مرجع قيم.. تعرف على مقترحات تركيا بشأن قضية الإبادة الجماعية في غزة
"البيان التركي يتميز بالتحليل الشامل والحجج القانونية المكتوبة بشكل جيد"
بعد ترقب وانتظار، قدمت تركيا إخطار تدخلها في قضية "تطبيق اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها في قطاع غزة ضد إسرائيل" إلى قلم المحكمة، لتصبح بذلك الدولة السابعة التي تتخذ هذا المسار بعد نيكاراغوا وكولومبيا وليبيا والمكسيك وفلسطين وإسبانيا.
وفي 7 أغسطس/ آب 2024، قدمت تركيا بيانها للانضمام إلى قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل لدى محكمة العدل الدولية نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2023.
وبدعم أميركي، يشن الاحتلال الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، عدوانا مدمرا على غزة خلّف أكثر من 131 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قاتلة.
أهمية التدخل
ونشرت وكالة "الأناضول" التركية مقالا للكاتب، سليمان أكسونجار، سلط فيه الضوء على أهمية مشاركة أنقرة في القضية الفلسطينية الجارية في محكمة العدل الدولية وأبرز ما جاء في نص التدخل.
وقال أكسونجار إن "نص التدخل التركي يتميز بأنه دليل إرشادي للدول الأخرى التي من المتوقع أن تتدخل، وذلك نظرا لمحتواه وتنوع الطرق المرجعية المستخدمة فيه”.
وأشار إلى أن “هذا النص قد جعل تركيا في موقع بارز بين الدول التي قدمت إخطارا بالتدخل بشأن الإبادة الجماعية في غزة حتى الآن”.
وأردف أكسونجار بأن "من خلال اتخاذ خطوة التدخل، تؤكد تركيا التزامها القانوني والأخلاقي تجاه الإبادة الجماعية في غزة، وتضع مثالا للدول الأخرى لتتبع نفس المسار عند التعامل مع الأزمات الإنسانية الخطيرة".
ويركز نص التدخل التركي على تفسير المواد 1 و2 و3 من اتفاقية الإبادة الجماعية، التي تحدد التزامات المنع والمعاقبة على الإبادة الجماعية، ويجادل النص بأن هذه المواد تتيح تحديد الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة وانتهاكات المواد الأخرى في الاتفاقية.
ومن خلال تناول هذه القضايا، لا تقوم تركيا بتعزيز حججها القانونية فحسب، بل تبرز أيضا ضرورة وملاءمة تدخلها في سياق الخطاب القانوني الدولي الحالي.
وتظهر خطوة التدخل التركية، التي تضيف "الدعم القانوني" إلى جهودها السياسية والدبلوماسية والإنسانية في قضية فلسطين، أن جهودها المتعددة الأوجه تتقدم بشكل متسق نحو إنهاء الإبادة الجماعية في غزة.
وذكر الكاتب أن "نص التدخل التركي يبرز كوثيقة أعدت بعناية، فهو يتضمّن الاجتهادات والتفسيرات الحديثة حول كيفية تفسير مواد اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948".
وتمنح المادة 63 من نظام محكمة العدل الدولية الدولَ الحق في التدخل عندما يتعلق الأمر بتطبيق اتفاقية تكون طرفا فيها.
وعدها من الموقّعين على اتفاقية الإبادة الجماعية، تستخدم تركيا هذا الحق لتقديم تفسيراتها ومخاوفها بشأن تطبيق الاتفاقية في سياق غزة.
وأشار الكاتب إلى أن "اتخاذ تركيا لخطوة التدخل يعد مهما لمواجهة الضغوط المحتملة على محكمة العدل الدولية من الدول الغربية الداعمة لإسرائيل".
نقاط بارزة
ورأى أن "تدخل تركيا يوفر دعما سياسيا قويا من دولة قوية للمحكمة في حكمها على الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل، ويمكّنها من مواجهة الضغوط المحتملة”.
ويعد البيان الذي قدمته تركيا "أول نصّ تدخل يعكس القرار الاستشاري الأخير لمحكمة العدل الدولية بشأن العواقب القانونية للسياسات والممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة".
وذكر أكسونجار أن "النص التركي يتميز بالتحليل الشامل والحجج القانونية المكتوبة بشكل جيد، ويبرز العديد من الجوانب المهمة".
أولا، يرتبط النص برأي المحكمة الاستشاري الأخير الصادر في 19 يوليو (الفقرة 28) وتطبيقات الفصل العنصري (الفقرة 29)، ومسؤولية إسرائيل كسلطة احتلال في غزة (الفقرتان 47 و59).
لذلك، يشير نص التدخل إلى أن الاجتهادات الأخيرة للمحكمة يجب أن تُتبع في تحديد الإبادة الجماعية في غزة.
بالإضافة إلى ذلك، يولي النص أهمية خاصة للتقييمات والتقارير الصادرة عن هيئات ومنظمات الأمم المتحدة (الفقرة 39)، مما يمنع تجاهل الجرائم التي ترتكبها إسرائيل في غزة والتي تم تحديدها من قبل منظمات مستقلة.
وتؤكد تركيا على أن اتفاقية الإبادة الجماعية تفرض التزامات "منع" و"معاقبة" على الإبادة الجماعية، وأن هذه التزامات مستقلة عن بعضها البعض (الفقرة 43)، وتظهر أن إسرائيل انتهكت مواد مختلفة من الاتفاقية بشكل منفصل.
وأشار أكسونجار إلى أنه "فيما يتعلق بإثبات نية الإبادة الجماعية والجريمة نفسها، يقدم نص التدخل التركي أدلة على هذه الجرائم".
ومن بين الجرائم التي تم تقديم أدلة عليها، الهجمات على النظام الصحي في غزة (الفقرة 74)، ومنع المساعدات الإنسانية (الفقرات 78، 82، و86)، واستهداف الصحفيين الذين يكشفون عن أدلة الإبادة الجماعية (الفقرة 53).
بالإضافة إلى ذلك، تشمل الجرائم الأخرى التي يجب أخذها في الحسبان والتي تم تقديمها في قضايا سابقة، عمليات الحصار المتكررة والتهجير القسري للمدنيين (الفقرة 59)، وعدم امتثال إسرائيل للتدابير المؤقتة التي أمرت بها المحكمة (الفقرة 73)، وتطبيقات الجوع والمجاعة (الفقرة 77)، وخطابات الكراهية ذات المرجعية الدينية (الفقرة 93).
ومن خلال الدعوة إلى التخلي عن نهج "الاستنتاج الوحيد الممكن" الذي يجعل إثبات الإبادة الجماعية شبه مستحيلة (الفقرة 111)، تتيح تركيا من خلال تدخلها تجاوز العتبة العالية لتحديد نية الإبادة الجماعية في حالة غزة بسهولة.
التدخل المزدوج
بالإضافة إلى المادة 63 تحتفظ تركيا بحقها في التدخل بموجب المادة 62، مما يشير إلى أنها قد تختار مسار التدخل المزدوج (الفقرة 137).
وأشار الكاتب إلى أن “هذا الأمر لافت للنظر” من ناحيتين، أولا، يظهر اهتمام تركيا الواضح بالتدخل بموجب المادة 62، وثانيا، يظهر أن تركيا لا تعد التدخل بموجب المادة 63 كافيا.
بالإضافة إلى ذلك، تعكس إستراتيجية التدخل المزدوجة هذه اهتمام تركيا العميق بالقضية وتصميمها على أن تكون نشطة في تحديد الإبادة الجماعية في غزة.
وبينما تستمر الحاجة إلى تفسير موسع لاتفاقية الإبادة الجماعية، يذكر نص تركيا بوضوح أن التزام التحرك لمعاقبة المسؤولين الإسرائيليين المتورطين في جريمة الإبادة الجماعية "لا يزال قائما".
بالإضافة إلى ذلك، تجادل تركيا بأن مسؤولية الدولة عن الإبادة الجماعية يمكن الحكم بها، وذلك لأن إسرائيل بالإضافة إلى ارتكابها الإبادة الجماعية بأجهزتها الحكومية، لم تمنع المتورطين في هذه الجريمة والذين يخضعون لسلطتها (الفقرات 56 و57).
وقال أكسونجار إن "نص التدخل التركي يعد مرجعا قيما لتطوير الاجتهادات القانونية الدولية بشأن منع ومعاقبة الإبادة الجماعية، ليس فقط للإبادة الجماعية في غزة، ولكن أيضا للقضايا المستقبلية، مما يساهم في تطوير القانون الدولي وتعزيز الإطار القانوني".
وتابع: "يشكل تدخل تركيا في قضية الإبادة الجماعية بغزة أمام محكمة العدل الدولية خطوة مهمة في مجال القانون الدولي والدفاع عن المساعدات الإنسانية، حيث يُبرز الإطارُ القانوني الذي أعدته أنقرة بعناية وحججٌ قوية وشاملة أهمية الوفاء بالالتزامات المنصوص عليها في اتفاقية الإبادة الجماعية ومعالجتها بدقة".
وأكد أكسونجار أن "هذا التدخل لديه القدرة على تشكيل معيار جديد للمشاركة في القضايا أمام محكمة العدل الدولية والتأثير بشكل كبير على السوابق القانونية الدولية المستقبلية".
وأوضح أن “المحكمة يتوقع أن تمنح جنوب إفريقيا وإسرائيل فترة تقارب لمدة شهرين لتقديم ملاحظاتهما بشأن تدخل أنقرة قبل أن تصدر قرارها بشأن التدخل التركي”.