السيسي يحاصر غزة ويبرر مرور أسلحة إسرائيلية بـ"اتفاق القسطنطينية".. وناشطون: بيان منحط
مصر تتحجج بالتزاماتها الدولية لتسمح بمرور بارجة إسرائيلية بينما تحاصر غزة
على وقع تنديد وغضب واسع أثاره عبور سفينة تحمل ذخائر ومعدات عسكرية متجهة إلى الاحتلال الإسرائيلي عبر مصر، بررت هيئة قناة السويس سماحها بمرور السفن الحربية من جنسيات مختلفة، بالتزامها بالاتفاقيات الدولية.
وأكدت الهيئة في بيان أصدرته في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 2024، وردده إعلاميون محسوبون على النظام المصري، التزامها بتطبيق الاتفاقيات الدولية التي تضمن حرية الملاحة للسفن العابرة لقناة السويس، سواء كانت تجارية أو حربية، دون تمييز على أساس جنسية السفينة.
وزعمت أن هذا الالتزام يأتي "تماشيا مع بنود اتفاقية القسطنطينية التي تُعد ضمانة أساسية للحفاظ على مكانة القناة كأهم ممر ملاحي في العالم"، موضحة أن عبور السفن الحربية عبر القناة يخضع لإجراءات خاصة.
وقالت الهيئة إن اتفاقية القسطنطينية، التي وُقعت عام 1888، وضعت منذ ذلك الحين الأسس الأساسية لطبيعة التعامل الدولي مع قناة السويس، وحافظت على حق جميع الدول في الاستفادة من هذا المرفق العالمي.
وأشارت إلى أن المادة الأولى في الاتفاقية نصّت على أن “تكون قناة السويس البحرية دائما حرة ومفتوحة، سواء في أوقات الحرب أو السلم، لكل سفينة تجارية أو حربية، دون تمييز لجنسيتها”.
وجاء بيان الهيئة في أعقاب الكشف في 28 أكتوبر/تشرين الأول 2024، عن رسو سفينة "كاثرين"، المحمّلة بمواد متفجرة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، في ميناء الإسكندرية المصري، بعد رفض دول عديدة استقبالها، من بينها مالطا وناميبيا وأنغولا والجبل الأسود وسلوفينيا.
وبعد ساعات من بيان الهيئة، وثق ناشطون مصريون في محافظة الإسماعيلية بالصوت والصورة مشاهد عبور سفينة حربية للاحتلال الإسرائيلي من مجرى قناة السويس، وهي تحمل علمي الكيان الإسرائيلي ومصر.
وتظهر المشاهد وجود قوات من الجيش المصري على امتداد قناة السويس لحماية السفينة حتى عبورها مجرى القناة، كما تظهر توجيه المصريين شتائم للاحتلال الإسرائيلي وللنظام المصري برئاسة عبدالفتاح السيسي، وإشارات احتجاج على مرورها.
معاهدة دولية
واتفاقية القسطنطينية معاهدة دولية خاصة بتنظيم الملاحة في قناة السويس، أُبرمت في 29 أكتوبر/تشرين الأول 1888 بين بريطانيا من جهة وفرنسا من جهة أخرى، ووقعتها أيضا دول أخرى هي: روسيا وإيطاليا والنمسا والمجر وإسبانيا وهولندا والدولة العثمانية.
وجاءت بعدما سيطرت بريطانيا في 1882 على مصر وقناة السويس، وكانت فرنسا تهيمن حينها على أغلبية أسهم شركة القناة. ورغبة منها في إضعاف السيطرة البريطانية عليها، سعت لتدويل القضية داخل أوروبا.
لكن بريطانيا أظهرت رغبة في وضع نظام لتأمين حرية المرور في القناة، في منشور لوزير خارجيتها لورد غرانفل إلى الدول الأوروبيّة الكبرى يوم 3 يناير/كانون الثاني 1883، وفي تقرير لورد دفرن في فبراير/شباط 1883.
ووقع مندوبو 7 دول كبرى، هي: إنجلترا وفرنسا وألمانيا وروسيا والنمسا والمجر والدولة العثمانية، بالإضافة لمندوب ملك مصر الخديوي، اتفاقية مبدئية على أساس منشور لورد غرانفل في مارس/آذار 1885.
وبعد مفاوضات، جرى توقيع اتفاقية القسطنطينية يوم 29 أكتوبر 1888، وقد شكلت حلا وسطا بين قوتين استعماريتين، حيَّد القناة وضمن مرور جميع السفن عبر قناة السويس في الحرب والسلم دون تمييز لجنسيتها.
وتضمن مواد في الاتفاقية لمصر حقها في الامتناع عن مرور سفن في حال كان ذلك يمس أمنها القومي وسلامتها وسيادتها، ومنها المادة العاشرة.
وتنص على أن أحكام الاتفاقية "لا تتعارض مع التدابير التي قد يرى عظمة السلطان وسمو الخديوي اتخاذها باسم صاحب الجلالة الإمبراطورية ليضعا، بواسطة قواتهما وفي حدود الفرمانات الممنوحة، الدفاع عن مصر وصيانة الأمن العام."
وتقول: "إذا رأى صاحب العظمة الإمبراطورية السلطان أو سمو الخديوي ضرورة استعمال الحقوق الاستثنائية المبينة بهذه المادة، يجب على حكومة الإمبراطورية العثمانية أن تخطر بذلك الدول الموقعة على تصريح لندن".
وأعرب ناشطون على منصتي "إكس" وفيسبوك" عن غضبهم من استحضار النظام المصري لاتفاقية بالية تستوجب إعادة الصياغة وتعديل بنودها، والتذرع بتطبيق أحد بنودها وتجاهل البعض الآخر الذي يضمن لمصر حقها في منع مرور السفن التي تهدد أمنها القومي.
واستنكروا عبر تغريداتهم وتدويناتهم على حساباتهم الشخصية ومشاركتهم في وسوم عدة أبرزها #اتفاقية_القسطنطينية، #السيسي_خائن، #قناة_السويس، وغيرها، تبرير النظام المصري السماح بعبور سفن عسكرية للعدو الإسرائيلي ليستخدم حمولاتها العسكرية في إبادة الشعب الفلسطيني.
وصب ناشطون جام غضبهم على رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، ونظامه الحاكم والجيش، واستهجنوا اصطفاف الجنود لتأمين مرور السفينة الحربية المتجهة للاحتلال، ووصفوا بيان هيئة قناة السويس بالمنحط وذكّروا بمواقف سابقة للنظام خالف فيها الاتفاقية.
حق مصر
وقال أحمد الحوفي: “سألت الذكاء الاصطناعي عن الظروف التي تجيز لمصر عدم السماح بمرور سفن حربية في قناة السويس، فأجاب أنه بموجب اتفاقية القسطنطينية لعام 1888، فإن القناة مفتوحة للسفن التجارية والعسكرية من جميع الدول في وقت السلم والحرب، ولكن مصر لديها الحق في اتخاذ إجراءات استثنائية في بعض الحالات، وفقا للقوانين والمعاهدات الدولية”.
وأشار الذكاء الاصطناعي إلى أن أهم الحالات التي يمكن لمصر فيها منع مرور سفن حربية عبر القناة تشمل حالة الحرب، التهديد المباشر لأمنها.
وأنه “إذا أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قرارا بفرض عقوبات أو حظر بحري على دولة معينة، يمكن لمصر تنفيذ هذا القرار بمنع مرور السفن الحربية التابعة لهذه الدولة عبر القناة”.
ولفت إلى أن "الانتهاكات البيئية أو الأمنية" من بين الحالات التي تجيز لمصر منع مرور السفن الحربية عبر قناتها، إذ في حالات استثنائية تتعلق بالبيئة أو الأمن، قد ترفض مصر مرور السفن التي تشكل تهديدًا أو تقوم بانتهاكات صريحة للقوانين الدولية.
وأوضح الإعلامي أسامة جاويش، أن اتفاقية القسطنطينية تم توقيعها عام 1888 لتنظيم حركة الملاحة في قناة السويس في وقت السلم والحرب وتضمنت 17 بندا أبرزهم كان الأولى والعاشرة، مؤكدا أن مصر يحق لها وفقا للاتفاقية أن تمنع مرور سفن حربية في بعض الحالات.
وأشار إلى أن من هذه الحالات أن تكون السفينة تابعة لدولة في حالة حرب مباشرة مع مصر، وأن تحمل بعض المواد الخطرة ما يهدد أمن وسلامة البلاد، وأن تمثل تهديدا مباشرا على الأمن القومي المصري.
وسخر جاويش قائلا: "طبعا إسرائيل اللي انتهكت اتفاقية السلام واحتلت محور فيلادلفيا وسيطرت على معبر رفح وقادتها بيتكلموا علنا عن أطماعهم في سيناء وضرورة تهجير الفلسطينيين لها واللي بترتكب إبادة جماعية مستمرة في غزة على بعد أمتار من حدودنا الشرقية لا تمثل تهديدا على الأمن القومي المصري طالما بيحكم مصر عبد الفتاح السيسي".
وذكر بأن بريطانيا منعت عام 1914 مع بداية الحرب العالمية الأولى مرور بعض السفن من قناة السويس والسبب كان أمن القناة وحماية مصالحها في مصر.
واستنكر المغرد هشام تبجح محسوبين على السيسي بالاتفاقية، قائلا: "لأنهم مجرد أبواق تضخم الصوت لا يعرفون حتى أين توجد القسطنطينية ولا أن الفصل 10 من هذه الاتفاقية البالية يسمح لمصر بمنع مرور أي سفينة صيانة للأمن العام لها، أي أن من حقها منع من تريد بمجرد ما تربط ذلك بأمنها".
وأوضح إسلام لطفي، أن اتفاقية القسطنطينية تمنح مصر بشكل واضح ومباشر الحق في منع الملاحة إن كانت ترى في ذلك تهديد لأمنها القومي، مذكرا بأن (إسرائيل تحتل فلسطين وتعتدي على لبنان التي تربطها بمصر معاهدة دفاع عربي مشترك، وتحتل محور فيلادلفيا بالمخالفة لاتفاقية السلام).
وذكر بأن الاتفاقية التي يقترب عمرها من القرن ونصف القرن لم تمنع إنجلترا من منع مرور سفن بضائع وقت الحربين العالميتين، ولم تمنع مصر من تأميم القناة، ولم تمنعها من إغلاق الملاحة عدة مرات في وجه سفن إسرائيلية وفرنسية وبريطانية.
وقال إن أثناء حكم حسني مبارك تم منع سفن إيرانية وشمال كورية من العبور ولم يحدث شيء، واصفا بيان قناة السويس بأنه "منحط لم يكن له أن يصدر".
غضب واستياء
وإعرابا عن الغضب من بيان هيئة قناة السويس، قال الصحفي علاء طه: "دولة احتلال مارقة وترتكب جرائم إبادة جماعية وتنتهك القانون الدولي وكل الاتفاقيات الدولية ومساندتها تعني في القانون الدولي مشاركتها في جرائمها.. وأنت تسمح لفرقاطاتها الحربية بالمرور تحت حماية خاصة وتقولي معاهدة القسطنطينية.. يا أخي عيب".
وعد الصحفي محمد طلبة رضوان، ما جاء في بيان الهيئة "حجج سمجة وغير حقيقية"، مؤكدا أن السبب الوحيد إن إسرائيل موجودة في قناة السويس هو أن النظام المصري حليف إسرائيل وشريكها في حصار غزة وفي إبادتها.
وأرجع ذلك إلى أن "نظام السيسي نظام ضعيف.. ونظام جبان.. ونظام لا يجرؤ على مواجهة إسرائيل.. ونظام يعتمد في حكمه لمصر على دعم إسرائيل بشكل واضح ومباشر وصريح".
وقال رضوان: “مفيش اتفاقية دولية في التاريخ تحرم مصر أو أي بلد تاني من حقه في إغلاق ممرات ملاحية في حالة تهديد الأمن القومي”.
وأوضح أن اتفاقية القسطنطينية نفسها في مادتها العاشرة بتدي الحق ده لمصر.
قراءات وتحليلات
وفي قراءات وتحليلات للأحداث، قال مدير معهد لندن للإستراتيجية العالمية مأمون فندي، إن الصور القادمة من مصر تحتاج إلى قراءة سياسية هادئة دونما تشنج بغض النظر عن النفي والإثبات والجانب القانوني.
وأكد فشل الإعلام في تجسير الهوة بين الناس وأهل الحكم للدرجة التي فقد فيها مصداقيته الكاملة، متسائلا: “ما هي اللحظة أو ما هو الحدث أو القشة التي تقصم ظهر البعير؟”
وطرح الكاتب سامح عسكر، أسئلة وإجاباتها بعيدا عن العواطف، منها: هل يحق لمصر طلب تعديل اتفاقية القسطنطينية عام 1888؟"
وأجاب: "أظن أنه من حق أي جهة طلب تعديل اتفاقية إذا كانت بعض بنودها تمثل ضررها على أمنها القومي، أو سمعتها وكيانها وهويتها بشكل عام، وفي هذه الحالة تتضرر سمعة مصر بشدة نتيجة لمرور قطعة بحرية صهيونية في القناة تشارك بشكل أو بآخر في المذابح الجماعية في غزة ولبنان".
وتساءل عسكر: "هل يحق لمصر وفقا لاتفاقية القسطنطينية نفسها منع السفن الحربية الإسرائيلية بوصفها متهمة بجرائم إبادة جماعية؟"
وأجاب: "لا يكفي القول بأن مصر ملتزمة باتفاقية دولية، فالاتفاقيات ليست قرآنا منزلا، بل صياغات بشرية وفق مصالح مؤقتة، وكذلك تخضع تفسيرات بنود الاتفاقية بشكل عام لمصلحة وسمعة الجهة المنوط بها التدخل وهي مصر، وبالطبع مصر تتضرر بشدة نتيجة لعبور القوات البحرية الإسرائيلية من القناة وهي قوات مشاركة في جرائم إبادة جماعية بفلسطين".
وأكد عسكر أن الإجابة على هذين السؤالين مهمة، لأن الشرق الأوسط يعيش مرحلة حساسة جدا تتطلب قرارات من خارج الصندوق، أو بالأحرى تفكير غير اعتيادي وفقا للظرف الذي نعيشه، ولأن إسرائيل تمادت ولا زالت تتمادى، ولن تتوقف مسيرتها ضد الشعوب المستضعفة، بل ستمتد وبدعم غربي طائفي كامل ضد كل من يفكر بالتصدي وبمنع هذه الجرائم التاريخية.
انتقائية السلطة
واستنكارا لانتقائية النظام المصري في تطبيق الاتفاقيات والمعاهدات الدولية وفق مصالحه السياسية، قالت الناشطة الحقوقية هالة عاهد: "دولة عربية كبرى تتحجج بالتزاماتها الدولية لتسمح بمرور بارجة إسرائيلية في مياهها، الدولة ذاتها تجاهلت التزامتها الدولية بمفتح معبر وإدخال المساعدات وتأمين مرور الجرحى".
وأضافت أن الدولة ذاتها تضرب عرض الحائط بالتزامات دولية أخرى تفرض عليها عدم تسهيل أفعال الإبادة وعدم التواطؤ بارتكابها!
وانتقد الناشط الحقوقي بلال نزار ريان، تحجج مصر بالاتفاقيات الدولية لسماحها بعبور السفن الحربية الإسرائيلية التي تقتل أهلنا في غزة ولبنان، متجاهلة أن معبر رفح يجب أن يبقى مفتوحا 24 ساعة بموجب القانون الدولي.
وعلق قائلا: “النذالة تتجلى في التواطؤ عبر فتح الطرق للأسلحة، والمشاركة بإغلاق معبر رفح في وجه الجرحى والمسافرين، وفرض إتاوات تزيد على خمسة آلاف دولار لعبورهم، بينما تُفتح المعابر الأخرى للسياح الصهاينة للترفيه والاستجمام.”
حظر سابق
واستحضر ناشطون مواقف سابقة للنظام المصري خالف فيها اتفاقية القسطنطينية التي استحضرها اليوم لتبرير سماحه بمرور سفن عسكرية للاحتلال الإسرائيلي، ومنها إبان الحصار العسكري الذي فرض على قطر في 2017، وأخرى في 2006 لحاملة طائرات فرنسية تحمل نفايات مضرة.