الصين تواجه شبح الشيخوخة منذ سنوات.. ما خطتها على مدى 15 عاما؟
“لزام على على الصين أن تجد توازنا جديدا بين النمو والاستدامة”
الصين التي تلقب بقاطرة الاقتصاد العالمي، تواجه منذ عدة سنوات تحديا غير مسبوق في ظل تسارع شيخوخة سكانها، فيما تستمر المصانع في الإنتاج رغم التراجع المستمر لعدد السكان في سن العمل وكذلك انخفاض معدل المواليد.
وتحدث معهد إيطالي عن تداعيات هذا المشكل اجتماعيا، وخاصة من الناحية الاقتصادية، مسلطا الضوء على إجراءات السلطات وسياستها لمجابهة هذه الظاهرة والمشاكل الديمغرافية بشكل عام.
وأعلنت بكين خطة للرفع التدريجي في سن التقاعد ستدخل حيز التنفيذ في الأول من يناير/ كانون الثاني 2025 وسيتم تنفيذها على مدى 15 عاما المقبلة.
ضغوط كبيرة
وبموجب هذه الخطة، ستزيد الصين سن تقاعد الرجال تدريجيا من 60 إلى 63 عاما، وبالنسبة للنساء سيُرفع من 50 إلى 55 عاما، أو من 55 إلى 58 عاما، حسب نوع العمل الذي يقمن به.
وستسمح القواعد الجديدة أيضا للموظفين "بتأخير تقاعدهم إلى تاريخ أبعد في حال توصلوا إلى اتفاق مع أرباب العمل".
وتساءل معهد "تراكاني" الإيطالي عن توقيت هذه الخطة، مشيرا إلى أن سن التقاعد في هذا البلد كان الأدنى في آسيا قبل إعلان هذه الإجراءات، 60 عاما فقط للرجال و55 عاما للنساء.
ولاحظ أن "هذا الحد ربما كان منطقيا في ستينيات القرن العشرين عندما كان متوسط العمر المتوقع نحو 45 عاما، لكنه اليوم بات غير مستدام".
وأشار إلى توقعات بأن يبلغ متوسط عمر الصينيين عام 2024 ما يقرب من 80 عاما، معلقا بالقول إن ذلك "يعد أحد أعراض التحسن على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، لكنه يخلق أيضا ضغوطا كبيرة على صناديق التقاعد ونظام الرعاية الصحية".
وتابع أن "خطة رفع سن التقاعد كانت أمرا لا مفر منه"، لكنه يرى أن "الجوهر الحقيقي للمسألة أعمق من ذلك".
وأشار إلى أن البلاد عانت من المشاكل الديمغرافية في السابق، لافتا إلى أن الانخفاض السريع في عدد السكان في سن العمل والتراجع الكبير في معدل المواليد بمثابة أجراس إنذار لسنوات عديدة.
وكانت البلاد قد سجلت عام 2022، وللمرة الأولى منذ 60 عاما، عدد وفيات أكبر من عدد المواليد، ما أشر إلى بداية تراجع لا يمكن وقفها.
ووفقا لوكالة "بلومبيرغ"، انخفض عدد السكان في ثاني أكبر اقتصاد في العالم للعام الثاني بأكثر من 2 مليون إلى 1.41 مليار عام 2023، وفقا للبيانات الصادرة عن مكتب الإحصاء الوطني في يناير 2024.
كما انخفض عدد المواليد الجدد 5.7 بالمئة إلى 9.02 ملايين، وسجل معدل المواليد مستوى قياسيا منخفضا بلغ 6.39 ولادة لكل 1000 شخص، بانخفاض عن معدل 6.77 ولادة عام 2022.
وبحسب المعهد الإيطالي، أحد الجوانب الأكثر إثارة للجدل في الأزمة الديمغرافية في الصين يتعلق بالدور الكبير الذي لعبته إجراءات الحزب الشيوعي الحاكم.
وأشار بشكل خاصة إلى سياسة إنجاب الطفل الواحد بين عامي 1980 و2015 والتي هدفت إلى الحد من النمو السكاني.
ورغم أن هذا الإجراء نجح جزئيا في إبطاء هذا النمو على المدى القصير، إلا أنه كان له آثار جانبية كبيرة، حيث أدى إلى توليد خلل عميق في البنية الديمغرافية للبلاد.
فجوة متزايدة
وأشار المعهد الإيطالي إلى أن "المخاوف لا تتعلق بانخفاض عدد الولادات فحسب، بل أيضا الفجوة المتزايدة الاتساع بين الصغار والكبار".
فبينما ترتفع أعداد الشيوخ، يوجد عدد أقل من الشباب الذي عليه رعاية عدد متزايد من كبار السن، وهو ما يؤكده الانتشار الواسع لهرم عائلي معكوس "4-2-1"، حيث إن الولد الواحد مطالب برعاية والدين وأربعة أجداد.
وهذا العبء، إلى جانب ارتفاع تكلفة المعيشة، يدفع العديد من الشباب الصيني إلى رفض فكرة الزواج وإنجاب الأطفال، وبالتالي تراجع عدد المواليد.
ووفقا لتقديرات الأمم المتحدة، قد ينخفض عدد سكان الصين إلى 1.3 مليار نسمة بحلول عام 2050، قبل أن يتراجع إلى أقل من 800 مليون نسمة بحلول عام 2100.
ولتسليط الضوء على مدى هذا التراجع الكبير، رسم المعهد صورة تخيل من خلالها الصين كملعب كبير يتسع لمائة ألف مقعد كلها مشغولة اليوم بالكامل بسكان البلاد البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة.
ولكن بحلول عام 2050، سيترك حوالي 10 آلاف متفرج مقاعدهم فارغة، وبعد خمسين عاما، ستصبح ما يقرب من نصف المقاعد، أكثر من 40 ألف متفرج، فارغة.
ويتوقع أن يتسبب هذا الوضع في عواقب وخيمة لا على المستوى الاجتماعي فحسب، بل أيضا على المستوى الاقتصادي، لا سيما وأن الانخفاض في معدل المواليد وما يترتب على ذلك من تقلص حجم القوى العاملة يهدد بالإضرار بإنتاجية البلاد على المدى الطويل.
وتابع بأن هذا السيناريو يهدد القدرة التنافسية للصين على المستوى العالمي ويشكك في قدرتها على الحفاظ على المستويات الحالية من الابتكار والنمو الاقتصادي.
وتحاول بكين في الوقت الحالي تجنب ذلك بزيادة سن التقاعد لتخفيف الضغوط المفروضة على خزائن الدولة، وكذلك إقرار تخفيض في تكاليف دور الحضانة والمدارس، وتتبنى أيضا سياسات جديدة للتشجيع على الإنجاب وزيادة معدل الولادات.
ويعلق المعهد بالإشارة إلى تساؤل الكثير من المراقبين عما إذا كانت هذه السياسات كافية لمعالجة الأزمة والحد من آثارها خاصة من الناحية الاقتصادية.
بدورها، يواجه العديد من البلدان الأخرى في آسيا وأوروبا تحديات مماثلة، نتيجة انخفاض معدلات الولادات وارتفاع معدل الشيخوخة، لكن لم تشهد أي منها، يلاحظ المعهد، مثل هذا التحول الديمغرافي السريع والجذري الذي تشهده الصين.
واختتم بأن التحدي الحقيقي سيتمثل في "إعادة التفكير ليس فقط في المستقبل الاقتصادي للبلاد، بل وأيضا في بنيتها الاجتماعية، فإذا كانت الصين ترغب في تجنب التحول إلى قوة صناعية في ركود، فسيكون لزاما عليها أن تجد توازنا جديدا بين النمو والاستدامة".