رغم توقيع اتفاق.. لماذا عاد الخلاف بين إيران وأفغانستان حول نهر هيرماند؟

سلطت صحيفة "آفتاب يزد" الفارسية الضوء على قضية نهر هيرماند ذات الأهمية الكبيرة لكل من إيران وأفغانستان وأحد أسباب الخلافات القديمة بين البلدين.
ويعد نهر هيرماند أو هلمند كما تسميه إيران إحدى القضايا القانونية والسياسية التي كانت سببا في الصراع المستمر مع أفغانستان منذ توقيع معاهدة باريس عام 1857.
يقطع جزء كبير من نهر هيرماند أفغانستان، ثمّ يتّجه نحو إيران، ويحوي عددًا كبيرًا من السدود التي توفّر الطاقة لكابول.
وتحتاج إيران لهذه المياه في الوقت الحالي، وهي تزعم أن حركة طالبان التي تحكم البلاد قطعت المياه عن قصد.
في المقابل، تزعم طالبان أنّ "الجفاف ليس خطأها، وأنّها على استعداد للقتال حول من يحقّ له استخدام مياه النهر".
وهذا الخلاف ليس حديثًا، ففي خمسينيات القرن الماضي، برزت المشاكل بين الدولتين على مياه النهر الذي يعد الأطول في أفغانستان، ويمتدّ لأكثر من ألف كيلومتر مع جارتها إيران.
في ذلك الوقت، أنشأت كابل سدّين رئيسين قلّلا من تدفّق مياه النهر نحو بحيرة هامون في إيران، ما أثار غضب طهران، وأشعل نار خلاف لم يجد حلًا حتى الآن.
وتوصّلت الدولتان إلى اتفاق عام 1973، يضمن لإيران حصة سنوية من مياه النهر تقدّر بنحو 850 مليون متر مكعب. إلا أنّ ما شهده البلدان في تلك الفترة من تغيّرات حكومية، حال دون تنفيذ بنود الاتفاقية بالكامل.
وأدى ذلك إلى استمرار هذه التوترات لعدة سنوات، قبل أن تنفجر اشتباكات دامية على الحدود في 27 مايو/ أيار 2023، عندما قرّرت حكومة طالبان استئناف أعمال بناء سد "بخش آباد" للاستفادة من مياه نهر هلمند في إقليم فرح المجاور لإيران.
في المقابل، عدّت إيران هذه الخطوة خرقًا لاتفاق تقاسم المياه الموقّع بين البلدين. واشتدّت حدة التصريحات الإيرانية إلى حد عدم الاعتراف بحكم طالبان في أفغانستان.
ويعود غضب إيران بشأن النهر كونه المصدر الرئيس لإمدادات المياه لسهل سيستان، الشريان الحيوي لمحافظة سيستان وبولشستان الإيرانية التي تعاني من جفاف مزمن.
النزاع الأفغاني الإيراني
وبالعودة إلى التاريخ، توضح صحيفة "آفتاب يزد" أن ما تسبب في استمرار النزاعات المائية مع أفغانستان هو مجموعة من العوامل والخلافات الدولية والقانونية والسياسية والبيئية والإنسانية الناجمة عن عدم استقرار قيم توزيع حقوق المياه بين البلدين.
ونظرا لعدم وجود قوانين دولية للمياه، لم يُقدم تعريف دقيق لاستغلال الموارد المائية، مما أدى إلى فشل المفاوضات المتعلقة بالمياه.
ووفقا للآراء القانونية المتعلقة بالمياه المشتركة، "فإن إسراف أفغانستان في استغلال نهر هيرماند يتوافق مع نظرية السيادة الإقليمية المطلقة"، حسب الصحيفة الإيرانية.
على سبيل المثال، تشير إلى أنه "من خلال تصور نهر هيرماند داخليا، فإنه يغير دائما مسار المياه لمصالح أحادية الجانب لأفغانستان، من خلال عمليات مختلفة مثل بناء السدود وحفر القناة".
ومع ذلك، تدعي الصحيفة أن "سلوك إيران كان متوافقا مع القاعدة القانونية المتعلقة بالسلامة الإقليمية المحدودة". كما أنها "طالبت دائما بالاستغلال الرشيد لنهر هيرماند".
وتقول: "خلفت فترات الجفاف التي شهدتها إيران خلال العقدين الأخيرين عواقب بيئية وأمنية واجتماعية واقتصادية".
فقد أدى اعتماد إقليم سيستان وبلوشستان (جنوب شرقي إيران على الحدود مع كل من أفغانستان وباكستان) الاقتصادي على المياه بعد جفاف أراضي هامون الدولية (تقع في نفس المنطقة) الرطبة إلى الفقر والهجرة القسرية والبطالة.
إضافة إلى ذلك، أدى الاعتماد الاقتصادي القسري للشعب على المياه إلى الكثير من البرامج والمشاريع في سيستان للحفاظ على الزراعة، إلا أن أيا منها لم يؤت ثماره.
ولكن ما هو مهم هنا في رأي الصحيفة هو "حاجة سيستان الحيوية للمياه وكذلك الرخاء الاقتصادي، كحق طبيعي من حقوق الإنسان".
وإلى جانب نقص المياه، تشير "آفتاب يزد" إلى أن "الأمر لم يقتصر على عدم تقليل الحكومات اعتماد سيستان الاقتصادي على وظائف المياه، ولكنها لم تعمل أيضا على تنمية الصناعة".
وقد أدى النقص المتكرر في اهتمام وسائل الإعلام إلى "عدم متابعة حقوق المياه والقضايا الاقتصادية في سيستان بشكل جدي".
وفي الوضع الحالي، حيث يتفشى الفقر في سيستان ويعيش الناس على إعانات مالية هزيلة، تتساءل الصحيفة: "ألم يحن الوقت لإنقاذ الإقليم من الدمار الكامل؟".
النمو والرخاء
من ناحية أخرى، تلفت الصحيفة إلى الحاجة لصناعات جديدة، لا سيما أن الزراعة لا يمكن أن تلبي الاحتياجات الاقتصادية للناس بسبب نقص المياه.
ومن الصناعات التي يجب الاهتمام بها في الوضع الحالي من أجل رفاهية القرويين المتضررين هي صناعة المواد الغذائية في سيستان، مثل التوابل والحلويات المحلية.
وتتوقع الصحيفة الفارسية أن "تساهم الصناعات ذات البعد الثقافي في الرخاء الاقتصادي، ومن المهم توضيح أن "التنوع في فرص العمل لا يقتصر على صناعة المواد الغذائية فقط".
ولذلك، تدعو "آفتاب نيوز" الحكومة والمؤسسات المدنية إلى إظهار دعمهما، إضافة إلى ضرورة إصرار الشعب من أجل تحقيق رغباته.
وبشأن دور الدولتين في حل هذه الأزمة، توضح الصحيفة أولا الفرق بين نظرتين مختلفتين لقضية المياه.
فإذا ربطنا قضية المياه بالسلام فهذا يعني رفاهية الناس وحماية البيئة، ولكن إذا نظرنا إليها على أنها صراع، فلن نشهد سوى أزمة بيئية وفقر ومشاكل اقتصادية وانعدام للأمن.
وهنا، في رأي الصحيفة، يمكن للحكومات التي تتقاسم المياه -مثل إيران وأفغانستان بوصفهما اللاعبين الرئيسين في حل المشكلة- أن تضع القضية على طريق "السلام" بهدف التركيز على المصالح المشتركة وتحسين حياة الناس.
وهنا تطرح تساؤلا، "ماذا ينبغي لإيران، وهي أحد الأطراف الرئيسة في حل نزاع المياه مع أفغانستان، أن تفعل؟"
بهذا الشأن، تعتقد "آفتاب نيوز" أن "دبلوماسية المياه ليست الحل النهائي، كما أن الدبلوماسية الثقافية والاقتصادية هي أيضا من بين الإجراءات التي تخلق التنوع في المفاوضات".
لكن في بداية المفاوضات، يجب على إيران أن تحدد كلا من منطقتي هامون وسيستان الحرة مصدرين اقتصاديين رئيسين لها.
جدير بالذكر أنه يُنظر إلى منطقة هامون الدولية الرطبة المليئة بالمياه بشكل إيجابي من جانب إيران، خصوصا عند تقييمها من وجهة نظر سياحية.
وعزت الصحيفة ذلك إلى أنه "من خلال إدارة الموارد المائية، ستلعب هذه الأراضي الرطبة دورا مهما في التواصل مع العالم والتنمية الثقافية والاقتصادية، إلى جانب المعالم الثقافية الأخرى في سيستان".
من ناحية أخرى، تؤكد الصحيفة أن "منطقة سيستان الحرة ستساعد بإنعاش الاقتصاد الأفغاني"، مشددة على أن "عدم حل قضايا الإقليم الداخلية يعني وجود تهديد أمني حقيقي لإيران".
وفي حال تطويرها، ستصبح منطقة سيستان الحرة فرصة إستراتيجية للنمو الاقتصادي للمنطقة، كما أنها ستكون عاملا لتدويل إيران وتطوير الممر الشمالي الجنوبي.
ماذا تفعل طالبان؟
وتتحدث الصحيفة عن دور طالبان في حل تلك الأزمة، لافتة إلى استخدامهم لها في الماضي كـ "أداة لمصالحهم وأغراضهم الخاصة".
وتوضح أن "عدم الاستقرار في أفغانستان تسبب في نسيان الحكومات الجديدة للممارسات السابقة".
"ولذلك، من الضروري أن تركز إيران على الاستقرار في حل قضية الحقوق المائية"، تابعت الصحيفة الإيرانية.
وفي هذا الصدد، تنوه أنه "مع وصول طالبان إلى السلطة والإجراءات التي اتخذتها في الماضي، أصبحت المفاوضات معقدة بعض الشيء بالنسبة لإيران".
وأردفت: "لكن من الناحية السياسية، يتطلب إقناع أفغانستان بتحقيق المصالح المشتركة مفاوضات نشطة وديناميكية".
إذ تعد منطقة سيستان الحرة فرصة إستراتيجية لأفغانستان، بسبب ارتباط مصالح إيران والأفغان ببعضها بعضا في هذه الحدود.
وتؤكد الصحيفة أن "هذه المنطقة توفر للأفغان وصولا سهلا إلى المياه المفتوحة والاتصال بأوروبا. كما توفر وصولا سهلا لإيران إلى آسيا الوسطى لتحقيق الرخاء الاقتصادي.
ولذلك، من خلال ربط الدبلوماسية الاقتصادية بدبلوماسية المياه، تستطيع إيران توفير فرصة إستراتيجية لاقتصاد أفغانستان الضعيف للوصول إلى المياه المفتوحة وربطها بالعالم، وفق الصحيفة.
من ناحية أخرى، تبرز الصحيفة الفارسية أهمية الدور الذي تلعبه الدبلوماسية العامة في هذه القضية.
وتقول في هذا الصدد: "بما أن أراضي هامون الدولية مملوكة لجميع شعوب العالم، فإن الدبلوماسية العامة وبناء العلاقات مع الدول الأخرى وتعاون المنظمات غير الحكومية والناشطين المدنيين والشعب الإيراني لنقل الصداقة والسلام والمطالبة بحقوق الحصول على حقوق المياه أمر فعال".
فعندما يكون لدى إيران العديد من الحلفاء الحكوميين والشعبيين من جميع أنحاء العالم وتطالب باستمرار بالحصول على حقوق المياه، فإن الدبلوماسية العامة ستضغط على طالبان، كما تؤكد الصحيفة.
واختتمت: "في النهاية، إذا قيمت أفغانستان نتائج الدبلوماسية مع إيران بشكل إيجابي، فسيتحقق التعاون السلمي مع المصالح المشتركة المربحة للجانبين".
ولكن في حال رفض طالبان التعاون، فيمكن لإيران ممارسة الضغط ضد أفغانستان من خلال المؤسسات الدولية، وفق تقديرها.