استهداف متواصل.. ما هي أهداف إسرائيل من تفكيك منظومة الشرطة في غزة؟

داود علي | 8 months ago

12

طباعة

مشاركة

منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، رسمت آلة الحرب الصهيونية هدفا رئيسا يتمثل في تفكيك منظومة حركة المقاومة الإسلامية حماس عسكريا وحكوميا. 

ذلك الهدف يعزز الحلم الإسرائيلي لليوم التالي من انتهاء المعركة، ومقصده أن حماس لن يكون لها قائمة، وسيؤول حكم القطاع المدمر تماما إلى سلطة جديدة. 

وفي سبيل ذلك عمدت إسرائيل إلى استهداف الشرطة المدنية في غزة، وقصدت قتل عناصرها وقادتها في عمليات نوعية محددة ومخطط لها. 

وقد أغضبها أن تلك المنظومة الراسخة في غزة عادت للعمل بقوة ونشاط في الأيام الأخيرة، رغم صعوبة الأوضاع، واستمرار العدوان. 

ما وضع عددا من التساؤلات والفرضيات، منها كيف استطاعت الشرطة الغزية العودة وتنظيم صفوفها؟ وما هو تاريخ تلك القوة؟ ولماذا تحاول إسرائيل القضاء عليها؟ وهل تستطيع تحقيق ذلك؟

شهداء الشرطة 

في 29 مارس/ آذار 2024، أعلن المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، استشهاد 17 فلسطينيا بينهم امرأة في غارتين إسرائيليتين استهدفتا ضابطا وقوة شرطية بهجومين منفصلين في حي الشجاعية شرق غزة.

وأفاد بأن جيش الاحتلال ارتكب المجزرة الجديدة بقصف قوة شرطية من شرطة تأمين المساعدات، كانت تؤدي عملها المدني الإنساني في نادي الشجاعية الرياضي مما أدى إلى استشهاد 10 أفراد من الشرطة".

وسبقت هذه الواقعة عملية تصفية اللواء فائق المبحوح فجر 18 مارس 2024، وهو المدير العام للعمليات المركزية في وزارة الداخلية والأمن الوطني في قطاع غزة

وفي ذلك اليوم اقتحمت فرقة عسكرية من قوات الاحتلال المبنى الذي يقطن فيه فائق المبحوح بالتزامن مع اقتحام مستشفى الشفاء الذي يقع على بعد نحو 700 متر.

وحين وصلت القوة العسكرية إلى شقته لم يكن موجودا، فانتقمت من أفراد عائلته بطردهم من المنزل، وخرجت زوجته وأطفاله إلى إحدى مدارس اللجوء.

وكان اللواء الفلسطيني وأخوه نافذ وعدد من أبناء أخيه قرب مستشفى الشفاء، وهناك هاجمتهم قوات الاحتلال وطلبت منهم تسليم أنفسهم.

فسلم نافذ نفسه، فيما رفض فائق تسليم نفسه، واشتبك مع قوات الاحتلال بسلاحه الشخصي إلى أن استشهد.

اغتيالات متعددة 

لم يقف استهداف شرطة غزة بعد اغتيال المبحوح، إذ كثف الاحتلال بعدها من عمليات اغتيال كبار قادة الشرطة، لتتوالى مسيرة الشهداء الأمنيين من حراس القوافل الغذائية والمسؤولين عن الحفاظ عليها، واحدا تلو الآخر.

فتم اغتيال مدير جهاز المباحث في شمال غزة، المقدم رائد البنا، رفقة زوجته وأبنائه، جراء قصف ليلي نفذه العدوان الإسرائيلي على منزلهم.

 لينضموا إلى سلسلة طويلة من شهداء القطاع اقترب عددهم حتى الآن من 32 ألفا.

ثم جاءت عملية تصفية أخرى استهدفت المقدم محمود البيومي، وهو مدير مركز شرطة النصيرات.

وكان البيومي مسؤولا عن تأمين المساعدات، وقد استشهد جراء غارة إسرائيلية "متعمدة" استهدفت سيارته في مخيم النصيرات وسط القطاع.

ثم جاء الدور على مدير لجنة الطوارئ في غرب غزة أمجد هتهت، الذي رشقته قاذفات الموت الإسرائيلية عند دوار الكويت.

وأعادت بقتله التذكير بمجازر الطحين البشعة التي وقعت عند هذا الدوار، وأدت إلى استشهاد العشرات وإصابة المئات من الفلسطينيين المحاصرين، أثناء تجمعهم حول شاحنات الغذاء التي دخلت إلى القطاع بعد 6 أشهر من الحصار والتجويع المستمر.

دور بطولي 

يبدو أن نجاح جهاز الشرطة في غزة في تأمين أول شحنة مساعدات للقطاع دون حدوث عنف أو فوضى لم يرق لإسرائيل.

ففي 14 ديسمبر/ كانون الأول 2023، ظهرت عناصر الشرطة الفلسطينية بشكل لافت في عدة مناطق بغزة غير عابئة بالمعارك الضارية المتواصلة بين فصائل المقاومة وجيش الاحتلال الإسرائيلي في عدة محاور على طول المواجهة في سائر القطاع.

وقتها أعلنت حماس أن انتشار الشرطة يأتي تحسبا لأي حالة انفلات أمني أو أعمال نهب قد تحدث جراء الحرب الإسرائيلية المتواصلة.

ولم يكن ظهور عناصر الشرطة عاديا، حيث جاء بعد يوم من رفع قوات إسرائيلية أعلامها على مبنى بمدينة خانيونس جنوبي القطاع في إشارة إلى سيطرتها العسكرية على المكان وتأمينه.

لكن سرعان ما أنزلته عناصر الشرطة التابعة لحماس، وداسته بأقدامها بعد اشتباكات ضارية مع كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس.

وفي 3 فبراير/ شباط 2024، بدأت حماس في نشر مزيد من قوات شرطة ودفع رواتب جزئية لبعض موظفي الخدمة المدنية في غزة.

حينها ذكر موقع "الحرة" الأميركي، أن انتشار الشرطة وتنظيمها بهذه الطريقة، من العلامات التي تشير إلى عودة حماس إلى الظهور في القطاع.

وبين الموقع أن هذا يؤكد مدى قدرة الحركة على الصمود على الرغم من الحملة الجوية والبرية القاتلة التي تشنها إسرائيل بلا رحمة على مدار شهور. 

فشل إسرائيل

وقد نقلت وكالة "أسوشيتد برس" الأميركية شهادات عن عمل الشرطة، وقالت: "إنه في الأيام الأخيرة انتشر ضباط يرتدون الزي الرسمي والملابس المدنية بالقرب من مقار الشرطة والمكاتب الحكومية الأخرى، بما في ذلك مستشفى الشفاء، الأكبر في القطاع".

وذكرت: "تمت عودة موظفي الخدمة المدنية، رغم الغارات الجوية الإسرائيلية اللاحقة بالقرب من المكاتب المؤقتة".

وأكملت الوكالة الأميركية، بأن توزيع الرواتب الجزئية البالغة 200 دولار لبعض الموظفين الحكوميين وعناصر الشرطة تظهر أن إسرائيل لم توجه ضربة قاضية لحماس، حتى مع إعلانها قتل أكثر من 9 آلاف من مسلحي الحركة، وفق زعمها.

وفي 15 ديسمبر قال عضو لجنة الطوارئ (حكومية) في بلدة جباليا، مصعب عبد النبي، في حديث لوكالة "الأناضول" التركية الرسمية: إن "عناصر الشرطة الفلسطينية لم يغادروا مدن وطرقات وبلدات القطاع منذ اليوم الأول للحرب الإسرائيلية على القطاع".

وأتبع: "الشرطة تعمل على ضبط الأمن ومنع حدوث أي سرقات أو جرائم في ظل تصاعد وتيرة العدوان الإسرائيلي على القطاع".

كما أكد أن وجود الشرطة يشعر الناس بالاطمئنان فهي تمنع أي جرائم وتساعد كذلك في عملية تنظيم توزيع المساعدات حتى لا يتم السطو عليها وسرقتها، علاوة على عملها في ضبط الوضع الأمني وضبط أي محاولات لاختراق الجبهة الداخلية.

مخطط الفوضى 

ويأتي استهداف الشرطة الفلسطينية في غزة وتصفيتها بشكل خاص، في إطار الخطة الإسرائيلية، التي كشفها وزير جيش الاحتلال يوآف غالانت، وهي خاصة بمقترحات للحكم المستقبلي في المنطقة، والمعروفة إعلاميا بخطة "اليوم التالي".

وعلى رأس محاور تلك الخطة عدم عودة حماس إلى حكم غزة بينما تحتفظ إسرائيل بالسيطرة الأمنية الكاملة على القطاع.

وقد كتب المحلل السياسي الفلسطيني إبراهيم المدهون عبر حسابه بموقع "إكس" عن أسباب استهداف العدوان لشرطة غزة تحديدا.

وقال: "الصهاينة يريدون بإحداث فراغ في غزة والضغط على الحاضنة الشعبية عن طريق الفوضى وزعزعة الأمن من أجل أن يتحول الشعب الفلسطيني من الصمود والتماسك والتنظيم إلى التشتت والفوضى".

وأكمل أن من بين أهداف الاحتلال ضرب جميع مشاهد ومظاهر سيادة حكومة حماس لإظهار أنه حقق إنجازا ملموسا.

وبين أنه بعدما استهدف المنظومة الصحية والتعليمية وكل مفاصل الحياة ومرافقها في قطاع غزة يريد الآن تدمير المنظومة الأمنية من أجل تقويض أي استقرار سلطوي، يكون عنوانه حركة حماس.

وفي حديثه "للاستقلال" قال الناشط الفلسطيني "حازم حساسنة"، إن الغرض من تدمير شرطة غزة واضح للعيان، حيث تسعى آلة الحرب الصهيونية إلى إدامة وفرض الفوضى، وتحريض الشعب على فقدان الثقة بالمقاومة.

وبين أن اغتيال قادة الشرطة تحديدا جاء بعد فشل محاولات إسرائيل تحريض زعماء العشائر على توزيع المساعدات والإشراف عليها، حيث رفضوا ذلك ما لم يكن بتنسيق تام مع شرطة القطاع.

وأضاف الناشط الفلسطيني، أن عملية إسقاط كبار قادة شرطة غزة والفاعلين فيها يأتي ضمن بحث المحتل عن صور انتصار يفقدها في غزة.

من أجل ذلك يسوق أن عمليات اغتيال رجال شرطة غزة النشامى، هي إنجازات نوعية لجيش الاحتلال الضائع في متاهة غزة. 

تاريخ شرطة غزة 

وإذا ما ذكر الدور الرائد الذي تلعبه شرطة قطاع غزة بالتزامن مع العدوان الإسرائيلي الغاشم غير المسبوق، يذكر الفضل لمؤسس ومطور هذا الجهاز. 

وهو الشهيد سعيد صيام، القيادي في حركة حماس، الذي تولى وزارة الداخلية الفلسطينية بعد فوز الحركة في انتخابات 2006، وقد اغتالته إسرائيل أثناء عدوانها على قطاع غزة عام 2009.

وقد بدأت قصة شرطة غزة عام 2006 على يد صيام، وذلك بعد أن وجد صعوبة في التعامل مع قادة الأجهزة الأمنية الموالين لحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) والرئيس الفلسطيني محمود عباس. 

وهو ما أدى إلى إعلانه في مايو/أيار 2006 تشكيل القوة التنفيذية المساندة للأجهزة الأمنية، لمواجهة حالة الانفلات الأمني.

وبالفعل انتشرت عناصر القوة التنفيذية البالغ عددها نحو 5 آلاف شخص لأول مرة في شوارع غزة يوم 17 مايو من ذلك العام.

وقتها خلافا لجميع الأجهزة الأمنية الفلسطينية التي كان تركيبها مكونا من عناصر حركة فتح، ضمت القوة التنفيذية الجديدة لدى تشكيلها خليطا من عناصر المقاومة على اختلاف مشاربهم.

ووصل تعداد هذه القوة في العام الأول إلى 6300 عنصر، منهم 4 آلاف من حركة حماس.

وفي بدايتها تركزت مهمات القوة على إنهاء الفلتان والقبض على اللصوص وتحرير مختطفين وفض مشاكل عائلية والقبض على تجار المخدرات ومداهمة أوكارهم، بالإضافة إلى حماية المؤسسات الفلسطينية والوزارات.

ولاحقا، توزع منتسبو القوة التنفيذية على الأجهزة التي تعمل تحت لواء الشرطة في قطاع غزة، وقد ازدادت خبرتها وقويت شوكتها بفضل العناصر الجديدة، التي أصبحت فاعلة في المشهد الأمني حتى الآن.