أسطورة "الإرهاب".. لماذا يمنع السيسي مهجري سيناء من العودة إلى ديارهم؟

10 months ago

12

طباعة

مشاركة

دفع الشيخ صابر الصياح أحد وجهاء ورموز قبيلة الرميلات المصرية، ثمن دعوته بـ "حق العودة" لأهالي سيناء الذين هجروا قسرا من منازلهم وقراهم منذ أكثر من عشر سنوات، في أعقاب الانقلاب العسكري. 

واعتقلت قوة من الجيش صابر الصياح في 29 ديسمبر/كانون الأول 2023، بعدما نشر قبلها بأيام مقطع فيديو مؤثر وهو يتجول داخل منزله المهدم بمدينة رفح المصرية. 

كان الشيخ الصياح يقول وهو يتجول فوق أطلال بيته: "منازلنا التي هجرنا عنها ظلما وعدوانا.. والله ياما (يا أمي) هدوا دارنا دار أخوي وجارنا". أتبع: "ذكرياتنا في هذا البيت لا تمحى، ذكريات لا تقدر بثمن". 

ولاقى مقطع الشيخ السيناوي رواجا واسعا، خاصة بعد تفاصيل اعتقاله، إذ جرى اقتياده على يد جنود الجيش من إحدى المزارع بجنوب الشيخ زويد لمعسكر الجورة ثم إلى معسكر الساحة برفح، وبعدها جرى ترحيله إلى مقر الكتيبة 101 بالعريش.

وجاء هذا بعد قرابة شهر من اعتقال نجله الأكبر "يوسف" والذي جرى حبسه احتياطيا مع 48 آخرين من أبناء سيناء على ذمة القضية العسكرية رقم 80 لسنة 2023.

وهي قضية جرى إعدادها على خلفية تظاهرات "حق العودة" والتي طالب فيها آلاف السكان المحليين بالعودة لمنازلهم في رفح والشيخ زويد عقب سنوات من التهجير القسري.

ووجهت فيها النيابة العسكرية اتهامات لأبناء سيناء تتعلق بالتجمهر واستعراض القوة والتخريب، بسبب وقفات تطالب بالعودة لمناطق سكنهم.

مطالبات بالعودة

وكان الشيخ صابر الصياح قد تحدث وسط جمع من أهالي سيناء في 26 أغسطس/آب 2023، قائلا: "نموت دون أرضنا.. الموت ولا المذلة، فقد وعدني اللواء محمد ربيع (قائد الجيش الثاني الميداني) ألا أعمل في أرضي غفيرا أو عاملا وألا تسلم أرضي للمستثمرين، وتريدون مني السكوت؟".

وتمثل هذه القضية فصلا من فصول معاناة أهالي سيناء الطويلة، إذ دفعوا أثمانا باهظة نتيجة سياسات النظام الحالي بقيادة عبد الفتاح السيسي.

وبدأت تتعالى تلك الأصوات بقوة منذ 23 أغسطس 2023، عندما اعتصمت مجموعة أفراد تنتمي إلى قبائل شمال سيناء للمطالبة بالعودة إلى قراهم في رفح والشيخ زويد، التي هجروا منها في 2015 تحت ما أطلق عليه النظام "الحرب على الإرهاب". 

واشتكى المهجرون من صعوبة الحياة التي يمرون بها منذ إخراجهم من ديارهم، مطالبين بحق العودة، وعدم تسليمها إلى مستثمرين لإقامة مشروعات.

وفي ذلك اليوم أعلنت قبيلة الرميلات، إحدى القبائل المتضررة من التهجير، الاعتصام المفتوح على حدود أراضيها في مدينة رفح.

لتصطدم بالقوات المسلحة التي منعتهم  من الدخول إلى أراضيهم، ووضعت حواجز للحيلولة دون وصولهم إلى منازلهم المدمرة بالفعل.

ونشر موقع "مدى مصر" المحلي، في 25 ديسمبر، أن قادة في الجيش، كانوا قد وعدوا القبائل قبل نحو عام بالعودة إلى قراهم وهو ما لم يحدث.

إذ أعلن شيوخ القبائل خلال اعتصامهم أن هناك مستثمرين يجولون في أراضيهم ويخططون لإقامة مشروعات عليها، وهو ما يرفضونه رفضا قاطعا، وفق الموقع.

بعدها نشرت صفحة "مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان" على موقع "إكس" مقطعا لأحد الأهالي وهو يبكي من تبدل حاله من الحياة في 3 بيوت يمتلكها في رفح المصرية، إلى الحياة في عشة رفقة 11 من أفراد أسرته.

مشروع مقلق 

وتأتي احتجاجات وتصاعد غضب أهالي سيناء المهجرين في ظل مشروع قانون مثير للجدل وافق عليه مجلس النواب المصري بصفة نهائية في 4 يناير/ كانون الثاني 2024.

وهذا المشروع ينص على تعديل قانون الأراضي الصحراوية رقم 143 لسنة 1981، وذلك بهدف السماح للمستثمرين الأجانب بامتلاكها في مصر دون أي قيود، بحجة زيادة حجم الاستثمارات الأجنبية في البلاد.

واستبدل مشروع القانون نصي الفقرتين الثانيتين من المادتين 11 و12 من قانون الأراضي الصحراوية بالنص على "أنه في غير أحوال حصول المستثمر على الأراضي اللازمة لمزاولة نشاطه يجب ألا تقل ملكية المصريين عن 51 بالمئة من رأس مال الشركة، وألا تزيد ملكية الفرد على 20 بالمئة من رأس مالها".

وذلك "مع عدم جواز أيلولة أراضي الجمعيات التعاونية والشركات عند انقضائها إلى غير المصريين".

هذا الأمر أثار قلقا بين مواطني شمال سيناء الذين نزحوا وهجروا قسرا من مناطق واسعة في المحافظة الحدودية، ولم يتمكنوا من العودة إلى أراضيهم.

وهو ما أكدته "مؤسسة سيناء" لحقوق الإنسان، حيث نشرت نص القانون على صفحاتها بمواقع التواصل الاجتماعي ممهورا بالاعتراض. 

وقالت: "بعد يومين من إصدار قرار جمهوري بتخصيص 87 ألف فدان لصالح القوات المسلحة في شمال ووسط سيناء، مجلس النواب يوافق على السماح للأجانب بتملك الأراضي الصحراوية".

حجم المعاناة 

وتعود موجات التهجير الجماعي القسري لأهل مناطق رفح والشيخ زويد إلى أكتوبر/تشرين الأول 2014، بعد قرار الحكومة المصرية إنشاء منطقة عازلة على الشريط الحدودي مع غزة، ليبدأ الجيش بالإشراف على عمليات الإخلاء والتهجير.

وفي يناير 2017 أقر النظام المصري حزمة إجراءات صعبة للدخول إلى سيناء، وتحديدا رفح والشيخ زويد وأجزاء واسعة من العريش.

وتمثلت في عدم السماح للمواطنين بدخولها إلا لمن يحمل بطاقة صادرة من السجلات المدنية بشمال وجنوب سيناء.

أو لمن يحمل "كارنيه" يثبت عمله بجهة حكومية هناك، أو كرت البحث الجنائي الخاص بدخول المصريين لشرم الشيخ المفروض على العاملين بالمدينة.

كما أقر عدم السماح بانتقال السائحين إلا من يحملون حجز غرف فندقية أو إيجار شاليه أو شقة.

وفي 22 سبتمبر/ أيلول 2020، قال "المرصد المصري للحقوق والحريات" إن قوات الجيش والشرطة ارتكبت عدة جرائم بحق المدنيين.

ومنها "القتل خارج إطار القانون بلغ  1374 حالة، والاعتقال التعسفي 11906 حالة، وكذلك حرق 1853 من عشش البدو".

أما المنازل المهدمة فبلغت 2577، وعدد الأسر المهجرة 3856، وعدد الأفراد المهجرين 26 ألفا و992 فردا ما بين طفل وشاب وامرأة وشيخ.

وقدرت مساحة المنطقة المهجرة والمجرفة إلى نحو 1.5 كيلو متر عرضا و13.5 كيلو متر طولا، وفقا للمرصد.


مخطط شيطاني 

يرى الباحث السيناوي عادل رضوان أن عملية تهجير أهالي وقبائل شمال سيناء ليس لها علاقة بالحرب على الإرهاب أو حماية المواطنين.

بل كان هدفا واضحا لنظام السيسي أن يجرف تلك المنطقة ويعزل أهلها تماما بغرض أمن إسرائيل وإحكام الحصار على قطاع غزة. 

وقال رضوان لـ"الاستقلال": "منذ عام 2016 أعطى الجيش أوامره بشكل واضح إلى الجهات المعنية في شمال سيناء، بعدم الإقدام على تغيير الهويات الشخصية لمواطني سيناء إلا بعد مراجعة المخابرات الحربية أو العامة، ومنذ ذلك الحين لم يجر تغيير بطاقة واحدة".

وأضاف: "المظهر  الثاني هو إبعاد العائلات الكبرى عن حدود رفح والشيخ زويد ومساكنهم القديمة، وإجبارهم على الذهاب إلى وسط سيناء أو حتى الجنوب لو لزم الأمر".

وترافق مع ذلك تضييق سبل الحياة عليهم، حتى يهاجروا تماما. هذا سيناريو أشبه تماما بما يحدث للفلسطينيين على يد الاحتلال الإسرائيلي، وفق قوله. 

 وشدد على أن الهجرة خارج زمام تلك المدن غدت الحل الأمثل للباحثين عن الحياة، وهو ما يمثل تهديدا بالغا، وخللا ديموغرافيا في منطقة إستراتيجية هي الحصن الأول لأمن مصر من الناحية الشرقية.

وبين أنه "مما زاد الطين بلة ما يحدث في غزة (من عدوان إسرائيلي)، وبالتالي فإن الخطر يتضاعف، ولن أقول إن الأمن المصري سيكون في خطر، بل هو في مهب الريح فعليا".