بيزنس التقاعد.. ما قصة "المجموعة الإفريقية للحراسة" المثيرة للجدل بمصر؟

12

طباعة

مشاركة

تكررت وقائع اعتداء موظفي شركة أمنية مثيرة للجدل أسسها جنرالات مصريون على صحفيين وعدد كبير من الجمهور.

هذا الأمر دفع كثيرين للبحث عن هوية هذه الشركة التي تحتكر تأمين الفعاليات الرياضية بمصر، وما صلاحياتها؟ واللوائح التي تنظم عملها؟ أم أنها فوق القانون؟

آخر هذه الوقائع اعتداء أفراد أمن هذه الشركة على مصور صحفي بالضرب والصفع وتحطيم ماكينة تصويره في مباراة فريقي الأهلي وبيراميدز بالدوري المحلي في 12 يوليو/ تموز 2024.

وتنديدا بهذه الحادثة، رفض كثير من المصورين الصحفيين تصوير مباريات لاحقة، وتقدم نقيب الصحفيين خالد البلشى ببلاغ للنائب العام، للتحقيق في واقعة التعدي بالضرب والسب على المصور الصحفي.

وقبلها وقعت اعتداءات من قبل أمن هذه الشركة الغامضة في عراك بين لاعبي الزمالك وأفراد التأمين في مباراة نهائي الكونفدرالية في 19 مايو/أيار 2024.

وعادت لتتكرر في وقائع أخرى عديدة، منها اعتقال شبان يرفعون أعلام فلسطين، ما طرح تساؤلات حول الدور الفعلي لهذه الشركة.

أصل الحكاية

لفتت هذه الشركة التي تُسمى "المجموعة الإفريقية للتأمين والحراسة"، وتتولى مسؤولية تأمين المباريات والمؤتمرات، الأنظار حين تجاوز أفرادها، وقاموا بالاعتداء على الجمهور والصحفيين واعتقلوا شبانا رفعوا علم فلسطين في الملاعب.

تبين أنها شركة تأسست من قبل لواءات شرطة سابقين قبل بطولة أمم إفريقيا 2019، ومنذ ذلك الحين وهي تحتكر تأمين معظم الأحداث الرياضية الكبيرة في مصر منذ 5 سنوات، بما فيها مباريات الدوري.

ورئيس مجلس إدارة الشركة هو اللواء محمد نبيل الدسوقي، والمدير التنفيذي والعضو المنتدب عسكريين هما اللواء محمود طاهر والعميد محمود القاضي.

ويعاون رئيسها اللواء محمد نبيل الدسوقي، المقدم أحمد عيسى الضابط السابق بالعمليات الخاصة ومكافحة الإرهاب بوزارة الداخلية.

كما أن قيادات الشركة هم أعضاء في حزب "مستقبل وطن" القريب من الأجهزة الأمنية، والذي يمثل حزب رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، ودائما ما تشير الشركة في ترويجها لنفسها لتعاونها مع وزارة الداخلية، كمؤشر لدورها الأمني.

وقد شاركت هذه الشركة مع حزب "مستقبل وطن" في عدد من الفعاليات، ومنها إقامة مؤتمرات لتوظيف الشباب بالمحافظات في الشركة، واشتكى عاملون بها من ضعف الرواتب التي تتراوح بين 3 و5 آلاف جنيه (الدولار 48 جنيها) لساعات عمل 12 ساعة يوميا.

وينقسم موظفو الشركة بين أفراد أمن يجرى تدريبهم عسكريا لمواجهة الشغب في المباريات أو تنفيذ مهام أمنية، ويجرى انتقائهم من ذوي البنية الجسدية القوية ومنتفخي العضلات، ورواتبهم مرتفعة.

وفريق آخر من الموظفين العاديين لحراسة المنشآت فقط ورواتبهم متدنية. 

وتصف الشركة نفسها على موقعها الرسمي بأنها "تأسست لتوفير إدارة مهنية محترفة وخدمات أمن وسلامة للمرافق والممتلكات والأفراد والفعاليات الرياضية بالإضافة إلى حلول أمنية أخرى مخصصة".

وتؤكد أن "لدى المجموعة الإفريقية شركتين: شركة الخدمات الأمنية الإفريقية والتي تتخصص في خدمات الصيانة وأنظمة الأمن والحماية المشددة المتكاملة، والشركة الإفريقية لإدارة المرافق وخدمات التنظيف والمناظر الطبيعية".

شرطة بزي مدني

بسبب اعتداء  أفراد الأمن على مصور بصحيفة مصرية وقبل ذلك اشتباك أفراد الشركة مع جماهير بعض المباريات واعتقال شبان رفعوا علم فلسطين، بدأ مصريون يحذرون من توسع أذرع الأجهزة الأمنية في مجال الأمن والحراسة.

حذروا من تحول شركات الأمن والحراسة إلى وكلاء للأجهزة الأمنية، لإحكام القبضة الأمنية، وممارسة نفس اختصاصات الشرطة ولكن بلبس مدني، لا المساهمة في التأمين والحراسة كما هي وظيفتهم المعلنة.

أي أصبحت "شرطة مدنية خاصة" لا تخضع لا للرقابة والمحاسبة سوى رقابة وزارة الداخلية التي تشرف على أعملها.

وتتميز عقود هذه الشركة السرية والغموض، رغم أنها بملايين الدولارات، حيث باتت تشرف على أعمال تأمين مؤتمرات واحتفالات مختلفة ومهرجانات وتتعاقد مع بنوك وشركات ووزارات وغيرها.

ولعدم التشويش على هذه المهمة، بادرت الشركة بالاعتذار لنقابة الصحفيين بعد اعتداء أحد أفرادها على المصور الصحفي "كيرلس صلاح"، وزار وفد منها النقابة، للحرص على سحب النقابة بلاغا ضدها لدى النائب العام وهو ما تم بالفعل.

اعتذار الشركة الإفريقية اﻷمني قدمه عن الشركة الخاصة لواء وعميد يترأسان قطاعين بها، بحضور نقيب الصحفيين ووكيل النقابة.

علم فلسطين

وعقب عملية “طوفان الأقصى” وتعاطف المصريين مع غزة، فرضت شركة الأمن (الإفريقية) عددا من المحظورات على الجماهير الراغبة في الحضور، منها "عدم رفع لافتات تحمل عبارات مسيئة أو أعلاما باستثناء علم مصر والفرق الرياضية".

وذلك في إشارة إلى حظر رفع علم فلسطين، على وجه خاص، حيث تم القبض على قرابة 250 من الشباب الذين رفعوا هذا العلم أو كانون يحملونه ما أدى لانسحاب الجمهور.

وبسبب رفعهم علم فلسطين والهتاف تضامنا مع غزة، قام رجال أمن الشركة باعتقال قرابة 250 من الجمهور في استاد برج العرب (تابع للجيش) هتفوا لفلسطين ورفعوا أعلامها، ما أدى لانسحاب الجمهور احتجاجا.

وأظهرت فيديوهات انسحاب جماهير الأهلي، في 14 يونيو/حزيران 2024 من مدرجات مباراة فريقهم أمام فاركو، بعد 5 دقائق من بداية اللقاء بعد اعتقال زملائهم.

وكانوا يهتفون: "ماتش إيه يا عم.. فلسطين أهم"، و"قاعد ليه يا عم.. ما تخلي عندك دم".

وجاءت هتافات جماهير الأهلي جاءت ردا على طرد أحدهم بسبب رفعه علم فلسطين، ثم قمع مجموعات أخري حاولت رفع العلم الفلسطيني.

وقالت "المفوضية المصرية للحقوق والحريات" إن الشركة سلمت المعتقلين إلى الشرطة وبينهم أطفال في عمر 13 و15 عاما، وتم احتجازهم في معسكرات الأمن المركزي ثم إطلاقهم بعد يومين.

ويمنع الأمن المصري أي فعل تضامني مع القضية الفلسطينية، رغم العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، وقُبض على عشرات الشباب وصحفيين بعد مظاهرات دعم لفلسطين احداها أمام نقابة الصحفيين في أبريل/نيسان 2024.

بيزنس الحراسة

قبل انقلاب 3 يوليو/تموز 2013، كان عدد شركات الحراسة في مصر محدودا ونشاطها يقتصر على حراسة المنشآت، وكان أشهرها شركة "كير سيرفيس" التي تولت نشاط حراسة ونظافة عدة شركات خاصة وعامة.

كان عددها قرابة 400 شركة صغيرة، وأبرز هذه الشركات هي "فالكون"، التي تأسست عام 2006 وكانت تسيطر على نحو 67 بالمئة من سوق الحراسات الخاصة في مصر، وفق تقرير صحفي نوفمبر 2016.

وشملت قائمة عملائها، أكثر من 26 بنكا وكثيرا من الهيئات الدبلوماسية كمنظمات الأمم المتحدة وبعض السفارات العربية وكانت تشرف على تأمين أكثر من 1250 موقعا على مستوى مصر، قبل أن يتولاها البلطجي الشهير صبري نخنوخ عام 2023.

بجانب شركة "سيزر" التي في مقدمة شركات الحراسة الخاصة في مصر التي تقوم بحماية الشخصيات العامة والممثلين وكبار الرياضيين والشخصيات غير الرسمية، وتأسست عام 2001، لكنها توسعت وأصبحت تعطي استشارات أمنية.

لكن منذ إصدار رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي قرارا في 12 مايو/أيار 2015 يسمح لوزارتي الدفاع والداخلية والمخابرات العامة بتأسيس شركات حراسة للمنشآت ونقل الأموال، انتشرت ظاهرة هوجة الشركات الأمنية التي يتولاها جنرالات.

حيث أصدر السيسي، القانون 86 لسنة 2015، بشأن شركات حراسة المنشآت ونقل الأموال، واستثنى من تنفيذ أحكام هذا القانون وزارتي الدفاع والداخلية والمخابرات.

وقال وائل البسيوني عضو شعبة الأمن والحراسة بغرفة القاهرة التجارية، لموقع “البورصة” في 17 مارس 2021 أن عدد شركات الحراسة الفعلية يتراوح ما بين 150 و200 شركة حاليا مقابل 4000 شركة قبل قرار السيسي الذي منع عمل الشركات غير المرخصة.

وكان أشهر هذه الشركات ذات الصلة المباشرة بالجهات الأمنية والعسكرية في مصر التي نشأت عقب قانون السيسي هي "الشركة الإفريقية للأمن والحراسة"، التي تأسست عام 2019، لتأمين المباريات.

وآخرها شركة "إيتوس" الأمنية التابعة لإبراهيم العرجاني، والتي باتت تنافس الشركة الإفريقية بشكل أكبر في تأمين المناسبات الرياضية وغيرها خاصة أنها شركات جنرالات الجيش عكس الشركات الأخرى التي يغلب عليها ضباط الشرطة.

وفي 3 ديسمبر/كانون أول 2015، وقبل تأسيس الشركة الإفريقية، كشفت صحيفة اليوم السابع أن “حجم ارتفاع الطلب على قطاع الحراسة والتأمين في مصر زاد بنسبة 300 بالمئة”.

وكان البلطجي الشهير صبري نخنوخ المتهم سابقا في عدة جرائم بلطجة في مصر، قد أعلن ملكيته لأكبر شركة أمن في البلاد وهي "فالكون" وتولى إدارتها عام 2023.

نشر يوم 26 سبتمبر/أيلول 2023 عبر فيسبوك، صورا له وهو يترأس اجتماعا داخل مجموعة شركات فالكون للأمن والحراسة، وخدمات الأموال.

واشتهر صبري نخنوخ بالبلطجة والظهور ممسكا بمدفع رشاش، واعتقلته وزارة الداخلية في عهد الرئيس محمد مرسي ووصفته بأنه "أحد أباطرة البلطجة وبحوزته أسلحة ومخدرات و5 أسود"، وفق صحيفة  المصري اليوم في 24 أغسطس/آب 2012.

وتم ملاحقته وسجنه عقب الثورة في عهد الرئيس محمد مرسي لكن عبد الفتاح السيسي أفرج عنه بعفو رئاسي.

وقبل شرائه الشركة، ظهر نخنوخ وهو يعلن تأييده لترشيح السيسي لفترة رئاسية ثالثة ما يؤشر لدوره المحتمل في هذه الانتخابات بترهيب الناخبين والمعارضين. وكان الرئيس مرسي هو أول من فضح قصة البلطجية في مصر.

ففي 24 مارس/آذار 2013 قال المهندس أبو العلا ماضي، رئيس حزب الوسط، إن الرئيس محمد مرسي أخبره بأن «المخابرات أنشأت تنظيمًا مكونا من 300 ألف بلطجي بيظهر كل شوية، منهم 80 ألفا بمحافظة القاهرة وحدها".

كما أبلغه أن "هذا التنظيم (البلطجية) كان في عهدة المباحث الجنائية، ثم انتقل الإشراف عليه إلى أمن الدولة (الأمن الوطني حاليا)، قبل اندلاع ثورة يناير 2011.

قال إن هذا التنظيم هو الذي ظهر في الاشتباكات أمام قصر الاتحادية حين كان يدير البلاد منه الرئيس محمد مرسي، وكان معهم أسلحة بيضاء»، مؤكدا: "من يقوم بتحريكهم معروف".

وتكشف حسابات أنشأها ضباط سابقون بالشرطة والقوات المسلحة على موقع السير الذاتية “لينكد إن” أن عددا غير قليل من المهتمين بالالتحاق بخدمات الحراسات والأمن بالشركات الخاصة هم من الضباط الذين أنهوا خدمتهم بوزارة الداخلية، وكثيرا منهم كان يعمل بجهاز أمن الدولة، وفق المصري اليوم في 24 مارس/آذار 2013.

وتكشف سيرهم الذاتية عن التحاقهم مباشرة بإدارة وحدات الحراسات بالفنادق والمنتجعات والأفرع الرئيسة للبنوك الكبرى، خاصة أن أسماء مالكى ومديري تلك الشركات أغلبهم لواءات سابقون ينتمون للجيش والشرطة.

وظهرت فكرة شركات الحراسة والأمن في مصر عام 1979، في عهد الرئيس الأسبق أنور السادات، حين استجابت السلطات المصرية لطلب السفارة الأميركية بالقاهرة، بوجود شركة حراسة للمشاركة في تأمين السفارة، مع قوات الشرطة المصرية وقوات المارينز الأميركية.

حينئذ تم إنشاء أولى شركات الأمن الخاصة، برئاسة ضابط سابق بالمخابرات العامة، وبعضوية اثنين من الأجانب واثنين من المصريين، بإسم شركة "كير سرفيس"، والتي لاتزال تُمارس عملها في مواقع كثيرة حتى الآن.

ومع بداية عصر الرئيس السابق حسني مبارك، واتساع السوق، تحرك الجيش وقام بتدشين شركة أمن تتبع جهاز مشروعات الخدمة الوطنية بإسم "كوين سيرفيس" عام 1988، تعمل في تأمين العديد من المشروعات والمرافق الحكومية مثل مترو الأنفاق، وجامعة عين شمس، وجراج التحرير.

وفي ظل التوسع في بيزنس شركات الحراسة، أنشأت شركة (5G) البريطانية فرعا لها في مصر تولي رئاسته لواء المخابرات الراحل سامح سيف اليزل، رئاستها، التي قامت بحراسة وتأمين مشاريع رجال الأعمال والمنتجعات السياحية بخلاف البنوك والشركات.