رغم تأكيدات بايدن.. لماذا يصر الأردن على نفي مقتل جنود أميركيين على أراضيه؟

14865 | 9 months ago

12

طباعة

مشاركة

تصرّ السلطات الأردنية على أن الاستهداف الذي طال القوات الأميركية وأدى إلى مقتل ثلاثة من جنودها لم يكن على أراضي المملكة، رغم تأكيد الرئيس الأميركي جو بايدن أن جنوده قتلوا بهجوم في الأردن، ما أثار تساؤلا بشأن رفض عمّان الاعتراف بذلك.

وطالما نفت السلطات الأردنية تنفيذ قوات  أميركية عمليات من أراضيها، ولعل آخرها كان في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، عندما كذّبت عمّان الحديث عن توجه طائرات أميركية تحمل إمدادات عسكرية إلى إسرائيل، بعد عدوان الأخيرة على غزة في 7 من الشهر ذاته.

تصريحات متضاربة

رغم تصريحات كبار المسؤولين الأميركيين وعلى رأسهم الرئيس جو بايدن، التي تفيد بأن الهجوم بطائرة مسيرة الذي قتل فيه 3 من جنود الولايات المتحدة وأصيب نحو 25 آخرين، كان على قاعدة عسكرية في الأردن، وهذا ما نفته عمّان على لسان متحدث حكومي.

وفي 30 يناير 2024، أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن، أنه اتخذ قراره بشأن كيفية الرد على الهجوم الذي أدى إلى مقتل جنود أميركيين في قاعدة عسكرية بالأردن، محمّلا إيران مسؤولية تزويد المجموعات الموالية لها بالسلاح. 

لكن بايدن أكد خلال حديث لوسائل الإعلام أن "الولايات المتحدة لا تريد حربا أوسع نطاقا في الشرق الأوسط".

وقبل ذلك بيوم واحد، قالت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، إن الهجوم "يحمل بصمات كتائب حزب الله العراقية"، مقدرة أنه "تصعيد" بعد أن أدى إلى مقتل 3 جنود.

وقالت نائبة المتحدثة باسم وزارة الدفاع، سابرينا سينغ، خلال مؤتمر صحفي، في 29 يناير، إن قرار الرد على الهجوم على القوات الأميركية سيتخذه الرئيس "وهو يتشاور مع فريقه الأمني بشكل مستمر".

وفي 28 يناير، أعلنت القيادة المركزية الأميركية، في بيان لها، مقتل 3 جنود أميركيين وإصابة 25 آخرين في هجوم بطائرة مسيرة ضرب قاعدة في شمال شرق الأردن بالقرب من الحدود مع سوريا.

شبكة "سي إن إن" الأميركية بدورها قالت إن الأميركيين القتلى كانوا في "البرج 22" في الأردن قرب الحدود مع سوريا، وتمثل عملية قتلهم تصعيدا كبيرا للوضع في الشرق الأوسط.

ويعد الهجوم الأخير على قوات الأميركية في الأردن الأول من نوعه منذ بدء العدوان الإسرائيل على قطاع غزة في 7 أكتوبر 2023، والأول الذي يُسفر عن سقوط قتلى أميركيين.

وفي المقابل، قال وزير الاتصال المتحدث الرسمي باسم الحكومة الأردنية، مهند المبيضين إن الهجوم الذي أسفر عن مقتل ثلاثة عسكريين أميركيين لم يقع على أرض المملكة، إنما في سوريا.

وقال المبيضين خلال تصريحات لقناة "المملكة" التلفزيونية الأردنية الرسمية في 28 يناير، إن الهجوم الذي استهدف القوات الأميركية في قاعدة التنف في الأراضي السورية، ولم يقع داخل الأردن. 

وفي 28 يناير، تبنت ما تعرف بـ"المقاومة الإسلامية" (الشيعية) في العراق مسؤولية الهجوم على قاعدة أميركية على الحدود الأردنية، مؤكدة أنها "ستواصل شن هجماتها ضد القواعد الأميركية دعما لقطاع غزة وردا على "المجازر الإسرائيلية بحق القطاع منذ 114 يوما".

وأضافت "المقاومة" في بيانها أنها "استهدفت 4 قواعد أميركية وهي قواعد الشدادي والركبان والتنف، أما الرابعة وفقا للبيان فداخل الأراضي الفلسطينية وهي منشأة زفولون البحرية".

"بُعد مستقبلي"

وبخصوص اختلاف الروايتين، قال البرلماني الأردني السابق، هايل ودعان الدعجة، إن "تباين الروايتين الأردنية والأميركية يعود إلى التقارب الجغرافي والمسافة القريبة ما بين قاعدة البرج 22 الواقعة في الأردن أقصى الشمال الشرقي وقاعدة التنف الواقعة في الجهة المقابلة داخل الحدود السورية".

وأضاف الدعجة لـ"الاستقلال" أن "هذا التقارب  قد يكون المسؤول عن وضع قاعدة البرج أمام احتمال أن تكون في دائرة استهداف الفصائل والتنظيمات المسلحة المدعومة- وكما ترى الولايات المتحدة- من إيران، والتي طالما هددت باستهداف المصالح الأميركية في المنطقة".

وتابع: "إضافة إلى احتمالية أن يكون استهداف هذه القاعدة الأميركية في الأراضي الأردنية محاولة للزج بالأردن بدائرة التوتر والصراع في المنطقة على خلفية العدوان الإسرائيلي في قطاع غزة، الأمر الذي دائما ما يحذر منه الأردن والذي لن يكون جزءا منه أو يساهم فيه".

وأشار الدعجة إلى أن "احتمال رد الولايات المحتدة على الضربة يبقى واردا طالما أن مصالحها وقواعدها المنتشرة في المنطقة هي المستهدفة من التنظيمات المسلحة التي تنشط في سوريا والعراق".

وأردف، البرلماني الأردني السابق قائلا: "بالتالي سيكون ردها من جملة الردود المتوقعة على هجمات هذه التنظيمات المتكررة  في مناطق مختلفة تتواجد فيها القواعد الأميركية".

من جهته، قال المحلل العسكري الأردني، اللواء المتقاعد مأمون أبو نوار، إن "الحديث عن أنها داخل أراضي المملكة يعني أننا مضطرون للرد، كونه تعديا على السيادة، لذلك عمان أكثر دقة في تحديد الموقع".

وأضاف أبو نوار خلال حديث لـ"الأناضول" في 30 يناير، أن "الاشتباك الأميركي مع هذه الجماعات المدعومة إيرانيا مستمر، وأتوقع أن الولايات المتحدة الأميركية ستكون مضطرة للرد في العراق وسوريا، وأستبعد استهداف إيران".

ولفت إلى أن "البرج الذي تتحدث عنه واشنطن قريب من الحدود الأردنية بشكل كبير، وهو في محيط قاعدة التنف التي تمتد لمساحة 55 كيلو مترا، وتبعد عن المملكة 24 كيلو مترا".

ورأى الخبير العسكري الأردني أن الهدف من هذه الضربات "هو الضغط على واشنطن للخروج من المنطقة، ولكنها لن تفعل".

وأشار إلى أن "الولايات المتحدة تريد أن تعطي الضربة بعدا مستقبليا، وذكرت الأردن كونه حليفا لها، وتريد أن تعطي امتدادا لأي ردع قادم ضد الإيرانيين، وبالتالي حماية نفوذها ومجالها الحيوي".

وأكد أبو نوار أن "عدم رصدها وإسقاطها فشل أميركي، لكن طبيعة هذه المسيرات أنها تصل أهدافها، وأرجح أن تكون من العراق وليست من سوريا"، مبينا أن "الأردن يعتمد في قراءاته على أمنه القومي في مواقفه وإجراءاته، لذلك أنا مع ما أصدرته عمان بشأن موقع الهجوم".

وفي تقرير نشرته هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" في 29 يناير، قالت إنها تأكدت من مواقع هذه القواعد (المستهدفة) عبر صور الأقمار الصناعية، حيث تقع قاعدة برج 22 في منطقة الركبان، شمال شرق الأردن، بالقرب من الحدود الأردنية السورية.

ولفتت إلى أن هذه القاعدة تحتوي - حسب صور الأقمار الصناعية - على أكثر من 70 مبنى، ولا تحتوي على مدرج جوي، ولكن أحدث الصور عالية الدقة المتاحة لنا تظهر أماكن لاستضافة ما لا يقل عن تسع طائرات هليكوبتر، وفي صور الأقمار الصناعية التي تعود للفترة ما بين يونيو/حزيران إلى أكتوبر/تشرين الأول 2023 يمكن رؤية سبع طائرات.

وأكدت "بي بي سي" أنه بسبب بُعد الموقع عن المناطق السكنية وطبيعته العسكرية لم تتوفر حتى الآن أي صور أو فيديوهات له على وسائل التواصل الاجتماعي.

وذكرت أنه يوجد نحو 3 آلاف جندي أميركي في الأردن، و2500 في العراق - وهم هناك بدعوة من الحكومة العراقية في إطار تحالف يقوده الولايات المتحدة لمنع عودة تنظيم الدولة، الذي لا يزال لديه وجود على أراضيه.

إخلاء المسؤولية

وبخصوص إصرار عمّان على النفي، رأى المحلل السياسي الفلسطيني، حسن مرهج، أن "الأردن يريد القول إن هذه القاعدة خارج الحدود الأردنية، لأنه دائما كان ينفي وجود قواعد أميركية داخل أراضيه، سواء تابعة للولايات المتحدة أو  للتحالف الدولي ضد تنظيم الدولة".

وأوضح مرهج خلال مقابلة تلفزيونية في 28 يناير، أن "القصف أثبت وجود قاعدة أميركية على الأراضي الأردنية، لكن الأردن نفى حتى لا يأخذ على عاتقه المسؤولية عن هذه المواقع، في ظل التوتر القائم داخل المجتمع الأردني جرّاء الأحداث الدائرة في قطاع غزة".

ولفت إلى أن "الاعتراف بأن الهجوم وقع في الأردن من شأنه أن يزعزع القيادة الأردنية والمملكة بشكل عام، لأنه كان في السابق ادعاءات بأنه ليس هناك أي معسكر أميركي، والآن هذه النظرية أثبتت بشكل فعلي".

وأكد مرهج أن "الأردن على مدار 12 عاما ينكر الوجود الأميركي على أراضيه، ويتنصل من مثل هذه المعلومات، وحتى الأردنيون بشكل عام كانوا ينفون ذلك. وعلى هذا الأساس الأميركيون يعدّون هذا الهجوم تجاوزا على الأراضي الأردنية وسيردون عليه".

من جهته، قال رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية خالد شنيكات، إن إصدار حكومة الأردن بيان شجب واستنكار، لأن القوات الأميركية تقدم الدعم والإسناد للقوات المسلحة الأردنية، لضبط الحدود وحمايتها من المليشيات المسلحة، سواء كان لمنع تهريب المخدرات أو الأسلحة".

ولفت شنيكات خلال تصريح لصحيفة "العربي الجديد" في 30 يناير، إلى أن "الإسناد الاستخباري والعسكري للأردن أساسي ولا غنى عنه في هذه المنطقة التي تشهد فوضى أمنية ولا تسيطر عليها قوة مركزية".

وتابع: "إذا استمرت العمليات يمكن أن يحدث تطور أكبر على الموقف الأردني ويصبح جزءا من معادلة الصراع، لكن إذا بقيت حادثة منفردة فإنها تعالج في هذا الإطار، أما إذا توسعت واستهدفت أراضي أردنية فمن المتوقع أن يكون الأردن جزءا من مواجهة ذلك".

وأردف شنيكات، قائلا: "التباين الأردني الأميركي حول موقع الحادثة، يؤشر إلى أهمية هذا الوضع، فإذا كانت الحادثة داخل الأردن فهي اعتداء على السيادة الأردنية مما يتطلب الرد".

"أما إذا كانت خارج الحدود فبيان الشجب والاستنكار كافٍ بالنسبة للأردن، ويأتي في إطار ضرورة وجود موقف أردني تجاه الدعم والإسناد الذي تقدمه القوات الأميركية للمملكة"، حسبما رأى شنيكات.

وفي 30 أكتوبر 2023، طالب الأردن من الولايات المتحدة الأميركية نشر منظومة دفاع جوي (باتريوت)، لتعزيز الدفاع عن حدودها، في وقت تشهد فيه المنطقة تصاعدا في التوتر.

وقال مدير الإعلام العسكري العميد الركن، مصطفى الحياري، خلال تصريحات للتلفزيون الأردني الرسمي أن "الطائرات المسيّرة أصبحت تشكل تهديدا على واجهاتنا كافة"، مؤكدا "طلبنا من الولايات المتحدة الأميركية تزويدنا بمنظومة مقاومة لها".

وتشعر عمّان بقلق متزايد من العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، ومن أن يتسع نطاقها، كما أنها طلبت المساعدة لمواجهة الطائرات المسيّرة المستخدمة في حرب المخدرات المستعرة على طول حدودها مع سوريا.