أغضب تركيا.. كيف أقصى الحلبوسي تركمان العراق من إدارة كركوك؟

يوسف العلي | 3 months ago

12

طباعة

مشاركة

رغم مرور تسعة أشهر على انتخابات المجالس المحلية في العراق، لكن محافظة كركوك الغنية بالنفط، والمعروفة بتنوعها العرقي، تأخرت في اختيار “المحافظ” جرّاء خلافات شديدة بين مكوناتها على هذا المنصب، بعدما كان يديره العرب السنة طيلة 10 سنوات مضت.

وتضم كركوك العرب والأكراد والتركمان، وينقسم مجلس المحافظة بين هذه المكونات، إذ تمتلك "الكتلة العربية" ستة مقاعد، بينما الاتحاد الوطني الكردستاني لديه خمسة مقاعد، والحزب الديمقراطي الكردستاني، مقعدان، والجبهة التركمانية مقعدان، والمكون المسيحي مقعد واحد.

وفي 10 أغسطس/آب 2024، عقد 9 أعضاء من مجلس كركوك، 5 منهم من حزب الاتحاد الوطني و3 عرب وعضو مسيحي في فندق ببغداد، اجتماعا صوّتوا خلاله على انتخاب ريبوار طه من الوطني الكردستاني محافظا لكركوك ومحمد الحافظ عن المكون العربي رئيسا للمجلس.

طعن بالانتخاب

وأعلن أعضاء المجموعة العربية في مجلس محافظة كركوك، رفضهم لأي جلسة لمجلس المحافظة لا تلبي الشروط القانونية الواردة في المادة 13 من قانون انتخابات مجالس المحافظات.

وتنص المادة 13 من قانون الانتخابات المحلية، على أن يجرى تشكيل الحكومة المحلية في كركوك بتوافق ومشاركة جميع الكتل الفائزة عن مكونات المحافظة، إضافة إلى أن قرار مجلس المحافظة في جلسته الأولى، نص على توافق كل المكونات أيضا حتى على عقد جلسة انتخاب المحافظ.

وأضاف البيان في 10 أغسطس، أن "الدعوة المنشورة في وسائل الإعلام مقدمة من قائمة واحدة، فهي لا تلبي الشروط المذكورة أعلاه، ولذلك نعلن رفضنا تلك الدعوة وعدم مشاركتنا فيها".

واستطرد: "نؤكد التزامنا بما ورد في البيانات السابقة الصادرة عن المجموعة العربية والاتفاقات بين الأعضاء الستة للمجموعة العربية في مجلس المحافظة، والتي تؤكد أن يكون التفاوض بشكل جماعي موحد لجميع الأعضاء دون انفراد أي عضو أو حزب".

وأردف: "أي عضو يخالف هذا الاتفاق يعد ناكثا لعهوده مع أعضاء المجموعة العربية والجماهير التي انتخبته، ومصادرة أصوات الجماهير التي أوصلته لموقع المسؤولية للدفاع عن المكون العربي، وخيانة للدماء التي سالت".

من جهتها، أعلنت كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني في مجلس محافظة كركوك، عبر بيان لها في 12 أغسطس، أنها لم تكن على علم بالاجتماع الذي عُقد لانتخاب المحافظ ورئيس المجلس والحكومة المحلية في كركوك، ووصفت الاجتماع بأنه "غير قانوني".

وفي السياق ذاته، نظم التركمان بمدينة كركوك في 14 أغسطس، مظاهرة رافضة لجلسة انتخاب محافظ، ورئيس مجلس محافظة كركوك التي جرت في أحد فنادق العاصمة بغداد بغياب المكون التركماني.

وتجمعت حشود المتظاهرين التركمان أمام مبنى محافظة كركوك، منددين بالجلسة التي أجراها الاتحاد الوطني الكردستاني بغياب المكون التركماني، ودون علم رئيس مجلس المحافظة (المؤقت) الذي يتعين عليه الدعوة لعقد الجلسة وفقا للقانون كونه الأكبر سنا (راكان الجبوري).

وقال رئيس الجبهة التركمانية العراقية (أكبر ممثل للتركمان في كركوك ومجلس المحافظة فيها)، حسن توران، إن "الحكومة المحلية التي أنشأتها مبادرات الاتحاد الوطني الكردستاني غير قانونية"، مؤكدا "تقديم طلب إلى المحكمة الاتحادية لإلغائها وينتظرون قرار المحكمة".

وشدد توران على أنه "لا يمكن تحقيق السلام والاستقرار في محافظة كركوك بدون التركمان".

صفقة سياسية

وبخصوص الحديث عن وجود اتفاقات سياسية تتعلق بمنح منصب محافظ كركوك إلى الاتحاد الوطني الكردستاني، مقابل قبول الإطار التنسيقي بمرشح حزب "تقدم" لمنصب رئيس البرلمان، أكدت مصادر سياسية عراقية، أن "أطرافا من الإطار وعلى رأسهم زعيم عصائب أهل الحق، قيس الخزعلي، كان يدير هذه الصفقة".

وأوضحت المصادر لـ"الاستقلال" طالبة عدم الكشف عن هويتها أن رئيس حزب تقدم محمد الحلبوسي قبل التنازل عن منصب محافظ كركوك وذهابه إلى الاتحاد الوطني الكردستاني، مقابل دعم الإطار التنسيقي أي مرشح يقدمه حزبه لتولي منصب رئيس البرلمان.

ومنذ إطاحة القضاء بالحلبوسي من رئاسة البرلمان في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، بتهمة التزوير، لم تتمكن القوى السياسية من اختيار بديل، رغم عقد جولتين لانتخاب شخصية تتولى رئاسة البرلمان، لكنها انتهت بعراك بالأيدي وتأجل الموضوع إلى إشعار آخر.   

ويجتمع حزبا "السيادة" بقيادة خميس الخنجر و"تقدم" بزعامة الحلبوسي في تحالف واحد بمحافظة كركوك اسمه "القيادة"، وشارك اثنان من أعضائه بجلسة انتخاب المحافظ، أحدهما عن "السيادة" محمد الحافظ وأصبح رئيسا للمجلس، والآخر عن "تقدم" رعد صالح.

وقال أحد قادة الحزب الديمقراطي، وزير الخارجية الأسبق هوشيار زيباري، في حسابه على منصة "إكس" في 12 أغسطس، إن "ما حدث في جلسة مجلس محافظة كركوك حصل من أجل حفنة من الدولارات القذرة وعلى حساب مصالح أهالي كركوك".

وأضاف: "مشاركة 3 أعضاء من المكون العربي في الاجتماع أمر دبر بليل، وهو أمر غير قانوني ولن ينجح، كركوك عراق مصغر، لا يحكم ولا يدار إلا بالتوافق والتوازن ومشاركة المكونات الأساسية، لا سيما التركمان".

وعلاوة على ادعاءات الرشوة التي أبرزها زيباري، أعرب عضو عربي من ائتلاف "عزم" في محافظة كركوك، فضل عدم الكشف عن هويته، عن ادعاءات مماثلة في تصريح له لقناة تلفزيونية محلية.

وقال عضو في ائتلاف "عزم" لوكالة "الأناضول" التركية (لم تكشف هويته)، إن "الأعضاء العرب الثلاثة الذين حضروا الاجتماع حصلوا على فيلا في محافظة السليمانية، و3 ملايين دولار لكل منهم، وسيارة فارهة من الاتحاد الوطني الكردستاني كرشوة".

وانتقد الصحفي العراقي أحمد ملا طلال، الذي يقدم برنامجا حواريا على قناة "يو تي في" المحلية، الاجتماع الذي نظمه الاتحاد الوطني الكردستاني بشأن انتخاب محافظ كركوك ورئيس مجلس المحافظة.

وخلال برنامجه الحواري في 12 أغسطس، قال طلال إن "الجلسة عقدت بدعم إيراني، وباعتباري مواطنا عراقيا لا أقبل أن يقوم موظف في السفارة الإيرانية في بغداد بتدبير لعبة كركوك المعيبة".

كما قام حزب "السيادة" بطرد محمد الحافظ الذي تم انتخابه في تلك الجلسة، رئيسا لمجلس محافظة كركوك، لعدم التزامه بالانضباط الحزبي وحضوره الاجتماع دون علم الحزب.

غضب تركي

من جانبها علقت تركيا على ما جرى في كركوك التي تعد معقل القومية التركمانية في العراق، إذ أعرب حزب "العدالة والتنمية" الحاكم بزعامة الرئيس رجب طيب أردوغان عن رفضه الشديد للطريقة التي حصل فيها انتخاب محافظ للمدينة، دون إشراك كل المكونات.

وقال الحزب على لسان نائب رئيسه والمتحدث باسمه، عمر جيليك، في 12 أغسطس، إنه "منذ البداية، كنا نؤيد سياسة شاملة في العراق لا يتم فيها استبعاد أحد".

وتابع: "وهنا، نرى أن استبعاد التركمان، والمجموعات العربية الأخرى، والحزب الديمقراطي الكردستاني من خلال فرض الأمر الواقع من قِبل الاتحاد الوطني الكردستاني ليس صحيحا، ولا في صالح العراق بأي شكل من الأشكال، وهو أيضاً نهج خاطئ للغاية بالنسبة لكركوك".

وشدد على ضرورة "إعطاء حقوق المجموعات العربية الأخرى وغيرها، وقد خلقت هذه (الجلسة) وضعاً يتعارض مع هذا الإطار، (ينفرد به) الاتحاد الوطني الكردستاني فقط، مع إقصاء التركمان والمجموعات العربية، وهذا وضع غير صحي وغير مقبول".

وتابع: "نرى أنه ينبغي اتخاذ خطوات سريعة لإعادة هذا الأمر إلى إطار شامل تماما.. وإلا فسيواجه مشاكل أخرى".

وخلص جيليك إلى أن "النماذج التي تشمل كل العراقيين هي وحدها القادرة على العمل وخدمة العراق، أما الخطوات التي تقوم بها القوى بعيدا عن ذلك فستؤدي حتما إلى نتائج خاطئة. ولا نجده أمرا صحيحا في هذا الصدد".

وتكتسب كركوك أهمية كبيرة بالنسبة لتركيا، فهي كانت عاصمة لـ"إيالة شهرزور" إبان حكم الدولة العثمانية، وتعد حاليا في قلب الصراع في المناطق المتنازع عليها بين إقليم كردستان العراق والسلطات في بغداد.

كما تختلف أنقرة مع "الاتحاد الوطني الكردستاني" الذي يدير الحكم في محافظة السليمانية بإقليم كردستان العراق، وطالما اتهمته بدعم حزب العمال الكردستاني، وشنت العديد من الغارات الجوية على السليمانية، استهدفت فيها أعضاء من "بي كاكا" المصنفين على لوائح الإرهاب في تركيا.