قراءة عبرية للانتخابات الإيرانية: المحافظون مهيمنون والإصلاحيون مهمشون

8 months ago

12

طباعة

مشاركة

لم يكن العزوف عن التصويت في انتخابات البرلمان ومجلس خبراء القيادة في إيران وتراجع نسبة المشاركة إلى 41 بالمئة، وهي الأدنى منذ الثورة الإيرانية عام 1979، مفاجئا للإيرانيين؛ وذلك لرفض مجلس صيانة الدستور غالبية مرشحي التيار الإصلاحي.

وفي هذا الإطار حلل معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي نتائج الانتخابات وما تمثله هذه بالنسبة لتماسك نظام الملالي وقوته، في ظل الاستعدادات الجارية لخلافة المرشد علي خامنئي.

انتخابات مهمة

في مطلع مارس/ آذار 2024، أُجريت انتخابات البرلمان في إيران، والتي تضم 290 مقعدا وتجرى مرة كل أربع سنوات.

وفي الوقت نفسه، أُجريت انتخابات "مجلس الخبراء" الذي يضم 88 من رجال الدين، والتي تجرى مرة كل ثماني سنوات. 

ووفقا لدستور الجمهورية الإيرانية، فإن المجلس مسؤول عن الإشراف على أنشطة المرشد الأعلى وتعيين خلف له، وحتى عزله إذا وُجد أنه لم يعد لائقا لممارسة مهامه.

وفي هذا السياق، يقول المعهد إن "فوز المحافظين كان متوقعا بسبب عملية فرز المرشحين من قبل مجلس صيانة الدستور". 

ومع ذلك، يعتقد الموقع أن الانتخابات اكتسبت بعض الأهمية لسببين رئيسين. 

يتمثل السبب الأول في أن هذه الانتخابات شكلت أول اختبار مهم لقوة النظام منذ موجة الاحتجاجات الواسعة التي اندلعت في سبتمبر/ أيلول 2022، عقب وفاة الشابة مهسا أميني، والتي استمرت حتى بداية عام 2023. 

أما السبب الثاني، فهو أن الانتخابات رمزت إلى مرحلة أخرى في النظام، وهي إرساء الهيمنة المحافظة في المؤسسات المنتخبة بإيران. 

وتُعد هذه المرحلة تمهيدا لصراع خلافة قيادة إيران، وهو أمر متوقع على الأرجح في السنوات المقبلة، بحسب المعهد الإسرائيلي.

وبشأن التسجيل في انتخابات البرلمان، قدر معهد الأمن القومي عدد المشاركين بنحو 37 ألف مرشح، حيث وافق "مجلس صيانة الدستور" على نحو 15 ألفا و200 مرشح، ينتمي أغلبهم إلى المعسكر المحافظ. 

وكما حدث في الحملات الانتخابية السابقة في العقدين الأخيرين، يلفت المعهد إلى نشأة خلاف هذه المرة أيضا في المعسكر الإصلاحي حول مسألة المشاركة في الانتخابات. 

ويشير قرار أغلبية الإصلاحيين بالامتناع عن المشاركة في الانتخابات مرة أخرى إلى محنة الإصلاحيين، الذين أصبحوا غير ذوي أهمية في النظام السياسي بسبب ضعفهم وعدم قدرتهم على الوقوف في وجه قبضة المحافظين القوية.

وأبرز ما يمثل هذا الاتجاه -كما ورد عن المعهد- هو الامتناع غير المسبوق للرئيس السابق محمد خاتمي، أحد أبرز قادة الحركة الإصلاحية، عن التصويت في الانتخابات.

وفي ظل هذه الظروف، تحولت الانتخابات إلى حد كبير إلى صراع داخلي على السلطة داخل المعسكر المحافظ، حسب المعهد.

وفي طهران، قدم عضو المجلس السابق علي المطهري، قائمة "صوت الشعب"، التي ضمت 30 ممثلا اختيروا من الجناح البراغماتي للمعسكر المحافظ. 

وفي هذا الإطار، يقول المعهد إن "المطهري اتخذ في السنوات الأخيرة نهجا نقديا تجاه تعامل النظام مع القضايا المثيرة للجدل، مثل الحريات الفردية والاعتقالات السياسية".

ورغم استبعاد ترشحه من قبل "مجلس صيانة الدستور" في انتخابات عام 2020، إلا أن ترشحه هذه المرة قد قُبل بعد أن قدم "قائمة مستقلة، ليست محافظة أو إصلاحية".

الهيمنة المحافظة

وعلى الرغم من دعوة كبار المسؤولين الإيرانيين، وعلى رأسهم المرشد الإيراني علي خامنئي، المواطنين للإدلاء بأصواتهم، سُجلت أدنى نسبة إقبال على التصويت منذ الثورة، وفق ما ورد عن المعهد الإسرائيلي.

وبحسب بيانات وزارة الداخلية الإيرانية، فقد شارك في الانتخابات نحو 25 مليون شخص، أي نحو 41 بالمئة ممن لهم حق التصويت، مقابل نحو 43 بالمئة في الانتخابات السابقة عام 2020. 

وللمقارنة، يذكر المعهد الإسرائيلي أنه في جولتي انتخابات المجلس في عامي 2012 و2016، سُجلت نسبة تزيد عن 60 بالمئة في إقبال الناخبين. 

وتابع: ورغم انخفاض نسبة المشاركة في الانتخابات، إلا أن أنصار النظام قدموها على أنها إنجاز للنظام، زاعمين أنها تشير إلى فشل المعارضين المتطرفين للنظام، الذين دعوا إلى مقاطعة الانتخابات".

وكما كان متوقعا، يؤكد المعهد أن "المحافظين نجحوا في الحفاظ على سيطرتهم المطلقة على السلطة التشريعية". 

وبحسب النتائج، فقد فاز المحافظون بجميع المقاعد المخصصة لمحافظة طهران، بعد فشل قائمة المطهري في الحصول على أي من ممثليها، بما في ذلك المطهري نفسه. 

وحتى في انتخابات "مجلس الخبراء"، يلفت المعهد إلى أن "المحافظين الذين يدعمون المرشد خامنئي تمكنوا من الحفاظ على قبضتهم المطلقة".

جدير بالذكر أنه منذ إنشاء المجلس في ديسمبر/ كانون الأول عام 1982، يتمتع المحافظون بأغلبية قوية فيه.

على الرغم من ظهور خلافات في بعض الأحيان بين رجال دين من الجناح اليميني المتطرف ورجال دين من الجناح الأكثر براغماتية في المعسكر المحافظ.

وبشكل عام، يقول المعهد إن "انتخابات المجلس عادة لا تثير اهتماما خاصا، لأنه ليس هيئة فاعلة في الحياة السياسية اليومية"، مستدركا: لكن بشكل غير مسبوق، حظيت الانتخابات هذه المرة بأهمية خاصة. 

ومن وجهة نظر المعهد، يأتي هذا الاهتمام من "الاحتمال الكبير بأن يطلب من المجلس المنتخب اختيار خليفة للقائد الحالي الذي يقترب عمره من 85 عاما".

صراع الخلافة المحتمل

وأما بالنسبة لانتخابات البرلمان، في نهاية عملية فرز المرشحين، وافق "مجلس صيانة الدستور" على 144 مرشحا، وهي نسبة مماثلة للانتخابات الأخيرة للمجلس، وفق المعهد الإسرائيلي. 

ومن بين أمور أخرى، وفي خطوة مثيرة للجدل، استبعد المجلس ترشيح الرئيس السابق حسن روحاني، الذي كان عضوا في المجلس منذ عام 2000. 

ويبرز المعهد أن "استبعاده يُعد دليلا إضافيا على جهود النظام لضمان الهيمنة المحافظة المطلقة في مؤسسات القيادة الإيرانية، ومن بينها (مجلس الخبراء)".

وردا على إسقاط أهلية ترشيحه، أرسل روحاني ثلاث رسائل إلى "مجلس صيانة الدستور" يطالب فيها بنشر أسباب استبعاده، إلا أنها ظلت دون إجابة حتى الآن. 

علاوة على ذلك، يضيف المعهد أن "المجلس استبعد كذلك جميع المرشحين الأربعة، الذين خاضوا الانتخابات ضد الرئيس رئيسي في مقاطعة جنوب خراسان".

وورد في عدة تقارير -وفق المعهد- اسم رئيسي كأحد المرشحين لتولي منصب رئيس "مجلس الخبراء" بدلا من رجل الدين الكبير، آية الله أحمد جنتي. 

وفي رأي معهد الأمن القومي، قد يؤدي انتخاب رئيسي لهذا المنصب إلى تعزيز موقفه قبل الانتخابات الرئاسية في عام 2025.

كما أنه يشكل خطوة أخرى في عملية تدريبه المحتمل كخليفة للمرشد الإيراني، أو على الأقل السماح له بلعب دور مركزي في صراع الخلافة المتوقع. 

وهنا، يوضح المعهد أن "هذا الصراع قد يحدث على خلفية أنباء تحيط بإمكانية انتقال السلطة بعد وفاة المرشد الحالي علي خامنئي إلى نجله مجتبى".

وفي الختام، يذهب المعهد إلى أن انتخابات البرلمان و"مجلس الخبراء" تعبر عن اتجاهين رئيسين شهدتهما إيران في العقود الأخيرة.

الاتجاه الأول يتمثل في التآكل المستمر للثقة العامة في النظام والنظام السياسي لدى المعسكرين السياسيين الرئيسين؛ المحافظين والإصلاحيين.

بينما يظهر الاتجاه الثاني تزايد استبداد النظام، الذي أدى على مر السنين إلى تضييق حدود التوافق السياسي وإقصاء كل فاعل سياسي وأيديولوجي ينافسه.

وفي رأي المعهد، "أسفرت هذه العملية عن تعزيز هيمنة المحافظين على النخبة السياسية الحاكمة في إيران وتضييق قاعدة الدعم للنظام. حيث قمع النظام أي مركز بديل للسلطة السياسية، وترك النظام السياسي تحت السيطرة الكاملة لمختلف أجنحة المعسكر المحافظ". 

ويوضح المعهد أن هذه الإجراءات ستقلل مع مرور الوقت من المشاركة العامة في الانتخابات وتؤدي إلى تفاقم أزمة شرعية النظام. 

ويضيف أن "سيطرة المحافظين على المؤسسات الحكومية لا تساعد النظام على تقديم الحلول لمطالب الجمهور ومعاناته، بل إنها تعمق أزمة الثقة الشعبية وتوسع الفجوة بين السلطة والجمهور، وخاصة جيل الشباب". 

وفي النهاية، ينقل المعهد وجهة نظر النظام، التي تؤمن بأن "اقتراب نهاية عهد خامنئي يتطلب من الموالين له الاحتفاظ بالسيطرة المطلقة على مراكز السلطة المختلفة، حتى لو كانت على حساب المزيد من تآكل شرعيته العامة".