بموافقة بشار ورعاية واشنطن.. كيف أدار حزب العمال الكردستاني سرقة النفط السوري؟
"يتوقع في الأشهر القادمة أن تزيد فروع بي كا كا من عمليات إنتاج النفط"
ما يزال حزب العمال الكردستاني "بي كا كا"، وفروعه في سوريا "يسرقون النفط والغاز السوري"، لتمويل نفوذهم شمال شرقي البلاد معقل النفوذ الأميركي.
إذ تدير "الإدارة الذاتية" الكردية المظلة السياسية لقوات سوريا الديمقراطية "قسد" المدعومة من واشنطن، عمليات إنتاج النفط وبيعه محليا وللخارج عبر وكلاء محليين بملايين الدولارات يوميا.
وتعد قوات "ي ب ج" العمود الفقري لقوات "قسد" (تأسست في أكتوبر/تشرين الأول 2015)، المدعومة من التحالف الدولي الذي تقوده أميركا، وهي الجناح المسلح لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني "ب ي د"، الفرع السوري من "بي كا كا".
وتصنف أنقرة وواشنطن وعواصم أوروبية عديدة "بي كا كا"، تنظيما إرهابيا، لاستهدافه الداخل التركي بهجمات مسلحة في العقود الأخيرة، وهو يمثل الأب الروحي لكل التنظيمات الكردية المسلحة في سوريا والعراق التي تحلم بالانفصال وتأسيس دولة "كردستان" الكبرى.
سرقة النفط السوري
تلك القوى المذكورة من فروع "بي كا كا" باتت تسيطر على قرابة 90 بالمئة من حقول النفط، و45 بالمئة من إنتاج الغاز بسوريا، وفقا للحكومة السورية المؤقتة التابعة للمعارضة.
ويتراكم ذلك منذ أن خرجت حقول النفط والغاز في محافظتي الحسكة ودير الزور شمال شرقي البلاد من قبضة نظام بشار الأسد منذ عام 2012.
فعقب ذلك تعاقبت السيطرة على حقول الثروات الباطنية، في تلك المناطق من قبل جهات عدة، إلا أن الحقول الرئيسة الغزيرة في مدينة الحسكة سلمها نظام الأسد إلى حزب العمال الكردستاني "بي كا كا".
وفي عام 2016 استكملت قوات "قسد" بدعم الولايات المتحدة، الاستيلاء على باقي الحقول في جنوب شرقي مدينة الحسكة، الغنية بالنفط الخفيف والغاز الطبيعي.
ثم جرى طرد تنظيم الدولة من قبل قسد بدعم من التحالف الدولي بقيادة واشنطن عام 2017 من حقول "العمر" (أغزر حقل نفط بسوريا) و"كونيكو" للغاز و"التنك" النفطي بريف دير الزور الشرقي.
وأمام ذلك، أصبح الإنتاج النفطي، يدر ملايين الدولارات يوميا على "بي كا كا" وفروعه في سوريا.
فقد زعم حسن كوجر، نائب الرئاسة المشتركة للمجلس التنفيذي لـ"الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا"، في تصريحات له منتصف أغسطس/آب 2023، أن الإدارة تستثمر أقل من نصف الآبار والحقول في مناطق نفوذها، أي قرابة 150 ألف برميل يوميا.
واللافت أن القوات الأميركية تتمركز اليوم في نحو 18 قاعدة ونقطة عسكرية شمالي شرقي سوريا، ويقع عدد من تلك القواعد في حقول "العمر" و"رميلان" و"كونكو" النفطية.
وفي أحدث المعلومات عن الأرباح التي يجنيها من التجارة والسرقة، ذكرت وكالة الأناضول التركية في 26 يونيو/حزيران 2024 أن حزب العمال الكردستاني وفرعه بسوريا قوات "ي ب ج" يسرقون نفط السوريين بقيمة تصل إلى 2.5 مليار دولار أميركي سنويا عبر عمليات بيع داخلية وخارجية.
وأضافت الوكالة أن الحزب يسيطر على عدد من المدن الأكثر إنتاجا في سوريا وفيها أكبر حقول النفط والغاز، موضحة أن إنتاجه كان يبلغ نحو 386 ألف برميل يوميا عام 2011، استنادا لبيانات وزارة النفط في حكومة النظام.
وبحسب المعلومات التي حصلت عليها وكالة الأناضول من مصادر مسؤولة عن أعمال الاستخراج والشحن في الحقول التي يديرها حزب العمال الكردستاني، فإنه حاليا يستخرج ما لا يقل عن 150 ألف برميل من النفط يوميا في المناطق التي يسيطر عليها.
وأضافت الوكالة أن عشرات الشاحنات المحملة بالنفط السوري تدخل إلى شمال العراق عبر بوابة سيمالكا الحدودية ومعبر آخر.
وقال مصطفى مصطفى، الذي يعمل سائق شاحنة في المناطق التي يسيطر عليها فروع "بي كا كا" في سوريا، لوكالة الأناضول إنهم ينقلون النفط الخام عبر شاحنات محملة بالصهاريج إلى شمال العراق والمناطق الخاضعة لسيطرة "الإدارة الذاتية" ومناطق سيطرة النظام.
وأضاف مصطفى: "نملأ الصهاريج من نقاط التجمع التابعة للإدارة الذاتية، ونمر بشكل عام إلى شمال العراق ليلا عبر بوابة سيمالكا الحدودية وغيرها من نقاط العبور غير الشرعية".
وتؤكد الأناضول أن حزب العمال الكردستاني يبيع غالبية نفطه الخام والمعالج إلى مناطق النظام السوري، كما يرسل قسما من النفط مع المهربين المتعاونين معهم عبر الصهاريج عبر نهر الفرات.
وحاليا تعتمد "قسد" على تكرير النفط والحصول على حاجتها من المحروقات، منذ سيطرتها على المناطق المذكورة آنفا، عبر طريقتين.
الأولى هي المصافي التي تعمل بشكل بدائي وتسمى محليا "الحراقات"، وتتوزع في تلك المناطق دون الاكتراث لمخاطرها على البيئة والأهالي.
والثانية عبر اتفاق عقدته "قسد" مع نظام الأسد يقضي بمنح الأخير النفط مقابل تزويدها بالمشتقات من البنزين والمازوت، والسماح للتجار بتمرير المواد الغذائية وبعض السلع الصناعية والكهربائية لمناطقها.
كما تعتمد قسد على إرسال النفط الخام باتجاه إقليم كردستان شمال العراق الملاصق لمحافظة الحسكة، عبر معبر "سيمالكا.
وهو طريق التجارة الوحيد بين مناطق سيطرة قسد في سوريا مع العالم الخارجي، ليجرى تكريره هناك والاستفادة من بعضه، وبيع الآخر لجهات دولية.
لعبة الأسد
ومنذ مارس/آذار 2013، سيطرت القوات الكردية على حقل "رميلان" النفطي بعد انسحاب قوات نظام بشار الأسد من محيطها، مما دفع تلك القوات للإبقاء على الموظفين البالغ عددهم نحو خمسة آلاف موظف.
كما جرى الإبقاء على الهيكلية الكاملة لدوائر الشركة البالغ عددها 12، ممثلة بوحدات “الطبابة، الصيانة، الإنتاج، الحفر، المخزون، شؤون العاملين، المالية، الأرشيف، العقود، المشتريات”.
وعقب ذلك، بقيت قوات “قسد” لسنوات تعتمد على صيانة الآبار عن طريق وزارة النفط التابعة لحكومة نظام الأسد.
وذلك،مقابل حصول الأخيرة على النفط من حقول رميلان ونقله برا إلى مصفاة بانياس على الساحل السوري التابعة لنظام الأسد.
وللمفارقة، فإن مناطق منابع النفط شمال شرقي سوريا لا توجد فيها مصاف لتكريره.
بل إن كل إنتاج محافظة الحسكة كان يتجمع في محطة ضخ “تل عدس” شمالا، ومنها يجرى ضخ النفط والغاز إلى مصفاتي "حمص" و"بانياس" قبل عام 2011.
وهذا ما يؤكد على إستراتيجية نظام الأسد سابقا، بجعل مناطق الشرق السوري التي تعد منبع الثروة النفطية في البلاد، متعلقة بمحافظات تشكل ثقلا طائفيا للنظام تتركز فيها مصافي تكرير النفط.
إلا أن القوات الأميركية دشنت، مصفاة نفط في حقل “رميلان” بمحافظة الحسكة، لتكرير نحو 100 ألف برميل شهريا، وفق ما أفادت وكالة الأناضول التركية في 10 يناير/كانون الثاني 2022.
وضمن هذه الجزئية، أكد الباحث السوري، يونس الكريم أنه "منذ بداية استيلاء العمال الكردستاني على حقول النفط شمال شرقي سوريا وتحديدا في الحسكة عام 2012، أوعز نظام الأسد إلى مديريات الحقول التابعة له بالسماح لبي كا كا بحماية المنشآت النفطية وأن على الموظفين تسهيل أمرهم".
وأضاف الكريم وهو مدير موقع “اقتصادي” المحلي لـ “الاستقلال”: "في تلك الفترة كانت هناك شركات نفطية أجنبية ومنها الشركة الوطنية الصينية حيث طلب منهم مديرو الحقول التابعون للنظام الاتفاق مع البيئات الحاضنة لاستمرار عملهم وحمايتهم إلا أن تلك الشركة رفضت ذلك".
ونوه إلى أن "نظام الأسد منح بي كا كا منذ البداية السيطرة على الحقول الغزيرة بينما ترك متعمدا بعض الحقول غير المهمة لبعض فصائل المعارضة السورية لتسهيل وصول حزب العمال الكردستاني إلى شمال شرقي سوريا خوفا من تصاعد تمدد بعض فصائل المعارضة، خاصة الإسلامية منها".
ومضى يقول: "عندما باتت الحقول تحت إدارة الإدارة الذاتية الكردية بقيت تعمل بقوة الدفع الذاتي أي خروج النفط بدون الحاجة لتقنيات عالية، بسبب نقص قطع الغيار ورفض الشركات الأجنبية تزويدها بالقطع".
في “تلك الفترة منح نظام الأسد الإدارة الذاتية إدارة الحقول بشرطين، الأول الحصول على 10 آلاف برميل نفط خام يوميا مقابل تكرير نحو 200 برميل لتلك الإدارة في مصافي تتبع له في حمص وبانياس”.
وكذلك السماح للنظام بشراء النفط من مناطق الإدارة الذاتية عبر التجار والسماسرة (يتبعون لقسد بشكل غير رسمي) والتي يحصل بموجبها الأسد تقريبا ما بين 10 - 25 ألف برميل يوميا بينما كان يصدر هؤلاء التجار نحو 20 ألف برميل يوميا إلى كردستان العراق المجاورة"، وفق الكريم.
وألمح إلى أن "نظام الأسد كان يشتري كذلك النفط من مناطق قسد عبر التاجر الكبير فؤاد محمد (أبودلو) وهو كردي مقرب من بي كا كا بأسعار تفضيلية تصل إلى 15 ألف برميل يوميا بسعر 15 دولار".
"ضغط تركي"
ورأى الكريم أن "تركيا تريد أن ترسل رسائل بأن قبولها للحل وفتح العلاقات مع النظام السوري هو نتيجة فساد الإدارة الذاتية وخاصة في ملف النفط وبالتالي حرمان السوريين من الحل السياسي المستدام وتنحية القوى الدولية".
واستدرك: "بات واضحا أن إنتاج النفط في مناطق الإدارة الذاتية وهي الكيان الذي لا يزال غير معترف به دوليا، بدأ يستقر في الفترة الأخيرة وقد نشهد في المرحلة القادمة بلوغ أرقام الإنتاج نحو 250 ألف برميل يوميا واستكشاف حقول والوصول إلى إنتاج أكبر مرتبط بمحاور الحل السوري".
وختم الكريم بالقول: “ولهذا فإن حديث الأتراك عن سرقة بي كا كا للنفط السوري متزامن مع معرفتهم بجهود الإدارة الذاتية في هذا المجال”.
وتعامل "قسد" بصرامة مع قضية المحروقات، إذ تمنع عمليات نقلها بأي كمية كانت داخل مناطق سيطرتها، دون ورقة سماح من مكتب تابع لها، وتضع المخالفين تحت طائلة الحجز والمصادرة والغرامة المالية.
ولكن، لم تنعكس إيرادات النفط على تحسين الخدمات في المناطق التي تستولي عليها، فضلا عن الفارق الكبير في أسعار المحروقات بين بعض المناطق في محافظتي الحسكة ودير الزور والرقة.
وهذا ما دفع خلال السنوات الأخيرة إلى خروج أهالي القرى والبلدات بدير الزور والحسكة في احتجاجات ضد "قسد" حيث يشتكي الأهالي من توزيع مكتب المحروقات التابع لها، المازوت المدعوم على أصحاب النفوذ، بينما تعاني العائلات الفقيرة لتأمين المادة خاصة في ظل فصل الشتاء.
لا سيما أن "قسد" تبيع النفط إلى النظام السوري وجهات أخرى، ولا تستثمر عائداته بتحسين واقع المناطق التي تستولي عليها والتي تعد غالبيتها من المكون العربي.
وطيلة الفترة السابقة، كانت واشنطن تغض الطرف عن تهريب النفط إلى مناطق النظام السوري، بحجة حصول "قسد" على المشتقات المكررة من البنزين والمازوت.
لكن مثل هذه التعاملات يراها الخبراء، إسهاما في دعم مصالح ومشاريع حزب العمال الكردستاني شمال شرقي سوريا، حيث تطمح فروعه لتأسيس كيان انفصالي عند حدود تركيا الجنوبية، خاصة أن حزب العمال الكردستاني "بي كا كا" تجمعه بنظام الأسدين حافظ وابنه بشار، عقود من التعاون وتقاطع المصالح.
وخلال العقد الأخير زارت شخصيات قيادية من "بي كا كا" دمشق لإجراء مفاوضات النظام تتعلق بمصير فروعه في سوريا.
وقد اعترف الرجل الثاني في حزب العمال الكردستاني "جميل بايك"، خلال مقابلة مع صحيفة "النهار العربي" في 26 أكتوبر 2021، بأن علاقة التنظيم مع رئيس النظام السوري السابق حافظ الأسد وعائلته "كانت وثيقة ودافئة".
وبين حينها أنهم على استعداد لأن يكونوا طرفا في العلاقة بين القوات الكردية والنظام السوري “لأن الحل الأصح هو المصالحة بينهما”.
وكان موقع "باسنيوز" الكردي ذكر في 22 مايو 2022، أن وفدا من "بي كا كا"، يترأسه القيادي "صبري أوك" زار دمشق والتقى برئيس مكتب الأمن الوطني حينها علي مملوك (مستشار أمني حاليا للأسد)، للتباحث حول أوضاع المناطق الخاضعة لسيطرة فروع الحزب في حلب وشمال شرقي سوريا.
المصادر
- "بي كي كي/ واي بي جي" الإرهابي يستولي على نفط السوريين
- مسؤول كردي يفتح الصندوق الأسود للبترول السوري
- وكالة: وصول إنتاج النفط في مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" إلى 100 ألف برميل يوميا
- الأكبر منذ أشهر.. رتل صهاريج يدخل مناطق "قسد" لنقل النفط إلى النظام
- مصادر تكشف عن عراب تهريب النفط بين مناطق سيطرة "قسد والأسد" بدير الزور