"قمع تاريخي".. لماذا تراجع دور الإسلاميين في انتخابات الرئاسة بإندونيسيا؟

6 months ago

12

طباعة

مشاركة

القراءات والتحليلات في نتائج الانتخابات الرئاسية بإندونيسيا متعددة ومازالت تتوالى، خاصة حول دور وتأثير “الإسلاميين” فيها. 

وفي 14 فبراير/شباط 2024، أجريت انتخابات رئاسية في إندونيسيا، لتحديد من سيخلف الرئيس جوكو ويدودو، الذي استوفى فترتين رئاسيتين، ولا يحق له الترشح دستوريا.

وفي 20 مارس/آذار 2024، أعلنت اللجنة الانتخابية فوز وزير الدفاع السابق، برابوو سوبيانتو، من الجولة الأولى. 

وحصل الجنرال السابق سوبيانتو والمرشح على بطاقته لمنصب نائب الرئيس، جبران راكابومينغ راكا (36 عاما)، الابن الأكبر للرئيس المنتهية ولايته، على أكثر من 96 مليون صوت، أي نحو 58.6 بالمئة من الأصوات.

خارج الهيكل

وفي هذا السياق،استعرض معهد دراسات جنوب شرق آسيا (ISEAS)، ما وصفه بـ"الدور المحدود للإسلاميين" في الانتخابات المنقضية.

وقال المعهد: "رغم أن الإسلاميين عموما لاعبون هامشيون في السياسة الإندونيسية، إلا أن لهم تأثيرا كبيرا على الظروف الاجتماعية والسياسية في البلاد، وذلك بسبب شرعيتهم الدينية ومهاراتهم في تعبئة الجماهير".

وتشير كلمة "الإسلاميين" في هذه الورقة إلى الناشطين الإسلاميين الذين يعملون خارج الهيكل السياسي الرسمي.

وبعبارة أخرى، تقصد أولئك الذين لا يشغلون مناصب كقادة للأحزاب السياسية أو مستشارين أو مشرعين أو فاعلين حكوميين.

وبدلا من ذلك، فإنهم يروجون لأفكارهم ومصالحهم من خلال الاحتجاجات في الشوارع والمناسبات الدينية.

وهناك عدد كبير من الإسلاميين -وفق المعهد- هم قادة وأعضاء في "الجبهة الدفاعية الإسلامية"، وحزب التحرير الإندونيسي، والحركة السلفية.

ووفقا للباحث جريج فيلي، فإنهم يطمحون إلى "جعل الشريعة والقيم الإسلامية جزءا أساسيا من الحياة العامة وهيكل الدولة".

وخلافا للمسلمين المعتدلين، وفق تعبير المعهد، يميل الإسلاميون إلى دعم تطبيق الشريعة الإسلامية ويرفضون تولي غير المسلمين مناصب قيادية إستراتيجية مثل الحكومة أو الرئاسة أو منصب نائب الرئيس.

ومع ذلك، فإن الإسلاميين الذين تقصدهم الورقة، لا يدعمون الأعمال الإرهابية، وبالتالي فهم يختلفون عن "المتطرفين".

ويرى المعهد أن ضعف فعالية الإسلاميين في الانتخابات الرئاسية لعام 2024 ترجع بشكل رئيس إلى ضعف نفوذهم الاجتماعي والسياسي.

وترتب هذا على قمع الدولة لهم خلال عهد الرئيس جوكو ويدودو، والتحولات في التحالفات السياسية بين القوميين والنخب الدينية.

قمع "ويدودو" 

وفي عام 2017، خرج الإسلاميون في إندونيسيا بتظاهرات ضد حاكم ولاية "جاكرتا" السابق، باسوكي تجاهاجا بورناما الملقب بـ"أهوك"؛ متهمين إياه بازدراء الإسلام.

وجاء ذلك على خلفية تصريح له، في سبتمبر/أيلول 2016، أمام عدد من الحاضرين خلال زيارته لجزيرة "ألف"، قال فيه: "إذا كنتم لن تصوتوا لي كونكم خدعتم بالاستدلال بسورة المائدة آية 51 في القرآن، ومثل هذه الأمور، فإنكم تُخدَعون".

وذلك في إشارة إلى قوله تعالى: "يا أَيها الّذين آمنُوا لا تَتخذوا اليهودَ والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومَن يَتوَلهم منكُم فإنه منهم إِن الله لا يهدي القوم الظالمين".

وأضاف: "إذا ما كنتم أيها السيدات والسادة لا تميلون لاختياري لأنكم تخافون النار، فإنكم تُخدَعون".

وتحت ضغط الاحتجاجات، أصدر القضاء الإندونيسي، في مايو/أيار 2017، حكما بالسجن لمدة عامين على "أهوك" بتهمة الإساءة للدين الإسلامي.

غير أن "معهد دراسات جنوب شرق آسيا" يرى أن تلك الاحتجاجات بينما استهدفت "أهوك"، كان الهدف النهائي للإسلاميين منها هو تقويض شعبية الرئيس ويدودو وسلطته، قبل الانتخابات الرئاسية لعام 2019.

ومع ذلك، ضعُف النفوذ السياسي للإسلاميين عندما بدأ "ويدودو" في تعزيز سلطته من خلال السيطرة على الأجهزة الأمنية، وبناء علاقات أقوى مع المجتمع المدني، وتوسيع تحالف الأحزاب للسيطرة على مقاعد البرلمان.

علاوة على ذلك، منح ويدودو مناصب أمنية إستراتيجية لشخصين على الأقل أقام معهم علاقات خلال فترة عمله كرئيس لمدينة "سوراكارتا" الشهيرة بـ"سولو"، بين عامي 2005 و2012.

الأول هو هادي تجاهجانتو، الرجل الذي عينه "ويدودو" قائدا للجيش في 8 ديسمبر/كانون الأول 2017، والذي كان قائدا للمطار العسكري في "سولو" بين عامي 2010 و2011.

والثاني هو ليستيو سيجيت برابوو، الذي عينه "ويدودو" وزيرا للداخلية  في 27 يناير/كانون الثاني 2021، والذي كان قائدا لشرطة "سولو" بين عامي 2010 و2012.

كما حصل "ويدودو" على دعم من المجتمع المدني، عبر بناء شراكات مع جمعية "نهضة العلماء"، على سبيل المثال، عبر اختيار معروف أمين، أحد كبار رجال الدين في نهضة العلماء، في منصب نائب الرئيس.

ونهضة العلماء هي أكبر منظمة إسلامية في إندونيسيا، وتتعارض أيديولوجيتها مع أيديولوجية الإسلاميين.

خطوة إستراتيجية

وأكد المعهد أن خطوة ويدودو بنسج علاقات قوية مع "نهضة العلماء" كانت خطوة إستراتيجية بوصفها خزانا للأصوات، وقد أثبتت هذه الخطوة نجاحها الكبير في الانتخابات الرئاسية لعام 2019.

وقد وفرت الشراكة مع "نهضة العلماء" ثقلا فعالا لصالح الحكومة، وموازنا لقوة الإسلاميين، بحسب المعهد.

ونجح "ويدودو" أيضا في توسيع ائتلاف الأحزاب لإحكام قبضته على البرلمان، ففي بداية فترته الرئاسية عام 2014، سيطر على 207 مقاعد من إجمالي 560 مقعدا في البرلمان.

وفي عام 2022، أضاف المزيد من الأحزاب إلى الائتلاف الموالي له، مما زاد عدد المقاعد الخاضعة لسيطرته إلى 471 مقعدا، أي ما يعادل 81.9 بالمئة من إجمالي المقاعد.

وأفاد المعهد بأن "ويدودو" عزز سلطته من خلال "نهج العصا والجزرة".

فمن ناحية، عرض مناصب حكومية، بما فيها الوزارية، على الأحزاب مقابل دعمها له، ومن ناحية أخرى، أكد عدم عرض أي من هذه المناصب على أحزاب المعارضة، بما في ذلك "حزب العدالة والرفاهية".

ومع نمو قاعدة سلطة ويدودو، اعتُقل العديد من قادة الحركات الإسلامية بتهم مختلفة، كما تعرضت بعض الحركات للحظر.

وحُُظِر "حزب التحرير الإندونيسي" عام 2018، وتلته "الجبهة الدفاعية الإسلامية" بعد ذلك بعامين.

وبحسب معهد دراسات جنوب شرق آسيا، فقد أدى تجريم هذه التنظيمات وحظرها إلى إضعاف الإسلاميين، وهو ما يفسر محدودية تأثيرهم خلال الحملة الرئاسية لعام 2024.

مع ذلك، يتوقع المعهد أن يكون لدى الإسلاميين مساحة أكبر للمناورة، في عهد الرئيس سوبيانتو، كما يستبعد أن يواجهوا في فترته ضغوطا اجتماعية وسياسية شديدة من الدولة؛ نظرا لتاريخ "سوبيانتو" في التعاون مع الإسلاميين.

ومن غير المرجح أن يلجأ "سوبيانتو" إلى القمع الاجتماعي والسياسي، بحسب المعهد.

وفسر ذلك بأن الرئيس الجديد "قومي علماني وغير معني بالنشاط الإسلامي، ومع ذلك فهو براغماتي، ولا يزال يتعاون مع الإسلاميين لتعزيز أجندته".

وختم المعهد بالقول: "رغم الانتكاسات التي تعرضوا لها في عهد الرئيس جوكو ويدودو، سيستمر الإسلاميون في ممارسة نفوذهم في المجالات الاجتماعية والسياسية في إندونيسيا".