من شيطنة المسلمين إلى تمويل المتطرفين.. ما علاقة الإمارات بحزب لوبان؟

12

طباعة

مشاركة

تفجرت فضيحة جديدة بطلتها الإمارات، بعدما كشف القضاء الفرنسي عن عمليات تمويل مشبوهة نفذتها أطراف خارجية، لحزب مارين لوبان اليميني المتطرف المعادي للإسلام والمسلمين.

الفضيحة التي بدأ المدعي العام الفرنسي التحقيق فيها، تتعلق بانتخابات الرئاسة عام 2022، ولا يعُرف ما إذا كانت ترتبط أيضا بالانتخابات التشريعية الأخيرة في يوليو/تموز 2024 أم لا.

وتعد هذه ثاني فضيحة إماراتية من هذا النوع في أوروبا، بعد أخرى تتعلق بتجسس أبوظبي على الأوروبيين، والمسلمين منهم خصوصا، وتشويه سمعتهم بحجة ملاحقة الإخوان المسلمين.

وفي تفاصيل الفضيحة الجديدة، كشف تلفزيون BFMTV الفرنسي نقلا عن مصادر قضائية أن مكتب المدعي العام في باريس فتح تحقيقا قضائيا في شبهات تمويل غير مشروع لحملة زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي مارين لوبين، خلال الانتخابات الرئاسية لعام 2022.

أكد في 9 يوليو 2024، أن ذلك التحقيق يجرى بموجب قرار اتخذ، بعد مذكرة قضائية صدرت في أبريل/نيسان 2024 عن "اللجنة الوطنية لحسابات الحملات الانتخابية والتمويل السياسي" (CNCCFP).

ونقل تلفزيون BFMTV عن اللجنة الوطنية تأكيدها له، أنه جرى الكشف عن وقائع من المحتمل أن تشكل جرائم جنائية وإرسالها إلى مكتب المدعي العام في باريس.

وخلال كل انتخابات، يُحظر على المرشحين تجاوز حد الإنفاق الذي يحدّده القانون، ومن خلال الفواتير الداعمة، تفحص لجنة (CNCCFP) حسابات حملة كلّ مرشح لمعرفة أي مخالفات.

وعلى هذا الأساس، أصدرت اللجنة تقريرا إلى مكتب المدعي العام في باريس، بموجب المادة 40، يتعلّق بحساب حملة مارين لوبين، مرشحة حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف، خلال الانتخابات الرئاسية لعام 2022.

وعقب هذا الكشف، قال مكتب المدعي العام في باريس 9 يوليو 2024، إنه فتح بالفعل تحقيقا في اتهامات بشأن تمويل غير قانوني واتهامات بالاختلاس والتزوير والاحتيال أثناء الحملة الانتخابية لمارين لوبان في السباق الرئاسي عام 2022، الذي خسرته لصالح الرئيس إيمانويل ماكرون.

طرح هذا تساؤلات حول دور وهدف التمويل الإماراتي لليمين المتطرف؟ وهل لعب دورا في الانتخابات التشريعية الأخيرة أيضا، وكان هو السبب في هذه الانتفاضة المؤقتة للحزب اليميني في الجولة الأولى للانتخابات، قبل أن ينهزم في الجولة الثانية؟

قصة التمويل

وفي 21 أكتوبر/تشرين الأول 2016، أشار موقع "ميديا ​​بارت" الاستقصائي الفرنسي إلى أن حزب "التجمع الوطني" يسعى للحصول على تمويل من دولة الإمارات من أجل خوض معاركه الانتخابية لعام 2017.

وأرجع الموقع ذلك سياسيا إلى ما أسماه "المعركة المشتركة التي تقودها الإمارات وحزب لوبان ضد الإرهاب الإسلامي معا"، وفق تعبيره.

وعاد "ميديا بارت" ليؤكد 4 أكتوبر 2019 أن "قرضا إماراتيا بـ 8 ملايين يورو أنقذ حزب التجمع الوطني"، بعد صعوبات مالية كبيرة واجهها عقب انتخابات 2017.

أكد أنه "جرى إنقاذ حزب التجمع الوطني بقرض بقيمة 8 ملايين يورو من لوران فوشيه، وهو رجل أعمال فرنسي له وجود قوي في إفريقيا ومقرب من السياسي كلود غيان، وتم تمرير المبلغ عبر بنك مقره في الإمارات"، ما عزز التكهنات حول مصدر الأموال.

وقد اعترف عضو البرلمان الأوروبي عن حزب لوبان، "برنارد مونو" لموقع شبكة "RTL" الفرنسية 27 أكتوبر 2016 أنهم سعوا للبحث عن تمويل من “الشرق الأوسط”.

وقالت الشبكة الفرنسية إنه تردد أن المخابرات الإماراتية هي التي نظمت سرا، زيارة مارين لوبان إلى مصر في 28 مايو/أيار 2015، ضمن سعي “التجمع الوطني”، للحصول على أموال ودعاية.

وكشفت "لوموند أفريك" 30 مايو 2015 أن الإمارات رتبت لها هذه الرحلة لمصر بصفتها "دولة عربية معادية للإسلاميين ولديها رؤية علمانية للدين" في ظل قيادة عبد الفتاح السيسي لها. وأكدت أن "أبو ظبي ستمول حزب لوبان".

والتقت لوبان خلال زيارتها مصر، بشيخ الأزهر أحمد الطيب بصفته "رئيس مجلس حكماء المسلمين" الذين شكلته أبوظبي لينافس اتحاد علماء المسلمين بقيادة الشيخ الراحل يوسف القرضاوي.

لكن أحمد الطيب رد على حديثها عن "تقارب وجهات النظر" معه، بتأكيد أن "آراء" مارين لوبان حول الإسلام يجب “مراجعتها وتصحيحها”.

كما استنكر "مواقفها العدائية تجاه الإسلام والمسلمين"، وفق “لوموند أفريك”.

وقد كشف تقرير آخر لمجلة "ليبراسيون" 5 أبريل/نيسان 2022 أن مارين لوبان مولت حملتها خلال الانتخابات الرئاسية 2022 من الخارج أيضا.

وأشار إلى قرض قدمه بنك في المجر لها بقيمة 10.7 ملايين يورو لتمويل حملتها الانتخابية، وذلك بحسب ما ظهر في إقرارها المالي المقدم (إعلان الأصول) إلى "الهيئة العليا للشفافية" المشرفة على الانتخابات في فبراير/شباط 2022.

وقالت صحيفة "لوموند" الفرنسية في 2 فبراير 2022 إن البنك الذي دفع لها القرض يعمل به أقارب "فيكتور أوربان"، رئيس الوزراء المجري وهو يميني متطرف مثل لوبان، ويجرى التعتيم على اسمه.

وهناك علاقات تعاون واستثمارات قوية بين بين الإمارات والمجر تشمل مجالات عديدة وعلاقات ودية بين الرئيس الإماراتي محمد بن زايد ورئيس وزراء المجر.

وكانت "لوبان" تعرضت لحملة انتقادات عام 2017 حين لجأت لقرض من بنك روسي خارجي بحجة أن بنوك فرنسا تضيق عليها التمويل.

ويعتقد أن هذا ما دفعها لطرق سرية للتمويل الخارجي عبر الإمارات، لاشتراك الطرفين في العداء للتيار الإسلامي.

اليمين المتطرف

وكان الباحث المصري المقيم في كندا رامي عزيز، نشر عبر “إكس” مقالا يشرح العلاقة بين "الأموال الإماراتية واليمين المسيحي المتطرف".

قال إن من المفارقات التي كشفت عنها التحقيقات القضائية الفرنسية، أن حزب لوبان كان يحتضر، عقب الانتخابات الرئاسية لعام 2017، على أثر أزمة مالية طاحنة ألمّت به.

إلا أن تمويلا قدره ثمانية ملايين يورو، عبر شركة إماراتية، مثل قبلة الحياة لهذا الحزب اليميني المتطرف الذي كان على وشك الموت.

أشار إلى أن الإمارات أصبح معروفا عنها مواقفها المعادية للديمقراطية، والساعية لشيطنة المسلمين في الغرب، عن طريق تقديم التمويل السخي للأحزاب والمؤسسات التي تستهدف الإسلام، وهذا سر دعمها لـ "لوبان".

أضاف: عملت بعض الأنظمة الإقليمية، مثل الإمارات، على شيطنة الربيع العربي، وحرضت أوروبا على ألا تقبل بدول يحكمها الإسلاميون على حدودها الجنوبية.

وجرى الربط بين صعود أنظمة إسلامية، على رأس السلطة بعد الربيع العربي، وبين تعاونها وتحالفها المحتمل والمتوقع مع تركيا، التي يحكمها نظام يتشارك نفس القيم مع تلك الأنظمة الجديدة، مما سيمثل تحالفا قويا يقوض من نفوذ الغرب.

تابع: تلقفت فرنسا خيط ما حدث من إسقاط للأنظمة ذات المرجعية الدينية، من الحكم، وطورت الأمر لمصلحتها ليصبح هجوما على الإسلام نفسه تحت غطاء الهجوم على الإسلاميين، في حالة يمكن وصفها بالانتهازية السياسية، لتصفية حسابات مؤجلة مع المسلمين في فرنسا. 

وأردف: “من أبرز مظاهر الانتهازية الفرنسية، استغلال حالة الهجوم والتحريض على الإسلام، التي تقوم بها أنظمة دول مسلمة، بإصدار حزمة من القوانين الإجراءات التعسفية ضد الإسلام في فرنسا”.

أخطرها قانون "مقاومة الانفصالية الإسلامية" الذي جرى تغير اسمه فيما بعد ليصبح "احترام قيم الجمهورية"، وتم الترويج له بأنه محاولة للحفاظ على القيم العلمانية التي قامت عليها فرنسا، وميثاق مبادئ الإسلام الفرنسي".

أوضح أن مارين لوبان الابنة لم ترِث من والدها رئاسة الحزب فقط، بل ورثت كراهية الإسلام والمسلمين كذلك.

ومضت لوبان في تنفيذ المهمة المقدسة للحزب في هذا المجال، والتي يقوم بها منذ أكثر من نصف قرن منذ تأسيسه في عام 1972، بحسب عزيز.

ولفت إلى أن برنامجها السياسي يقوم على العمل على استئصال الإسلام من التربة الفرنسية.

إذ تعرف الإسلام بأنه أحد عوامل الانقسام في فرنسا وأنه "أيديولوجية غازية متطرفة" وليس ديناً، وتريد التعامل مع المسلمين هناك كعبيد بلا حقوق.

أهداف الإمارات

بحسب ما أشارت تقارير الصحف الفرنسية، ترى الإمارات أن صعود أسهم حزب "التجمع" الوطني" اليميني المتطرف بزعامة لوبان، يصب في صالحها، لأنه سيزيد من القيود على الجمعيات والتيارات الإسلامية في فرنسا.

تشير إلى أن لدى حكام أبوظبي عقدة من الإسلاميين وخاصة جماعة الإخوان المسلمين.

وخلال الحملة التي قادتها الإمارات ضد مسلمين وجمعيات ومنظمات إسلامية في عدة دول أوروبية، ضمن فضيحة "أسرار أبوظبي"، تبين أن نظام ابن زايد كلف شركات تجسس أوروبية بالتجسس عليهم، وتشويههم وتحريض الأمن الأوروبي ضدهم.

وقد وجه القضاء الأوروبي اتهامات لشركة الاستخبارية السويسرية "ألب للخدمات" التي استعانت بها الإمارات للتجسس والنشوية، في أبريل 2024 ومن خلفها أبوظبي تهمة مطاردة وتشويه ألف أوروبي و400 منظمة، بدعوى انتمائهم لجماعة "الإخوان المسلمين" أو ارتباطهم بها.

تبيَّن أن الإمارات جمعت هذه الأسماء من 18 دولة أوروبية وجرى تصنيف العديد من أصحابها "خطأ" على أنهم متعاطفون مع جماعة الإخوان المسلمين، ولهذا توالت القضايا ضد أبوظبي من هؤلاء الأشخاص لتتكشف الفضيحة الإماراتية أكثر.

وسبق أن حققت النيابة العامة في باريس مع شركة الاستخبارات السويسرية العاملة لصالح الإمارات عام 2023.

وذلك بعد تقديم “رقية ديالو”، وهي صحفية وناشطة فرنسية، شكوى تتهم الشركة بـ "جمع وكشف البيانات الشخصية الخاصة بها بصورة غير قانونية للإمارات".

وورد اسم "ديالو"، بصفتها إحدى ضحايا عملية التجسس الواسعة وغير القانونية التي نفذتها الإمارات، عبر شركة الاستخبارات السويسرية، ضمن ألف أوروبي، بينهم 200 في فرنسا.

وهؤلاء اتهمتهم أبوظبي بأنهم "إخوان" وشكلوا "شبكة إجرامية"، لمجرد أنهم فضحوا جرائم الإمارات.

من ضحايا الإمارات أيضا "سهام سويد"، وهي فرنسية متحدثة باسم قطر في فرنسا وبلجيكا.

وقد كشف موقع "ميديا بارت" الفرنسي ومجلة "نيويوركر" الأميركية 27 مارس/آذار 2023 أنهم راقبوها والتقطوا صوراً لمنزلها.

وضمن هذا الحشد لتيار "لوبان" المتطرف ودعمه، نظمت أبوظبي لقاء بين لوبان ومصريين علمانيين أبرزهم الصحفي اليساري المنتمي سابقا لحزب التجمع اليساري المصري "عبد الرحيم علي"، للحديث سويا عن "التطرف والإرهاب الإسلامي".

وخلال اللقاء نددت مارين لوبان وعبد الرحيم علي (كان نائبا في برلمان السيسي) بتمويل "الأصولية الإسلامية" من قبل “دول فاسدة”.

وكان المقصود هو الهجوم على قطر بدعوى أنها تستضيف الإخوان المسلمين وقادة حركة المقاومة الإسلامية حماس.

واستشهدت "لوبان" بتصريحات "علي" المعادية للإسلام لتقول "ليس لنبي كرامة في وطنه"، وأن "الصحفي الإسلامي والنائب المصري عبد الرحيم علي"، كما وصفته، جاء فرنسا لتحذيرها من خطر "الأصولية الإسلامية".

لكن صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية التي تابعت اللقاء قالت إن هدف إحضار الإمارات لعبد الرحيم علي “الموالي للسلطات المصرية والإماراتية” إلى فرنسا ولقاء لوبان هو تلميع صورة حزب الأخيرة.