واقع جيوسياسي.. هل بدأ الغرب ينتقل إلى مرحلة القبول بـ"مجموعة بريكس"؟
“يعمل الغرب على معادلة هذا الحدث ذي الأهمية العالمية”
بحضور الأعضاء الجدد لأول مرة، مصر والإمارات والسعودية وإيران وإثيوبيا، احتضنت مدينة قازان الروسية خلال الفترة ما بين 22 و24 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، أعمال القمة السادسة عشرة لمجموعة دول “بريكس”.
بالإضافة إلى 36 دولة أخرى، يسعى جلهم للانضمام إلى التكتل، ومن بين هذه الدول 22 دولة حضرت بمستوى تمثيل عالٍ، كما شهد المنتدى حضور قيادات 6 منظمات دولية، على رأسهم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.
وتأسست "بريكس" عام 2006 من قبل البرازيل وروسيا والهند والصين، وانضمت إليها جنوب إفريقيا عام 2011.
انطلاقا من هذه المعطيات، حلل موقع "روسيا اليوم" الأسباب التي تجعل من منتدى بريكس "يكتسب أهمية مركزية في السياسة العالمية".
كما استعرض الأهمية الاقتصادية المتنامية لمنتدى البريكس، واصفا إياه بأنه يمثل "الأغلبية الاقتصادية الجغرافية العالمية"، التي تحاول حماية نفسها من محاولات "فرض الاستعمار الرأسمالي الطفيلي".
مرحلة انتقالية
واستهل الموقع حديثه مبينا "الأهمية المركزية التي اكتسبها منتدى البريكس"، ويتجلى ذلك بـ"حضور قادة من أكثر الدول نموا في العالم، رغم الضغوط غير المسبوقة من الولايات المتحدة".
علاوة على ذلك، لفت إلى أن "قمة قازان، توضح الانقسام الجوهري في المنطق الجيو-اقتصادي بين الغرب وغير الغرب".
ويرى الموقع أن "هناك تطورا لنظرة الغرب تجاه البريكس، فهو يمر حاليا بمرحلة انتقالية من الغضب إلى مرحلة قبول هذا التجمع الدولي كواقع جيوسياسي لا بد من التعايش معه".
واستدرك قائلا: "لكن الغرب لن يكون الغرب إذا لم يحاول التقليل من أهمية قمة قازان، بتصويرها كجزء من (اللعبة السياسية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين)".
وأضاف: “في الوقت نفسه، يعمل الغرب على معادلة هذا الحدث ذي الأهمية العالمية، الذي يثبت الحالة الجديدة للسياسة والاقتصاد العالميين”.
وفي السياق، يعتقد أن "عدم استعداد الغرب الموحد بقيادة الولايات المتحدة لقبول القيادة الروسية على منصة بريكس، يظهر عدم فهمهم للحقائق السياسية الأساسية للعالم الناشئ".
وقارن الموقع بين منتدى بريكس الذي "يشكل منصة للدول التي تعد السيادة الوطنية والهوية الذاتية قيمة أساسية".
في مقابل "الغرب الذي يقوم بـ (نزع السيادة) عن الدول بذريعة القيم الخيالية للعالم المتحضر (أي الغربي) التي أُعلنت واقعيا كأساس للعولمة الجديدة التي فرضتها أميركا عبر الجمعية العامة للأمم المتحدة من خلال ما يسمى بـ(ميثاق المستقبل)، الذي يبدو كأنه نسخة معدلة ومخففة من (منتدى دافوس)".
يُذكر أن "ميثاق المستقبل" هو وثيقة أممية اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في إطار قمة عقدت في سبتمبر/ أيلول 2024، بهدف تعزيز التعاون العالمي في مواجهة تحديات المستقبل.
ويُعد الميثاق محاولة لإصلاح النظام الدولي وطرح مقترحات لتطوير أسس الحوكمة العالمية؛ حيث يتمحور الميثاق حول مجموعة واسعة من المجالات مثل التنمية المستدامة وإصلاح المؤسسات المالية الدولية ومكافحة تغير المناخ وحوكمة الذكاء الاصطناعي.
وفي هذا الإطار، أشار الموقع إلى كلمات بوتين الذي "شدد على ما قاله الرئيس الهندي ناريندرا مودي، بأن البريكس ليس تحالفا ضد الغرب، لكنه ببساطة تجمع غير غربي".
وعلق على حديث بوتين قائلا: "وهذه الصياغة، بالمناسبة، تعني أنه في مرحلة معينة، قد يشمل بريكس بعض الدول التي تنتمي حاليا إلى الغرب الموحد، إذا كانت قادرة عمليا على إظهار قبولها لقيم البريكس".
الأمن الاقتصادي
"ورغم أهمية مسألة السيادة الوطنية بصفتها القيمة الأساسية للبريكس"، كما قال الموقع، إلا أنه ذكر أن "منتدى بريكس في قازان كشف عن عدة مفاهيم جوهرية أخرى تجمع الدول، التي تجسد سياساتها الحس السليم والتوازن في الشؤون الدولية".
أول هذه المفاهيم، كما يراها، هو "الإدراك العام بأن الأزمة السياسية في أميركا لها طابع نظامي هيكلي، وستكون لها تأثيرات طويلة الأمد، ليس فقط على السياسة العالمية ولكن أيضا على الاقتصاد، ولذلك، أصبحت مسألة إنهاء هيمنة الدولار محورا رئيسا في القمة".
وأردف: "وهذا لم يعد مجرد مسألة سيادة، بل هو أيضا مسألة أمن اقتصادي بالنسبة لأكثر الاقتصادات نموا في العالم".
وفيما يخص النقطة الثانية، أشار الموقع إلى أن "اجتماع قازان شمل ممثلي دول تشكل الجزء الأكبر من القطاع الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي العالمي".
وهو ما يشير إلى أن "الدول التي تتركز قوتها الاقتصادية في القطاع الحقيقي للاقتصاد، تحاول حماية نفسها من محاولات فرض (الاستعمار 3.0) عليها، القائم على الرأسمالية المالية الطفيلية"، لافتا إلى أن "هذه الدول لا تمثل الجنوب العالمي فقط، بل تمثل الأغلبية الجيو-اقتصادية العالمية".
و"الاستعمار 3.0" هو مصطلح حديث يُستخدم للإشارة إلى مرحلة جديدة من أشكال الاستعمار، تختلف عن الاستعمار التقليدي (1.0) الذي ارتبط بالاحتلال العسكري والهيمنة السياسية المباشرة، والاستعمار الجديد (2.0) الذي تميز بالتحكم في الدول النامية من خلال الاقتصاد والعلاقات الدبلوماسية بعد الاستقلال السياسي.
وفيما يتعلق بالمفهوم الثالث الذي برز في اجتماع قازان، قال الموقع إن "الاجتماع يثبت (الانقسام المؤسساتي) بين الدول الغربية وغير الغربية".
وزعم أن "العالم غير الغربي يشهد صحوة واضحة في المأسسة؛ ففي بضع سنوات فقط، نما بريكس من منتدى يجمع 4 دول فقط إلى قوة عالمية حقيقية تطمح للانضمام لها عشرات الدول في العالم".
واستطرد: "كما شهدت منظمة شنغهاي للتعاون نشاطا ملحوظا، وأظهرت قمة رابطة الدول المستقلة في سانت بطرسبرغ أنه حتى هذه المنظمة يمكنها إيجاد مكان لها في العالم الجديد".
وذكر الموقع أن "الأهداف التي تجمع العالم غير الغربي تكمن في بناء نظام أكثر عدلا للعلاقات السياسية والاقتصادية العالمية، وهو ما يُمكن تسميته التعددية القطبية العملية".
ورأى أن "هذه هي (خطة بوتين) التي يخشاها الغرب كثيرا".
وأفاد الموقع بأن "الغرب يخشى من تسريع تشكيل الأغلبية الجيو-اقتصادية العالمية التي تتفق على فهم مشترك لاتجاهات التنمية الإستراتيجية، ومواجهة (تحالف الحرب) بـ (تحالف السلام والتنمية)، الذي يعتمد في اختلافاته على قيمتين أساسيتين: السيادة السياسية والمنطق السليم".