رغم ما تلقته من صفعات.. لماذا تصر إيران على تكبيل العراق سياسيا واقتصاديا؟

يوسف العلي | منذ شهرين

12

طباعة

مشاركة

بالتزامن مع زيارة أجراها رئيس البرلمان العراقي محمود المشهداني إلى إيران، تعرض حقل "كورمور" للغاز الطبيعي في إقليم كردستان العراق إلى استهداف بطائرة مسيرة، أثيرت اتهامات لمليشيات شيعية بالوقوف وراء الهجوم الذي يُعد الثالث من نوعه.

وفي زيارة استمرت يومين بدءا من 2 فبراير/ شباط 2025، حمل المشهداني إلى طهران العديد من الملفات، من بينها المليشيات الشيعية المسلحة، والتي تضغط واشنطن على الحكومة العراقية من أجل حلّها.

لكن قصف أحد أكبر حقول الغاز في شمال العراق، أعاد طرح تساؤلات عن توقيت الاستهداف، وإلى مدى سعي إيران لإشعال الساحة العراقية، وذلك في ظل تراجع المحور الإيراني بالمنطقة بعد تدمير حزب الله اللبناني وإسقاط نظام بشار الأسد في سوريا.

هجوم مليشياوي

وفي 3 فبراير، حددت المديرية العامة لمكافحة الإرهاب في إقليم كردستان العراق، أن الجهة التي استهدفت حقل "كورمور" بطائرة مسيرة في مدينة السليمانية، هي مليشيات خارجة عن القانون في منطقة بشير بمحافظة كركوك، وفق بيان رسمي.

ومنطقة "بشير" هي قرية في محافظة كركوك المحاذية لإقليم كردستان العراق، وتسيطر عليها مليشيات مسلحة مقربة من إيران ضمن تشكلات قوات الحشد الشعبي المرتبط رسميا بالحكومة العراقية.

لكن علي الحسيني، مسؤول العلاقات في محور الشمال وشرق دجلة لقوات الحشد الشعبي، نفي في 2 فبراير، خروج أي طائرة مسيرة من قصبة بشير أو أي منطقة في كركوك، مطالبا بتقديم دليل.

ونقلت وكالة "شفق نيوز" العراقية عن الحسيني قوله: إن "ما جرى تداوله عن انطلاق طائرة مسيرة من منطقة بشير جنوب كركوك، لاستهداف حقل كورمور في السليمانية أمر مستغرب وغير حقيقي، وأن من يتهم عليه تقديم الدليل".

وأشار الحسيني إلى أن "الأوضاع الأمنية مستقرة، ولم نسجّل أي معلومات عن طائرة مسيرة أقلعت من بشير أو أطراف كركوك، وعلى من يتهم تقديم الأدلة ولا يبنى الاتهام على معلومات غير حقيقية".

وفي 2 فبراير، أعلنت خلية الإعلام الأمني (رسمية) في بيان لها عن توجيه لقائد العام للقوات المسلحة العراقية، رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، بتشكيل لجنة أمنية لكشف ملابسات القصف الذي تعرض له حقل كومور.

وفي أبريل/ نيسان 2024، تعرض كورمور إلى هجوم مماثل بطائرة مسيرة أسفر عن مقتل 3 من العاملين في الحقل وإصابة 3 آخرين بجروح، وفقدان منظومة الطاقة الكهربائية في الإقليم لـ2500 ميغاوات من الكهرباء.

وفي عام 2022، تعرض حقل كورمور في الإقليم الكردي شمال العراق، إلى ثلاث هجمات صاروخية خلال 72 ساعة فقط، انسحبت على إثرها شركة "دانة غاز" الإماراتية العاملة في الحقل الغازي، واشترطت في حينها استتباب الأمن في المنطقة للعودة إلى العمل.

ودائما ما توجه أصابع الاتهام بتنفيذ هذه الهجمات إلى المليشيات الشيعية الموالية لإيران؛ كونها الجهة الوحيدة التي تمتلك طائرات مسيرة غير الأجهزة الأمنية في الدولة العراقية، ورغم توجيه الحكومة العراقية بالتحقيق في الهجمات هذه، لكنها لم تخرج بشيء. 

"ساحة مشاكسة"

بخصوص أسباب مهاجمة المليشيات المرتبطة بإيران للحقل الغازي في الوقت الحالي، رأى الباحث في الشأن العراقي، إياد ثابت، أن "الاستهداف يتجاوز موضوع الإرباك الأمني في إقليم كردستان أو العراق، وإنما تريد أن يكون الوضع تحت التهديد الدائم هناك".

وأوضح الباحث لـ"الاستقلال" أن "بقاء الوضع غير مستقر في حقل كورمور يعني عدم التوسع في إنتاج الغاز من إقليم كردستان، والذي قد يكون سببا في إنهاء استيراد الغاز الإيراني الذي يعتمد عليه العراق بشكل كبير في إنتاج الطاقة الكهربائية، بالتالي تريد تقليل المنافذ الوطنية العراقية من الغاز".

وتوقع الباحث أن "إيران تريد العراق يعتمد عليها دائما في استيراد الغاز، وإذا حاول اللجوء في زيادة إنتاجه أو استيراد الطاقة الكهربائية من السعودية أو دولة أخرى، فإن الهجمات ستزداد بوتيرة أكبر".

ومن جهة أخرى، يرى الباحث أن "إيران تشاكس أميركا أيضا عبر العراق؛ لإيصال رسالة إلى الجانب الأميركي والإدارة الحالية بقيادة دونالد ترامب، أن أي قرار يتخذ في المنطقة لن يمضي دون أخذنا في الحسبان، خصوصا ما يتعلق بالملف النووي".

وأشار إلى أن "ترامب يشدد الضغط على إيران، من أجل إخضاعها للتفاوض بخصوص ملفها النووي وفقا للشروط الأميركية، وأن طهران في المقابل لديها أوراق ضغط لايزال بإمكانها استخدامها، وهي العبث في العراق واليمن، خصوصا مع فقدانها التأثير في لبنان وسوريا".

وفي السياق ذاته، ربطت صحيفة "العالم الجديد" العراقية في 3 فبراير، بين الهجمات المتكررة على الحقول المستثمرة من شركة "دانة غاز" الإماراتية في إقليم كردستان، وبين أجندات خارجية تهدف إلى منع العراق من بلوغه مرحلة الاعتماد على نفسه في توفير الغاز، وأن الشركات الأجنبية قد تتأثر بتلك الهجمات.

ونقلت الصحيفة عن المحلل السياسي كوفند شيرواني، قوله: إن "استهداف شركة دانة غاز الإماراتية بشكل متكرر رسالة لها وجهان، وهي مبطنة بالتهديد لكل الاستثمارات الخليجية في إقليم كردستان وعموم العراق، وهي استهداف لصناعة الغاز الطبيعي".

ورأى الخبير السياسي أن "هذا يدل على أن هناك جهات سياسية لا تريد لصناعة الغاز المحلية أن تتطور، حتى لا يصل العراق إلى مرحلة الاستغناء عن استيراد الغاز من دولة مجاورة، خصوصا أن هذا الأمر سيوفر أكثر من ثلاثة مليارات دولار سنويا للموازنة العراقية".

ثروة هائلة

ويعد حقل كورمور للغاز من أكبر حقول الغاز الطبيعي في العراق، تُقدّر احتياطاته بـ 8 ترليونات و200 مليار قدم مكعب. يشرف على الحقل شركتا دانة غاز والهلال الإماراتيتان، وينتج أكثر من 450 مليون قدم مكعب من الغاز و22 ألف برميل من النفط يوميا.

ويسهم الحقل في إنتاج  4200 ميغاواط من الكهرباء يوميا منها 2800 ميغاواط ترسل إلى إقليم كردستان والمتبقي إلى محافظتي كركوك والموصل.

وفي 28 مارس/ أبريل 2022، أعلن رئيس حكومة إقليم كردستان العراق، مسرور البارزاني، أن الإقليم سيبدأ في تصدير الغاز الطبيعي إلى أوروبا قريبا، وذلك خلال كلمة له في مؤتمر الطاقة العالمي الذي أقيم في حينها بدولة الإمارات العربية المتحدة.

وقال البارزاني: إن "تنمية واستثمار الطاقة جسد أولوية إستراتيجية لدى حكومة إقليم كردستان"، مشيرا إلى أن "أمام حكومة الإقليم الفرصة لتوفير الطاقة للأسواق المحلية والعالمية، ونحن مصممون على تحويل كردستان إلى مركز للطاقة في منطقتنا".

وأوضح المسؤول الكردي: "نواصل الاستثمار في المزيد من محطات الطاقة ومصادر الطاقة المتجددة لضمان مستقبلنا. وفي الوقت نفسه، نواصل تطوير إمكانات التصدير، وأنا واثق من أن كردستان ستصبح قريبا مصدرا مهما للطاقة للطلب المتزايد في العالم".

وبحسب البارزاني، فإن "إقليم كردستان سيصبح مصدرا للغاز إلى بقية العراق وتركيا وأوروبا في المستقبل القريب، وسنساعد في تلبية احتياجاتهم من أمن الطاقة. ولدينا بالفعل قدرة نفطية تصديرية، تعمل كشريان حياة اقتصادي أساسي لنا ومورد محتمل حيوي لشركائنا".

تسعى الحكومة العراقية إلى تقليل اعتمادها على الغاز الإيراني مصدرا رئيسا للطاقة، وتأتي هذه الخطوة استجابة للضغوط الدولية، خاصةً العقوبات الأميركية المفروضة على إيران، ولتحقيق استقلالية أكبر في قطاع الطاقة أيضا. 

ويعتمد العراق كثيرا على واردات الغاز الإيراني لتشغيل محطات الكهرباء، فهو المصدر الوحيد الذي يعتمد عليه الجانب العراقي، ولا يستورد من جهة أخرى، إذ تصل نسبة استيراد الغاز من إيران إلى أكثر من 40 بالمئة من احتياجاته اليومية للطاقة.

وفي مارس/آذار 2024، وقع العراق عقدا مع إيران لزيادة واردات الغاز الإيراني إلى 50 مليون متر مكعب يوميا لمدة خمس سنوات، بقيمة سنوية تبلغ نحو ستة مليارات دولار، لكنه رغم ذلك، يعاني البلد انقطاعات مستمرة في الكهرباء، مما يزيد الحاجة إلى إيجاد بدائل فعالة.