سياسي ليبي: الانتخابات ليست الحل الأوحد ونحتاج لحكومة توافقية وشخصيات سياسية جريئة (خاص)
"الانقسامات الراهنة في الواقع الليبي يمكن علاجها عبر شخصيات سياسية جريئة"
قال عضو مجلس الدولة الليبي أبو القاسم قزيط، إن تغيير حكومة عبد الحميد الدبيبة في ليبيا أصبح أمرا حتميا، في ضوء واقع الانقسام الذي تعيشه البلاد في حين أن احتياجها إلى التوافق صار الأكثر إلحاحاً.
وأضاف قزيط في حوار مع “الاستقلال”، أن هذا “إذا لم يحدث خلال عام 2024 فقد تتعرض ليبيا لكوارث على مستويات عدة”.
وأكد أن الانقسامات الراهنة في الواقع الليبي يمكن علاجها من خلال حكومة توافقية وشخصيات سياسية جريئة، كما أوضح أن كلمة السر في إصلاح الواقع السياسي الليبي هي "التدرج".
وشرح ذلك بالقول: التدرج في الخطوات الإجرائية خصوصا الانتخابات التي يجب أن تبدأ بالبرلمانية أولاً كمرحلة وأن لا تندفع ليبيا حاليّا في اتجاه الانتخابات الرئاسية لأن أصحاب النفوذ السياسي والعسكري والمالي قد لا يسمحون بذلك.
وشدد السياسي الليبي على أن الانتخابات تمثل أحد الحلول الممكنة في المشهد الليبي لكنها ليست الحل الأوحد في هذا المسار، فليبيا تحتاج إلى التوافق أكثر من احتياجها إلى أي خطوة أخرى حاليّا.
ويأمل الليبيون في إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية لإنهاء نزاعات وانقسامات تتجسد منذ مطلع 2022 في وجود حكومتين، إحداهما برئاسة أسامة حماد كلّفها مجلس نواب طبرق (شرق)، والأخرى حكومة الوحدة برئاسة الدبيبة وتتخذ من طرابلس (غرب) مقرّا لها، وتحظى باعتراف دولي.
وقزيط (51 عاما) عضو المجلس الأعلى للدولة الليبي، شارك في التوقيع على اتفاق الصخيرات عام 2015، ومن أبرز الشخصيات السياسية المستقلة المهتمين بالوصول إلى صيغة توافق بين الأطراف الليبية.
التدرج كلمة السر
هل ترون أن الحالة الليبية الراهنة يمكن حلحلتها قبل الانتخابات أم أن الانتخابات هي الحل الوحيد؟
الحالة الليبية يمكن حلحلتها من الجمود الذي تعانيه، والانتخابات هي واحدة من الوسائل الممكنة في هذا المسار، لكن في تقديري لا يمكن الوصول إلى الانتخابات بدون حكومة موحدة وقدر من الانسجام وأرضية مهيأة للانتخابات.
حتى الانتخابات نفسها ربما نصل إليها بشكل متدرج بمعنى انتخابات برلمانية ثم رئاسية، لكن لن يفيدنا أن نفعل كل شيء دفعة واحدة لأن الاندفاع نحو تنفيذ كل الإجراءات قد يفجر الوضع ولا يحسّنه.
فالخطوات الكثيفة المتدرجة بعقلانية وثبات هي الحل في المرحلة الحالية، ومن تلك الخطوات تنفيذ مبادرات بين الفرقاء الليبيين للتخفيف من التدخلات الضارة والسامة التي تسعى للنيل من ليبيا.
كيف ترى خريطة الولاءات السياسية حاليّا في ليبيا وكيف ينعكس ذلك على الانتخابات حال إجرائها؟
سيكولوجية الشعوب بشكل عام متقلبة كما نظّر لها غوستاف لوبون، فخلال 6 أشهر فقط قد تتغير تلك الخريطة، وفي تقديري عندما تنظم انتخابات شاملة من نراهم مرشحين للفوز اليوم قد يسقطون بسهولة.
ففي الحالة الليبية المفاجآت من العيار الثقيل شيء متوقع بقوة. وأقصد هنا سقوط جميع الوجوه ذات الحضور الواسع.
فالقادة السياسيون الحاليون مسؤولون عما آلت إليه الأوضاع في ليبيا لذلك فسقوطهم أمر وارد حتى لو توقع البعض صعودهم.
عين على الحكومة
كيف تقيّم مسألة توزيع الثروة في عهد حكومة عبد الحميد الدبيبة؟
فكرة توزيع الثروة ليست مُجدية وغير مفيدة، المفيد لنا جميعًا أن تفتح الأبواب للعمل والكسب والإنتاج وتوفير الفرص للجميع.
وتوزيع الثروة أصلا فكرة مبنية على معطيات غير صحيحة مفادها أن ليبيا دولة غنية جدا وتمتلك ثروة يجب أن تُوزع على الشعب.
فليبيا بلد يملك مقدرات لكن ليست لدرجة أن يتم توزيع ثروتها، يجب منح الفرص للجميع فقط أن يعمل وينتج. حتى الدول الغنية لا يمكن أن تعتمد على هذه الفكرة ولا تنفذها.
كيف تقيّم السياسات الاقتصادية لحكومة الدبيبة منذ توليها السلطة؟
هذا يربطنا بفكرة توزيع الثروة في حكومة الدبيبة، مثلا فكرة مليار الزواج ومئات الملايين للحج أراها جرائم اقتصادية بمعنى أن هذه الأفكار تقدم مصالح غير ضرورية وغير مُلحة في حين نترك أشياء أخرى أهم بكثير.
كيف ننفق المليارات للزواج وللحج- وهو لمن استطاع إليه سبيلا- ولا تستطيع توفير الدواء لمرضى السكري ومرضى الأورام المختلفة مثلاً.
أنا أرى أن ما قدمته حكومة الدبيبة في المسار الاقتصادي للأسف سيُكتب بمداد من العار في تاريخ ليبيا.
هل ترى تقاربا سياسيا على المستوى الدولي بين الدبيبة والإمارات أخيرا؟ وما دوافعه؟
للأسف.. أرى أن هذه الحكومة جاهزة لإقامة علاقات وتقارب واضح مع كل من يطمع في ليبيا، أراهم مستعدين لتقطيع ليبيا "مثل قطع الجاتو" وتوزيعها على الدول المتدخلة في الشأن الليبي حتى يحصل على الدعم منهم.
أعتقد أن دعم هذه الحكومة هو خيار مفضل للطامعين في ليبيا كافة. ربما يحتج البعض بأن هذه علاقات طبيعية على المستوى الدولي لكن عندما تكون الحكومة منقسمة ولا تمثل كل ليبيا فمن الصعب أن نعد هذه علاقات طبيعية.
لا أقصد الحكومة الحالية فقط بل على مدار السنوات الماضية كل الحكومات من خلال تقاربها مع الدول تهدف فقط إلى الدعم وعينها ليست بالدرجة الأولى على مصلحة الليبيين. هذه حقيقة لا يستطيع أحد إنكارها.
شكل الانتخابات
قلت إن التدرج هو الحل في مسألة إصلاح الواقع الليبي.. لكن بالنسبة إلى الانتخابات خصوصًا هل ترى أنها قد تكون شاملة للبرلمان والرئاسة؟
القانون فعلا يتحدث عن انتخابات شاملة، لكن الأرضية المتاحة الآن في ليبيا على المستوى الأمني والاقتصادي والاجتماعي بل والسياسي توفر فرصة لإجراء انتخابات برلمانية فقط.
والذهاب إلى انتخابات رئاسية به قدر كبير من المجازفة لأن أصحاب النفوذ السياسي والمالي والعسكري الواسع في ليبيا سيعارضون بشدة انتخابات رئاسية لأنها ستسحب من تحت أقدامهم هذا النفوذ وتضعهم في موقف سلبي أمام الجميع.
قد تُجرى هذه الانتخابات لكن هؤلاء الذين يملكون مئات الآلات العسكرية لن يحترموا قانوناً أو دستوراً أو ديمقراطية سيسعون لإفساد هذه التجربة ويؤثرون في استقرار البلاد.
معروف أن الانتخابات حتى وهي نزيهة وديمقراطية لا تكون دائما هي الحل الأنجع في حال وجود عناصر أخرى في المعادلة من أصحاب النفوذ والتأثير المدعومين من جهات خارجية وهذا ما يُخشى على ليبيا.
هل ترى حلاً لقضية الانقسامات في معظم المؤسسات بخاصة العسكرية والأمنية؟
بوابة الحل في هذه الأمور هي إيجاد شخصيات سياسية جريئة وبصراحة ليبيا بحاجة إلى حلول جريئة تتجاوز التحفظات كافة، وحتى الآن لم يتوفر ذلك الأمر، ليست لدينا قيادات سياسية لديها هذه الجرأة لتعض على الجراح وتقترح حلولا واقعية.
وفي تقديري هذا ممكن لكن لم تتوفر حتى الآن، سواء في الشرق أو الغرب، قيادات سياسية ذات بصيرة تستطيع أن تفتح هذا الملف بعمق وتحقق هذا المنجز الممكن وهو التخلص من الانقسامات بين الجميع بما فيها المؤسسات العسكرية.
ربما يكون هناك خلاف حول منصب رأس السلطة لكن ما دون ذلك ممكن لكنه يحتاج إلى حلول جريئة. نحن الآن لم نصل بعد حتى إلى مرحلة التنسيق بين القوى العسكرية شرقاً وغرباً وكذلك الأمنية، مجرد التنسيق، والتنسيق الموجود الآن لا يرقى للدرجة المطلوبة.
التدخلات الدولية
على المستوى الدولي.. كيف ترى دور الدول المهتمة بشأن ليبيا؟
أرى أن التدخلات الدولية الراهنة سلبية، فالعلاقات الدولية تُبنى على المصلحة وليس على الأخلاقيات، فطبيعي أن نتوقع في أن هذه الدول تبحث عن مصلحتها في ليبيا التي تراها ضعيفة الآن وأن الفرصة قائمة لتحقيق منجزات من ورائها حتى وإن كان ذلك على حساب ليبيا نفسها.
وأنا من خلال تجربتي ومراقبتي رأيت أن هذه التدخلات حتى الآن لا تخدم ليبيا، وهذا في المجمل، ربما تكون في بعض المواقف- أقصد جزئيا- كانت إيجابية لكن بشكل عام هي تدخلات لا تخدم ليبيا.
وأرى أن الحل الحقيقي أن يقترب الليبيون أكثر من بعضهم ويطلبوا رفع اليد الدولية عن ليبيا سواء كان التدخل قائماً من خلال الفصل السابع للأمم المتحدة أو الوجود الأجنبي في ليبيا.
لأن بعض الدول التي تدّعي أنها صديقة لليبيا- دون أن أسمي دولة بعينها- برأيي دول عدوّة لليبيا وليست صديقة، الأصدقاء الحقيقيون هم الذين لا يتدخلون في شؤون ليبيا الداخلية أو يوظفونها لصالحهم أو يتلاعبون بها.
هل ترى حاجة فعلية إلى تغيير الحكومة حاليّاً؟
إن لم يجر تغيير لحكومة الدبيبة الحالية خلال هذا العام فنحن مقبلون على كوارث على المستويين السياسي والاقتصادي، بخاصة الاقتصادي، نتيجة الإنفاق المنفلت والذي لا ينبني على أي رؤية اقتصادية واضحة.
أيضا ليبيا معرضة لمزيد من التفكك والتقسيم، لذلك نحن بحاجة إلى حكومة توافقية تصلح بعض ما فسد وتسد بعض الثغرات السلبية في الواقع الليبي وتغلق الكثير من الشقوق التي يتسرب منها الخراب والفساد.