عبر تحركات ذكية.. هكذا خففت تركيا من الضغوط الغربية على حماس وقطر

داود علي | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

هجوم إسرائيلي متكرر ومتصاعد على دور قطر كوسيط دولي فاعل، يسعى لحل مأساة العدوان الإسرائيلي في غزة، الذي خلف عشرات آلاف القتلى والجرحى.

وفي 23 أبريل/ نيسان 2024، أعلن المتحدث باسم الخارجية القطرية ماجد الأنصاري، أن الدوحة بحاجة إلى إعادة تقييم جهود الوساطة بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وإسرائيل في هذه المرحلة.

وشدد الأنصاري أن بلاده محبطة من الهجوم المتكرر على وساطتها، في إشارة إلى تصريحات وزراء متطرفين في حكومة بنيامين نتنياهو عن الدور القطري. 

بعدها أعلن الأنصاري بشكل صريح أن تنسيق قطر مستمر مع تركيا بشأن سبل وقف الحرب على غزة، مؤكدا التزام بلاده بجهود الوساطة وبالعمل لمنع مزيد من الانهيار الأمني بالمنطقة.

ذلك الموقف القطري عن تقييم الوساطة، جاء وسط ضغط من سياسيين أميركيين وإسرائيليين عليها، لإبعاد قادة حماس من الدوحة، لكن دخول تركيا بقوة على الخط خلال الأيام الماضية، رسم معالم أخرى للمعركة الدبلوماسية الدائرة.

وحملت متغيرات الموقف التركي وتصريحات الرئيس رجب طيب أردوغان دلالات واضحة بأن الضغط الإسرائيلي لفرض حالة بعينها سيظل محل شك ومواجهة. 

استقبال هنية بإسطنبول

وجاء استقبال الرئيس أردوغان في قصر “دولمة بهجة” بمدينة إسطنبول، في 20 أبريل 2024، لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية والوفد المرافق له، الذي ضم رئيس الحركة في الخارج خالد مشعل، كإشارة واضحة لبدء لعب أنقرة دورا أكبر في الملف. 

ومنذ بداية الحرب، ويدلي الرئيس أردوغان بتصريحات غير مسبوقة دفاعا عن غزة يستهدف فيها مسؤولي الاحتلال الإسرائيلي ويشبههم فيها بالنازية.

ففي 17 أبريل قال خلال اجتماع الكتلة النيابية لحزب العدالة والتنمية في العاصمة التركية أنقرة "سأواصل الدفاع عن النضال الفلسطيني وسأكون صوت الشعب الفلسطيني المظلوم ما أعطاني الله الحياة حتى لو تركت وحدي". 

وزاد على ذلك عندما شبه حركة حماس بالقوات الوطنية التركية إبان حرب الاستقلال، في إشارة إلى حرب خاضتها الحركة الوطنية التركية ضد قوات الاحتلال من اليونان وفرنسا وأرمينيا وبريطانيا، واستطاعت أن تنتصر في النهاية، بعد معارك عنيفة وطويلة دامت من 1919 حتى 1923.

تلك التطورات أغضبت إسرائيل التي كانت تحاول حصار الوساطة القطرية دبلوماسيا والتقليل من فاعليتها. 

وفي أول رد فعل إسرائيلي على اللقاء والتصريحات، هاجم وزير خارجية الاحتلال يسرائيل كاتس الرئيس التركي، وقال له "عار عليك".

ليرد المتحدث باسم الخارجية التركية أونجو كتشالي قائلا إن "على المسؤولين الإسرائيليين الشعور بالعار إزاء جرائمهم في غزة". 

زيارة فيدان

ومن الخطوات المتقدمة التي اتخذتها تركيا إزاء دعم الوساطة القطرية، تلك الزيارة التي قام بها وزير الخارجية التركي هاكان فيدان (رئيس الاستخبارات التركية السابق) إلى الدوحة في 17 أبريل. 

وقد عقد لقاء صحفي مع رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، كان عنوانه الرئيس "تقييم الوساطة". 

حيث تحدث الوزير القطري قائلا إن "بعض الأطراف يحاول استغلال الوساطة القطرية لتحقيق مكاسب سياسية ضيقة وعمل دعاية انتخابية"، في إشارة إلى الجانب الإسرائيلي. 

وأكمل: "هناك إساءة للدور القطري في الوساطة، ونحن نرفض هذه الإساءة"، مضيفا "لقد تدخلنا في الوساطة من منطلق إنساني وقومي ووطني لحماية إخوتنا الفلسطينيين".

وعقب الوزير التركي أن "بعض الدول الغربية تريد حل الدولتين لكن لديها شكوك حول حماس خصوصا في ظل الدعاية الإسرائيلية التي تريد إظهار الحركة في صورة تنظيم الدولة الإسلامية".

وقال فيدان: "حاليا هناك تواصل تركي قطري مكثف وتعاون وثيق، حيث يبذل البلدان جهودا كبيرة لوقف إطلاق النار والوصول لحل الدولتين"، مؤكدا دعمه وإشادته بالدور الذي لعبته الدوحة منذ بداية العدوان.

المعادلة قائمة 

وقدم الكاتب الفلسطيني ياسر الزعاترة عبر حسابه بموقع "إكس" تحليلا لتطورات الموقف التركي تجاه غزة عموما وتجاه قطر بشكل خاص. 

وقال: بدأت بالردود القطرية غير المسبوقة على الهجمات الصهيونية والأميركية عليها، والتي كانت الدوحة تتجاهلها في السابق.

ومن ثم تلويح "آل ثاني" بوقف الوساطة بعد هستيريا أميركية من رد "حماس" على الورقة الأخيرة، والذي بقي هو ذات الرد على الورقة السابقة، رغم اعتقاد أتباع الكيان في إدارة بايدن بأن فيها ما يستحق النظر.

وأضاف: جاءت زيارة وزير خارجية تركيا للدوحة ولقائه المطول مع قيادة "حماس"، ومن ثم لقاء إسماعيل هنية مع أردوغان، لتضيف الكثير من الأسئلة.

لا سيما في ظل تزامنها مع تسريبات عن بحث قيادة "حماس" عن مكان آخر غير قطر بعد تصاعد الضغط الأميركي الصهيوني عليها، ومن ثم السؤال عن هوية المكان الجديد، وعما إذا كان تركيا أم إيران أم سواهما.

وأكمل: ما يمكن استنتاجه هو أن القيادة التركية قد هبت لنجدة أصدقائها في قطر، إما بطلب أو بمبادرة ذاتية، فكانت زيارة "فيدان" للدوحة، واللقاء المرتقب لأردوغان مع قيادة "حماس" في إسطنبول.

واستدرك: لكن ذلك كله لن يغير شيئا ملموسا في المعادلات القائمة، فلا قيادة "حماس" ستغادر الدوحة، وإن بقي لها مكان في إسطنبول أيضا، ولا قطر ستوقف وساطتها بالكامل (حتى أميركا لا تريد ذلك، وإن طالبت بضغط على حماس).

 ثم اختتم بالقول: حماس لن تخضع للضغوط وتقبل الورقة الأميركية أو أي ورقة أخرى لا تحمل مضمونا يلبي مطالب شعبها.

وكذلك كتب الباحث المتخصص في الشأن التركي سعيد الحاج في 22 أبريل: المرجح أن تكون تركيا فعلت دورها كإسناد للموقف القطري وليس منافسته أو سحب البساط من تحته.

وأضاف في مقال لموقع "عربي 21": لا سيما أن الضغوط الأميركية حقيقية وخصوصا من بعض أعضاء الكونغرس. 

وأشار إلى أن أنقرة تحاول منذ بداية العدوان أن يكون لها دور في الوساطة، وهو ما رفضته حكومة نتنياهو ولا نعتقد أنه حصل تغير ملموس على هذا الصعيد أخيرا.

البديل التركي 

وتعليقا على المشهد، قال المحلل السياسي الفلسطيني نادر أبو راس لـ"الاستقلال" إنه لابد من فهم السياق الذي تتعامل به حكومة نتنياهو المهزومة والمأزومة.

 وأضاف: فهي تضغط على حماس وفصائل المقاومة من خلال ضغطها على قطر بوصفها الوسيط الأقرب والأوثق لدى حماس، ولأن جزءا من قيادات الحركة يقيمون هناك. 

وتابع أبو راس: “نتنياهو يريد حل معضلة الأسرى، ويريد أن تسري العملية كما حدث في صفقة التبادل الأولى، ولكن كما قال القائد يحيى السنوار (الكل مقابل الكل)”.

"فحماس تعلم جيدا كيف يفكر ويماطل الصهاينة، ومفاوضتهم هي استدراج لإخراج أو تصفية مشكلة الأسرى، فيمكن أن يستهدفوهم كما حدث مع أكثر من أسير، ثم ينفردون بالمقاومة وشعبنا المحاصر في غزة"، يضيف المحلل الفلسطيني.

ومضى يقول: "هنا يأتي الدور التركي المهم، ومن المعلوم أن إسرائيل لا تريد لتركيا أو تحديدا حكومة أردوغان أن يكون لها دور فاعل في الوساطة والمفاوضات، خاصة أن احتواء تركيا هي مسألة أمن قومي إسرائيلي لا تقل أهمية عن تصفية حماس وضرب المقاومة في غزة". 

وختم أبو راس بالقول: "الولايات المتحدة نفسها لا تريد فقد الوساطة القطرية، لكنها في الوقت ذاته ستكون متحسسة تجاه أي دور تركي فاعل، ومن هنا فإن التحالف القطري التركي لإنقاذ الوساطة كان عملية ذكية ومحسوبة، ستخفف الضغوطات الإسرائيلية على قطر، وبالتالي على قادة المقاومة في الخارج".