العقارية خلال النصف الأول من 2022، من معدل 24.3 بالمئة في نهاية العام 2021، بحسب تقديرات وكالة "بلومبرغ" في 3 فبراير 2024.

وأشارت تقديرات مجموعة سيتي غروب المصرفية إلى أن القروض المتعثرة الحقيقية في الصناعات كافة زادت بحوالي خمسة أضعاف عام 2022 عن الرقم المعلن عنه عند 9.5 بالمئة عام 2021، ويتزامن ذلك مع وجود مخاوف من تداعيات الديون العقارية على الصناعة المصرفية البالغة قيمتها 52 تريليون دولار.

وكان انهيار "إيفرغراند" أشبه بقطعة دومينو في خط السقوط، فمنذ الإعلان بداية أزمتها، تخلف 46 مطورا آخر عن السداد، تاركين مشهدا من مواقع البناء المغلقة، ومشتري المنازل الغاضبين والبنائين الذين لم يحصلوا على أجورهم.

واتسعت مخاوف التخلف عن السداد من قبل شركة "كانتري غاردن" الصينية التي تعد أحد أكبر شركات التطوير العقاري في البلاد، والمعرضة للتعثر عن السداد، وذلك بعد أن كانت الشركة الأكثر أمانا في وقت سابق.

ويأتي ذلك أيضا في وقت تلوح فيه في الأفق تصفية شركة "تشينا أوشنوايد" بطلب من المحكمة.

كما يشار إلى الضغوطات التي تواجهها شركة "تشينا أويوان" والتي انخفض سعر سهمها بنسبة 98.6 بالمئة في يناير 2020.

ويرى الطوقي، أن تداعيات انهيار شركة إيفرغراند وتقهقر القطاع العقاري "سينعكس سلبا على الاقتصاد الصيني".

وأشار إلى أن "المستهلكين في انتظار منازلهم، فضلا عن أن البعض منهم قد لا يستطيع دفع باقي المستحقات ما يضيف أعباء إضافية، لذلك كان هناك تدخل من قبل الحكومة لمعالجة هذا الموضوع وتقليل آثاره وإعادة الثقة للمستهلك في القطاع العقاري المحلي".

ولفت الطوقي، إلى أن أزمة القطاع في الصين "قد تؤثر أيضا على البنوك، فهناك دفعات لم تدفع أيضا، الأمر الذي قد يدفع البنوك للتحوط الإضافي مستقبلا وزيادة الفوائد والرهونات ما سيؤثر على القطاع".

وأضاف أن "شركة إيفرغراند مرتبطة بشركات أخرى صينية متعاونة مع الشركة خاصة العاملة منها على المنتجات ذات الصلة بالبناء ستتأثر سلبا هي الأخرى".

تأثير عالمي

وتشكل العقارات والقطاعات المرتبطة بها نحو خمس إلى ربع اقتصاد الصين، بينما تتوقع وكالة التصنيف "موديز" انخفاض تلك الحصة، تماشيا مع أهداف الحكومة الصينية.

ومع ذلك، أشارت الشركة إلى أن الانخفاض الناتج في مبيعات الأراضي يعني أن الحكومات المحلية قد تواجه ضغوطا مالية إذا لم تكن قادرة على تعويض ما كان محركا لأكثر من ثلث الإيرادات.

وفي 21 فبراير 2024، خفضت السلطات الصينية معدل الفائدة على القروض العقارية، بأكبر قدر منذ عام 2019، في محاولة منها لتعزيز التمويل العقاري وتحفيز الطلب على الائتمان لإنعاش القطاع العقاري.

وخفض بنك الشعب معدل الفائدة الرئيس على القرض لأجل خمسة أعوام 25 نقطة أساس إلى 3.95 بالمئة من 4.20، في حين أبقى سعر الفائدة الرئيس على القروض لأجل عام واحد دون تغيير عند 3.45 بالمئة.

إلا أن بعض الخبراء يرون أن هذا التخفيض "لن يكون ذا فائدة كبيرة" للمطورين وقطاع العقارات ككل، لكنه قد يعطي إشارة بأن بكين قد تتجه لمزيد من الإجراءات المحفزة في الأشهر المقبلة.

وتتوقع كبيرة الاقتصاديين في جامعة أكسفورد إيكونوميكس، لويز لو، أن تنتهي أزمة الصين العقارية التي وصفتها بـ"الكبيرة" خلال ما بين 4 إلى 6 سنوات على الأقل.

وأشارت في تصريحات صحفية، إلى أنه "من المرجح أن يستغرق فائض العرض الحالي في السوق أربع سنوات أخرى على الأقل ليتحلل، خاصة في ظل غياب انتعاش ملموس في الطلب".

وأعادت أزمة إيفرغراند إلى الأذهان أزمة بنك "ليمان براذرز" عام 2008 بسبب الرهون العقارية التي قادته للانهيار وإعلان إفلاسه في بداية الأزمة المالية العالمية عام 2008، ما زاد من التخوفات بأن تكون أزمة إيفرغراند بداية لأزمة مالية عالمية.

وانعكست الأزمة بشكل مباشر وسريع على أسواق المال العالمية عام 2021 بعد أول إعلان عن الإرهاصات، حيث انخفضت غالبية مؤشرات البورصات العالمية، حيث انخفض مؤشر "نيكي" في اليابان حينها بـ225 نقطة، بينما تراجع مؤشر توبكس 46.36 نقطة، كما لم تسلم العملات الرقمية أيضا لينخفض سعر البيتكوين 7.5 بالمئة.

وتتداخل الشركة ماليا مع 128 بنكا و121 مؤسسة مالية غير مصرفية، وهو ما من شأنه نقل الأزمة بشكل غير مباشر إلى هذه المؤسسات.

من جهته، يرى الطاهر، أن "الصين تعد مستهلكا كبيرا للسلع الأساسية، وبالتالي مع تباطؤ سوق العقارات والنمو الاقتصادي للبلاد، فإن ذلك سينعكس على أسواق الطاقة والسلع العالمية، مثل الحديد والصلب والمعادن وغيرها من المواد المتعلقة بالبناء".