رغم الرغبة التركية بالتحالف.. لهذا يتراخى العراق في محاربة "بي كا كا"
فيدان دعا خلال لقائه المسؤولين العراقيين إلى مقاتلة تنظيم الدولة وحزب العمال
أثارت زيارة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إلى بغداد تساؤلا ملحّا عن مدى تجاوب السلطات العراقية مع مطالب أنقرة بشأن الرغبة في تشكيل تحالف عسكري جديد في المنطقة.
وحمل الوزير التركي هذا المطلب إلى المسؤولين العراقيين، لدى زيارته إلى العراق، في خطوة فريدة من نوعها بعد الإطاحة برئيس النظام السوري المخلوع بشار الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024.
لا سيما أن الملف السوري كان هو العنوان الأبرز للزيارة التي استمرت ليوم واحد، والتقى خلالها الوزير التركي بكبار المسؤولين العراقيين.
“تحالف ثلاثي”
وخلال زيارته إلى بغداد في 26 يناير/ كانون الثاني 2025، دعا فيدان إلى شن معركة مشتركة بموارد تركيا وسوريا والعراق كافة؛ للقضاء على تنظيم الدولة وحزب العمال الكردستاني الذي تصنّفه أنقرة منظمة إرهابية.
وقال فيدان خلال مؤتمر صحفي مع نظيره العراقي فؤاد حسين، في العاصمة بغداد: إن "حزب العمال الكردستاني يستهدف تركيا والعراق وسوريا. ومن أجل مستقبل منطقتنا وازدهار شعوبنا، يتعين علينا أن نخوض معركة مشتركة ضد الإرهاب".
وأشار إلى أن “التفاهم حول الأمن والاستقرار بين البلدين أمر في غاية الأهمية لا سيما مكافحة تنظيم الدولة وحزب العمال الكردستاني”.
وتابع: "تطرقنا إلى المسائل الخلافية الإقليمية وعدم تأثيرها في أمن البلدين، ونولي التواصل بين العراق والإدارة الجديدة في سوريا اهتماما كبيرا".
ولم ينسَ فيدان في إطار طرح رؤيته، تقديم التعازي للعراق في مقتل اثنين من منتسبي قواته الأمنية وإصابة ثالث على يد حزب العمال الكردستاني في 24 يناير 2025.
من جهته، قال وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، خلال المؤتمر الصحفي المشترك، إن "العلاقات الثنائية بين العراق وتركيا جيدة، وقد ناقشنا كيفية تطويرها بعد زيارة الرئيس (رجب طيب) أردوغان بغداد (22 أبريل/ نيسان 2024)".
وأضاف حسين أنه “جرت مناقشة الظروف المحيطة بين البلدين، خصوصا فيما يتعلق بالتعامل مع الوضع في سوريا”، مؤكدا أنه يجري التواصل المستمر مع الإدارة الجديدة في دمشق.
وأكد الوزير العراقي: "ناقشنا الوضع الأمني ووجود تنظيم الدولة على الحدود، وستُعقد اجتماعات متعددة بين الجانبين للتباحث حول ملفات المنطقة ومحاربة الإرهاب".
وفي 20 ديسمبر 2024، حذر حسين من أن تنظيم الدولة يعيد ترتيب صفوفه، بعد استيلائه على كميات من الأسلحة في أعقاب انهيار قوات النظام السوري، وتركه لمخازن أسلحته، ما أتاح له توسيع سيطرته على مناطق إضافية".
وحذر الوزير العراقي أيضا من خطورة هروب عناصر التنظيم من السجون في الأراضي السورية، وانفلات الوضع في معسكر الهول (يضم عائلات تنظيم الدولة شمال شرقي البلاد)، وانعكاس ذلك على الأمن في سوريا والعراق.
ولم تقتصر زيارة فيدان إلى بغداد على اللقاء بنظيره العراقي، بل عقد سلسلة لقاءات شملت الرئاسات العراقية الثلاثة (الجمهورية، البرلمان، والحكومة)، فضلا عن اجتماعه مع مستشار الأمن القومي في العراق، قاسم الأعرجي.
"عوامل ضغط"
وعن مدى استجابة العراق للدخول في مثل هذا التحالف العسكري مع تركيا وسوريا، قال المحلل السياسي التركي، محمود علوش، إن "حزب العمال الكردستاني يهدد الجانبين التركي والعراقي، وأن التعاون في مكافحته يُشكل حاجة للبلدين".
وأوضح علوش لـ"الاستقلال" أن "هناك جملة من العوامل المعقدة التي تؤثر على الوصول لمثل هذا التعاون؛ لأنه من جانب، يندرج هذا الملف ضمن مجموعة ملفات تُشكل العلاقات التركية العراقية، وبالتالي فإن تحرّكاته تتأثّر بمدى قدرة البلدين على التعاون في الملفات الأخرى مثل المياه".
ومن جانب آخر، يضيف علوش، أن "إيران تلعب دورا مؤثرا بالنظر إلى نفوذها على بغداد ومنافستها الإقليمية مع تركيا.
كما أن تشابك ملف حزب العمال الكردستاني مع ملف الوحدات الكردية في سوريا يوجد بُعدا آخر.
علاوة على ذلك، يؤكد علوش أن "البلدين بحاجة إلى اتفاق على مستقبل الوجود العسكري التركي في مناطق شمال العراق. وهذه التعقيدات كلها تُشكل عامل ضغط على فرص التعاون بينهما".
وأشار إلى أن "هناك وضعا جديدا ناشئا في العلاقات التركية العراقية منذ زيارة أردوغان لبغداد في أبريل 2024، يرتكز على التعاون في مكافحة الإرهاب، لكنّه يشمل نطاقا واسعا من جوانب العلاقات الثنائية".
ورأى الخبير التركي أن "التحول السوري يُمكن أن يضغط على هذه العلاقات لجهة دور طهران التي لديها توجس من خسارة مكانتها المميزة في العراق بعد سوريا".
وشدد على أن “دور العراق مهم في تحقيق الاستقرار بسوريا، خصوصا في الجوانب الأمنية”، مبينا أن أنقرة حريصة على جعل بغداد جزءا من عوامل تحقيق الاستقرار للجانب السوري.
وفي السياق ذاته، رأى الباحث في الشأن العراقي، علي المساري، أن "السلطات العراقية ربما توافق على الدخول في مثل هذا التحالف مع تركيا وسوريا، لكن الملف شائك بسبب إيران".
وأوضح المساري لـ"الاستقلال" أن "وجود عناصر من حزب العمال الكردستاني ضمن قوات الحشد الشعبي بمنطقة سنجار شمال العراق، يجعل من موافقة بغداد على الانضمام للتحالف الثلاثي أمرا صعبا إلى الحد الذي يوجب الحصول على موافقة طهران أولا".
وتابع الباحث قائلا: "على قدر تعلق الأمر بالحكومة العراقية فإن موافقتها أمر ممكن غير أن أمراء الحرب (قادة المليشيات الشيعية) المرتبطين بإيران قد يكون لهم تأثير على القرار".
"حزب محظور"
وبخصوص موقف العراق الرسمي من "العمال الكردستاني"، فقد أعلنت السلطات العراقية تصنيفه لأول مرة على أنه "حزب محظور" في البلاد، وذلك على وقع زيارة أردوغان الأخيرة إلى بغداد.
وفي مؤتمر صحفي مع رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، أشار أردوغان في حينها إلى أن "الأمن والتعاون في مكافحة الإرهاب كانا من أهم البنود المطروحة على جدول أعمال المباحثات مع الجانب العراقي".
كما رحّب بإعلان حزب العمال الكردستاني "بي كا كا" تنظيما محظورا في العراق، مؤكدا: "تشاورنا حول الخطوات المشتركة التي يمكن اتخاذها ضد تنظيم (بي كا كا) الذي يستهدف تركيا من الأراضي العراقية".
من جانبه، قال السوداني، إن "أمن العراق وتركيا شيء واحد لا يتجزأ، ولا يمكننا السماح بالهجمات على بلد آخر من الأراضي العراقية".
ورغم موقف العراق من “العمال الكردستاني” وإعلانه حزبا محظورا بعنوانه الصريح، فإن ثمة تشكيلا مسلحا باسم “وحدات مقاومة سنجار” يتلقى دعما من السلطات.
ويٌعرف هذا الأخير اختصارا بـ"اليبشة" ويتبع لحزب العمال الكردستاني، وهو من يسيطر على مدينة “سنجار” الإستراتيجية، ولطالما طالبت تركيا بإنهاء وجوده فيها.
وينضوي تشكيل “اليبشة” ضمن قوات الحشد الشعبي المشكّلة في عام 2014 من مجموعة فصائل مسلحة شيعية قريبة من إيران، والمرتبطة رسميا بالقائد العام للقوات المسلحة العراقية.
وفي عام 2016، أعلن سعيد حسن قائد "وحدات مقاومة سنجار"، أن الحكومة العراقية اعترفت بهم رسميا، وأنهم حاليا قوة عراقية في إطار الحشد الشعبي، ويتسلمون رواتبهم شهريا لنحو 500 مقاتل"، حسبما نقلت شبكة "رووداو" العراقية.
وعن علاقة طهران مع "بي كاكا"، قال محافظ نينوى العراقية السابق أثيل النجيفي، إن "حزب العمال الكردستاني، له دور كبير في عمليات تهريب المخدرات من إيران إلى العراق وسوريا ومنها إلى الخليج العربي"، حسبما نقلت وكالة "بغداد اليوم" العراقية في 25 مارس/آذار 2019.
وأضاف النجيفي، أن "حزب العمال يعد بمثابة صفقة رابحة لطهران ولا يمكن التخلص منه بهذه السهولة".
وأشار إلى أن "إيران رفضت خروج الجناح العسكري للحزب (بي كا كا) من مدينة سنجار العراقية (تابعة لنينوى) وبعض المناطق الأخرى التي يوجد بها".
وأوضح المسؤول العراقي السابق أن "وجود حزب العمال في تلك المناطق سبق وجود تنظيم الدولة، واستقوى في فترة دخول الأخير بناء على خطة مسبقة، وحصل على فرصة كبيرة ليتغلغل في تلك المناطق".
وأضاف النجيفي أن "بعض الجهات العراقية وبدعم إيراني غامرت بدعم حزب العمال لمحاربة الكرد، وخلق صراع كردي - كردي على حساب الوطن؛ إيمانا منهم بأنها الطريقة الأسهل لتحجيم المطالب الكردية".
وأكد محافظ نينوى السابق أن "وجود الحزب في سنجار والمناطق الأخرى ينعكس سلبا على مجمل الوضع العراقي، وأن هناك جهات تستفيد من وجود العمال الكردستاني، على الشريط الحدودي بين العراق وسوريا، لاستخدامهم في صراع إيران وأميركا في المنطقة".
وتنفذ تركيا عمليات عسكرية مستمرة ضد مواقع حزب العمال الكردستاني في مناطق شمالي العراق، آخرها عملية "المخلب – القفل" المستمرة منذ 17 أبريل/ نيسان 2022.
ودفع الصراع بين تركيا وحزب العمال الكردستاني لعقد اتفاقية أمنية مع العراق عام 1994، تسمح للقوات التركية بتنفيذ ضربات جوية ضد معاقل الحزب الذي تصنفه إرهابيا، والتوغل البري لمطاردته إلى عمق 25 كيلومترا على طول الشريط الحدودي.
المصادر
- فيدان يلتقي رئيس الوزراء العراقي في بغداد
- تركيا تحث العراق على علاقة إيجابية مع سوريا الجديدة
- فيدان يزور بغداد لبحث العلاقات وملفات إقليمية مع كبار المسؤولين العراقيين
- توافق عراقي - تركي على أهمية تأمين الحدود مع سوريا بعد ازدياد خطر «داعش»
- وزير خارجية العراق يحذر من توسع داعش بعد استيلائه على أسلحة عقب انسحاب جيش سوريا
- ردا على إسقاط الأسد.. هل تمد إيران "العمال الكردستاني" بمسيرات لضرب تركيا؟
- أوراق تركية ضاغطة.. ماذا وراء تحرك العراق لكبح تمدد حزب العمال الكردستاني؟